مساع لتحويله إلى قطب سياحي

قصر بغاي .. قيمة أثرية لم تكشف أسرارها

يعتبر قصر بغاي الأثري الواقع على بعد 16كلم عن عاصمة الولاية خنشلة، موقعا  تتجسد فيه مختلف الحقب التاريخية، ما جعل المطالب تتعالى بالقيام بحفريات بهذا الموقع لكشف خباياه الأثرية و التراثية بهذه المنطقة ، كانت تمثل عاصمة لملكة الأمازيغ الكاهنة التي صنعت لها اسما بارزا في تاريخ الجزائر ، ولتكثيف جهود البحث لكشف الحقائق وجعلها في متناول الأجيال.

فالزائر للموقع لا يجد أي مخلفات بارزة و هو الأمر الذي زاد من صعوبة الحديث عنه من الجانب الأثري، فالموقع محاط بسور شبه منحرف و ثلاثة أسوار منيعة، غني بالعديد من الشقف المتناثرة و بعض الفخريات تعود للفترة القديمة منه السيجلي الإفريقي و فخار ملون و مزخرف بلون الأخضر ، الأبيض و الأسود يعود للفترة الإسلامية، وتنوع في استعمال مواد البناء المستخدمة في العناصر المعمارية بالرغم من أن جل المعالم الأثرية ليست ظاهرة و غلب عليها المواد المستخدمة محليا و التي تتمثل في كل من الأجر الذي استخدم في بناء الحمامات و الجدار والحجارة الدبشية استخدمت في المنشآت المعمارية، اكتشف به مجموعة من المخلفات الأثرية و في المناطق المجاورة له بسبب عوامل التعريفة المختلفة ممثلة في بعض المسكوكات التي تعود لفترات زمنية مختلفة وكذا مجموعة من الشقف الفخارية التي تحوي بعضها على زخارف بألوان مختلفة تعود لفترات إسلامية، كما تم العثور على قطع حجرية مزخرفة بزخارف مسيحية.
و أوضح لنا  مسؤول فرع خنشلة للديوان الوطني لتسيير و استغلال الممتلكات الثقافية المحمية محمد أمين بوقرة، أن  هذا الموقع عرف بعدة تسميات منها قصر بغاي حسب المصادر التاريخية الأجنبية، و باسم باغاية لدى المؤرخين العرب ثم  هنشير الكاهنة أو قصر الكاهنة حسب السكان المحليين، و يعتقد أن الاسم فينيقي الأصل كما تؤكده نقيشة كتابية عثر عليها . حيث أنه حسب الدراسات التاريخية و الشواهد الأثرية المنتشرة فمدينة بغاي عرفت التواجد الحضاري و الإنساني و هذا ما تدل عليه المواقع و اللقى الأثرية التي تؤرخ لفترة ما قبل التاريخ و فجر التاريخ  و المتمثلة في المقابر الميقالتية كالدولمن و البازينا و الشوشا المتواجدة بموقع كدية القمح،  لتصبح مدينة بغاي مدينة رومانية، حيث سجلت بعض النقائش، وجود مجلس بلدي و فيلق أصله من بغاي الذي دخل الخدمة في 173م، حيث يشار إلى أن بغاي بلد الفيالق، كما تم التأكيد على وجود جنود من الدرجة الثانية سنة 162م، كما كانت مدينة بغاي مقرا أسقفيا سنة 256 ممثلة لدى مجلس الأساقفة بقرطاج، واعتبر أحد أهم مراكز البحث الدوناتي خلال مرحلة الإمبراطورية السفلى بالإقليم الأوراسي، شيد الرومان هذا المركز العمراني على ربوة طبيعية ليشرف على المناطق المجاورة لها و موقعا استراتيجيا لأنه يعد من جملة المحطات الهامة لمحور الطريق الرئيسي الرابط مابين لامبايسيس بتازولت و تيفست بتبسة كما يعد بمثابة محطة أولية مقابلة للمنفذ الطبيعي و المتمثل في وادي الأبيض للعبور نحو منطقة التخوم الجنوبية و الصحراوية.
 أما بالنسبة للفترة الوندالية فلا توجد شواهد مادية تؤرخ للمنطقة حتى وإن وصل الوندال إليها فإن سيطرتهم لم تدم طويلا،حيث تشير النصوص التاريخية إلى أن مدينة بغاي استقلت عن سلطة الوندال في عهد الملك نوريك 477م في حين أن البيزنطيين وجدوها خالية فاعاد تعميرها و تحصينها القائد سولومون لتصبح أكبر المواقع المحصنة بالإقليم، حيث أدرجها مؤرخ الحملة البيزنطية بروكوبيوس في كتابه ضمن المدن الدفاعية الخمس التي تم تحصيينها لتطويق جبل الأوراس و هذا ما تؤكده نقيشة تم نشرها سنة 1967م. وكانت أول محاولة لفتح مدينة بغاي من طرف المسلمين في عهد عقبة بن نافع الفهري.
من هنا مرت ملكة مهابة الجانب
داهية ابنة ماتيا بن تيفان تنتمي إلى قبيلة جروة و هي فرع من زناتة البربري مستقره جبال الأوراس حاليا، ولدت عام 660م، حيث قال البكري في كتابه المسالك و الممالك «... وفي هذا الجبل الأوراس كان مستقر الكاهنة» و قال عنها ابن العذاري المراكشي في كتابه بيان المغرب « جميع من بإفريقيا من الرومان منها خائفون و جميع الأمازيغ لها مطيعون» وقال عنها ابن خلدون «ديهيا فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها زمان كانت تركب حصانا و تسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح لتدافع عن أراضي أجدادها و الكاهنة هو أكثر الأسماء شهرة على رأي الباحثين في هذه الأسماء إما تحريفا لاسم واحد و هو دحية باعتبار وجود قبيلة بربرية حسب ابن خلدون داهية لا يعدو أن يكون صفة مرتبطة بالدهاء نظرا لخططها الحربية التي اعتمدتها و التي استطاعت من خلالها أن تكتسب الجولة الأولى في الحرب، حيث انتصرت على حسان بن النعمان و أجبرته على مغادرة البلاد وجاء عهد الكاهنة التي بسطت نفوذها على المنطقة و أقامت الحصون لحماية ملكها إلى أن اصطدمت بجيش القائد الفاتح حسان بن النعمان بعد فتحه قرطاج قاصدا الأوراس، أين خرجت الكاهنة بجيش قوامه 40 ألف شخص و استطاعت أن تصد جيش بن النعمان سنة 680 م و في سنة 701 أعاد نفس الفاتح العربي الكرة و هزم الكاهنة في معركة قرب مدينة قايس على بعد 28 كلم من خنشلة و لا حقها بعد أن فرت إلى منطقة بئر العاتر 86 كلم عن عاصمة ولاية تبسة، حيث لقيت حتفها و يعتقد أنها دفنت هناك فيما يذكر بعض المؤرخين،و يطلقون على بئر العاتر بئر الكاهنة، كما تشير بعض المراجع إلى أن رأس الكاهنة حمله الفاتحون العرب إلى الخليفة الأموي عبد المالك بن مروان بدمشق ببلاد الشام آنذاك.
جهود لجلب السياح و تحويله إلى قطب سياحي كبير
 أكد مدير السياحة بوقفة محمد لزهر في تصريح للنصر، أن المجهودات قائمة على مستوى قطاع السياحة بولاية خنشلة لبعث السياحة الداخلية تماشيا مع شعار المنظمة العالمية للسياحة «مفهوم جديد للسياحة ، خاصة أن الولاية ذات قدرات سياحية هائلة تتطلب التنسيق مع كل الجهات الفاعلة لبعث سياحة قوية، و من أبرز المواقع الأثرية قصر بغاي الذي بات من الضروري نفض الغبار عنه كونه يعرف حقيقة تاريخية قديمة ،يكون من خلاله بعث جديد للسياحة الداخلية في ولاية خنشلة ، ليخرج إلى العيان و لا يبقى تحت الأنقاض لمعرفة خبايا القصر وبالتالي جذب عدد أكبر من السياح ،  وهو الأمر الذي يجعلها تلعب  دورا من الناحية الاقتصادية خاصة أن بلدية بغاي فقيرة و لا تملك مداخيل كبيرة ،كما نجتهد بالتنسيق مع جامعة عباس لغرور بخنشلة لفتح قسم الآثار يكون دراسة النظري على مستوى الجامعة أما التطبيقي فيتم على مستوى قصر الكاهنة».
وأكد مدير متحف الإخوة بولعزيز ، شعيبي عبد الحق ، للنصر  أهمية إجراء حفرية في موقع بغاي، بوجود بعض اللغط التاريخي و عدم وجود المعطيات الأثرية .
 فالمتوفر من معلومات يفتقر إلى الدقة ، مبرزا ضرورة إنجاز بحث تاريخي يوفر المعلومات العلمية التي تتماشى مع التاريخ للوصول إلى نتيجة بالتعاون مع كل الأطراف المختصة، بهدف تنشيط الجانب السياحي في الولاية التي تزخر بمكونات أثرية و سياحية كبيرة و المواقع الأثرية ، و خاصة أن متطلبات العالم الحديث تعتمد على السياحة في المدخول و خلق ثروة بديلة.
من جهته الدكتور طاهري عبد الحليم، أستاذ الإعلام بجامعة خنشلة، أوضح أن ولاية خنشلة  تعتبر من أبرز المدن الجزائرية التي تضم مجموعة كبيرة من المواقع الأثرية في شمالها ووسطها و جنوبها.
 و يمكن تقسيم المواقع الأثرية بالولاية إلى نمطين، نمط متأثر بالعمارة الرومانية و البيزنطية، و نجده في المناطق الشمالية للولاية و كذا بعض المناطق الجنوبية، ونمط أمازيغي أصيل متأثر بالبيئة المحلية و نجده في المناطق الوسطى و الجنوبية للولاية .
و من أبرز المواقع ككل موقع قصر باغاي أو قصر الكاهنة أو كما يعرف بموقع باغاي الذي يعتبر عاصمة الشخصية المعروفة بالكاهنة الأمازيغية ، حيث طالب من الجهات الوصية الشروع في الحفريات في هذا الموقع لكشف أسراره.

كلتوم رابية

تاريخ الخبر: 2023-06-22 00:25:55
المصدر: جريدة النصر - الجزائر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 49%
الأهمية: 63%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية