الاتجار بالبشر: عمال هنود عانوا من التعذيب والتجويع وعوملوا كعبيد

  • برافين ثاكيراي في عثمان أباد وزويا متين في دلهي
  • بي بي سي نيوز
التعليق على الصورة،

تكشفت في ولاية ماهاراشترا حالات مروعة من تعذيب العمال وتشغيلهم بالسخرة في وقت سابق من هذا الشهر

في إحدى الليالي الحارة من يونيو/حزيران، شعر بهاجوان غوكس برجفة مفاجئة في جسده أيقظته من النوم، وفي تلك اللحظة قرر أن يجازف بالهرب من محبسه سعيا لإنقاذ حياته.

كان قد مضى على غوكس نحو شهر وهو مسلوب الحرية، ومحبوس داخل كوخ فقير رث في ولاية ماهاراشترا الواقعة غربي الهند، برفقة ستة عمال مياومين آخرين.

كان العمال قد استؤجروا من قبل بعض المقاولين في منطقة عثمان أباد في ولاية ماهاراشترا للعمل بأجر يومي في حفر الآبار، لكنهم أجبروا فيما بعد على العمل بالسخرة، في مخالفة لقانون العمل في الهند.

ويصف غوكس الظروف اللاإنسانية التي عاش فيها هؤلاء العمال، من الضرب والتخدير والإجبار على العمل لساعات طويلة في أعمال يدويّة مرهقة مقابل الحصول على القليل فقط من الطعام والماء.

الوجه الآخر لصناعة الشوكولاته

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • القرصنة الإلكترونية: تعرف على الثغرة التكنولوجية التي تمكن المخترقين من التحكم بكاميرات المراقبة
  • من داخل "دولة المخدرات" السورية
  • انتخابات تورونتو: كيف يتنافس مئة شخص وكلب على منصب العمدة؟
  • قصة مهاجر "غرق قاربه مرتين في رحلة واحدة"

قصص مقترحة نهاية

بدء سريان الحظر الأمريكي على الاستيراد من إقليم شينجيانغ الصيني المسلم

ويقول غوكس إن العمال كانوا يُقيدون خلال الليل بسلاسل مربوطة بجرارات، لكي لا يتمكنوا من الفرار. وحين يستعصي عليهم النوم جراء القلق والألم والجوع والإرهاق كان الرجال يضربونهم بالعصي، ثم يخدرونهم بالقوة بواسطة الكحول.

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.

الحلقات

البودكاست نهاية

ويضيف "كنت أعلم أن لا مفر من الموت هنا. لكنني أردت أن أحاول الهرب، ولو لمرة مرة واحدة على الأقل".

وغالبا ما كان غوكس والعمال الأسرى الآخرون في غاية الإنهاك جراء العمل المضني والضرب، والحرمان من الطعام، إلى درجة يصبحون معها لا يملكون أي طاقة تتيح لهم التخطيط للفرار.

ولكن في ليلة 15 أو 16 يونيو/ حزيران، إذ إن غوكس لا يستطيع تحديد التاريخ بدقة بعد أن فقد القدرة على التمييز بين الأيام التي تداخلت ببعضها منذ فترة طويلة بالنسبة له، قرر أن يخوض المغامرة. قبع ساكنا في الظلام، ثم مد يده إلى قفل السلسلة الصغير الذي يقيد قدميه، وأدخل إصبعا في ثقب القفل، وظل لساعات يعالجه إلى أن تمكن أخيرا من فكه، وتحرر من قيده.

تاريخ "دموي" لمنتجع صحي يعالج مرضاه بالمياه المشعة

"معاناة" و"راحة" تلقاها العاملات في منازل الأسر الغنية في قطر

وبينما كان يتسلل خارجا من المجمع، رأى حقلا شاسعا مزروعا بقصب السكر، وقرر أن يركض باتجاهه ليختبئ في داخله. ويقول "لم تكن لدي أي فكرة عن موقع تواجدي، كل ما كنت أعرفه هو أن علي أن أعود إلى منزلي. تبعت خط سكة الحديد التي كانت بجوار الحقل، وواصلت الركض".

تمكن غوكس من الوصول إلى قريته، وأبلغ الشرطة بالتعذيب الذي يتعرض له العمال في المجمع، وتمكن المسؤولون من إنقاذ 11 عاملا آخرين من موقعين مختلفين لحفر الآبار يديرهما المقاولون أنفسهم.

وقال المسؤول في شرطة المنطقة جاغديش راوت، وهو المكلف بهذه القضية، لبي بي سي: "في البداية لم نصدق العامل، لكن عندما وصلنا إلى الموقع، أصبنا بصدمة عندما رأينا أوضاع الرجال هناك".

مشروع قانون العمل الجديد في مصر: سنوات من التعثر والعرقلة

التعليق على الصورة،

البئر التي أمضى غوكس أياما طويلة في العمل على حفرها في شروط غير إنسانية ومن دون طعام ولا ماء تقريبا

وتقول الشرطة إن العمال كانوا يجبرون على العمل في حفر الآبار من 12 إلى 14 ساعة يوميا، ثم يُقيدون بعد ذلك بالسلاسل، ويتعرضون لتعذيب جسدي ونفسي بشكل متكرر.

وقال راوت: "لم تكن لديهم مراحيض، وكان عليهم قضاء حاجتهم داخل الآبار، التي كانوا يحفرونها ثم تنظيفها من الفضلات بعد الانتهاء من العمل"، وكان معظم العمال يعانون من بثور وجروح عميقة في أقدامهم، وإصابات في عيونهم، وبعضهم أرسل للعلاج في المستشفيات.

ووجهت بموجب قانون العقوبات الهندي تهم الاتجار بالبشر والاختطاف وإساءة المعاملة والحبس غير المشروع إلى سبعة أشخاص، بينهم امرأتان وقاصر، وتصدرت القضية عناوين الصحف في الهند طوال أسبوع. واحتجز أربعة من المتهمين لدى الشرطة، وحُول القاصر إلى مركز لرعاية الأحداث، في حين هرب متهمان.

وتقول الشرطة إن الضحايا جميعهم من العمال المياومين الفقراء الذين جاؤوا إلى مدينة أحمدناغار القريبة من عثمان أباد بحثا عن عمل. وهناك، تواصل معهم وكيل، ثم باعهم لبعض المقاولين من عثمان أباد مقابل مبلغ يتراوح ما بين 2000 إلى 5000 روبية (من 24 إلى 60 دولارا) للعامل الواحد.

ووعد الوكيلُ العمالَ بأنهم سيحصلون على 500 روبية مع ثلاث وجبات في اليوم مقابل العمل في حفر الآبار. وعندما وافقوا، طلب منهم التجمع في مكان محدد حيث كدسهم في عربة توك توك، ثم خدرهم بواسطة الكحول، قبل أن يمضي بهم إلى أماكن مختلفة.

وصادر المقاولون هواتف العمال فور وصولهم إلى مجمعات حفر الآبار، وسلبوهم وثائقهم الرسمية.

وقال راوت: "إن المتهمين كانوا يطلقون سراح العمال بعد الاحتفاظ بهم في تلك الظروف المروعة لمدد تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر، من دون أن يدفعوا لهم فلسا واحدا"، مضيفا أن الشرطة تحقق في ما إذا كانت هناك مواقع أخرى في المنطقة، لا تزال مستمرة في العمل وفق هذا الأسلوب.

وأكدت عائلات ثلاثة من العمال لبي بي سي أنها قدمت شكاوى بخصوص أفرادها المفقودين، لكن الشرطة رفضت فتح تحقيق، حسب قولها.

ولم تتلق بي بي سي ردا من المسؤولين في الشرطة عند طلبها التعليق على هذه المزاعم، لكن مسؤولا اشترط عدم الكشف عن هويته قال لبي بي سي إن الشرطة تقاعست وفشلت في التصرف بالوقت المناسب في القضية.

ويقول العمال بعد مرور أسبوعين تقريبا على إنقاذهم، إنهم لم يتمكنوا بعد من التعامل مع الصدمة التي تعرضوا لها.

ورغم أن كثيرين منهم يحاولون إعادة بناء حياتهم، إلا أنهم يقولون إنهم يجدون أنفسهم باستمرار ينزلقون مجددا إلى اليأس، عندما يفكرون في التعذيب الذي تعرضوا له خلال أسرهم.

ويقول بهارات راثور، أحد العمال الذين أنقِذوا من مجمعات حفر الآبار، وهو يكشف عن جروحه، ويشير إلى عينه المنتفخة والبثور المنتشرة على قدميه: "عوملنا مثل العبيد".

ويضيف "كان المقاولون يضربوننا إلى أن تصبح الكدمات على أجسادنا سوداء وزرقاء كل يوم تقريبا، ويطعموننا خبز الشباتي القديم اليابس مع الملح وفتات من الباذنجان. أحيانا كان مزارعون يأتون من الحقول المجاورة، ويرون حالتنا المثيرة للشفقة، ولكن أيا منهم لم يحاول مساعدتنا."

ويقول راثور، إنه ذهب إلى مدينة أحمد نغار بعد وفاة والده، لأن عليه أن يساعد والدته المريضة، مضيفا "لكن الله وحده يعلم كيف نجوت مما واجهته هناك."

التعليق على الصورة،

أنقذت الشرطة 12 عاملا مياومًا في عثمان أباد مؤخرا خلال شهر يونيو/حزيران

ولا تختلف قصة راثور كثيرا عن قصة ماروتي جاتالكار، وهو مزارع اضطر أيضا إلى مغادرة منزله في منطقة نانديد بسبب حاجته المادية. وكان من المفترض أن تتزوج ابنته الكبرى في شهر مايو/ أيار. ونظرا إلى عدم توفر عمل في قريته خلال الصيف، ذهب جاتالكار إلى أحمد نغار بحثا عن عمل، وهناك تواصل معه الوكيل.

كانت خطته، أنه إذا عمل لنحو 15 أو 20 يوما في حفر الآبار، سيصبح لديه ما يكفي من المال من أجل ترتيبات حفل الزفاف.

لكن الواقع كان مختلفا، وبعد أن تم إنقاذه، عرف أن ابنته تزوجت في غيابه. وقال: "بكيت كثيراً في ذلك اليوم".

ويقول جاتالكار إنه لا يزال يشعر بالخوف حين يفكر في ما يقارب شهرين أمضاهما في مجمع البئر.

ويضيف "كانوا يرسلوننا إلى داخل البئر في الصباح الباكر، ولا يسمحون لنا بالخروج إلا في وقت متأخر من الليل. كنا نتبول ونتغوط هناك. وإذا طالبنا بطعام، كانوا يضربوننا ويقولون إن نصيبنا وجبة واحدة فقط."

ورغم أنهم ما زالوا يعانون آلام وتبعات التجربة، يقول العمال إنهم متفائلون بإمكانية الشروع ببداية جديدة لحياتهم. وقد ضغطت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان على حكومة الولاية في الأسبوع الماضي، وطلبت من السلطات توفير المساعدة للعمال بموجب قوانين العمل في البلاد.

ويقول راثور "في انتظار ذلك، سنجد عملا في قرانا ونكسب ما نستطيع (من المال)، وربما ستتحسن الحياة قريبا".