هل سينمو الناتج العالمي  بشكل تاريخي  غير مسبوق؟ 


التقارير الاقتصادية المنشورة بعد تجاوز العالم لتفشي وباء الفيروس التاجي ( كورونا ) تتحدث عن وصول عدد سكان الكرة الأرضية إلى ثمانية مليارات نسمة تزدحم بهم المدن والقرى والبلدان وتعج بهم السكك والطرق والمنازل والمدراس والحدائق والأسواق والمطارات ودور العبادة وأماكن الترفيه. وفي المقابل فإن إجمالي الدخل العالمي يتطلع لتجاوز المائة تريليون دولار قريباً ، بمتوسط دخل سنوي للفرد يزيد على 12 ألف دولار ( حوالي ألف دولار شهريا أو مايعادل 33 دولار يومياً تقريبا).

يشكل الناتج الأمريكي الربع تقريبا من الناتج الإجمالي العالمي وهو الأقوى بين اقتصاديات العالم ويتجاوز فيه متوسط دخل الفرد الأمريكي السنوي 70 ألف دولار مقارنة بحوالي 40 الف دولار سنوياً للفرد في الإتحاد الأوروبي واليابان و368 دولاراً في افغانستان و 243 ألف دولار في موناكو .

مادة اعلانية

على الرغم من أن طريقة حساب نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي غالبا ما تم انتقادها باعتبارها لا تعكس صورة دقيقة وشاملة للرفاه الاقتصادي، إلا أنها لا تزال المؤشر الأساس للاداء الاقتصادي للدول والأفراد. لذا يلجأ الاقتصاديون لتعزيز مرجعيتها باستخدام مؤشرات مقارنية كمؤشر سعر " البيج ماك " أو مؤشر تعادل القوة الشرائية للتخلص من أثر إختلاف الأسعار بين الدول عند حساب دخل الفرد . فأسعار الإيجارات في غانا - مثلاً - ليست كأسعار الإيجارات في هونج كونج ، وبالتالي فإن مايصرفه الغاني من دخله السنوي على الإيجار قيمةً لا نسبةً أقل بكثير جداً مما يصرفه ساكن هونج كونج ، كما أن قيمة شطيرة " البيج ماك " في نواكشوط أو كراكاس ليست كقيمتها في موسكو أو طوكيو .

لو عدنا للخلف ستين سنة تقريبا نجد أنه في عام 1960 م كان الناتج الإجمالي للعالم بأسره لايتجاوز تريليون ونصف دولار سنويا مقارنة بحوالي مائة تريليون دولار اليوم تقريباً ، وبالطبع مع إهمالنا حسابياً لأثر التضخم. سبعون بالمائة من هذا النمو العالمي جاء مع بداية الألفية الجديدة نتيجة لثورة المعلومات واقتصاد المعرفة والتقنيات الحديثة في نمو نيزكي يأخذ شكل دالة أُسية ذات منحنى تصاعدي حاد. ( لتوضيح مقارنة لحجم القفزة الاقتصادية العالمية ، فإن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية لوحدها اليوم يتجاوز التريليون دولار )

يقول البعض إن دخل الفرد اللازم للوصول للحياة الكريمة - على سبيل الافتراض - يعادل متوسط دخل الفرد في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والإتحاد الأوروبي والذي يزيد بقليل على 50 ألف دولار سنوياً . وهذا افتراض يفهم منه أن هناك فجوة دخل مالية بين متوسط دخل الفرد الحالي وبين دخل الفرد لضمان الحياة الكريمة المفترضة والتي يحلم بها سكان الكوكب تقدر ب 40 ألف دولار تقريبا. ما يعني أن العالم يحتاج إلى قفزة اقتصادية تاريخية هائلة في ناتجه الكلي لتأمين الحياة الكريمة الحُلم للفئة الأدنى والأغلب من سكان الكوكب الأزرق. ولو أضفنا لهذة الزيادة المهولة المُتَخيلة النمو الطبيعي في إجمالي دخل الدول المتقدمة التي يتجاوز دخل الفرد فيها حالياً 50 ألف دولار فإننا قد نصل لرقم يتجاوز 500 تريليون دولار سنويا. من المفارقة المضحكة المبكية أن نختزل طرق الوصول للحياة الكريمة للبشر في أرقام مالية فلكية ، وهي مفارقة نضطر للقبول بها على مضض لخلق أرضية تفاهم مشتركة نجاري فيها أسس وقواعد ما اتفقنا على تسميته بعلم الاقتصاد.

إذاً لنسأل أنفسنا سؤالاً جدلياً استفهامياً استنكارياً في ذات الوقت : هل نحن أمام فرص اقتصادية هائلة لتغطية الفجوة بين متطلبات الحياة الكريمة وبين الوضع الحالي لسكان الأرض سيكون محركها اقتصاد المعلومات والمعرفة وتقنيات الحاسب الآلي وتطبيقاته بشكل رئيس ما قد يصل بالحياة الإنسانية لحدود من الصعب تخليها!؟.

إن كل فرد سواء كان في غابات الامازون أو في أصقاع سيبريا أو في سواحل أفريقيا وغاباتها ، أو في مدينة متحضرة من مدن كندا أو الصين يبقى مستهلكا مُسّتَهدفا أو مُنْتِجاً محتملاً في نظر الشركات وأصحاب رؤوس الأموال والدول من خلال استغلالها لاقتصاد المعرفة وممكناته التقنية سواء قصرت أو طالت مدة الوصول لهذا الفرد . وحتى نتخيل ذلك ، فلننظر اليوم إلى جهاز الآي فون- مثلا - الذي تتلاعب بتطبيقات برامجه أصابع ساكني أعماق الصحراء الكبرى وقاطني سفوح جبال الهملايا ولاتكاد تنصرف عيون سكان جزيرة جاوة عن شاشته وهو ما كان في نظرنا ضرباً من المحال قبل عدة عقود .

فرص اقتصادية ربما ستضاعف الدخل العالمي عدة مرات - لا أقول مائة مرة كما حدث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى اليوم - ما قد يصل بالدخل العالمي إلى معدلات تتجاوز حدود مخيلاتنا . نعم هي فرصة من الممكن أن يشارك فيها البشر جميعا ، إذا تغلب العقل والحكمة في كوكبنا الرؤوم على الطمع والجشع ، وهذا هو التحدي الأكبر للنفس البشرية التي تتحكم فيها هذه الجوزة الخطَّاءة ( العقل ) وتستمر بدفع ثمن اخطائها الباهضة دماً غالياً منذ حادثة قربان ابْنَيْ آدم وحتى مقتل 50 مليون نفس بشرية في الحرب العالمية الثانية.

وبالرغم من تعقيد وصعوبة هذه العقبة الكؤود - أطماع النفس البشرية - إلا أن الاقتصاد العالمي ودخل الفرد سينمو ويتوسع ويرتفع بشكل مدهش كما سبق ونما وتطور واتسع في مرات وحالات سابقة في ظل كل ما مرت به البشرية من أحداث مؤلمة ووقائع كارثية ، والتي تحملتها الإنسانية جراء الصراعات والتناحر والتدافع الكوني الذي كان ومازال جزءاً من قدرنا نحن البشر.

تاريخ الخبر: 2023-06-30 00:19:00
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 88%
الأهمية: 100%

آخر الأخبار حول العالم

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:50
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية