الوجه المضيء للبشاعة


 

الوجه المضيء للبشاعة

ناهد محمد الحسن 

أوقات الأزمات الشديدة التي تهدد بإنهيار الإنسان و الأشياء، و حين يبدو القاع قريبا جدا، تلوح فرصة كبيرة جدا للتغيير، لأن الازمة من شأنها زعزعة الاستقرار خصوصا ذلك الاستقرار الشبيه بالاستكانة و الاستسلام، الأشياء التي كان الشخص يغض عنها الطرف، أو ينكر خطورتها لكي لا يضطر للمواجهة او هي مواجهة مؤجلة كان يأمل الا يأتي زمانها. السودان يختبر نهاية الحكايات الكبرى، السوداني يواجه ذاته و يحدق في مرآة روحه، من هنا اما نواصل الاستسلام و نبلغ القاع و نظل فيه، أو نقبل هذه الكارثة و نتعلم منها. فالحرب تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، تجاه أنفسهم اولا، ماضيهم و حاضرهم، و تجاه الاخرين، و الوطن فماذا نحن فاعلون؟.

عقب الثورات الكبيرة ، و الحروب، يدخل الناس في فترة توهان قيمي، قد يلجأون للغيب و الخرافة لتطمين مخاوفهم وقد يبدأون في الشك في كل شيء، و ربما يغرقون في الحنين إلى الماضي هربا من الحاضر. و لكن نحن موجودون الان و نحدق في المستقبل بقوة، تعلمنا كثيرا من هذا الخراب و من لحظات انكسارنا و انتصاراتنا، و ان كنا فقراء و نبدو ضعفاء الا اننا مسلحون بخبرة قل إن تتوفر لشعب بهذه الكثافة، عرفنا شيئا عن أهمية التنوع الثقافي و ثراءه، عن الدين، و سهولة التلاعب به من أجل السلطة، عن الرجال السودانيين و النساء السودانيات، ليس فقط الذين انجبونا، و لا أنفسنا فحسب و لكن ايضا أولادنا و بناتنا، الذين كنا نظن انهم ينتمون لثقافة أخرى و بعيدون عنا يحلقون في عوالم بعيدة، رأيناهم، شجاعتهم، اعتناقهم للحرية، و عنادهم الذي لطالما أغضبنا، كيف صار عاصفة و وعي في وجه تجار الدين و لوردات الحروب، و الانتهازيين، و المرتشين، و العسكر، العسكر الذين يحلم كل واحد منهم بحكمنا و التسلط على رقابنا، الذين لم يطلقوا رصاصة واحدة في وجه العدو أو من أجل الوطن ، كانت رصاصاتهم دائما في صدورنا نحن، و الحدود مستباحة للطائرات في الوقت الذي ظلت فيه لعقود ميزانية الدولة تستكثر على التعليم و الصحة و توفر لشركات الجيش و الدفاع، و لا توظف لتطوير الجيش أو لخدمات المنتسبين اليه و لكن تذهب لشركات الاستثمار في السلع الغذائية و تطير لبنوك تركيا و ماليزيا، و حين احتاجت البلاد للحماية، يطالب المدنيين بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم و حراسة ممتلكاتهم و التخلص من المليشيات المتمردة! هذا الشعب كان وحيدا يسند نفسه لعقود، في العلاج و الصحة ، يرتكز على ارثه الافريقي في التضامن و الايثار، ذلك الإرث الذي اكتشفنا في ساحة الاعتصام ان سنوات الإنقاذ العجاف لم تنال منه ، انبعث نابضا بالحياة، لكن عملية البعث هذه تم بترها قبل أن تكتمل، بمجزرة القيادة، و اتبعتها الحرب التي أطلقت الغرائز البشرية في ظل الجوع و التهديد بفقدان الحياة، نعيش الهلع و الطمع و صدمة الحرب ، و سنكتشف سويا في مقبل الايام من نحن؟ ما القيم التي تعبر عنا، و ماهي القيم التي سنعتنقها و نتمثلها في حياتنا؟ هل سنقبل الهزيمة ؟ ام سنتسلح بكل ما فهمناه و اختبرناه و نكمل مشروع ثورتنا إلى نهاياته؟

سوق دقلو:

يقال ان الإمام ابو حنيفة امتنع عن أكل اللحم حين سمع بأن هنالك بهيمة مسروقة في الحي، خشية ان يأكل اللحم الحرام! هنالك مواقف قد تبدو صغيرة و تخص الشخص، لكنها في جوهرها كبيرة و تخص المجتمع، قد لا نستطيع أن نحمي بيوتنا من السرقة و ليس لدينا قانون يحمينا من السرقة، لكن يمكننا أن نوقف السرقة حين لا نتعاطى مع السارق، و نهجر سوقه!

عن السلاح:

حين اختار السودانيون الثورة السلمية، لم يكن هذا عجز أو قلة حيلة ، هنالك كثير من السودانيين اختاروا مرغمين حمل السلاح لتحقيق العدالة، لكن كل من حمل و يحمل السلاح يدرك ان السلاح له كلفة واجبة الدفع. هو أداة تحملها في البداية و تتحكم فيها لكنها سرعان ما تحملك هي و تتحكم فيك، و مع أول دم يراق، لن تعود انت ذات الشخص ، و لن تعود للحياة ذات القيمة. حين مد فيدل كاسترو قبعته ليجمع تبرعات الكوبيين اللاجئين من أجل معركة الحرية، كانت في داخله ثورة كبيرة ضد المستعمر، و قد قادته تلك العاصفة إلى شراء مركب مع ٨١ شخص اخرين بينهم شقيقه راؤول و جيفارا إلى محيط لا يرحم و عدو متربص عند المرسى، تبقى من جيشه الصغير ٣٢ شخص هم الذين حققوا لكوبا حلمها الابدي بالحرية ، و لكن السلاح سرعان ما تحكم بفيدل و اختفى بسرعة رفقاء السلاح الثلاثون ، جيفارا وحيدا في بوليفيا، و محرر هافانا اختفت طائرته و لم تظهر و البقية بين التخوين و السجون. و القصة تتكرر في الحركة الشعبية، في حرب التحرير الاريترية، في صدام و مافعله بالرفاق في حزب البعث، و هكذا، فهل يا ترى لدينا طريق اخر غير النضال الوطني المدني الموحد؟و هل يمكن لكفاح مدني ان يحقق الحرية بدون التضامن التام؟ بعيدا عن ما هو شخصي و ما هو حزبي، هل بمقدورنا ان ننهض من القاع و ننتصر؟

Yes we can

نواصل

تاريخ الخبر: 2023-08-14 21:22:24
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 61%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية