شهدت شوارع العاصمة السودانية الخرطوم، أحداثاً مؤلمة جراء الاشتباكات الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، منها ما نشره ناشطون بحي "أركويت" من نداء صغير للتعرف على هوية مواطن خمسيني وُجد مقتولاً.

يقول النور سليمان، أحد سكان حي "أركويت": "خرجنا إلى الشارع بعد أن توقف القصف و الاشتباكات القوية بين الجيش وقوات الدعم السريع لنجد مواطناً في الخمسينيات من عمره ملقى في الشارع وهو مقتول".

ويضيف: "نشر شباب الحي صوراً للمواطن حتى يتعرف عليه ذووه ودفنّاه في ميدان صغير بالحي لصعوبة نقله إلى المقابر كما كان سابقاً قبل اندلاع الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع".

ويتابع سليمان: "هذه واحدة من حالات الدفن الكثيرة لموتي الخرطوم منذ أيام الحرب المستمرة لأربعة أشهر هي عمر القتال بين الجيش والدعم السريع".

دفن في كل مكان

ومنذ بداية القتال بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شهدت جامعة الخرطوم أول حالة دفن لطالب جامعي داخل حرمها.

وقُتل الطالب جراء الاشتباكات في أثناء وجوده وآخرين في مقر الجامعة وسط الخرطوم أياماً لصعوبة خروجهم حينها، حيث اضطرت إدارة الجامعة إلى اتخاذ قرار الدفن لصعوبة نقل الجثمان جراء الاشتباكات المتواصلة آنذاك.

جاءت بعدها حادثة دفن الشقيقتين؛ إخصائية التخدير ماجدة غالي، والطبيبة ماجدولين غالي، في حديقة منزلهم بحي العمارات القريب من القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، بعد تدخل أطباء ومتطوعين للقيام بمهمة الدفن منتصف مايو/أيار الماضي.

وفي 8 أغسطس/الجاري قالت منظمة "أنقذوا الأطفال" الإنسانية في بيان، إن "آلاف الجثث تتحلل في شوارع الخرطوم على خلفية عدم سعة المشارح لحفظ الجثث من ناحية، وتأثير انقطاع الكهرباء المستمر على نظم التبريد من ناحية أخرى".

وحذر البيان من "خطر تفشي الأمراض والأوبئة في شوارع الخرطوم التي مزَّقتها حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع مستمرة منذ 4 أشهر".

ونقلت المنظمة عن نقابة الأطباء السودانية قولها: "لم يتبقَّ أي طاقم طبي في المشارح، تاركين الجثث مكشوفة على حالتها".

وقال مدير صحة وتغذية الأطفال في المنظمة بشير كمال الدين حميد، إن "عدم القدرة على دفن الموتى بكرامة هي معاناة أخرى للعائلات، إلى جانب الأسى والألم"، حسب البيان نفسه.

تراجيديا لم يسبق لها مثيل

ورغم المجهودات الإنسانية للمنظمات الإنسانية المعنية، فإن اشتداد المعارك داخل الأحياء السكانية يفاقم من أزمة دفن الموتى مع انتشار الجثث في أحياء المدينة.

وفي 6 يوليو/تموز الماضي قالت جمعية "الهلال الأحمر" السوداني، إن فرقها "جمعت خلال أسبوع واحد أكثر من 100 جثة من شوارع الخرطوم فقط"، لكنها أشارت إلى أنه "لم يعد بمقدور تلك الفرق الاستمرار في العمل بالعاصمة ودارفور، بسبب نهب سياراتهم".

وحسب آخر إحصائية للجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوداني فإن "فرقاً مشتركة دفنت نحو 1000 جثة كانت منتشرة في الشوارع منذ بداية القتال".

يصف الكاتب والصحفي السوداني يوسف حمد، الذي يحدث في الخرطوم بأنه "تراجيديا لم يسبق لها مثيل، ولم يوثِّق التاريخ لمثل هذه المأساة".

ويقول: "باتت شوارع الخرطوم مدمَّرة، تنتشر فيها على نطاق واسع أرتال من الجثث المسجاة على الطرقات".

وأضاف: "عملياً سيضطر الناس إلى نبش هذه القبور مرة أخرى متى ما توقفت الحرب وعاد الهدوء، وربما تفعل ذلك الحكومة، أو أهل الضحايا" .

واستدرك حمد قائلاً: "لكن في الحالتين فإن الناس سيكونون بحاجة إلى أطباء نفسانيين واستشارات نفسية هائلة تساعد على الخروج من هذه الفواجع الإنسانية غير المسبوقة".

هكذا تواجه الخرطوم الحرب في شوارعها ويدفن السكان من يستطيعون دفنه تحت وقع الرصاص والمدافع بعد أكثر من 200 عام على تأسيسها مدينةً حديثةً.

ومنذ منتصف أبريل/نيسان الماضي يخوض الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلّف أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، وأكثر من 4 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، حسب الأمم المتحدة.

TRT عربي - وكالات