تُظهر الصين علامات تباطؤ اقتصادي كبير بعد عقود من النمو المتصل وفائق السرعة. فيما يبدو أن التعافي الذي طال انتظاره بعد الوباء قد تعثر، حيث تومض البيانات إشارات التحذير في جميع أنحاء الاقتصاد. هذه المرة، قد لا تكون الأدوات التقليدية للحكومة لعكس المسار خياراتٍ قابلة للتطبيق.

وتثير الدلائل الأخيرة على الضائقة الاقتصادية، بما في ذلك إفلاس كبرى شركات العقارات وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، فضلاً عن تقلبات العملة الأخيرة، مخاوف بشأن احتمال حدوث تراجع في الاقتصاد الصيني بعد سنوات من الازدهار غير المسبوق.

وعلى وقع أصداء الركود الذي ينتظر بعض الخبراء أن يخيّم على الاقتصاد الصيني لمدة طويلة، تقدمت مجموعة "إيفرغراند" العقارية بطلب للحماية من الدائنين في نيويورك، الخميس، بعدما أدى تخلفها عن سداد ديونها قبل عامين إلى تسريع أزمة ديون عقارية واسعة النطاق في الصين، فيما يواجه الكثير من مالكي المنازل انخفاضاً في صافي ثرواتهم.

النمو يفقد زخمه

وبينما تكافح الصين للوقوف على قدميها مرة أخرى بعد أن أثرت سياسات بكين الاستبدادية وعمليات الإغلاق الصارمة على اقتصادها، تباطأ تعافي الاقتصاد الصيني بعد طفرة أولية في وقت سابق من هذا العام، وفقاً لأحدث البيانات الرسمية من ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

بعد النمو القوي في بداية العام، الذي دفعه تخلي بكين عن القيود الصارمة المفروضة على انتشار فيروس كورونا، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي (GDP) بنسبة 0.8% فقط في الأشهر الثلاثة من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران. وهذا أقل بكثير من هدف النمو الذي حددته الحكومة الصينية بنحو 5% لعام 2023 بأكمله، وهو أقل بكثير من المعدلات المكونة من رقمين التي أنتجها الاقتصاد في أيامه المعجزة.

ومع ذلك، قاومت الحكومة الصينية الدعوات إلى حافز مالي كبير من النوع الذي قدمته إدارة بايدن في بداية ولايتها، تاركة أملًا ضئيلاً في حدوث انتعاش فوري.

وبينما وصل 11.58 مليون خريج إلى سوق العمل هذا العام، فإن بطالة الشباب منتشرة على نطاق واسع. فقد بلغ معدل البطالة للفئة العمرية 16-24 مستوى مرتفعاً جديداً بلغ 21.3% في يونيو.

وتراجعت الصادرات والواردات على حد سواء في يوليو/تموز، وانزلق قطاع المستهلك إلى الانكماش، حيث احتفظت الأسر والشركات بالسيولة بدلاً من إنفاقها أو استثمارها.

إشارات تحذير جدية

فقدان النمو زخمه، وتباطؤ مبيعات التجزئة، وانخفاض الصادرات، وتجدد انخفاض أسعار العقارات، تأتي على رأس قائمة التطورات التي أثارت مخاوف من أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الذي بدا لسنوات كثيرة كأنه معجزة، قد ينحدر إلى ركود طويل الأمد.

وفي هذا الصدد، قال لي إسوار براساد، خبير اقتصادي وخبير في الشؤون الصينية بجامعة كورنيل: "إنها لحظة محفوفة بالمخاطر، نظراً لاحتمال أن يكون لديك تراجع في النمو، وثقة متدهورة، وانكماش في الأسعار، كل ذلك يؤدي إلى دوامة هبوطية ويعزز كل منها الآخر". وفقاً لما نقله موقع ذا نيويوركر.

ومما يزيد المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الصين وجود سياسة تجارية أمريكية غير قابلة للتكيف على نحو متزايد. وبعيداً عن رفع الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب على الواردات الصينية، فرضت إدارة بايدن قيوداً صارمة على صادرات التكنولوجيا الفائقة الأمريكية إلى الصين. في الوقت نفسه، تعمل الشركات الأمريكية على تقليل اعتمادها على سلسلة التوريد الصينية وتقليص استثماراتها الصينية.

هل نشهد تعثر الاقتصاد الصيني؟

يعزو الكثير من المحللين بعض الضعف الحالي إلى مخاوف الجمهور بشأن الإشراف الاقتصادي للسلطات الصينية. في العام الماضي، استغلت الحكومة الصينية عمليات الإغلاق ضد فيروس كورونا وقامت بإطلاق حملة شرسة لكبح جماح بعض أكثر الشركات الصينية نجاحاً، بما في ذلك شركات الإنترنت الكبرى في البلاد.

لكن المشكلة الكبرى، حسب خبراء، هي انهيار قطاع العقارات في جميع أنحاء البلاد، الذي ترك الكثير من البنوك الصينية مثقلة بالديون المعدومة والكثير من مالكي المنازل يواجهون انخفاضات في صافي ثرواتهم، رغم تخفيض الحكومة بعض قيود الإقراض وأسعار الفائدة بشكل طفيف.

في المقابل، يرى خبراء آخرون أن الصين كانت أكبر معجزة اقتصادية في العالم وستكون مرة أخرى. مستندين في رأيهم هذا إلى بناء بكين اقتصاداً رقمياً جديداً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي وشبكات اتصال الجيل الخامس، فضلاً عن أن ما يقرب من ثلثي المواطنين الصينيين حصلوا على تعليم بعد المدرسة الثانوية، مقارنةً بـ3% فقط ممن حصلوا على تعليم واحد في عام 1979.

كما وسّعت الصين نطاقها الاقتصادي ليشمل الاقتصادات النامية. وهي تصدّر الآن إلى بلدان الجنوب أكثر من الأسواق المتقدمة، وتضاعف صادراتها إلى الآسيان وزادت صادراتها إلى آسيا الوسطى ثلاث مرات بعد عام 2020. وهي تبني النطاق العريض والسكك الحديدية والموانئ من إفريقيا إلى أمريكا الجنوبية، مما يعزز سوقاً دائمة لصادراتها، وفقاً لتقرير رأي نشره موقع نيوز ويك.

TRT عربي