تأثير الهالة
تأثير الهالة
ما الذي يدفع المستهلكين لقبول منتج جديد لمجرد أنه تابع لعلامة تجارية مشهورة؟ وما الذي يؤثر علي الجمهور لتقييم مؤسسة إيجابيا لمجرد سماع اسمها؟ وما الذي يدفع المنتخبين لاستحسان مرشح معروف دون غيره؟
إنه تأثير الهالة فهناك رصيد مختزن في ذهن الأفراد عن الأشياء والأشخاص وهو يؤثر علي أحكامهم العامة, وبشكل عام يميل الأفراد للحكم بشكل كلي علي الأمور, إما أن تكون جيدة تماما أو سيئة تماما, فيتبعون مبدأ كل ما هو جميل فهو جيد, وييقيمون الأفراد الجذابين بشكل أكثر إيجابية مقارنة بغير الجذابين, وبالطبع وارد أن يكون هناك تحيز في هذه الأحكام, إذ تتغلب المشاعر علي الإدراك.
أن ذاكرة الشخص عن مفهوم ما تتكون من شبكة من العقد بينها روابط, وعندما يطلب من شخص تقييم شيء ما, فهو يسترجع المعلومة المختزنة وإن كانت غير متوفرة فإنه يقوم ببناء تصنيف لمد روابط بناء علي معرفته بالسمات الأخري ليعكس انطباعا إجمالي وهذا هو تأثير الهالة.
وكأن هناك هالة إيجابية تحيط بها أو تربط اسمها بسمات طيبة وتسمي الهالة الملائكية Angelic Halo بما يعمم الإيجابيات ويتجاهل السلبيات ويري العلامة التجارية أو الشخص أو المنظمة بصورة جذابة بناء علي أكثر صفة مؤثرة, وبالمقابل هناك الهالة السلبية وتسمي الهالة الشيطانية Devil Halo وهي الأحكام السلبية من قبل الأشخاص عن الأشياء, وقد تكون الهالة حقيقية أو وهمية.
ولأن عمليات تقييم الأشياء مهمة, يصل الجمهور إلي قناعه مرتبطة بصفات معينة كمقدار شهرة المنظمة وجودة منتجاتها ودور المسئولية الاجتماعية ومميزاتها, أي أن الجمهور قد يطلق أحكام بناء علي العوامل البارزة والواضحة أما تلك التي لا يعرفها فيحكم بالتالي أنها بالطبع ستكون جيدة.
فهناك دائما بعد بارز أو صفة مهيمنة من وجهة نظر الجمهور عن المنظمة أو العلامة التجارية أو الأشخاص الذين يسعون لإحاطة أنفسهم بهالة إيجابية عند الجمهور, اقتناعا منهم أنه كلما كانت الصفات الإيجابية بارزة, أثر ذلك في حكم الجمهور الإجمالي عن الشركة.
لذا اهتمت المنظمات الكبري بخلق انطباع في منطقة محددة للتأثير علي الرأي في مجال آخر, ودائما تحاول المنظمات أن تربط بين منتجاتها وصفة إيجابية سائدة, ما يؤيد ويساهم في صنع القرارات الشرائية, فمثلا نجحت مطاعم الوجبات السريعة في أمريكا وخاصة تلك التي في مترو الأنفاق للترويج للهالة الصحية فاقتنع المستهلكون بفكرة عدم احتوائها علي سعرات حرارية عالية.
كانت البداية حين نشر إدوارد ثورندايك عام 1920 في كتابه الخطأ الثابت في التقييمات النفسية نتائج الدراسة التي أجراها علي أحد قوات الجيش لتقييم مجموعة من الصفات في جنوده وهي القيادة, والمظهر البدني, والاستخبارات, والذكاء, والاعتمادية, وكان هدفه معرفة كيف تؤثر صفة معينة علي تقييم بقية الصفات وتوصل إلي أن التقييمات السلبية لصفات محددة أدت إلي انخفاض التقييم في الصفات الأخري والعكس بالعكس فالتقييمات الإيجابية لصفات محددة رفعت من تقييم الشخص في بقية الصفات.
فقيم الضباط جنودهم حسني الهيئة ذوي البنية القوية تقييما إيجابيا في كل الصفات الأخري بداية من إصابتهم للهدف وتلميع أحذيتهم ومهاراتهم في عزف البيانو, وأشارت نتائج هذه الدراسة أن هناك هالة تحيط بالأشخاص وتؤثر علي التقييم, فمثلا صفة الجاذبية تلعب دورا كبيرا في التأثير علي الحكم الإجمالي عن الأشخاص وربطهم بسمات إيجابية.
فالأمر عبارة عن ميل لاستنتاجات استدلالية حول سمات محددة نتيجة الانطباع العام, لأنه يصعب علي الأفراد قياس الملامح منفصلة أو مستقلة ولكي يقلص الذهن من حدة التنافر الإدراكي فهو يميل لإيجاد صورة متماسكة ومتصلة نحو الأشياء والأشخاص.
فتأثير الهالة وسيلة لتقليص التنافر المعرفي كما أنه طريقة عملية يستخدمها الأشخاص من أجل تخمين ما يصعب تقديره, فالأشخاص يتلقون المعلومات المهمة وليس كل التفاصيل وبناء عليه يستنتجون السمات والملامح الأخري التي لا يعرفونها, أي أنه إطلاق أحكام حول قضايا وأمور علي أساس عوامل أخري بارزة وواضحة, لذا استفاد منه العاملون في مجال التسويق عند بيع المنتجات والخدمات.
فإن أتي منتج جديد من شركة مشهورة تتمتع بسمعة ممتازة يستدل الجمهور بالمنطق أنه جيد النوعية, وإيجاد هالة مؤثرة مرتبطة بالعلامة التجارية تؤدي أن يستحسن المستهلكون المنتج أو الخدمة المقدمة, فاستنتاج سمات عن المنتج كفيل بصنع القرار باستخدامه أم لا, كما يزيد تأييد وتفضيل الجمهور للمشاهير الذين يربطون اسمهم بالمنتج من تقييمهم الإيجابي للمنتج نفسه. وهكذا نجد أنفسنا منجذبين ومفضلين لمنتج ما أو مؤسسة ما أو حتي شخص ما, والعكس بالعكس.