اتفاقات أوسلو.. تحطيم المحرمات


مع اقترابنا من الذكرى السنوية الثلاثين لتوقيع اتفاقات أوسلو، ستكثر التعليقات عن مدى فشل هذه الاتفاقات. وسيكون هناك توجيه يمكن التنبؤ به لأصابع الاتهام. وقد يبدو بعضها صحيحاً، لكن معظمها سيخطئ الهدف. واسمحوا لي أن أكون واضحا منذ البداية: فعلى الرغم من كوني شاهدا على تفككها، فإنني لا أشعر بالحرج على الإطلاق حين أقول إنني أيدت أوسلو.
فقبل ثلاثين عاماً، وقعت أنباء التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وواشنطن مثل زلزال حطم المحظورات وقلب ما كان يُعتبر ثوابت سياسية. وكنت ضمن مجموعة من مئات الأميركيين العرب والأميركيين اليهود الذين ذهبوا إلى حديقة البيت الأبيض لحضور حفل التوقيع.
وبعد التوقيع، حين دفع الرئيس كلينتون رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين نحو قبول مصافحة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، سمعنا شهقات واضحة للآذان من المجتمعين وأعقبها تصفيق ومصافحات وعناق وسط الجمهور. لقد حدث شيء كبير للتو، وكان مثيراً. لكن لأننا كنا ندخل في مياه مجهولة، فقد اختلط الأمل بعدم اليقين. وبالنسبة لمن كانوا في سن صغيرة في السنوات التي سبقت 13 سبتمبر 1993، ربما لم يدركوا الأهمية الكبيرة للمصافحة. لكن بالنسبة للجيل الذي نشأ تحت سحابة التعصب المناهض للفلسطينيين والاستبعاد للأميركيين العرب، كان الأمر هائلاً.
ففي عام 1975، كجزء من اتفاقية فض الاشتباك في سيناء، حصلت إسرائيل على تعهد سري من الولايات المتحدة بأنها لن تجري محادثات أبدا مع منظمة التحرير الفلسطينية. وتعليقا على ذلك، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شامير إن نفوره من منظمة التحرير الفلسطينية لم يكن مبنيا على ما فعلته، بل على ما دافعت عنه، أي الحقوق الوطنية الفلسطينية.
ولمزيد من التفاصيل، في عام 1985، أعلن وزير الدفاع آنذاك، إسحاق رابين، في واشنطن، أن المحادثات مع منظمة التحرير الفلسطينية غير مقبولة لأن «من يوافق على التحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية يعني أنه يقبل من حيث المبدأ إنشاء دولة فلسطينية بين إسرائيل والأردن».
وهذا لا يمكن أن تقبله إسرائيل. وفي الولايات المتحدة، بذلت الجماعات المؤيدة لإسرائيل قصارى جهدها لتوسيع نطاق هذا الرفض لكل ما هو فلسطيني. ونفذت وزارة الخارجية بقوة سياسة «رفض المحادثات». وتم إقرار تشريع يعلن منظمة التحرير الفلسطينية جماعة إرهابية. وحين حاولت أنا تعديل برنامج الحزب الديمقراطي لعام 1988 ليتضمن لغة شديدة الاعتدال تؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني، قيل لي «إذا ظهرت هذه الكلمة في البرنامج، ستنفتح أبواب الجحيم».
ولم تكتف الجماعات المؤيدة لإسرائيل بتشويه صورة القضية الفلسطينية ومنظماتها، بل فرضت محرمات شبه دينية على القادة الفلسطينيين. فلم يكن فرض قيود تمنع السياسيين الأميركيين من الاجتماع مع عرفات أو غيره من كبار قادة منظمة التحرير الفلسطينية كافيا، بل كان يُنظر إلى المخالطة الشخصية على أنها تجعل السياسي غير نظيف. وشنت حملات ضد أعضاء الكونجرس الذين التقوا بعرفات ونددت بهم بسبب «مصافحة عرفات». وها نحن، في ذاك اليوم من شهر سبتمبر، نشاهد إسرائيل لا تتحدث مع منظمة التحرير الفلسطينية وتوقع اتفاقا معها فحسب، بل تصافح الآن الشخص الذي أمضوا عقودا في تشويه سمعته.
والأهم من أي شيء آخر، أن هذه المصافحة التي قد تبدو للبعض خارج السياق، على أنها كانت عملا غير مهم، كانت تمثل تحطيماً للمحرمات التي عملت الجماعات المؤيدة لإسرائيل عقودا من أجل ترسيخها واستخدمتها لتعذيب أو تدمير الحياة السياسية للذين يغامرون بالاجتراء عليها. كما فتحت أوسلو أبواب البيت الأبيض أمام الأميركيين العرب، مما أدى إلى تطبيع علاقتنا مع الحكومة لأول مرة.
وحظيت الجالية بالاحترام الذي تستحقه بعد حرمانها منه لفترة طويلة. بينما استمر أعداؤنا في معارضتنا وبذلوا جهودا لاستبعادنا، فإن الأبواب، بمجرد فتحها، لا يمكن إغلاقها بسهولة. وبعد مرور ثلاثين عاما، قد تبدو هذه الإنجازات باهتة في مواجهة فداحة المعاناة التي ما زال الفلسطينيون يعانون منها. لكن إذا نظرنا إليها في السياق السياسي الأميركي، فإنها كانت مهمة ولا يمكن تجاهلها.
وفي النهاية، فشلت أوسلو. ويمكن توجيه أصابع اللوم في اتجاهات كثيرة، لكن في نهاية المطاف، كما سأناقش في المقال التالي، كان رفض الولايات المتحدة تحمل مسؤوليتها كضامن للعملية هو السبب الرئيسي للكارثة التي حلت بالمعترك الفلسطيني الإسرائيلي.

نقلاً عن "الاتحاد"

مادة اعلانية
تاريخ الخبر: 2023-09-10 18:09:17
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 91%
الأهمية: 96%

آخر الأخبار حول العالم

إيقاعات الجاز تصدح بطنجة بحضور مشاهير العازفين من العالم

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-01 09:24:52
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 52%

«نزاهة»: إيقاف 166 فاسداً في 7 وزارات - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-01 09:23:39
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

الصين: وصول رواد فضاء المركبة الفضائية “شنتشو-17” لبكين

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-01 09:24:56
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية