السفير الفنزويلي يحكي قصة سيمون بوليفار


قال ويلمر أومار بارينتوس: “إن بوليفار رمز لفنزويلا مثله مثل علمها وشعارها ونشيدها الوطني، محفور في عقولنا وقلوبنا. إنه قائد استقلالنا الذي لا مثيل له. عاش 47 عاماً فقط. بالطبع كانت الأعوام الـ27 الأول لتشكيل شخصيته، إذ بدأت حياته العامة في عام 1810، حيث كرس عشرين عاماً من حياته جسداً وروحاً للوطن، ليس لفنزويلا فقط، لأن أمريكا بالنسبة له كانت هي الوطن.” وذلك في ندوة أقامها المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع سفارة فنزويلا البوليفارية.

وأضاف السفير الفنزويلي: “بوليفار، ابن كاراكاس، اسمه الكامل سيمون خوسيه أنطونيو دي لا سانتّيسيما ترينيداد بونتا إي بالاسيو. ولد في مدينة كاراكاس الصغيرة والمتواضعة آنذاك، في سفح تل الأبيلا المدهش، الذي يسمى في لغة سكان الكاريبي الأصليين “Waraira Repano”، وتعني “الموجة التي تأتي من بعيد أو البحر الذي أصبح يابسة”، فهناك خَطَى بوليفار خطواته الأولى. ولد في 24 من يوليو 1783، آنذاك كان يبلغ السيد فرانسيسكو دى ميراندا، الجنرال، رائد الاستقلال الوطني، 23 عاماً. في ذلك الوقت نالت الولايات المتحدة استقلالها. كان بوليفار طفلاً عندما اندلعت الثورة الفرنسية التي أصدرت إعلان حقوق الإنسان والمواطن. حين ولد بوليفار، كان هناك شاب في الرابعة عشر من عمره يعيش في كورسيكا، هذا الشاب هو نابليون بونابرت.”

وقال: تولى تعليمه معلمون من الدرجة الأولى، من بينهم: السيد سيمون رودريجز، معلم ذو شخصية استثنائية وصاحب التأثير الأكبر على تلميذه؛ السيد أندريس بيّوس، أحد أعظم رجال العلم والمعرفة في أمريكا اللاتينية. كذلك كان الأب أندوخار معلمه الذي علمه الرياضيات.سافر فيما بعد إلى أوروبا لاستكمال دراسته للرياضيات في أكاديمية سان فرناندو. تعلم الإنجليزية والفرنسية والإيطالية من أفضل معلمي مدريد، كل هذا تحت إشراف الحكيم ماركيس دى أوستاريس، الذي عاش بوليفار في منزله. تلقى منذ صغره دروساً في الرقص وركوب الخيل.

قبل أن يكمل الرابعة عشرة من عمره، أنضم إلى كتيبة قوات أراجوا، وفي السادسة عشرة من عمره سافر إلى إسبانيا. ولم تتسنى الفرصة بعد لشخصية بوليفار التي كانت تتشكل أن تظهر والتي ستجعله قائد حركة الاستقلال بلا منازع. بالطبع، بدأت شخصيته تبرز، إذ أنه كان يبدي مع مرور الوقت ذكاءً متقداً وشخصية جذابة غير عادية ومزيج نادر من الشجاعة والحزم، الذي في الأوقات الحاسمة يتخذ القرارات الأكثر جرأة لخدمة الأهداف الأكثر عناداً والمشاريع المدروسة بدقة.

استغرقت هذه الرحلة إلى أوروبا ثلاث سنوات فقط، تحررت شخصيته خلالها من المكون الأمريكي، بالتعامل مع البلاط الملكي الإسباني رفيع الشأن. ليمعن النظر عن قرب في الحكم الملكي لعائلة البوربون وبدأت فكرة تحرر أمريكا الإسبانية تتولد في عقله.

أحب ماريا تيريسا ديل تورو ألايسا قريبته المدريدية التي وقع في غرامها، وتزوجها. عاد إلى كاراكاس برفقة زوجته الجميلة، التي أنجذبت إلى العالم الجديد، فذهبت معه إلى كاراكاس ثم إلى ممتلكات العائلة في سان ماتيو، بآراجوا. لكن سوء الحظ كلفهما مغامرتهما الرومانسية، فبعد عدة أشهر، في يناير 1803، أنتزعت الحمى الصفراء من الشاب بوليفار حب حياته.

بدأت حينها المرحلة الأكثر حزناً في المآسي التي عاشها، فإن الألم الذي لم يدعه ينام هو ما دفعه نحو آفاق أخرى. عاد إلى فرنسا، حيث ألتقى بمعلمه العزيز، السيد سيمون رودريجس. سافرا معاً إلى إيطاليا ومرا بآثار الأسلاف، وشاهدا مسيرة جيوش نابليون المهيبة التي تسيطر على أوروبا بيد من حديد سعياً لتوحيدها. تحمل روحه أفكار متناقضة، لكن قراره واضحاً وبالفعل اتخذه. في مونتى ساكرو، المطل على روما، أقسم أمام معلمه:

“أقسم أمامك، أقسم برب أبائي، وأقسم بهم، وأقسم بشرفي وأقسم بوطني، بألا تستريح ذراعي أو تستكين روحي حتى أكسر القيود التي تقمعنا بإرادة السلطة الإسبانية.”

أستغرقت هذه الرحلة الثانية أربع سنوات. وفي طريق عودته زار الولايات المتحدة. الآن أصبحت لديه رؤية شاملة عن العالم الجديد. عاد إلى فنزويلا في 1807 وتستحوذ على عقله فكرة واحدة: الاستقلال.

إنه ثوري، ليس كهؤلاء الذين جل همهم هو تدمير النظام القديم، بل إلى جانب هدف إلغاء الحكم الأجنبي في أمريكا كان ما يشغله هو بناء نظام قضائي وسياسي جديد قائم على الحرية والعدالة، طبقاً لما هو عليه العالم الجديد.

في الـ19 من إبريل 1810، أعلن بوليفار صيحة الاستقلال، فأرسلته حكومة كاراكاس، التي كانت تحمي حقوق الملك فرناندو السابع، على رأس بعثة دبلوماسية أمام بلاط سانت جيمس الملكي، بالمملكة المتحدة. لم تحقق البعثة هدفها، ولكنها أتاحت سبلاً ستمد فيما بعد الكفاح المسلح في فنزويلا بدعم حقيقي.

عاد إلى فنزويلا، ليس فقط كعضواً في البرلمان، بل شخصية بارزة في المجتمع الوطني، ومركز أضواء كل المصالح الثورية للاستقلال والعمل الوطني، إذ عبر عن ذلك في خطاب حماسي ألقاه في الـ19 من إبريل:

“ألم يكفي 300 عام من الاستكانة؟… هيا نضع حجر الأساس لحرية أمريكا الجنوبية؛ التردد يعني أن نضل طريقنا.”

ومنذ هذه اللحظة كانت قد تشكلت بالفعل شخصية الذي سيكون بلا منازع قائد التحرر.

في الخامس من يوليو 1811، وقع البرلمان وثيقة الاستقلال ما نتج عنه رد من جانب القوات الإسبانية بقيادة دومينجو دى مونتبردى، وهو بحار جريء كان قائد القوات الإسبانية في فنزويلا آنذاك، تمكن من استعادة السلطة، بمساعدة الخائنين الموالين للاستعمار الذي دام لقرون.

أُعلِن السيد فرانسيسكو دى ميراندا ديكتاتوراً، وهو عسكري فنزويلي له مسيرة عالمية، شارك في حرب الولايات المتحدة الأمريكية والثورة الفرنسية ولهذا يظهر كواحد من الأبطال على قوس النصر، كما أنه خدم في جيش كاترين العظيمة، إمبراطورة روسيا.

فشل الجنرال – ميراندا – في السيطرة على الوضع واستسلم أمام مونتبردى. ألقى الشباب الثوريون وعلى رأسهم سيمون بوليفار القبض على ميراندا لفشله في واجبه وهو البقاء كضامن للشروط المتفق عليها وبالتالي مُنع من المغادرة كما كان مخطط.

غادر بوليفار فنزويلا وتوجه إلى اتحاد غرناطة الجديدة الكونفيدرالي (جمهورية كولومبيا اليوم)، وبمساعدة وطنى عظيم، وهو الجنرال الغرناطي نارينيو، نظم جيشاً استكشافياً لدخول فنزويلا. وفي عام 1813 تجلت عبقريته العسكرية للجميع؛ إذ دخل الدولة من الغرب في مارس، وفي السادس من أغسطس دخل كاراكاس منتصرًا، بعد انتصارات رائعة حققتها الحملة العسكرية التي عرفت بـ”الحملة المثيرة للإعجاب”. وهي أيضا السنة التي حصل فيها على لقب المحرر الذي منحته إياه بلديتا كاراكاس وميريدا. وقال بوليفار عن لقب المحرر: «محرر فنزويلا، بالنسبة لي هو أعظم لقب وأكثر إرضاء من حكم كل إمبراطوريات الأرض.»

أصدر في العام نفسه مرسوم الحرب حتى الموت وظهر مفهوم الهولوكوست. وقع هذا المرسوم في تروخيّو وأعلن المرسوم الرهيب. وفي المكان نفسه، بعد بضع سنوات في عام 1820، وقِعت اتفاقيتا الهدنة وتسوية الحرب، التي كما قال المحرر ستجعلا “حب السلام، الذي يكنه المدافعون عن قضية العدل” يتوهج.

عام 1814، كان عام النكبات؛ فبعد كل الجهد الذي بذل ضاعت الجمهورية الثانية. قاد بوليفار التهجير المأسوي لأهل كاراكاس إلى الشرق، فقد استولى الإسبان على العاصمة من جديد.

في مدينة كاروبانو، في 7 سبتمبر، أصدر بوليفار المزيد من وثائقه المهمة؛ “عريضة كاروبانو”. بدأ الموت يطارده، من الآن فصاعداً عليه أن يكون “رجل المصاعب” أكثر من أي وقت مضى، فبعد كل هزيمة تأتي معركة جديدة.

ذكر الجنرال الإسباني بابلو موريّو، قائد القوات الإسبانية في فنزويلا، بعد سنوات في تقرير أرسله لملك إسبانيا: “إن بوليفار المهزوم مخيف أكثر من بوليفار المنتصر”، وقال كذلك: “لا يهدأ ولا يتنازل عن كفاحه”.

عاد بوليفار إلى غرناطة الجديدة للمثول أمام البرلمان، حيث قال له كاميلو تورّس، رئيس برلمان غرناطة الجديدة: “لن يموت وطنك طالما سيفك موجود”.

سافر إلى كينجستون، جامايكا، ونشر هناك في 6 سبتمبر 1815 وثيقة عظيمة أخرى تعرف بـ”رسالة جامايكا”، وثيقة تنبؤية حلل فيها أسباب ثورة أمريكا الإسبانية ووصف بخط يده مصير أوطاننا.

وبينما كان في كينجستون، هرب من محاولة اغتيال ضده. بعد ذلك سافر إلى هايتي، وبمساعدة رئيس هايتي ألكسندر بيتيون، نظم بوليفار “حملة ليس كايس” من أجل العودة إلى فنزويلا. باءت المحاولة الأولى بالفشل لأسباب شتى. أما الثانية فكانت ناجحة، حيث كان على المحرر أن يواجه قائداً عسكرياً إسبانياً جديداً، ألا وهو القائد العسكري ذو الخبرة الكبيرة الجنرال بابلو موريّو، أحد المنتصرين في الحروب النابليونية.

ومن هنا يبدأ المرحلة النهائية في ملحمة التحرر، بدخول ولاية بوليفار من جهة الشرق تحديداً، حيث جعل مدينة أنجوستورا (بوليفار حالياً) مركز نشاطه السياسي والعسكري.

في 1819، حقق أعظم انجازاته العسكرية، وهو عبور سلسلة جبال الأنديز، عبر نهر بيسبا الذي يستحيل عبوره، وبخسارة كبيرة في الأرواح والموارد، فاجأ القوات الإسبانية كلياً وانتصر عليهم في جاميثا ومعركة مستنقع بارجاس. واختتم انتصار بوياكا، في الـ7 من أغسطس، استقلال كولومبيا وفتح له أبواب بوجوتا، إحدى المدن التابعة للتاج الإسباني، بكل ما تحتويه من موارد. لم يعد من الممكن أن يُنظر إليه كونه محارباً يملك ثروة وحظ؛ فقد أصبح رئيس دولة لأمة تنهض. وفي الـ17 من ديسمبر (ويصادف هذا اليوم يوم وفاته في الـ17 من ديسمبر بعد 11 عاماً من هذه اللحظة)، صدق البرلمان على القانون التأسيسي لجمهورية كولومبيا.

قيم الجنرال الإسباني بابلو موريّو الوضع واقتنع بأن الاستقلال أمر واقع لا محالة. وبناء على ذلك، وقِعت اتفاقيتي تروخيّو، كما دفعه إعجابه الشخصي ببوليفار إلى دعوته إلى مقابلة تاريخية، جرت في الـ27 من نوفمبر 1820، في قرية سانتا آنا بمقاطعة تروخيّو – فنزويلا.

بعد ذلك، ظل يتقدم دون توقف، يحقق انتصاراً تلو الأخر. وفي الـ24 من يونيو 1821، في سهول كارابوبو، حرر فنزويلا نهائياً. وفي الثاني من أكتوبر 1821، أدى اليمين رئيساً لكولومبيا أمام المجلس الذي اجتمع في منطقة بيّا ديل روساريو بمقاطعة كوكوتا.

في 7 إبريل 1822 انتصر في معركة بومبونا.

وفي الـ24 من مايو 1822، ظفر بالنصر أكثر ضباطه ذكاءً، الجنرال الشاب أنطونيو خوسيه دى سوكرى، الذي أصبح فيما بعد مارشال أيّاكوتشو. ضمن لهم هذا النصر الذي حققه استقلال كيتو، التي أصبحت جزءاً من كولومبيا العظمى في الـ13 من يوليو.

في الـ27 من يوليو، عقد سيمون بوليفار لقاء في جواياكيل مع محرر الجنوب العظيم، الجنرال خوسيه دى سان مارتين.

أرسل قوات دعم إلى حملة بيرو العسكرية، حيث تمت دعوته لاحقاً بشكل رسمي. وصل إلى كاياو في الأول من سبتمبر 1823، وبعد أن تخطى عقبات كثيرة، نال النصر في معركة جونين في الـ6 من أغسطس 1824.

أثناء حملة الجنوب هذه، كان على المحرر أن يواجه مرض خطير أصابه في مدينة باتيفيلكا. ولكن شجاعته، كما يروي السيد خواكين موسكيرو القاضي والدبلوماسي ورجل الأعمال والسياسي الكولومبي، في خضم حربه مع المرض تحلل الوضع السياسي ونقص الموارد وحالة الوهن التي يمر بها، وحين سُئل ما الذي تخطط لفعله؟، أجاب إجابة قاطعة من كلمة واحدة: “أنتصر”، كلمة سُجِلت بأحرف لا تمحى.

في الـ9 من ديسمبر 1824، في بامبا دى لا كينوا، بالقرب من أياكوتشو، نال الجنرال سوكرى النصر النهائي، حيث سلم نائبُ الملك “لا سيرنا” مع سيفه السيادة الاسبانية على أمريكا.

قبل يومين، أرسل المحرر من ليما دعوة إلى حكام أمريكا الإسبانية إلى مجلس بنما، من أجل إبرام اتفاقية ائتلافية للوحدة السياسية بين الدول الجديدة وتأسيس أمة من الجمهوريات.

بعد انتصار أياكوتشو، بناءً على رغبة شعب بيرو العليا، تأسست جمهورية جديدة وسميت بوليفيا، تخليداً لذكرى البطل، هذا هو التكريم الأكبر والدائم الذي منحوه إياه وهو في قمة مجده.

هذه هي السنوات -والحديث مازال لويلمر أومار بارينتوس السفير الفنزويلي- التي حصل فيها بوليفار على أعلى درجات التكريم وعانى من أفظع خيبات الأمل. ففي ذلك الوقت كانت تهاجم الانقسامات والنزعة القومية طموحاته، ولذلك لم يسفر مجلس بنما عن النتائج المرجوة.

تاريخ الخبر: 2023-09-13 18:21:16
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 57%

آخر الأخبار حول العالم

وفد من حماس إلى القاهرة لبحث مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 12:25:45
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 54%

وفد من حماس إلى القاهرة لبحث مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-04 12:25:52
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية