مئوية الشاعر نزار قباني
مئوية الشاعر نزار قباني
الشاعر العربي الكبير نزار قباني احتفل عالم الشعر والفن بمرور مائة عام علي ميلاده هذا العام 1923-2023 وقبل أن ينتهي هذا العام, أريد أن ألقي الضوء علي شاعرنا الكبير العبقري الذي ملأ الدنيا وشغل الناس وكان جميل الخلقة والخلق والشعر.
الشاعر نزار قباني من أكبر الشعراء العرب في القرن العشرين, بلغت شهرته الآفاق ملأ الدنيا وشغل الناس, ومع اختلاف البعض معه في آرائه لا أن الجميع يعترفون بموهبته التي وصلت إلي العبقرية.
عن نزار قباني صدر ضمن سلسلة مشاهير الشعراء العرب للشباب والناشئين كتاب نزار قباني شاعر الحب والثورة, تأليف الدكتور عبد الرحمن محمد الوصيفي يقدم لنا المؤلف مولد نزار قباني وطفولته, وأثر الأمومة في شعره, مرحلة الشباب ثم مرحلة النضج, وظيفة الشعر عنده, وفلسطين في شعر نزار, وأخيرا مختارات من شعره.
ولد نزار قباني في الحادي والعشرين من مارس عام1923, في بيت من بيوت دمشق القديمة, بالقرب من سوق الحميدية والمسجد الأموي, وهو ينتمي إلي الطائفة السنية في سورية, وكان أبوه توفيق قباني من وجهاء دمشق وأعيانها, لذلك يصف نزار بيته الذي ولد فيه بقوله:هل تعرفون معني أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة.. إنني لا أحاول رشوتكم بتشبيه بليغ, ولكن ثقوا أنني بهذا التشبيه لا أظلم قارورة العطر وإنما أظلم دارنا.
عاش نزار قباني طفولته بين جمال الطبيعة الرائع وحنان الأمومة الدافئ, مما جعل طفولته تستمر طول الحياة وحتي الموت.
فقد عاش حياته كلها كالأطفال, يحب كالأطفال ويغضب مثلهم, وهذا الإحساس الطفولي ترك في حياته بصمات واضحة, ويبدو أن جمال الطبيعة وحنان الأمومة من أهم الأسباب التي جعلت نزار شاعرا.
أنهي نزار دراسة الحقوق بالجامعة السورية سنة1945, وعمل بعد ذلك مباشرة في وزارة الخارجية السورية, ثم التحق بأول بعثة دبلوماسية له في العام نفسه إلي القاهرة, وبقي بها حتي عام.1948
تفجرت موهبة نزار الشاعرية مبكرا فصدر ديوانه الأولقالت لي السمراء عام 1924 وهو مازال طالبا في كلية الحقوق, ومنذ صدور هذا الديوان وحتي عام 1966 وهو العام الذي اعتزل فيه العمل الدبلوماسي ليتفرغ لموهبته الشعرية, قدم لنا عدة دواوين غزلية امتازت بسهولة اللفظ وجزالته, ووضوح الإيقاع الموسيقي, وتوجيه الخطاب الشعري إلي المرأة, فقبل أن يترك القاهرة طبع ديوانه الثانيطفولة نهد عام 1948 ثم صدر له دواوين سامبا, أنت لي, قصائد, حبيبتي, الرسم بالكلمات.. تضمنت هذه الدواوين أكثر من مائتين وخمسين قصيدة, كانت من أشهر ما قيل من شعر غنائي خلال هذه الفترة, ومن أكثره انتشارا علي الساحة العربية, فلم يسبق لشاعر عربي أن وزع من ديوانه مائة ألف نسخة, وطبع من ديوان واحد طبعات تجاوزت خمسا وعشرين طبعة, كديوانقصائد, اعتمد نزار في أشعاره علي اللغة المباشرة, والمفردة ذات البعد الواحد, والطبقة التفسيرية الواحدة الرقيقة التي لا تحوي إيحاءات عدة, وتحمل معني واحدا فقط, وبذلك قدم لنا لغة شعرية جديدة خرجت من إطار الخاصة الضيق إلي إطار العامة الرحب,مع احتفاظها برونقها وجمالها.
تزوج نزار الزواج الأول من امرأة فشلت في احتواء طفولته وموهبته ولم تفهمه, فتزوج الثانية وكانت السيدة بلقيس الراوي, وقد نجحت فيما فشلت فيه الزوجة الأولي, ودفعته إلي النجاح والسعادة, يقول نزار عن زوجته الثانية بلقيس:
أشهد أن لا امرأة أتقنت اللعبة إلا أنت
واحتملت حماقتي عشرة أعوام كما احتملت
واصطبرت علي جنوني مثلما صبرت
وقلمت أظافري ورتبت دفاتري
وأدخلتني روضة الأطفال إلا أنت
أشهد أن لا امرأة تعاملت معي كطفل عمره شهران إلا أنت,
وقدمت لي لبن العصفور والأزهار والألعاب إلا أنت
ودللتني مثلما فعلت.. وأفسدتني مثلما فعلت.
أشهد أن لا امرأة قد جعلت طفولتي.
تمتد إلي الخمسين إلا أنت..
نزار قباني عمل دبلوماسيا لكننا لم نسمع عن أي تفوق دبلوماسي له, وإنما كانت عبقريته في الشعر فقط, ومن هنا قرر الاستقالة من وزارة الخارجية ليتفرغ كلية للكتابة والنشر, وهو يؤمن بعمق رسالة الشعر في تغيير المجتمع وعمل انقلاب فيه لصالح العقل والحرية والعدالة, فلا قيمة لشعر لا يحدث ارتجاجا في قشرة الكرة الأرصية, ولا يحدث شرخا في خريطة الدنيا وخريطة الإنسان.. يقول نزار:
ما احترفت النفاق يوما.. وشعري
ما اشتراه الملوك والأمراء.
كل حرف كتبته.. كان سيفا
عربيا, يشع منه الضياء
وقليل من الكلام نقي
وكثير من الكلام بغاء
كل من قاتلوا بحرف شجاع ثم ماتوا.. فأنهم شهداء من رسالة الشعر يقول نزار قباني:
ما هو الشعر إذا لم يعلن العصيان؟
وما هو الشعر إذا لم يسقط الطغاة والطغيان؟
وما هو الشعر إذا لم يحدث الزلزال في الزمان والمكان؟
وما هو الشعر إذا لم يخلع التاج الذي يلبسه كسري أنو شروان؟
ما هو الشعر حين يصبح فأرا اكسرة الخبز همة.. والغذاء؟
وإذا أصبح المفكر بوقا يستوي الفكر عندها والحذاء يصلب الأنبياء من أجل رأي.. فلماذا لا يصلب الشعراء؟
لم تتوقف عبقرية نزار قباني علي الشعر الغزلي وحسب وإنما اهتم بالشعر الوطني الثوري, وأصدر كتبا بالنثر.
وفي اللقاء القادم نستكمل مشوار نزار مع الشعر.