ما هي أشكال الخطر الأمني للنازحين السوريين على لبنان وكيف يمكن مواجهتها؟


أجمعت المواقف في التصريحات والخطابات الأخيرة لمعظم المسؤولين اللبنانيين من مختلف الاتجاهات والأحزاب السياسية، على أنّ أزمة النازحين السوريين المتفاقمة باتت تشكّل تهديداً وجودياً للبنان، نظراً لحجم مضاعفاتها الأمنية والسياسية والاقتصادية والديموغرافية.

أبرز التحذيرات اللبنانية وأهمها أتت من قائد الجيش العماد جوزف عون، إبان لقائه وفد نقابة الصحافة اللبنانية. ومن جهته، رفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الصوت عالياً في اجتماعاته في الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن كل ما جرى حتى الآن داخلياً وخارجياً في هذا الإطار بقي في دائرة الكلام، من دون أي أجراءات، أكثر من تلك التي يقوم بها الجيش اللبناني في محاولة لوقف دخول آلاف السوريين عبر الحدود الشرقية والشمالية اللبنانية.

قال العماد جوزف عون، إنّ الجيش وبما يمتلكه من قدرات تمكّن من وقف حوالي 85 % من الشباب السوريين الذين يحاولون عبور الحدود بطريقة غير شرعية. وبناءً عليه، فإنّ ما لا يقلّ عن 15 % منهم، أي بين 1000 و 2000، يتمكنون من دخول الأراضي اللبنانية شهرياً، لينضموا لأكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري مقيمين في غالبية المحافظات اللبنانية.

يبدو أنّ جزءاً كبيراً من السياسيين اللبنانيين غير مدركين لحجم الخطر الآني الذي يواجهه لبنان اليوم. فالعديد منهم يتعامل مع مسألة النازحين على أنّها مشكلة يجب أن تُحلّ من قِبل المجتمع الدولي، ويستغلّها بعض الساسة لجمع ثروات من المساعدات الدولية، عبر جمعيات يديرونها بشكل غير مباشر. كما تعكس طريقة تعامل قوى السلطة الحاكمة مع الملف على أنّه لا يشكّل تهديداً فورياً، ومن الأمور التي يمكن أن تنتظر ليأتي حلّها في سياق تفاهم دولي-إقليمي يُنهي الصراع في سوريا.

كما أنّ القوى اللبنانية الحليفة للنظام السوري لا تريد أن تضغط على النظام السوري للعمل جدّياً على وقف موجات النزوح أو إعادة النازحين، لأنّها لا تريد أن تصطدم بسياسته القائمة على استغلال موضوع النازحين لابتزاز المجتمع الدولي وتحديداً الغرب، للقبول بشروطه في البقاء بالسلطة والإشراف على الأموال التي ستُنفق على إعادة إعمار سوريا.
وتحاول هذه القوى أن تستخدم ملف النازحين لإجبار الحكومة اللبنانية على فتح خط مباشر مع النظام السوري والتطبيع معه، من دون أي اعتبار لمواقف المجتمع الدولي والإجماع العربي. فالتطبيع مع النظام لن يحلّ مشكلة النازحين. وتجدر الإشارة إلى أنّ الجهود التي بذلتها السعودية ودول عربية أخرى لتحسين العلاقات مع نظام بشار الأسد قد توقفت، بعد امتناع النظام عن تنفيذ تعهداته.

لوصف حجم الخطر بطريقة يفهمها المواطن العادي- وربما السياسي- وكيف تقاربها المؤسسة العسكرية، يجب طرح سيناريوهات يمكن أن تواجهها الساحة اللبنانية. فقد يعمد النظام السوري أو قوى من داخل هذا النظام، إلى تعزيز نفوذها على الساحة اللبنانية لزيادة قدرتها على ابتزاز المجتمع الدولي وإعادة جزء من وصايتها على الداخل اللبناني. وبحسب التقارير، إنّ غالبية الشباب النازحين - بخاصة في الفترة الأخيرة - هم من الأعمار التي أتمّت خدمتها العسكرية أو لديها خبرة عسكرية. ولو احتسبنا أنّ 5 % من النازحين السوريين في لبنان قد خدموا في الجيش السوري، وبالتالي قد لا يزالون على تواصل مع قادتهم العسكريين في دمشق، هذا يعني أنّه قد يكون هناك ما لا يقلّ عن 75 ألف عسكري سوري منتشرين في المخيمات اللبنانية على أنّهم نازحون ينتظرون ساعة الصفر. والجميع يعلم حجم انتشار السلاح في لبنان وتجار السلاح وعمليات التهريب عبر الحدود، وبالتالي فإنّ المخيمات تحوي أسلحة، حسبما أظهرت بعض عمليات المداهمة بحثاً عن تجار المخدرات.

وللجهات التي تحاول أن تقنع نفسها بأنّ ارتفاع وتيرة النزوح السوري اليوم بهذا الشكل سببه الانهيار الاقتصادي داخل سوريا، عليها النظر بشكل دقيق وعلمي لهذه المسألة وطرح الأسئلة التالية: كم تبلغ أجرة المهرّب الذي يسهّل دخول النازح بطريقة غير شرعية إلى لبنان؟ وهل يستطيع النازح السوري الجديد أن يجد عملاً في لبنان الذي يعاني من أوضاع اقتصادية صعبة؟ ووفق المعلومات المتوافرة للأجهزة الأمنية، فإنّ النازح يدفع للمهرّب بالدولار الفريش. فمن أين يأتي بهذا المبلغ إن كان بلا عمل في سوريا؟ والأوضاع الاقتصادية صعبة داخل سوريا منذ زمن، فلماذا الآن نشهد هذه الموجة الكبيرة؟ هل يشعر النظام السوري أنّ عودته إلى الجامعة العربية وتقارب بعض الدول مع إيران سيسمحان له باستعادة نشاطه العسكري داخل لبنان، لتعزيز نفوذه فيه والاستفادة اقتصادياً من الوضع؟

فعلى سبيل المثال، قد يستفيق اللبنانيون يوماً وهناك عشرات الحواجز لمسلحين سوريين انطلقوا من المخيمات للسيطرة على مناطق معينة بحجة حماية المواطنين السوريين من العنصرية والتفرقة. وعند محاولة الجيش اللبناني والقوى اللبنانية التدخّل، ستبرز مشكلة وجود عشرات آلاف المدنيين السوريين في هذه المخيمات، الذين قد يتعاطف عدد كبير منهم مع المسلحين بسبب الهوية التي تجمعهم. وربما تعبر القوات السورية الحدود لحمايتهم. وحتى "حزب الله" سيواجه مشكلة في التعامل مع هذا السيناريو، نظراً للعلاقة المعقّدة التي تملكها إيران مع النظام السوري. كما أنّ البُعد الطائفي والمذهبي للوجود العسكري السوري قد يتفاعل بشكل يُفاقم المشكلة ويعطيها أبعاداً أخرى.

كما أنّ هذه المخيمات تشكّل ملاذاً آمناً لخلايا استخباراتية مهمّتها تنفيذ عمليات اغتيال أو تفجير، من أجل إثارة النعرات الطائفية وإشعال الساحة الداخلية اللبنانية. وقد تكون هناك قيادات لبنانية قريبة من النظام السوري ساذجة لحدّ رفضها إمكان إقدام هذا النظام على هكذا مغامرات أمنية. فلطالما برع نظام الأسد في إيجاد المشاكل الأمنية من أجل أن يقدّم نفسه كطرف وحيد قادر على حلّها. وهذا ما قد يُقدم عليه عبر زرع آلاف المسلحين داخل مخيمات النازحين.

السيناريو الأمني الآخر، هو إمكان استغلال المجموعات الإرهابية مثل "القاعدة" و "داعش" لعمليات النزوح، لزرع عناصرها وخلاياها النائمة في المخيمات. فهي نجحت بذلك سابقاً في مخيمات عرسال، وبحسب تقارير المخابرات اللبنانية، لا تزال هذه المجموعات تحاول زرع خلايا لها في هذه المخيمات. ودخول النازحين الشباب بالآلاف اليوم قد يؤدي لوجود ثغرات تسمح لمرور هذه العناصر الإرهابية التي قد تُقدم على عمليات تفجير في أحياء شيعية أو مسيحية تهدّد السلم الأهلي.

طبعاً هذه كانت بعض السيناريوهات الأمنية، وهناك غيرها من المخاطر التي تحمل أبعاداً اقتصادية واجتماعية تشكّل تهديداً للأمن الإنساني اللبناني والهوية الوطنية. يجب على القيادات الأمنية أن تأخذ أسوأ السيناريوهات في الاعتبار عند التعامل مع واقع خطير مستجد، وأن تعمل على عدم توفير العوامل المسهّلة لحصولها. فلا أمن أفضل من الأمن الوقائي.

على القوى السياسية في لبنان أن تقارب موضوع النزوح السوري على أنّه تهديد أمني آني وليس بعيد الأمد، وأنّ المجتمع الدولي المُنهك بمشاكل شتى وحروب وأزمات اقتصادية وكوارث طبيعية متعددة، لن يتدخّل في أي وقت قريب لحل مشكلة النازحين في لبنان، بخاصة مع بقاء النظام السوري في الحكم. وعلى الأحزاب اللبنانية كافة - الحليفة والمعادية لسوريا - أن تعي حجم الخطر الأمني الذي بات يشكّله وجود النازحين اليوم. وعليه، يجب وضع خطة مع القوى الأمنية والجيش اللبناني لتنفيذ خطوات راديكالية لقمع المهرّبين على الحدود وإقفال الممرات غير الشرعية، ولإزالة كل المخيمات وحصرها في منطقة واحدة ومحصورة على الحدود مع سوريا، إضافة إلى وضع قوانين جديدة تحدّ من تدفق العمالة السورية. قد لا تعجب هذه الخطوات بعض القوى الغربية، لكنها لن تستطيع فعل أي شيء تجاهها، وستبقى مجبرة على دعم لبنان وتقديم المساعدات لتجنّب عمليات هجرة النازحين السوريين عبر البحر اليها. فلبنان لن يمارس إعادة غير طوعية للسوريين كما تعهّد، بل إعادة تنظيم وجود النازحين لحماية أمنه واستقراره - كما فعل الأردن وتركيا.

*نقلاً عن "النهار"

مادة اعلانية
تاريخ الخبر: 2023-09-22 18:10:55
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 81%
الأهمية: 90%

آخر الأخبار حول العالم

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:13
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية