في معنى الفولكلور


تبدو الثقافة الشعبية للبعض وكأنها مجرد مجموعة من الفنون والطقوس التي يمكن أن نشاهدها فى معارض ومطبوعات الفولكلور، وقد تبدو للبعض الآخر أنها مجرد عادات وتقاليد عفا عليها الزمن، وما تبقى منها ما هو إلا دليل على تخلف المجتمعات والإخفاق فى اللحاق بركب الحداثة. وبالفعل قد تتضمن الثقافة الشعبية مثل هذه الجوانب، ولكنها أوسع من ذلك بكثير، فهى تعبر عن حيز ثقافي واسع تم مراكمته.

عبر الأجيال والثقافات. وفي حين أنها تخضع لعوامل الزمن وتحولاته، إلا أنها قادرة على البقاء وإعادة إنتاج وتجديد وتحوير ذاتها. ولأنها التعبير عن الحس الشعبي غير الرسمي، فإنها الأكثر ارتباطا بتفاصيل الحياة اليومية.

ومن المعروف في مجال العلوم الاجتماعية والدراسات الثقافية، أن تعريف الثقافة محل اختلاف، حيث تعددت التعريفات في محاولة للاحاطة بهذا المجال المرن والمتسع المسمى “ثقافة”. فالثقافة مفهوم سهل التداول ولكنه صعب التعريف. وبالتبعية فإن هذا الإشكال ينطبق على تعريف مفهوم “الثقافة الشعبية”، فهو أيضا سهل التداول ولكن هذا لا يعنى سهولة تعريفه. يقول . د. عاطف عطية فى دراسته “الثقافة الشعبية بين المادى واللامادى” “تحمل الثقافة الشعبية فى ثناياها الكثير من العناصر التي تجعل منه مفهوما ملتبسا، وخاصة فى مجالات الثقافة العربية. وبما أن هذا المفهوم مرتبط تاريخيا فى الذهنية العربية بكل ما هو مخالف للعقلانية والإيمان الديني القويم والقواعد الضابطة للغة. فقد انتمى فى اتجاهه هذا، بالعامة من الناس، بعفويتهم وصدقهم وأحلامهم وأمانيهم، وبما يوقظ لديهم الإحساس بالقوة والحرية والحب والحنين، وكل الأحاسيس التي تولد فيهم الشعور بأنهم أحياء، أو بحاجة إلى ما يمكن أن يعمل على استمرار حياتهم بالصحة اللازمة والنشاط، فى عالم تعز فيه لقمة العيش وراحة البال”.

وهكذا فإن قوة الثقافة الشعبية نابعة من الرابط القوى بالواقع المعاش بتناقضاته وتعقيداته، فهى وسط ووسيط للعيش والتعايش والتحايل على “المعايش”. وبكلمات أخرى، فهي- إن صح القول-أحدأهم أشكال الواقع المعاش لكونها محركا له وتعبيرا عنه فى ذات الوقت. وبالطبع تختلف أنماط ومستويات هذا التعبير من مجتمع لآخر، وداخل نفس المجتمع بين الريف والحضر، وبين الفئات والطبقات الاجتماعية. ومن المعروف أن المجتمعات التقليدية والريفية والهامشية، والتي لا تحكمها المؤسسات بقدر ما تحكمها الأعراف والتقاليد الشعبية، هى الأكثر تأثرا بالموروث والمعتقدات الشعبية.

ويعتبر مصطلح الفولكلور معبرا عن المجال الذى يتم فيه دراسة الثقافات الشعبية. “والمعنى الحرفي لهذا المصطلح هو حكمة الشعب. وأصبح يدل فى الأوساط المختلفة على مدلولين: الأولالعالم الخاص بالمأثورات الشعبية من حيث أشكالها ومضامينها ووظائفها. والثاني المادة الباقية والحية التي تتوسل بالكلمة والحركة والإيقاع وتشكيل المادة. وكانت المراحل الأولى لاستخدام مصطلح الفولكلور مقصورة على العادات والتقاليد والآداب والفنون الزمنية الشعبية؛ كالموسيقى والرقص، ثم أصبحت تستوعب أيضاً المواد المشكلة التى يُحكم عليها بأنها شعبية، وخصوصا التي لها وظائف حيوية اجتماعية كالنقوش والصور والتماثيل والعمارة. ويرى بعض الدارسين أن الحرف والصناعات اليدوية المُتداولة تدخل فى مجال الفولكلور”. [الدكتور عبد الحميد يونس: معجم الفولكلور]

إن الثقافة الشعبية لا تتضمن فقط الجانب الرمزي المعبر عنه من خلال اللغة والنقوش، بل لها جانبها المادي المتعلق بالممارساتوالطقوس، وكذلك المنتجات المادية والتي هي منتجات وتعبيرات ثقافية كالأزياء والأدوات المنزلية والحرفية. ولأنه يجرى تناقلها عبر الأجيال فإنها تشكل ما يسمى بـ “التراث الشعبى”. ويقدم قاموس مصطلحات الأثنولوجيا والفولكلور لإيكه هولتكرانس، تعريفات لعدد من المصطلحات ذات الصلة بموضوعنا، ومنها مصطلح التراث الشعبى والذي يعني “المعتقدات والعادات الاجتماعية الشائعة وكذلك الرواية الشعبية”. ويدل التراث الشعبي – بصفة عامة – على موضوعات الدراسة فى الفولكلور، أو دراسة التراث الشعبي، أو دراسة الرواية الشعبية. وينبغي أن نرى الوحدة فى كل هذه الموضوعات فى كونها تجسد جميع جوانب الثقافة الروحية. ويشير اسم التراث الشعبي إلى أننا نتناول هنا تراثا شفاهياً ينتقل من جيل إلى آخر داخل الشعب”. أما العادات الشعبية فتعني “أساليب الشعب وعاداته بمعنى القواعد المستترة للسلوك، التى يؤدى خرقها إلى الصدام مع ما يتوقعه رأى الجماعة Common Opinion”. والعادة الاجتماعية هى: “سلوك أو نمط سلوكي تعده الجماعة الاجتماعية صحيحا وطيبا وذلك لمطابقته للتراث الثقافي القائم.. ولو أكدنا القوة القسرية المعيارية للعادة فإنه يمكن تسميتها عادات شعبية أو سننا..”.

ومع تضمين العادات والمعتقدات فى الثقافة الشعبية، فإن هذه الثقافة لا تكون مجرد تعبيرات رمزية ومادية محايدة أو احتفالية، ولكنها أطر وأدوات للتنظيم والضبط الاجتماعى، فمن خلالها يتم رسم وتحديد خريطة السلوكيات الصحيحة والخاطئة وفق المعايير والمحددات السائدة في المجتمع، والكثير من هذه المعايير والمحددات لا تخلو من طابع الإلزام، بمعنى أن مخالفتها قد تسفر عن عقوبات معنوية أو حتى جسدية. وإذا كان مبدأ الإلزام طابع عام ينطبق على الجميع، ولكن المعايير والمحددات التى تفرضها العادات والمعتقدات الشعبية ليست محايدة اجتماعيا وخاصة من منظور النوع الاجتماعى، كما أنها تتسم بالتحايل من المنظور السياسي وحتى المراوغة من المنظور الديني.

تاريخ الخبر: 2023-10-09 09:21:21
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 53%
الأهمية: 54%

آخر الأخبار حول العالم

يُتوقع تسليمه شهر نوفمبر: تسارع وتيرة إصلاح المصعد الهوائي بعنابة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 03:24:32
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

قيادي بحماس: إذا استمر العدوان فلن يكون هناك وقف لإطلاق النار

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 03:26:08
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

قيادي بحماس: إذا استمر العدوان فلن يكون هناك وقف لإطلاق النار

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-08 03:26:00
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية