حرب غزة: "أين نختبيء من الموت القادم من السماء؟"

صدر الصورة، Reuters

  • Author, حنان عبد الرازق ومحمد إبراهيم
  • Role, بي بي سي نيوز عربي

"مع كل قصف، نشعر أن زلزالا ضرب البيت، جسدي يرتعش بالكامل وأشعر بدقات قلبي المتسارعة بسبب الخوف"، هذا ما قالته نادية، ليس اسمها الحقيقي، إحدى سكان القطاع.

يوم الإثنين، استيقظت نادية على أصوات القصف داخل منزلها في الجزء القريب من شاطيء القطاع، وتقول عن ذلك: "بدأ القصف في الثامنة صباحا واستمر بلا توقف حتى منتصف الليل. لم يتوقف لثانية واحدة".

قالت نادية، التي تعتني بابنيها الصغيرين (أحدهما يبلغ من العمر خمس سنوات والآخر ثلاثة أشهر فقط)، إن بيتها الذي تعيش فيه كلفها ادخارا لسنوات. كانت وحدها مع طفليها تحت القصف في حين أن زوجها الذي يعمل طبيبا كان مشغولا بتقديم المساعدات الإنسانية للمصابين.

"ما الذي يجري. ومتى سينتهي؟" هذا هو السؤال الذي يطرحه ابنها الأكبر مع كل غارة جوية. ما تستطيع أن تقوله نادية لتهدئته هو أن "سماع صوت القصف يعني أن التفجير حصل قبلها بثوان قليلة جدا، ما يعني أنه شيء جيد لأنه لم يصبنا".

ليس من الضروري أن يعرف طفل في هذا العمر أمرا كهذا أو يفهمه، لكن بالنسبة لنادية، تعد هذه الطريقة الوحيدة لتهدئة ابنها الصغير في هذه الظروف.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • حرب غزة: إسرائيليون يبحثون عن أقاربهم المفقودين بعد اختفائهم خلال عملية "طوفان الأقصى"
  • ماذا يعني إعلان إسرائيل أنها "في حالة حرب"؟
  • هل تقدم إسرائيل على عملية برية واسعة في غزة؟
  • حزب الله أخطر وأقوى من حماس، وهجوم القسّام قد يرقى لجرائم حرب -الصحافة الإسرائيلية

قصص مقترحة نهاية

أما ابنها الرضيع ذو الثلاثة أشهر، فقد أصيب بتشنجات بسبب أصوات التفجير ورفض تناول الحليب.

رفضت نادية، خلال الأيام الماضية، مغادرة منزلها الذي "لكل زاوية فيه ذكرى". لكن ليلة الإثنين، سمعت جيرانها يركضون على الدرج وهم يصرخون: "إجلاء! إجلاء!". ترددت الأم الشابة لبضع ثوان، وكان عقلها في حيرة ليقرر ما الذي ستأخذه معها، ثم انفجرت في البكاء من العجز والرعب. غادرت المبنى مع طفليها، لكنها قالت إنها لم تتمكن من التعرف على الحي لأن المباني المحيطة بالمبنى الذي تسكن فيه سويت بالأرض.

تحاول نادية الآن أن تشق طريقها بأمان إلى منزل والديها، لكنها تقول: "أين يمكنك الاختباء عندما يأتي الموت من السماء؟".

نادية وسكان غزة الآخرون الذين تحدثت معهم بي بي سي، يقولون إن حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع لم يسبق لها مثيل.

"لا يوجد مكان آمن في غزة"

صدر الصورة، AFP/Getty Images

تخطى البودكاست وواصل القراءة

بودكاست أسبوعي يقدم قصصا إنسانية عن العالم العربي وشبابه.

الحلقات

البودكاست نهاية

وفي حي الرمال الساحلي الراقي، كانت دينا البالغة من العمر 39 عامًا تحتمي من الغارات الجوية الإسرائيلية مع والدتها وأبيها وشقيقتها وابني أختها في الفيلا الخاصة. هذه المنطقة عادة ما تكون هادئة على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات من وسط المدينة.

بعد ظهر يوم الإثنين، بدأت الأسرة تسمع صوت قصف عنيف في محيط الحي.

تقول دينا: "كنا نظن أننا آمنون في المنزل، لكن فجأة ودون سابق إنذار، تحطمت النوافذ، وتحطمت الأبواب وتطايرت. وسقطت أجزاء من السقف حول رؤوسنا".

تضيف دينا إنهم بقوا داخل المنزل المتضرر، بعد أن أصيبوا بالصدمة، بعد ست غارات جوية أخرى ضربت المنطقة.

وبمجرد أن أصبح الوضع أكثر هدوءًا، فرت دينا وأفراد عائلتها للنجاة بحياتهم، تاركين كل شيء وراءهم. ركضوا إلى المستشفى حيث عولجوا من إصاباتهم - تقول دينا إنهم محظوظون لأن جروحهم لم تكن عميقة.

وعندما عادوا إلى المنزل ليأخذوا أمتعتهم، كان قد سوي بالأرض بالكامل. وهم يقيمون الآن بشكل مؤقت مع عائلة أخرى، ولا تزال دينا تحاول التعافي من صدمة "فقدان منزلنا وذكرياتنا والمكان الذي كنا نشعر فيه بالأمان".

وتضيف: "لا يوجد مكان آمن في غزة".

المستشفيات تكافح من أجل إنقاذ الأرواح

وفي مستشفى الشفاء، وهو أكبر مستشفى في القطاع المكتظ بالسكان، يقول رئيسه الدكتور محمد أبو سليمة إن "الوضع رهيب".

ويضيف: "لقد قُتل ما لا يقل عن 850 شخصًا وأصيب أكثر من 4000 آخرين".

ويقول إن المستشفى يعتمد على المولدات الكهربائية منذ انقطاع التيار الكهربائي عن القطاع، وليس لديهم سوى ما يكفي من الطاقة للاستمرار في العمل لمدة ثلاثة أيام أخرى.

ومع إعلان إسرائيل عن فرض حصار كامل على غزة، أصبحت مياه الشرب نادرة داخل المستشفى. ويقول الدكتور أبو سليمة إنهم يمنحون الأولوية الآن لاستخدام المياه النظيفة فقط "للحالات الحرجة" بينما اضطروا إلى إغلاق أقسام أخرى في المستشفى للمساعدة في إنقاذ الأرواح.

لا يخشى الطبيب على سلامة مرضاه فحسب، ولكن أيضًا على موظفيه - ويقول إن سيارات الإسعاف قد تم استهدافها وقُتل طبيب وهو في طريقه إلى المستشفى.

ووفقا لوكالة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا)، فقد تزايدت وتيرة النزوح الجماعي بسرعة خلال الـ 24 ساعة الماضية، وفر أكثر من 187,000 من سكان غزة من منازلهم بحثًا عن ملجأ.

ومع استمرار القصف العنيف، تمكنت الوكالة من إيواء 137,500 شخص، لكنها تشعر بالقلق من أنها ستصل قريباً إلى طاقتها الاستيعابية.

محال فارغة

كان إسحاق، 27 عاماً، يعيش مع والدته المسنة وأبيه وزوجة أخيه وأطفالها الخمسة في حي الشجاعية. وبعد أن قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبلاده إنهم مقبلون على "حرب طويلة وصعبة" في أعقاب هجمات حماس يوم السبت، توقع إسحاق وعائلته ما سيأتي.

جمعوا ممتلكاتهم الأكثر قيمة، وحمل كل منهم حقيبة صغيرة، ولجأوا إلى وسط المدينة.

وفي طريقهم، حاولت الأسرة المكونة من 20 شخصًا تخزين مواد الإعاشة الأساسية ، لكن المتاجر كانت شبه فارغة بالفعل حيث هرع العديد من سكان غزة للتخزين بمجرد علمهم بهجمات يوم السبت.

وانتهى بهم الأمر بالاختباء من الغارات الجوية في أحد المباني السكنية في وسط المدينة، مع عائلات أخرى.

يقول إسحاق: "بقينا هناك لمدة 48 ساعة بدون كهرباء أو ماء". ثم تلقى مساء الاثنين رسالة من الجيش الإسرائيلي بإخلاء المبنى في منتصف الليل.

"كل ما استطعنا رؤيته من حولنا هو حطام المباني".

وساروا شمال وسط المدينة إلى إحدى المناطق السكنية الأكثر هدوءًا عادة، لكنهم سرعان ما رأوا أن "معظم المباني قد سويت بالأرض" هناك أيضًا.

ظل إسحاق وعائلته مختبئين لأكثر من 12 ساعة في الطابق الأرضي السفلي المظلم من مبنى مدمر جزئيًا مع 10 عائلات أخرى.

ويقول: "نعيش في خوف مطلق مما ستحمله لنا الساعات المقبلة وندعو جميعا من أجل السلامة". ما زالوا لا يعرفون ماذا يفعلون أو إلى أين يتجهون بعد ذلك.

(لم يرغب أي من المساهمين الذين تحدثت معهم بي بي سي في استخدام صورهم).