عاد النقاش مجددا ليفتح ملف مدونة الأسرة وسط زحمة القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تهم المملكة المغربية داخليا وخارجيا، بعدما أثارت من جديد جدالا فقهيا قانونيا يتعلق بإلغاء المادة الأخيرة من القانون الذي ينظم الأحوال الأسرية.
وتشير المادة 400 من مدونة الأسرة إلى ضرورة الرجوع إلى اجتهادات المذهب المالكي في حالة عدم وجود نص قانوني يؤطر قضية ما، والذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف، الأمر الذي عارضه الفقيه القانوني المغربي محمد الادريسي العلمي المشيشي، بحجة “صعوبة تطبيق النص وغموضه”.
وسجل مراقبون أن المذهب المالكي يعتبر هوية الإسلام داخل المملكة المغربية، نظرا لأن المادة الأخيرة من مدونة الأسرة تقويه وتجعله مصدرا في حالة وجود ثغرات أسرية.
الدكتور عبد الكبير حميدي، أستاذ أصول التفسير ومقاصد الشريعة بجامعة مولاي إسماعيل، الكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، يقول إن “المذهب المالكي هو أكثر المذاهب أخذا بكليات الشريعة ومقاصدها، وأنه أوسع المذاهب الفقهية وأكثرها مرونة في باب المعاملات”، مشددا على أن “المذهب المالكي لا يقتصر على اجتهادات مالك إمام دار الهجرة الذي يرجع إليه الفضل في وضع أصول المذهب، وإنما يشمل اجتهادات فقهاء المذهب والمغاربة منهم على وجه الخصوص”.
وأورد عبد الكبير الحميدي، في تصريح لـ”الأيام 24، أن “المذهب المالكي ركن من أركان الهوية الدينية المغربية التي تحتاج إلى تقوية وترسيخ لدى الناشئة المغربية، ولا أرى أي معنى للإدعاء بأن ذكر المذهب المالكي إلى جانب الاجتهاد القضائي في المادة 400 من مدونة الأسرة يشوش على هذا الأخير”، مؤكدا على أنه “يكمله ويعضده ويقويه، ويفتح عينه على ثروة فقهية غزيرة من النوازل والفتاوى يمكن الرجوع إليها والاستعانة بها في شؤون الأسرة وقضاياها، وذلك أفضل من الاعتماد على مجرد الاجتهاد القضائي بدون مصدر أو مرجعية فقهية”.
وتابع المتحدث عينه أن “اعتبار ذكر المذهب المالكي في المادة 400 تقييدا للاجتهاد القضائي وتشويشا عليه أمر غريب، لأنني لا أعلم قانونا من قوانين الأرض بغير مصادر ومراجع، وتعدد الأقوال والاجتهادات في المذهب هو دليل خصوبته ومرونته”.
مضيفا أن هذا “الأمر يسهل للقاضي أن يتخير من الأقوال ما يراه أقرب إلى النازلة وأكثر تحقيقا لمقاصد الشرع في الأسرة، إلا إذا قصرت الهمم عن البحث والتنقيب، وهنا لا بد من تفعيل البحث الفقهي ليواكب الاجتهاد القضائي، من خلال الانفتاح على خبرة الباحثين وفقهاء الشريعة والقانون، والسعي نحو صياغة الآراء والاجتهادات الفقهية صياغة قانونية محكمة لتكون في متناول السادة القضاة”.
