وطنى تحاور المفكر والسياسي والأكاديمي الدكتور علي الدين هلال


· من المهم أن نفكر .. لكن الأهم كيف نفكر
· الرهان على الشعب المصرى رهان كسبان .. ولكن بشروط
· تطوير التعليم أصبح ضرورة ملحة .. ولكن المجتمع لا يريد التغيير
· قيمة الحوار الوطنى تكمن فى أنه جمع بين المختلفين على مائدة واحدة

أكاديمي بارع وسياسي محنك ، مسيرة طويلة من العطاء في العمل الأكاديمي والبحثي فى مصر والعالم العربي، هو امتداد لجيل من الرواد الذين ساهموا بقوة فى مجال العلم والبحث والعمل العام، أنه المفكر السياسي الكبير الدكتور على الدين هلال أستاذ العلوم السياسية، الذي تخرج على يده أجيال من السياسيين والدبلوماسيين ، لديه قدرة على تحليل مجريات الأحداث السياسية بطريقة ولغة بسيطة يفهمها الجميع ، العمل السياسي فى حياته ليس صدفة بل هو طريق اختاره منذ أن كان طالبا بالجامعة، لم يسعى لمنصب سياسى بل من داخل منبر الجامعة استطاع أن يقدم العديد من الأبحاث والدراسات وأيضا المقالات التى تخدم بلده، حتى تم اختياره لمنصب وزير الشباب عام 1999 ، فكان تحديا له أن تجد أفكاره وآرائه العلمية طريقها للتطبيق، وعلى الرغم من توليه العديد من المناصب السياسية بالدولة ألا أن العمل الأكاديمي سيظل هو الأساس على حد تعبيره ..

وطنى التقت مع المفكر السياسى الدكتور على الدين هلال فكانت هذه الحلقة في سلسلة “محاكمة رواد الفكر”..

· من الدراسة الأكاديمية الى الاشتغال بالسياسة .. لماذا هذا التحول فى حياتك وهل سعيت أم دعيت الى العمل السياسى؟

بدأت العمل السياسي قبل التخرج من الجامعة ، حيث التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية سنة 1960 ، وأنا فى السنة الثالثة كنت أمين لجنة الاتحاد الاشتراكى بالكلية وكان النشاط السياسي بالكلية حديث الصحف بل أرسل الرئيس عبد الناصر برقية تحية لهذا النشاط الطلابى بالكلية، والعمل السياسي معناه الاهتمام بالشأن العام، أوضاع الفقراء، حقوق الإنسان، الديمقراطية و المساواة بين الناس وهكذا، ولكن فجأة قطعت هذا العمل السياسى وقبلت منحة للسفر الى كندا لاستكمال الدراسة الأكاديمية والحصول على الماجستير والدكتوراه من عام 1966 وحتى 1973.

· وماذا عن نشاطك السياسى بعد تخرجك من الجامعة و قبل سفرك للخارج ؟

بعد تخرجي مباشرة من الجامعة عام 1964 وقبل سفري للخارج عام 1966 وكان عمرى 21 سنة، بدأت فى كتابة المقالات فى مجلة المصور وآخر ساعة وجرائد أخرى، ثم أصبحت عضو اللجنة التحضيرية لإنشاء منظمة الشباب الاشتراكى العربى ولقد أتاح لي العمل بالمنظمة التعرف على طيف واسع من مختلف الآراء والاتجاهات السياسية وكنت أصغر واحد بالمنظمة ، وهذه الفترة تبلور فيها وعي السياسي.

· وكيف تشكل الوعى السياسى لديك ؟

وعي الإنسان يتشكل من خلال عدة عوامل منها القراءة ، و الفضل الأكبر فى تعليمي بعد أساتذتي والله سبحانه وتعالى هو سور الأزبكية ، كنا نشتري الكتب القديمة التى كانت تباع وقتها بـ قرشين صاغ، كنا نحرص على القراءة بشكل دائم، أيضا وعى الإنسان يتشكل نتيجة الظروف والأحداث المحيطة بنا ، و أنا وأبناء جيلي كنا محظوظين حيث مرحلة الرئيس جمال عبد الناصر المليئة بالأحداث منها العدوان الثلاثى، القرارات الاشتراكية، الوحدة المصرية السورية.

· ننتقل إلى فترة الرئيس السادات .. هل ابتعادك عن العمل السياسى خلال عهده كان اختياريا أم إجباريا ؟ وماذا عن مشاركتك فى مؤتمر جينيف عام 1975؟

مرحلة الرئيس السادات لم اتقلد أي منصب سياسي ، و لكن بحكم خبرتى العلمية والأكاديمية تم دعوتي للتحليل السياسي والكتابة السياسية، وتم اختيارى أحد أعضاء الوفد الذي سافر مؤتمر جينيف عام 1975، وأذكر في لقاء مع الرئيس السادات أنه أعطانا درس في الدبلوماسية والمفاوضات فكان رجل محنك ، قال لنا “أنا عايز أقول لكم أن فى ناس كتير غير سعيدة بهذا المؤتمر، وممكن تجدوا مهاجمة من دول عربية أو من أحزاب داخل مصر ، فلا تتأثروا بما يقال حولكم” ، الفكرة هنا عدم التأثر بما يقال حتى لا يتأثر موقفك السياسي واختياري في مؤتمر جنيف هو دور سياسي خارجي فقط ولم أدعى لأى عمل سياسى داخلى.

· وماذا عن فترة الرئيس مبارك ؟

بعد عام من تولي الرئيس مبارك، تم استدعائي لمكتب الرئاسة ، بالفعل ذهبت وفقا للموعد المحدد لى وكان لقاء مع الرئيس مبارك بحضور الدكتور بطرس غالي، استمر اللقاء قرابة الساعتين، تحدثت مع الرئيس فى العديد من الموضوعات وكان يستمع جيدا لآرائى بل يشيد بها فى خطبه ، أذكر أنه فى آخر اللقاء قلت له “يا ريس شاكر فضلك انك تقابلني، وانا ممكن أخدم مصر والنظام وأنا في داخل الجامعة، وقتها ضحك الرئيس مبارك قائلا ” أنا مش في ذهني أنك تيجي العمل التنفيذي لكن سمعت عنك وقلت اتعرف عليك وجها لوجه”، بعد ذلك توالت اللقاءات مع الرئيس في إطار مجموعات ، وفى عام 1999 تم اختياري كوزير للشباب.

· العمل السياسي يفرض بعض القيود على من يمارسه .. الى أى مدى منعتك قيود العمل السياسى من مراجعة الدولة فى سياساتها ؟

العمل السياسي مراحل حينما كنت عضو فى لجنة حكومية كنت غير مقيد، الفترة الوحيدة التي قيدتني عندما اشتغلت منصب وزير في الدولة، أصبحت مسؤول حينما أتحدث فأنا أتحدث باسم الوزارة، وأعبر عن وجهة نظر الرئيس والحكومة، وكان صعب وأنا وزير أن انتقد وزارة معي في الحكومة.

· هل كانت لديك محاولات لمراجعة النظام السياسى وهل وجدت صدى لها؟

طبعا كان لي كثير من الملاحظات كنت أرسلها الى مكتبه ، في ذات مرة استدعاني رئاسة الجمهورية، اللقاء كان يحضره وزير الدفاع، وزير الخارجية، وزير الداخلية، وأنا والسفيرة فايزة أبو النجا، الرئيس جمعنا وقال لنا “أن المعطيات تؤكد أن أمريكا هتغزو العراق في فبراير 2003، وأنا عايز اعرف منكم اعمل ايه لو طلبوا منى طلبات معينة” وقتها قلت رأيي بمنتهى الشفافية وكان الرئيس يستمع للآراء المختلفة ويأخذ بها.

· هل اشتغالك بالسياسة أثر بالسلب على عملك الأكاديمى أم استطعت أن توفق بينهما؟

العمل الأكاديمي والعمل السياسي وجهان لعملة واحدة، الأستاذ الجامعى أو المفكر لديه أفكار قابلة للتنفيذ والتطبيق وليس مجرد كلام انشاء، عمرى ما تركت الدراسة الأكاديمية، الفترة الوحيدة التي توقفت فيها عن الأكاديمية هي الفترة التي توليت فيها وزارة الشباب من عام 1999 الى عام 2004 .

مؤلفاته

· من أهم مؤلفاتك “عودة الدولة” الذي يتناول تطور النظام السياسي بعد 30 يونيو .. بداية أليس تعبير عودة الدولة به إسقاط على انحسار دور الدولة فى مرحلة ما قبل 30 يونيو ؟

تعبير “عودة الدولة” يعنى حدوث غياب وانحسار للدولة، وهي عبارة علمية وفي نفس الوقت فيها قدر أدبي أن الدولة تراجع دورها، فما حدث فى الشهور التالية لثورة يناير أرهقت الدولة، كل يوم مظاهرات، مطالب فئوية هنا وهناك ، ثم تأتي فترة حكم الإخوان لمدة عام كامل من 30 يونيو 2012 الى 3 يوليو 2013 ، خلال هذا العام ظهر أن الرئاسة لم تعد هي الجهاز المسيطر أو المؤسسة التي تحكم ، فالرئاسة تستشير مكتب الإرشاد فيما تتخذه من قرارات، كأن رئيس الدولة ومن معه ليسوا هم صناع القرار وبالتالي تراجع الدولة ..

· معنى هذا اهتزاز مؤسسات الدولة ؟

نعم مؤسسات الدولة تعرضت للاهتزاز وتراجع دورها نتيجة فترة حكم الإخوان ونتيجة فترة الاضطرابات السياسية، لقد حدث تجاوز حيث تجرأ البعض على رموز السلطة وإهانة أحيانا أشخاص في ملابسهم الرسمية، سياسة فرض الرأي من جانب الإخوان تجاه مؤسسات الدولة والتي كان أبرز مظاهرها تعيين عناصر من المنتمين للجماعة فى المناصب الإدارية المختلفة فيما سمى “أخونة مؤسسات الدولة”، وسعى الرئيس مرسى للانفراد بالسلطة ، الأمر الذي أدى الى تصاعد الدعوات الى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة ..

· ماذا عن 30 يونيو 2013 وبداية عودة الدولة ؟

30 يونيو كانت بداية عودة الدولة ، ملايين المصريين نزلوا الميادين فى مختلف المحافظات تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة ، ونتيجة لرفض الرئيس مرسي الاستجابة لهذه المطلب اتفقت القوى الوطنية على عزله فى 3 يوليو 2013 ، فكانت بداية مرحلة استعادة الدولة المصرية فيها زمام المبادرة وتم الإعلان عن مرحلة انتقالية جديدة وخارطة المستقبل والتى تجسدت فى ثلاث خطوات رئيسية لبناء النظام الجديد هي وضع الدستور الذى تم إقراره في استفتاء شعبى أعقبه انتخابات عامة لمنصب رئيس الجمهورية ويليها انتخابات مجلس النواب والتي تستكمل بها الدولة مؤسساتها، ومن عام 2013 حتى 2015 كان الرئيس عبد الفتاح السيسى يؤكد على عبارة تثبيت مؤسسات الدولة …

· ذكرت فى كتابك “عودة الدولة” أن التطورات السياسية السريعة التى حدثت بمصر كانت بفعل سياسات الشارع، هل معنى ذلك انعدام دور الأحزاب خلال تلك الفترة؟

باستثناء فترات معينة الأحزاب السياسية المصرية تعانى من الضعف ، فمنذ عام 1952 الى 1977 كان هناك التنظيم السياسى الواحد كبديل عن تعدد الأحزاب ، ثم بعد ذلك مرحلة التعددية الحزبية عندما قرر الرئيس السادات تحويل المنابر الى أحزاب ولكنها اصطدمت بالقوانين المقيدة للحريات، وقبل وفاة السادات دخل الوفد والتجمع في صراع معه، وعلى الرغم من وجود تعددية حزبية في عهد الرئيس مبارك ألا أنها كانت تعددية شكلية إذ كان هناك حزب واحد مهيمن على الحياة السياسية هو الحزب الوطنى ، والأحزاب نشطت الى حد ما في يناير 2011، بفعل المظاهرات والتطورات اللي حدثت ، لكن يبقى الإخوان المسلمين في ذلك الوقت أقوى التنظيمات السياسية عددا ومالا وتنظيما لذلك استطاعوا أن يسرقوا الثورة ، بل حصلوا على الأغلبية فى كافة الانتخابات التي أجريت بعد الثورة .

· حضرتك شايف أن ممكن الأحزاب تقوى خلال الفترة القادمة ؟

أرجو هذا، وآخذ المفتاح الكلمة التي قالها الرئيس السيسى عن ترشيح نفسه “نحن نريد انتخابات تعددية”، واعتقد أنه كلما ظهرت هذه الانتخابات الرئاسية بشكل تنافسي وتعددي من خلال مرشحين مختلفين يطرحون آراء مختلفة كلما زاد الاستقرار السياسي في مصر وكلما زاد شرعية النظام السياسي فى مصر، النظام الديمقراطي يقوم على التعددية الحزبية والأحزاب هي الدينامو الذي يحرك النظام السياسي ولو الأحزاب ضعيفة يكون النظام السياسي ضعيف في جوهره.

· ذكرت أيضا فى مؤلفك “عودة الدولة” أن الطرف الذى امتلك الشرعية الثورية وفجر ثورة يناير 2011 كان الشباب ثم فى موضع آخر ذكرت أن هذا الدور تراجع خلال المرحلة الانتقالية التى تلت الثورة، هل غياب التنظيم الذي يجمع الشباب تحت مظلة واحدة فتح الباب أمام قوى أدعت نسبها للثورة الأمر الذى انتهى بحكم الإخوان؟

غياب وجود تنظيم يجمع الشباب هو الذي أدى الى تراجع دورهم ، الشباب هو الذي فجر الثورة و كان ينظم الشباب وقتها ما سمي الائتلافات الشبابية وصل عددهم الى ما يزيد عن 200 ائتلاف، أذكر وقتها أن رئيس الوزراء عصام شرف دعا الشباب الى مجلس الوزراء للمشاركة وخصص لهم غرفة خاصة ، والنصيحة التي قدمت لهم وقتها وكنت واحد من الناس الذين قدموا هذه النصيحة هى ضرورة الإسراع فى تشكيل حزب يمثلهم، وبالتالي متفق معاكي أن عدم توحد هذه الائتلافات وعدم وجود حزب يعبر عنها سهل على الإخوان حكم مصر ..

· سماته الشخصية وخطابه السياسي مكنه من التواصل مع شرائح المجتمع ، هكذا تحدثت عن الرئيس عبد الفتاح السيسي .. الى أي مدى تلعب الشخصية الكاريزمية دورا فى إدارة الصراعات والأزمات؟

ممكن نختلف حول معنى الشخصية الكاريزمية ولكن من أول مرة رأينا فيها اللواء عبد الفتاح السيسي كوزير للدفاع عندما قال البيان الذى تم الاتفاق عليه بعد ثورة 30 يوليو ، ثم عندما رشح نفسه لرئاسة الجمهورية عام 2014 وتم إجراء عدد من الحوارات التلفزيونية معه، اتضح أمرين الأول أنه تكلم وقتها دون أن يستخدم لغة عربية فصحى وما زال يتحدث لغة يفهمها أى شخص أيا كان درجة تعليمه، لغته بسيطة وسهلة واعتقد أن هذا جعله قريب من الناس، الأمر الثاني كانت ذاكرته ودراسته للموقف، أذكر أنه قال أن مشاكل مصر الكثيرة أنا حافظها وعارفها ، عنده تفكير مرتب ومعرفة بالقضايا المختلفة.

· هل لو كان الرئيس المعزول محمد مرسى يملك تلك الشخصية لتحقق له الإستمرارية والشرعية ؟

السؤال الذي يبدأ ب “لو” من الأسئلة الصعبة ، الفكرة كلها أن أى عضو من أعضاء هذه الجماعة ملتزم بإيديولوجيتها ، ومن الصعب أن يأخذ ويعطي معاكى فى الكلام لأنه ملتزم فكريا بإيديولوجية معينة، ورغم أننى أستاذ جامعي واعتز جدا بالمنهج العلمي ألا أننى أتحدث بلغة بسيطة ولدى قبول من عند الله ، وبالتالى عندما يقرر المسئول أن يتحدث إلى الناس عليه أن يستخدم لغة بسيطة دون لف أو دوران.

· وضحت فى مؤلفك أن أدراك الرئيس السيسي لإرادة الشعب المصري فى التغيير بصفة مستمرة مكنه من الانطلاق بمشروعات عملاقة .. الى أى مدى ترى الرهان على تحمل الشعب المصرى تداعيات العديد من القرارات الاقتصادية فى ظل انخفاض الدخول وغلاء المعيشة؟

من يراهن على الشعب عمره ما يخسر بس بشروط ، أهمها الصدق والشفافية ، أنك تشرح للناس الوضع بالكامل إذا كان يمس قوت يومهم مثل الأسعار، وهذا ما يجب فعله من جانب الوزراء الأفاضل، وشىء جيد عندما تحدث كل وزير على مدار ثلاثة أيام فى حكاية وطن عن المشاكل والعقبات بمنتهى الشفافية ، ونحن ليسوا ملائكة نحن بشر قد نخطىء المهم أن نتعلم من أخطائنا ، وأعطيك مثال فشل مشروع إقامة مدينة للأثاث فى دمياط، لأن المسئول وقع فى خطأ كبير وهو عدم التشاور مع أهل المحافظة الذين لم يتقبلوا المشروع، نعم كان الهدف نبيل، ولكن كان الأهم هو التشارك والتشاور مع الناس وهذا عنصر أساسي لنجاح أى مشروع والشعب ممكن يتحمل لو تحدث المسئول معهم باستمرار وشفافية، الرهان على الشعب دائما رهان كسبان.

مقولاته

استوقفني عدة مقولات لحضرتك أود أن أناقشك فيها ..

· ” الإنسان إذ هزم في داخله فقد انتهى الأمر” .. ماذا تقصد بهذه العبارة ؟

الإنسان إذ هزم فى داخله أى فقد الأمل فى قدرته على التغيير وأنه يستطيع أن يعمل للأفضل، بالنسبة لى أنا شخص متفائل بطبعي ليس تفاؤل كاذب إنما قائم على تاريخ مصر، مصر تمر بأزمة اقتصادية نعم ، هل مصر مرت بظروف صعبة على مدار الخمسين عام الأخيرة الإجابة نعم، هل مصر استطاعت أن تستجمع إرادتها وتقف مرة ثانية الإجابة نعم ، وبالتالى الإنسان هو الدافع أن يكون له دور يستطيع من خلاله جعل الأوضاع بصورة أفضل .

· هل استطاع الدكتور على الدين هلال أن يصد الكثير من الانتقادات التى وجهت إليه بعد سقوط نظام مبارك وأن يقف على أرض صلبة؟

بالفعل تعرضت لانتقادات كثيرة بعد سقوط نظام مبارك، لكنى تصديت لها ولم أفقد الثقة فى نفسى وبالتالى لن أهزم فى داخلى، والإنسان الذي لم يتعرض لفشل في حياته لا يعرف طعم النجاح ، وهناك مثل صيني يقول “لا يأس أن هذا فشلى السابع او الثانى عشر” فسمة الشعوب الناهضة أنها تريد أن تتقدم لذا تبدأ تعمل بشكل جماعى لإحداث هذا التقدم ، إذا أنت هزمت داخليا فاقد الثقة في نفسك وفي دورك وقدرتك فقد انتهى الأمر.

· “ليس من حق الإنسان أن يبدي رأيه في مسيرته” .. أفهم من ذلك أنك لا تريد أن تقيم مسيرتك وهى فترة لا يستهان بها من العمل السياسي والأكاديمي ، هل هذا تواضعا أم هروبا؟

هناك فرق بين نوعين من التقييم ، الأول هو تقييم مسيرة الإنسان فليس من حق أى شخص أن يبدى رأيه فيما قدمه من أراء وما أخذه من مواقف أو تصريحات عبر فترة من الزمن، بل الناس هى التى لها حق إبداء الرأي فى مسيرة هذا الشخص، وبالتالي أنا لا أستطيع أن أقيم مسيرتى ما لها وما عليها بل هى ملك للناس تبدى رأيها فيها، أما الثانى فهو التقييم اليومي للذات ، بمعنى أن أى إنسان عليه يوميا تقديم كشف حساب عما فعله طوال اليوم ، وذلك من أجل التغيير للأفضل.

· “الإنسان غير السعيد في حياته الخاصة من الصعب أن ينجح فى حياته العامة” .. الى أى مدى نجاح الحياة الخاصة يؤدى الى نجاح الحياة العامة؟

الحياة الخاصة والحياة العامة وجهان لعملة واحدة، فالإنسان كل متكامل، فإذا كان الشخص لديه اضطرابات فى حياته الأسرية وعلاقته بزوجته أو أولاده على غير ما يرام، فمن الصعب أن يخرج للعمل صباحا وينسى هذه الأمور أو يتركها جانبا، ولكن من الممكن أن يكون لدى الشخص مأساة شخصية ، وهنا لابد أن يتجرد منها أثناء عمله، ولكن المبدأ الأساسي تكامل الشخصية الإنسانية وتوازنها، ودائما كانت أسرتى الحافز لى بكلماتهم المشجعة وأنهم فخورين بما أقدمه.

مقالاته

· “من المهم أن نفكر .. الأهم كيف نفكر” .. استوقفني عنوان هذا المقال ، كيف إذا نفكر من وجهة نظرك ؟

مهم أن تفكر، فالتفكير هو صفة للإنسان، ولكن الأهم كيف تفكر، ما المنهج الذى تستخدمه فى تفكيرك، هل تفكر بشكل اعتباطي وغير علمي أم تفكر بشكل علمى ومنطقى، وأعطيك مثال إذا فكر الإنسان فى مشروع معين عليه أن يتعلم من التجارب الناجحة ويعرف أسباب النجاح و أيضا ينظر الى التجارب الفاشلة ويعرف أسباب فشلها لكي يتفادها، عليه أن يعرف ما يتطلبه مشروعه من إمكانيات مادية وبشرية وهكذا، جيد أن نفكر فى عدالة اجتماعية وتطوير للصحة والتعليم لكن الأهم كيف نصل الى تحقيق ما نفكر فيه، الإنسان عليه أن يتسلح بالتفكير النقدي والإبداعي، لأننا نعيش فى عالم السرعة والتغيير والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعى.

· أفهم من ذلك أن التكنولوجيا أصبحت تشكل تهديدا للعقل البشري؟

التكنولوجيا أصبحت تنافس العقل البشرى ، وصلنا الى وجود تطبيق يكتب لك مقالة أو بحث بسهولة ، وبالتالي أصبح في تهديد للعقل البشري، ومن الممكن أن يلغي العقل البشري تماما ولكن ليس فى المستقبل القريب ومصر أمامها سنوات طويلة أمام هذا، ولكن يبقى شيئا مهما أن الإنسان هو صانع هذه الماكينات، والروبوتات، وهذا تحدى أكبر لنا أن نغير مفهوم التعليم، والابتعاد عن الحفظ والتلقين وتشجيع الطلاب على الاعتماد على التفكير والبحث عن المعلومة.

· “استراتيجية تطوير التعليم” .. فى هذا المقال تذكر أن التعليم هو بوابة لتحقيق التقدم والخروج من براثن التخلف والفقر ، ماذا عن نظام التعليم فى مصر واستراتيجية تطويره؟

تعودت على الصراحة نظام التعليم لا يفرز أفضل ما فيه، و تطوير التعليم أصبح ضرورة ملحة ولكن المجتمع لا يريد التغيير، أولياء الأمور يعارضون التغيير، وأصبح ذهاب الطلاب الى المدرسة سلوكا استثنائيا، وتم الاعتماد على سناتر الدروس الخصوصية، وذلك بالنسبة لطلاب شهادة الثانوية العامة، ونفاجأ أن الدروس الخصوصية تبدأ قبل بداية السنة الدراسية وكأن الناس إقامة نظام تعليم موازي للتعليم الحكومي، وعايز اتكلم بصراحة لما كان عندنا سياسات تعليمية اصلاحية حاول الدكتور طارق شوقي تنفيذها هوجم بشدة من الناس، مشكلة التعليم فى مصر لها أسباب عديدة منها نقص عدد المعلمين، محتوى المقررات الدراسية، تغلغل الأفكار المتطرفة ، ومن ناحية أخرى الأسر لديها تخوف من أى تغيير جديد قد لا يتكيف معه أبناءهم ، لكن فى النهاية مصر ليس أمامها أي بديل غير تطوير التعليم والارتقاء بنظام التعليم.

· وأنت أستاذ جامعى لأكثر من نصف قرن كيف ترى مخرجات التعليم ما قبل الجامعى وتأثيره على الدراسة بالجامعة ؟

أكثر من نصف قرن اشتغل بالتدريس الجامعى وتابعت تغير قيم الطلاب وأولياء الأمور تجاه التعليم ، فأصبح الهدف هو الدرجات والمجموع وليس التحصيل العلمي وأصبحت المراكز والدروس الخصوصية وليس المدارس هى مصدر التعليم ، وراقبت الدفعات المتتالية من الحاصلين على الثانوية العامة الذين يلتحقون بالجامعة وشاهدت بألم التدهور المطرد في معارفهم وقدراتهم فضلا عن مشاكل اللغة العربية فتجدى طالب لا يستطيع صياغة موضوع أو مقال .

· “عن الحوار الوطني نتحاور” .. فى هذا المقال وضحت أهمية دعوة الرئيس السيسي الى عقد الحوار الوطنى مع كل التيارات السياسية والحزبية .. الى أى مدى ترى أن الحوار الوطني استطاع أن يحقق المرجو منه خاصة بعد عدد من الجلسات والخروج بالعديد من المقترحات؟

قيمة الحوار الحقيقية تكمن فى أنه أتاح الفرصة أمام القوى السياسية على اختلاف توجهاتها للجلوس على مائدة واحدة ، وأتاح الفرصة لمن لم يتحدثوا مع بعضهم البعض أن يتحدثوا بأريحية، خاصة أن المعارضة كان لديها تخوفا لمحاولة منعها من الحديث، والحوار الوطنى بمثابة قناة لتبادل الأراء و الأفكار والحلول، والاستماع لكل الآراء يزيد من شرعية النظام السياسى وتماسك المجتمع.

· ولماذا تخوف البعض من أن ينتهى الى مجرد كلام؟

منذ بداية الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس السيسى ، كان هناك شكوك ومخاوف من الكثيرين البعض قال إنها محاولة لإعادة الإخوان الى المشهد ، لكن كل أطياف المجتمع شاركت ما عدا هذا الفصيل ، البعض قال إنه مجرد مكلمة وتشخيص الموضوعات فقط ، إنما هو وضع مقترحات وحلول للمشاكل المختلفة ، الحوار الوطني ليس مؤسسة تشريعية أو سلطة تنفيذية ، نحن ممثلين أحزاب وقوى سياسية دعانا الرئيس السيسي للتحدث والحوار ويتابع معنا ما أسفر عنه الحوار من مقترحات.

· وهل وجدت هذه المقترحات صدى على أرض الواقع ؟

نأمل أن تجد لها صدى في التنفيذ ، الكل يسعى لتقدم البلاد ، وهذا اجتهاد كل القوى السياسية ولابد أن يقابل بإحترام وتقدير ، وهناك مقترحات بالفعل حولها الرئيس السيسى للبرلمان والحكومة ، وفي أكثر من مناسبة أعرب الرئيس عن تقديره للحوار الوطني، وعندما كان يتحدث عن التعليم قال أنه تلقى مقترحات جيدة من الحوار الوطني ، وفي مناسبة أخرى أعرب الرئيس السيسي عن سعادته بالحوار الوطني وقال إنه يتمنى مشاركة أكبر .

· “القواعد الذهبية للحوار” .. مقال وضحت فيه عدة قواعد تساعد على نجاح الحوار، الى أى مدى تحققت تلك القواعد فى الحوار الوطنى؟

جميع الأطراف المشاركة فى الحوار تبدى رأيها بأريحية كما قلت و صدق ، الجميع يتحدث على الهواء مباشرة وهناك مكاشفة أمام الجميع ، هناك احترام وتقبل لاختلاف الآراء، نحن نناقش الرأى وليس صاحب الرأى ، و إذا حدث احتداد فهو بسيط للغاية، وبالتالى توافر قواعد الحوار وأهمها ثقة أطراف الحوار، وثقافة احترام الآراء المختلفة.

· جائزة النيل في العلوم الإجتماعية .. ماذا تمثل لك؟

جائزة النيل تعتبر أعلى جائزة دولة في العلوم الاجتماعية يقدمها المجلس الأعلى للثقافة، أعتز و أفخر بفوزي بهذه الجائزة عام 2023 ، وكل شيء يأتي في أوانه، أول مقال في حياتي كان سنة 1963، و أول كتاب كان سنة 1968، عندما تأتينى هذه الجائزة وكأن المجتمع الثقافي أو الدولة تقدر ما قدمته خلال مسيرتي العلمية و السياسية ..

نوتة تعارف

ولد الدكتور على الدين هلال عام 1943 ، التحق بالمدرسة الخديوية الثانوية عام 1957 ، التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1960 ، وكان من المتفوقين ، بعد تخرجه عام 1964 كتب العديد من المقالات فى مجلة المصور وآخر ساعة فسطع نجمه حتى تم اختياره كعضو فى اللجنة التحضيرية لإنشاء منظمة الشباب ، فى عام 1966 سافر الى كندا للحصول على الماجستير والدكتوراه ، عاد الى مصر قبل حرب أكتوبر 1973 بشهر واحد ، عمل بالتدريس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، تم اختياره أحد أعضاء الوفد لحضور مؤتمر جينيف عام 1975 ، وخلال فترة الرئيس مبارك قدم العديد من المقالات والتحليلات السياسية

، تولى العديد من المناصب منها عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1994 ، وزير الشباب عام 1999 ، رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية عام 2004 ، مقرر لجنة العلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة 2011 ، مقرر المحور السياسي بالحوار الوطنى 2022 ، وغيرها من المناصب .

له العديد من المؤلفات نذكر منها تطور النظام السياسى فى مصر 1805-2005 ، العهد البرلمانى فى مصر من الصعود الى الانهيار 1923-1952 ، عودة الدولة “تطور النظام السياسى فى مصر بعد 30 يونيو” ، الدول الكبرى والوحدة العربية 1915-2015 ، وغيرها من المؤلفات

حصل على العديد من الجوائز منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى عام 1979 عن كتاب “السياسة والحكم فى مصر” ، جائزة النيل فى العلوم الاجتماعية عام 2023 .

تاريخ الخبر: 2023-10-30 12:21:52
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

بسبب الهلال.. لجنة الانضباط تعاقب فريق الاتحاد السعودي وحمد الله

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 15:26:02
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 67%

طلبة الطب يعودون إلى الاحتجاج

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 15:26:19
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 67%

طلبة الطب يعودون إلى الاحتجاج

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 15:26:25
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

بسبب الهلال.. لجنة الانضباط تعاقب فريق الاتحاد السعودي وحمد الله

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 15:26:10
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية