صراع التيارات بهدف سلطة أم تغيير..؟


صراع التيارات بهدف سلطة أم تغيير..؟

زين العابدين صالح عبد الرحمن

معلوم في الفكر السياسي؛ أن نتائج وأثر الصراع السياسي في أي مجتمع محكوم بفاعلية ودور الطبقة الوسطى الاستناري في المجتمع، باعتبار أن الطبقة الوسطى تنشأ وتتوسع عندما تكون هناك هياكل وبناء طبقي في المجتمع، الأمر الذي يمكن الطبقة الوسطى أن تلعب دوراً مهماً ومؤثراً في قيادة التغيير.

وبما أن الطبقة الوسطى برز دورها الاستناري تاريخياً في أوروبا واستطاعت أن تحدث تغييراً كبيراً على نظم كانت تسيطر عليها طبقة الإقطاع، وهي نظم سياسية مغلقة يقودها أبناء هذه الطبقة الإقطاعية، إلى نظم ديمقراطية مفتوحة لكل أبناء الوطن. أدت إلى اتساع قاعدة المشاركة، الأمر الذي وسع من الوعي الشعبي، حيث أًصبح الناس يستوعبون ما هي الواجبات التي يجب أن يؤدونها، وما هي الحقوق التي يجب أن يحصلون عليها، وكان ذلك بفضل الإنتاج المعرفي والثقافي للطبقة الوسطى باعتبارها طبقة استنارة منتجة للأفكار التي تقود بها عملية التغيير. حتى الآن تظل الطبقة الوسطى تحفظ حالة التوازن في الدول الديمقراطية.

إن الإشكالية التي تعيق عملية الديمقراطية في السودان، تتمحور في عاملين اساسيين.. الأول ضعف الطبقة الوسطى وضعف دورها الاستناري، وأيضاً دورها في الإنتاج الفكري.

توقفت قوة دفع هذه الطبقة في المجتمع السوداني منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث تراجع دورها الريادي، وكانت تأخذ صفة الريادية لتركيزها على القضايا الكبرى في حل الأزمات، والتي تتعلق بالوطن والمواطن، وبدأ يتراجع دورها في المجتمع بسبب طول فترات الأنظمة الشمولية، والتي ساهمت في تآكل الثقافة الديمقراطية، مما جعلها تعاني حالة من الضعف. وكان قد بدأ ظهور الثقافة الديمقراطية في السودان عندما تخرجت الأجيال الأولى للتعليم الحديث في السودان، الذي مكنهم من الإطلاع على تيارات الفكر في العالم، ومتابعة التطورات السياسية في العديد من المجتمعات. العامل الثاني طول فترات الحكم الشمولي الذي أضعف الأحزاب السياسية التي كانت تقود عميلة التغيير في المجتمع، وكانت هذه الأحزاب قادرة أن تتجاوز خلافاتها من خلال حوارات مفتوحة بينها، هذه الضعف في الأحزاب كان له أثر كبير على نوعية القيادات السياسية، حيث تراجعت الأجندة الوطنية لصالح الأجندة الحزبية والرغبات الشخصية، كان لابد أن يكون له أثر سالب في عملية أي تغيير.

كانت القيادات من قبل تجاوب على الأسئلة المطروحة من قبل المجتمع، وكانت أيضاً تعدلها بهدف أن يجيب عليها المجتمع باعتبار أن الوعي ينشأ من خلال المتقابلات المعرفية وليس الوقوف ضدها، المقابلات هي التي تنتج الحوار الإيجابي، عندما يشعر كل جانب أنه قادر على الإسهام فيه، والذي يعجز يبحث عن طرق لوقف مرور تيارات الهواء النقي.

إن حالة الضعف الاقتصادي التي شهدها السودان، منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، أدت إلى نزوح العديد من المواطنين في الأقاليم إلى المدن وخاصة العاصمة، وهؤلاء النازحون كانوا منتجين في أقاليمهم ويدعمون الدخل القومي، ونزوحهم جعلهم يعيشون على هامش المدن، ويعملون في أعمال هامشية غير منتجة، كل ذلك أثر في الدخل القومي وانعكس سلباً على مستوى معيشة المواطن وخاصةً الطبقة الوسطى، الأمر الذي أضعفها وأضعف دورها في عملية الاستنارة، خاصةً الأحزاب؛ حيث لا تجد أي إنتاج معرفي وثقافي للأحزاب يمكن أن يسهم في الوعي الشعبي، يساعد على تأسيس ثقافة ديمقراطية تقود لوعي يدفع بعملية التحول الديمقراطي.

إن الصراع الدائر حتى الآن هو صراع حول السلطة؛ كل يحاول أن يقنع الآخر أنه يمثل الثورة؛ ويجب على الأخرين أن يقدموا لهم فروض الطاعة والولاء، والغريب في الأمر أن أي رأي آخر غير مطلوب، لأنه متهم أنه رأي يخالف شعارات الثورة، هذه المسألة ليست محصورة فقط وسط عضوية الأحزاب، أيضاً تمددت وسط المثقفين وقادة الرأي، الأمر الذي أغلق منافذ الحوار. رغم أن التاريخ السياسي للشعوب والتغييرات التي حدثت لها تؤكد أن عمليات التغيير دائماً تواجه تحديات من قبل القوى المحافظة والقوى التي تعتقد أن التغيير يؤثر سلباً على مصالحها الخاصة، والطمأنة لهؤلاء دائماً تأتي من دعاة التغيير حتى يزيلوا كل الحواجز التي تعترض طريق التغيير.

إن صراع التيارات السياسية في السودان غير مبني على الأفكار إنما على شعارات فوقية لا تلامس الواقع، وحتى رؤى التغيير ليست مطروحة للحوار، بل هي رؤى وجدت لكي يلتزم بها الآخرون رغم شعارات الديمقراطية المرفوعة. وفي الثقافة السياسية؛ معلوم أن الحوار هو أنجع وسيلة لإبعاد أدوات العنف عن الساحة السياسية، وهو وحده الذي يجعل العقل أداة للتفاهم و حل المعضلات.

إن الخلافات، والانقسامات التي تشهد الساحة السياسية السودانية، والتي أدت للحرب، وتشريد الملايين من المواطنين من دورهم، يجب الوقوف عندها ودراستها والتعامل معها بعقل مفتوح، إذا كان الهدف فعلاً هو عملية التحول الديمقراطي.

الساحة الآن تنقسم إلى قوى الحرية والتغيير “المركزي” ومعها بعض الحركات ومجموعة من القوى المدنية… وقوى الحرية “الديمقراطي” ومعها بعض الحركات وقوى مدنية أيضاً، تحالف الجذريين الحزب الشيوعي وعدد من القوى المدنية… الإسلاميين وهم ليس مجموعة واحدة متعددي الانتماءات.. وأيضاً قوى أخرى بأسماء مختلفة لها رؤى مغايرة للآخرين… إضافة للقوات المسلحة.. ميليشيا الدعم وعدد من الحركات.. كل هذا الكم من التحالفات المختلفة فكرياً هي في حاجة لهندسة فكرية. بمعنى الحاجة لقيادات سياسية منتجة للأفكار.. باعتبار أن الفكر هو الأداة الناجعة والفاعلة في عملية التغيير، وإرساء القواعد لعملية التحول الديمقراطي.

السؤال الذي يجب أن تجاوب عليه النخب السياسية، وأيضاً صانعي الرأي: كيف الاستفادة من هذا الكم المتنوع، والمتعدد الأفكار والتوجهات، وتحويله من الإتجاه السالب الذي يؤدي إلى الاحتراب، إلى حوار منتج للثقافة الديمقراطية ويحترام الرأي الأخر، وفي ذات الوقت منتج للثقافة الديمقراطية التي تعبد طريق عملية التحول الديمقراطي…؟

هو سؤال واحد ولكنه صعب لتخوف البعض من ردة فعل الآخرين.. الإجابة عليه تحدد مسار العمل وتفرق بين السلبي والإيجابي. هل هناك أداة إعلامية لها اتساع في الأفق يجعلها تسهم في حوار يجمع تيارات مناهضة لبعضها البعض. إنها عملية ليست باليسر لأن حدة الاستقطاب تجعل هناك العديد من الفزاعات التي تحول دون الفعل. لكنه الوطن الذي يجب دفع الضريبة من أجله. والتجربة تبدأ متعثرة أولاً، لكنها حتماً سوف تجد الدعم من القوى التي تؤمن بعملية التحول الديمقراطي دون “منٍّ أو أذى” ثم يدلف إليها الباقون. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

تاريخ الخبر: 2023-11-04 18:23:08
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية