جهاركس الخليلي

عودة للموسوعة

جهاركس الخليلي

شمس الدين جهاركس الخليلي Jaharkas al-Khalili (توفي 917 هـ/1389م) كان أحد أمراء السلطان الظاهر برقوق (أول المماليك البرجية الشركسية في أواخر القرن 14)، ومقربا إليه؛ ويحمل لقب "أمير أخور" (أي المشرف على الاسطبلات والخيل والهجن والبريد).

بحلول عهد السلطان برقوق، أول سلاطين المماليك البرجية (الشركسية) في أواخر القرن 14، تأثرت مصر بشدة من ويلات الطاعون، إلا أنها واصلت دورها كمركز لنشاط اقتصادي عظيم، كما يشير تشييد الكثير من المباني التجارية والدينية في ذلك الوقت.:147 أثناء العهد الأول للسلطان برقوق (1382-1389) قام سيد الاسطبلات (أي "أمير آخور")، جهاركس الخليلي، بإزالة مقبرة الفاطميين، تربة الزعفران، لينشئ مكانها كرڤان سراي كبيرة ("خان" بالعربية؛ وهومبنى لإقامة التجار وبضائعهم) في قلب المدينة.:179 وقيل أنه ألقى عظام الأسرة الملكية الفاطمية في تلال القمامة شرق المدينة.:57 وسـُمـِّيَ الخان خان الخليلي الذى مازال يعهد باسمه حتى الآن؛ والذي أزاله السلطان الغوري، بدوره: في شهر ربيع الأول من عام 917هـ (1511م)، وأقام مكانه محال ووكالات ونزلاً للتجار.

شاء الخليلي ذات يوم، حتى يبني لنفسه خانا كبيرا، تمارس فيه شتى أنواع التجارة، وبعد بحثه عن موضع مناسب، رأى حتى يشيد الخان على موضع قريب من مسجد سلطانه برقوق بالقرب من ميدان “بين القصرين” بشارع المعز، ولم يكن هناك شيء ليعيق الخليلي عن قراره، سوى حتى الأرض التي اختارها كانت تحوي رفات عدد كبير من الموتى، وهوما يستدعي نبش قبورهم للبدء في البناء، وهوقرار لم يكن من السهل اتخاذه دون مسوغ شرعي.

كان للخليلي، صديق يدعى، شمس الدين محمد القليجي، وهوشيخ حنفي يعمل بالإفتاء، وتولى نيابة القضاة بالقاهرة لفترة، فتوجه إليه جهاركس وسأله الرأي الشرعي في نبش القبور التي تعيق إنشاء مشروعه الاقتصادي الضخم “خان الخليلي”،يا ترى؟ فما كان من القليجي إلا حتى أبلغه حتى هذه قبور خلفاء الدولة الفاطمية الموجودة بالموضع الذي كان سابقا تربة الزعفران، وأفتاه بجواز إزالتها وإلقاء ما بها من رفات كون الفاطميين “كفارا رفضة”.

وفي صبيحة يوم مشهود، استجلب الخليلي العشرات من العمال والعبيد، وبدأوا ضرب معاولهم بتربة الزعفران واستخراج رفاة عشرات الرجال والنساء، ووضعوهم داخل قفف على ظهر البغال التي سارت بهم في شوارع وحارات القاهرة، التي لطالما شهدت مرورهم في احتفالات وسط الهتافات والحشود، وكأنها تودع دولتهم التي كانت ملأ السمع والبصر.

ومرت البغال عبر المشهد الحسيني، والجامع الأزهر وكأنها تودعهما، فيما تجمع البعض لمشاهدة هذا الموكب غير المألوف، ثم خرجت من أسوار القاهرة تماما، وألقي بها في كيمان البرقية -“مقلب قمامة” ضخم موضعه الحالي هوحديقة الأزهر- في نهاية لا تليق بمن كانوا يوما ما حكاما لدولة مترامية الأطراف تضم مصر وأجزاء من الشام وشمال أفريقيا.

كيمان البرقية

كانت كيمان البرقية تقع بالجهة الشرقية من أسوار مدينة القاهرة، وكانت في البداية فضاء لا بناء فيه، يربط ما بين الأسوار وجبل المقطم.

وكانت السيول عند اشتدادها عادة، تتسرب إلى القاهرة اندفاعا من أعلى المقطم، فأمر الحاكم بأمر الله، بوضع “كيمان” خلف سور القاهرة بالقرب من باب البرقية، لصد تدفق المياه، فصارت تلال شاهقة منعت المياه من الانحدار، كما بني عليها بعض طواحين الهواء. ومع مرور الزمن، استخدم المصريون هذا الموضع، لإلقاء مخلفاتهم، هي الوظيفة التي خصصت لهذا الموضع واستمرت ترتبط به قرابة 600 عام كاملة، إلى حتى أزيلت مؤخرا لبناء حديقة الأزهر.

وشهدت عملية إزالة تلك التراكمات لبناء الحديقة، الكثير من الاكتشافات الأثرية، تضمنت أسوار المدينة القاهرة التي بدأ في بنهائها صلاح الدين الأيوبي ولم يكملها، وكان غرضه من هذه الأسوار حتى تضم المدن الأربعة التي شكلت عاصمة الدولة في ذلك الوقت، “الفسطاط والعسكر والقطاع والقاهرة”، كما اكتشفت أحجار ثمينة وألواح عليها كتابات بالهيروغليفية.

اللافت، حتى عملية إنشاء حديقة الأزهر في هذا الموضع، تمت بالتعاون بين محافظة القاهرة، وبين الشاه كريم الحسيني، الملقب بـ”الأغا خان الرابع”، وهومواطن بريطاني الجنسية، ويعتبر إمام الشيعة الإسماعيلية النزارية -من نسل الخليفة المستنصر- وذلك كهدية منه للقاهرة تخليدا لذكرى أجداده ودولتهم الغابرة.


نهاية جهاركس

جهاكس الخليلي كانت نهايته مثيرة وتستدعي التوقف، وهي نهاية اعتبرها “المقريزي” أفضل جزاء على ما عمله من نبش لقبور الموتى والاستهانة بها وإلقائها في المزابل.

ويحكي المقريزي سيرة نهاية جهاركس الذي كان عمره أقصر بكثير من عمر “خان الخليلي” قائلا، حتى السلطان الظاهر برقوق، أمره بترأس جيش ضم 500 مملوك، والتوجه بهم إلى دمشق للقاءة بعض الأمراء الذين خرجوا على السلطان، في معركة الناصري سنة 917 هـ/1389م، إلا حتى جنود السلطان هزموا بسبب خيانة بعض القواد للخليلي وفرار الباقين.

وينهي المقريزي حديثه عن الخليلي محاولا إنصافه ظالما ومظلوما بقوله “وقتل الخليليّ… وهجر على الأرض عاريا وسوءته مكشوفة، وقد انتفخ وكان طويلا عريضا إلى حتى تمزق وبلي عقوبة من الله تعالى بما هتك من رمم الأئمة وأبنائهم، ولقد كان عفا الله عنه عارفا خبيرا بأمر دنياه، كثير الصدقة، ووقف هذا الخان وغيره على عمل خبز يفرّق بمكة على جميع فقير، منه في اليوم رغيفان، فعمل ذلك مدّة سنين، ثم لما عظمت الأسعار بمصر وتغيرت نقودها، من سنة ست وثمانمائة، صار يحمل إلى مكة مال ويفرّق بها على الفقراء”.

وبهذا انتهى الخليلي وانتهت قصته، وبقي خانه الشهير، شاهدا على ما عمل، بعدما أصبح واحدا من أبرز المزارات السياحية في مصر طوال عقود.

ومات جهاركس الخليلي بدمشق، وهجرت جثته في الخلاء؛ لتلتهمها الحيوانات البرية.

ويقول المؤرخون بأنه دفع ثمن إخراج جثث الفاطميين، وإلقاء بقاياهم على ركام الأكوام خارج القاهرة.

الهامش

  1. ^ Raymond, André. 1993. Le Caire. Fayard.
  2. ^ Williams, Caroline. 2008 (6th ed.). Islamic Monuments in Cairo: The Practical Guide. Cairo: American University in Cairo Press.
  3. ^ الحاوي سوفت. "خان الخليلي.. حكاية نبش قبور الخلفاء الفاطميين وإلقاء رفاتهم في المزابل". الحاوي سوفت.
تاريخ النشر: 2020-06-04 21:08:57
التصنيفات: وفيات 917 هـ, وفيات 1389, أمراء المماليك, أمير آخور, المماليك البرجية, السلطان برقوق, خان الخليلي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

أخنوش يعزي عائلات ضحايا “زلزال الحوز”

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:09:50
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 72%

هزة أرضية بقوة 4.5 درجات ضواحي مراكش

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:09:59
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 84%

وطنى

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:19
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 67%

وفاة الجنرال حميدو لعنيكري

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:09:55
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 80%

لأول مرة في التاريخ.. كندا تفوز بميدالية في كأس العالم للسلة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:16
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

دورة لإعداد أخصائيين في التخاطب بسيوة

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:20
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 69%

صندوق النقد الدولي: ندعم المغرب واقتصاده في مأساة الزلزال

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:21:18
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 66%

«التضامن»: 1.4 مليون طفل مستفيد من الحضانات في مصر - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:20:36
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 61%

الأمور انتهت.. موديست يجتاز الكشف الطبي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:09:30
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 44%

معلول يعود للقاهرة

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:09:31
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 43%

وفاة الجنرال حميدو لعنيكري

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-10 15:11:11
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 57%

تحميل تطبيق المنصة العربية