لعب أعضاء المقاومة المغربية، في عز مواجهتهم للاستعمار الفرنسي، دورا مهما في دعم المقاومة الجزائرية، رغم محاولات تزييف التاريخ الذي يظهر دعم ثوار المملكة في تحرير الجزاىر من قبضة الاستعمار الفرنسي.
وتكشف مذكرات المقاوم حمدون شوراق بعنوان »الباخرة دينا، مذكرات من أيام المقاومة» عن «التطبيق الفعلي على أرض الواقع ولو بشكل نسبي لميثاق لجنة تحرير المغرب العربي التي كانت تجمع عددا من قيادات المقاومة في المغرب والجزائر وتونس، ومن بينهم محمد بوضياف الرئيس الأسبق للجزائر الذي تم اغتياله عام 1992 بعد عقود من المنفى قضاها في المغرب.
واهتمت المذكرات بموضوع «تسليح المغاربة للثورة الجزائرية» وأسماء المشاركين في نقل مختلف الشحنات، وكذا الممرات والمناطق التي تم عبرها تهريب السلاح، وقد جاءت لتوثق للقراء وللتاريخ اللحظات العصيبة والتحديات التي واجهتها عملية رسو وإفراغ السفن المحملة بالأسلحة إلى غاية إيصالها إلى الجانب الجزائري.
وتتحدث المذكرات عن الوطنيون مغاربة وجزائريين الذين فروا إلى المناطق الشمالية خوفا من متابعة سلطات الحماية. وعند لقاء شوراق بالثوار بهما أخبراني بأنهما من الجزائر العاصمة، ويعرفان اسمي وعنوان متجري عن طريق الزبناء من الجزائر الذين كانوا يتعاملون معي في التجارة وتبادل السلع والجرائد، وخاصة جريدتي النهار والأمة اللتين كانتا تصدران بتطوان بلسان حزب الإصلاح الوطني.
ويتحدث شوراق في مذكراته عن مبعوثين من أجل توحيد الجهاد ضد العدو المشترك وهو الاستعمار الفرنسي الذي يحتل القطريين الشقيقين المغرب والجزائر، كشفا له المقاومين عن اسميهما وهما (العربي بلمهيدي) و(محمد بوضياف) وطلبا منه دراسة إمكانية إنزال سلاح بالمنطقة عبر السفن، وأن أحدد لهما موقعا مناسبا لهذا العمل المتعلق بإفراغ بواخر محملة بسلاح سيأتي من المشرق العربي.
واورد الكاتب أنه شعر بجسامة المسؤولية وخطورتها، وكان مبتهجا بأن حركات التحرير في المغرب والجزائر ستتخذ منعرجا حاسما في مواجهة الاستعمار الفرنسي الطاغي.
وأعرب عن فرحته الكبيرة حينما قال له هذان الضيفان بأن هذا الحدث ستكون له أهمية قصوى ونتائج لا تعرف مداها، ثم طالبا منه أن يتدبر أمر وصولهما إلى مدينة الناظور نظرا لكونهما مرتبطين بموعد مع شخص ينتظرهما بمحطة الحافلات، وللتعرف على هذا الشخص فإن بينهما علامات وإشارات.
كان يدعى الشخص ب (الكعواشي) وكان لاجئا من مدينة وجدة إلى مدينة الناظور وقد أسندت إليه مهمة التنسيق بين مختلف الوطنيين اللاجئين والسلطة المحلية، وبما أن السلطات الإسبانية تقيم نقطا للمراقبة والتفتيش في الطرقات خاصة بين الناظور ووجدة والناظور وتازة، وخصوصا في الليل حيث تكون المراقبة شديدة، طلب شوراق من المقاومين المكوث إلى صباح الغد ليتدبر أمر وصولهما إلى الناظور في أمن وسلامة، وقد اقترح صاحب المنزل أن يلبسهما لباس النساء وترافقهما زوجته في حافلة للنقل حتى يصلا إلى الناظور، إلا أن هذه الفكرة لم ترقه لأن العملية غير مضمونة السلامة، ذلك أنه لو علمت بحقيقتهما السلطات الإسبانية لفسد كل شيء.
فاقترح فكرة أخرى وهي أن يمتطي كل واحد منهما بغلا ويسيران على ساحل البحر من قرية إلى أخرى بعيدين عن مراكز المراقبة والتفتيش، وبالفعل، تم تنفيذ هذه الفكرة بعد أن اتفقت معهما على اللقاء في فندق عبد القادر بوعنان بالناظور، وودعتهما قبل غروب الشمس بحوالي ساعة واحدة.
وفي صبيحة الغد التقى بهما ومعهما (الكعواشي) في نفس المكان، فأخبراه بأنهما وصلا بسلامة وعافية، وبدون أي عناء. ثم اتصل هاتفيا من نفس الفندق بالأستاذ عبد الخالق الطريس بتطوان، وطلب منه أن يحصل لهما على رخصة التنقل إلى مدينة تطوان وقد قام بالاتصال بالمراقب الإسباني، أي المقيم العام بتطوان، وحصل لهما على رخصة اللجوء على اعتبار أنهما مواطنان من جنوب المملكة التجئا إلى الشمال.
وقبل أن يفترقا اتفق مع محمد بوضياف على تحديد لقاء بينهما في غضون شهر بعد أن يسافر في مهمة إلى الخارج، وأن ينتظر السيد بلمهيدي عند رجوعه من تطوان لأرافقه إلى الحدود الجزائرية، حسبما كانت تقتضيه ظروف التنقل من محطة إلى أخرى داخل التراب الجزائري، إذ كان هذا المجاهد العربي بلمهيدي يجوب الجزائر من الحدود المغربية إلى الحدود التونسية عبر مراحل ومحطات مخصصة له، وكل محطة كان يغير فيها ملابسه ومظهره حتى يضلل السلطات الفرنسية.
