أحمد البوحساني
أصدر المجلس الأعلى للحسابات يوم الأربعاء 29 نونبر 2023، تقريرا يتعلق بالمهمة الموضوعاتية حول تفعيل الجهوية المتقدمة، وذلك في إطار المهام و الاختصاصات المنوطة بالمجلس الأعلى للحسابات بمقتضى دستور المملكة والقانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية، و حرصا منه على مواكبة الإصلاحات الاستراتيجية بالمملكة.
وقد انصبت هذه المهمة الموضوعاتية، حسب بلاغ للمجلس، في مرحلتها الأولى حول الإطار المؤسساتي، الآليات والموارد، و الاختصاصات، مع التركيز على الجهات بالنظر لمكانتها المحورية في الجهوية المتقدمة، على أن تتناول في مراحلها الموالية الجوانب المتعلقة، تباعا، بالوظيفة العمومية الترابية وتنمية القدرات.
وتعتبر الجهات من أبرز الفاعلين في جذب وتنمية الاستثمار على المستوى الجهوي إلى جانب المصالح اللاممركزة للقطاعات الوزارية المختصة في هذا المجال، والمراكز الجهوية للاستثمار، ولتمكينها من ذلك ، فقد أقر القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، اختصاصات ذاتية لمجالسها في مجال التنمية الاقتصادية خاصة في ما يتعلق بدعم المقاولات وجذب الاستثمارات ، في حين أكد القانون الإطار المتعلق بميثاق الاستثمار على دور الجهات في تحقيق الأهداف المتعلقة بتنمية وتشجيع الاستثمار في إطار الاختصاصات الموكولة إليها.
تباين مساهمة الجهات في خلق الثروة :
سجل تقرير المجلس الأعلى للحسابات هيمنة ثلاث جهات في المملكة المغربية، حيث بلغت مساهمتها في الناتج الإجمالي الداخلي الخام أكثر من 58 في المائة ، تتضمن هذه الجهات: الدار البيضاء-سطات، الرباط-سلا-القنيطرة، وطنجة-تطوان-الحسيمة.
وفقًا ووفقا لهذا التقرير، فقد ارتفع الناتج الداخلي الخام من قبل الجهات الاثني عشر بين 2015 و2021 من 966.077 مليون درهم إلى 1.273.281 مليون درهم، بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 4.71 في المائة.
في ذات السياق ، سجلت خمس جهات نسب نمو إجمالية أعلى من المتوسط، وهي: جهات الصحراء الثلاث (العيون الساقية الحمراء 10.56في المائة، كلميم واد نون 7.30 في المائة ، والداخلة واد الذهب 6.54 في المائة)، إضافة إلى “درعة تافيلالت” بنسبة 6.44 في المائة و”الشرق” بنسبة 6.29 في المائة.
وخلص التقرير إلى أن “التبايُن” هو السمة المميزة لمساهمة الجهات في خلق الثروة الوطنية والقيمة المضافة، حيث تظهر متوسط مساهمة ثلاث جهات تفوق 58 في المائة ، تتوزع بنسب 32 في المائة للدار البيضاء-سطات، 16 في المائة للرباط-سلا-القنيطرة، و10 في المائة لطنجة-تطوان-الحسيمة، مقابل 42 بالمائة في باقي الجهات.
أما بخصوص مساهمة مجالس الجهات في الاستثمار العمومي، فقد أفاد تقرير المجلس الأعلى للحسابات أنها، على الرغم من ارتفاعها بنسبة 278 في المائة خلال الفترة من 2016 إلى 2021، إلا أنها تظل محدودة، حسب وصفه.
وأوضح التقرير أن نفقات الاستثمار في مجالس الجهات قد سجلت تطورًا ملحوظًا بين 2016 و2021، حيث ارتفع إجمالي المبالغ من 2.19 إلى 8.27 مليار درهم، بنسبة ارتفاع تصل إلى 278 في المائة. ومع ذلك، أشار المجلس إلى أن نسبة هذه الاستثمارات ظلت محدودة، حيث لم تتجاوز 4 في المائة من الاستثمار العمومي الإجمالي في عام 2021، مقارنة بنسبة 1 بالمائة في عام 2016.
* تدابير و اجراءات لجذب الاستثمارات جهويا:
تُبذل جهود من قِبَل بعض الجهات لتعزيز الاستثمار وتحسين بيئة الأعمال، حيث تم إحداث صناديق لدعم الاستثمار كما هو الشأن بالنسبة لجهات طنجة-تطوان-الحسيمة و فاس-مكناس و الرباط-سلا-القنيطرة وبني ملال-خنيفرة وسوس-ماسة.
لكن وحسب تقرير من المجلس الأعلى للحسابات، فقد تم تسجيل نقص كبير في استراتيجيات جذب الاستثمارات المتكاملة مع استراتيجيات الاستثمار القطاعية. يتعلق الأمر أيضًا بغياب إطار مرجعي متفق عليه على مستوى الجهات لتحديد نظم دعم الاستثمار، مما يؤدي إلى تباين في الدعم والأنظمة المعتمدة خلال الفترة 2019-2022.
وفي هذا الصدد ، لاحظ التقرير أن مبادرات جلب الاستثمارات تندرج ضمن استراتيجيات جهوية خاصة بجذب وتشجيع الاستثمارات بالجهة، تتلاءم خصوصياتها .
وذكر التقرير في هذا السياق، جهة كلميم-واد نون، التي أدرجت في إطار برنامجها التنموي “المؤشر عليه سنة 2020” إعداد استراتيجية جهوية للتسويق الترابي لجذب الاستثمار، غير أن هذه الاستراتيجية لاتزال في طور الإعداد .
كما أشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات إن غياب إطار مرجعي موحد على مستوى الجهات الإدارية يحد من تحديد أنظمة دعم الاستثمار، وهذا يتعلق بصلاحياتها الخاصة في دعم المقاولات، بما يتماشى مع الأنظمة التي وضعتها الدولة والتي تم تحديدها في ميثاق الاستثمار. ولتجاوز ذلك دعى المجلس إلى ضرورة وجود إطار موحد يوضح المعايير الممكن اعتمادها لدعم المقاولات، بالإضافة إلى وجود الآليات الضرورية لتوجيه هذا الدعم على مستوى الجهات الإدارية.
* دعم المقاولات في الجهات:
في يونيو 2021، سجل التقرير إصدار دورية مشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي (رقم 30/13). حددت هذه الدورية مجموعة من الآليات لتحسين أداء الجهة في دعم المقاولات، منها وضع استراتيجية جهوية للدعم وتفعيلها من خلال تنسيق برامج الدعم بالتعاون مع القطاعين العام والخاص، وخاصةً المركز الجهوي للاستثمار. تشمل الآليات أيضًا إعداد دفاتر للتحملات تحدد الفئات والقطاعات المستهدفة، وطبيعة وأجال ومدة الدعم، ومعايير الانتقاء، وشروط الاستفادة من برامج الدعم، بالإضافة إلى إحداث لجنة جهوية مكلفة بدراسة ملفات طلبات الاستفادة من الدعم.
و وفقًا لتقرير المجلس الأعلى للحسابات، تم فأن جهة الشرق وجهة فاس-مكناس قد قامتا، ابتداءً من عام 2021، بإعداد و المصادقة على دفاتر التحملات وإحداث لجان جهوية لدراسة طلبات الاستفادة من برامج الدعم. ومع ذلك، حتى شهر سبتمبر 2023، لم يتم تنزيل الآليات المحددة في الدورية من قبل الجهات بعد، على الرغم من أهميتها لتفعيل الاختصاصات الذاتية المتعلقة بدعم المقاولات وجذب الاستثمار.
كما أشار التقرير إلى أن جهة فاس-مكناس وجهة مراكش-أسفي قررتا تخصيص دعمهما بشكل حصري للمقاولات الكبرى، حيث دعمت ثماني مقاولات بإجمالي قدره 65 مليون درهم. كما اعتمدت جهة بني ملال-خنيفرة آلية تحويل مساهمتها المالية إلى المركز الجهوي للاستثمار لتفعيل صندوق دعم الاستثمار وخلق فرص الشغل، ويُعتبر هذا الصندوق الشباك الوحيد لعرض الخدمات للمستثمرين والمقاولات، وذلك وفقًا للقانون المرتبط بإصلاح مراكز الاستثمار (رقم 47.18).
عكس ذلك ، فلم تفعل جهتي درعة تافيلالت و العيون الساقية الحمراء لاختصاصهما الذاتي في دعم المقاولات في مجال التنمية الاقتصادية. وأشار التقرير الى أن عدد المقاولات التي استفادت من الدعم في جهة الرباط سلا القنيطرة لم يتجاوز واحدة، بينما بلغ عدد المقاولات المدعومة في جهة طنجة تطوان الحسيمة حوالي 300 مقاولة صغيرة.
من ناحية أخرى، أفاد التقرير أن الدعم المقدم من جهة طنجة تطوان الحسيمة بلغ 20 مليون درهم، وفي جهة كلميم واد نون 3.48 مليون درهم، بينما لم يتجاوز في جهة الداخلة وادي الذهب 22 مليون درهم.
