فشل “الجهوية المتقدمة” في تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، يعني فشل الهيئات المنتخبة في تجسيد الرؤية الملكية الرامية إلى خلق توزان بين جهات المملكة المغربية. إذ لا يمكن الحديث عن هذا “الإخفاق المخيف” الذي أثاره رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضى الشامي، بمعزل عن ربطه بمدى “جدية” العمل الحكومي والمجالس المنتخبة، إضافة إلى الدور الذي يلعبه مجلس المستشارين في حسن تنزيل الجهوية الموسعة.
وينذر عدم نجاح مجالس الجهة والمؤسسات الحكومية في إنزال عنقود من عناقيد هذا الورش الترابي، الذي يحث على توزيع عادل بين جهات المملكة فيما يتعلق بالماء الصالح للشرب والكهرباء والصحة والتعليم، وأيضا فك العزلة بين القرى والدواوير، “بأزمة حقيقية في مختلف الجهات باستثناء جهات الدار البيضاء-سطات، والرباط-سلا-القنيطرة، وطنجة-تطوان-الحسيمة، التي ساهمت في خلق الجزء الأكبر من الثروة الوطنية (حوالي 60 في المائة سنة 2020)”.
في هذا الصدد، يرى أحمد أعراب، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور، أن “سقوط مشروع الجهوية الموسعة حذر منه الملك محمد السادس في خطاب الإعلان عنها بتاريخ 3 يناير 2010، حينما رفض جهوية بسرعتين: جهات تتمتع بأسباب التمكين وتستفيد من ثمار النمو، وأخرى تفتقر إلى أبسط شروط وظروف العيش الكريم”.
وأورد أحمد أعراب، في تصريح لـ”الأيام 24″، أن هذا الفشل مرده إلى جملة من العوامل، تتمثل في غياب الإرادة الحقيقية، في بعض الأحيان، لدى الفاعل المركزي (الحكومة) لتمتيع الجهات، على قدم المساواة، بنصيب الاستثمار، سواء في البنيات التحتية أو الخدمات؛ وكذا جعل هذه الجهات تستفيد بالتكافؤ من ثمار النمو، وأيضا عدم التفعيل الحقيقي لكل من صندق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات، المنصوص عليهما في الفصل 142 من الدستور، واللذين يهدفان إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات، والتوزيع المتكافئ للموارد بقصد التقليص من التفاوتات بينها”.
وأضاف المحلل السياسي أن هذا الإخفاق راجع أيضا إلى “عدم تمتيع الجهات الفقيرة بمعاملة تفضيلية، خاصة من حيث التمويل وتبسيط المساطر الإدارية للتشجيع على الاستثمار، على النحو الذي يخلق معه نوعا من التوازن مع الجهات الثلاث الأكثر حظا”، مضيفا أن “ضعف الموارد المالية والكفاءات البشرية لدى هذه الجهات، الأمر الذي يجعل التدبير يفتقر لروح الإبداع والبحث عن فرص مستحدثة جديدة لجلب التمويل، بدل المصادر التقليدية المعهودة أو انتظار مساهمة الدولة في ذلك، خاصة إذا علمنا بتطور مفهوم الجماعات الترابية من مجرد وحدات إدارية وترابية إلى بنيات مقاولة بالمفهوم الإيجابي، على النحو الذي تعود معه عائدات ذلك بالمنفعة العامة”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “خفوت دور مجلس المستشارين المعول عليه لمؤازرة ورش الجهوية الموسعة وحسن تنزيله، انطلاقا مما خوله إياه الدستور، سواء بموجب الفصل 63 الذي جعل تركيبته التنظيمية ترابية بامتياز، تمثل مختلف مستويات الجماعات الترابية، خاصة الجهات، أم من حيث الاعتبار الوظيفي كغرفة معنية، أساسا، بالجانب الاجتماعي والترابي والتنمية الجهوية بموجب الفصل 78 من الدستور الذي قضى بأولوية مجلس المستشارين للتداول في النصوص ذات هذا الطابع”.
“فأمام غياب هذا التوازن بين الجهات من حيث بنية الاستثمار ومؤهلاته، نكون أمام نفور المستثمرين من مثل هذه المناطق التي تؤشر على الكساد وغياب ظروف وشروط التنافسية الحقة مع المناطق المحظوظة، وبالتالي إضاعة فرص التنمية، بجميع مكوناتها، خاصة البشرية: اتساع دائرة الفقر بهذه الرقع الجغرافية مقارنة بالأخرى، مما يخلق فوارق اجتماعية صارخة؛ هذا إضافة إلى انتشار البطالة والهشاشة وغياب العدالة في الولوجية إلى الخدمات الاجتماعية، خاصة التعليم والصحة”، يقول المتحدث.
وخلص أعراب حديثه قائلا: “لعل ما كشف عنه زلزال الحوز من هشاشة البنية التحتية، وافتقار المناطق المتضررة إلى ظروف العيش الكريم، وكذا معرفة الجهات الأقل حظا لارتفاع حدة ظاهرة الهجرة، سواء نحو المناطق المحظوظة من ربوع المملكة أم نحو الخارج، دليل على هذا التفاوت بين الجهات وعدم نجاح ورش الجهوية المعول عليه لامتصاص مثل هذه الظواهر”.
