بشري بك حنا
بشري بك حنا
في الإسكندرية سنة 1892م تأسست جمعية إسلامية باسم العروة الوثقي الخيرية, وقد قامت هذه الجمعية بخدمات اجتماعية كثيرة في سبيل تحسين أحوال الفقراء, وفي كشوف المتبرعين لهذه الجمعية يوجد اسم أحد أكبر رجالات مصر العاملين في مجال العطاء الاجتماعي, وهو بشري بك حنا, هذا المصري عميق الأصل الرجل الوطني الذي خدم الوطن بكل طاقته ولم تتوقف خدماته علي مسيحي أو مسلم.
ولم يكن بشري بك حنا مجرد رجل من أثرياء مصر إنما كان رجل فكر وثقافة فدعم التعليم بكل الطرق من تبرعات للمدارس والجامعة ورعاية الطلاب حتي البعثات الخارجية كان له بصمة في ذلك, ومن أوجه رعايته للتعليم علي سبيل المثال وليس الحصر, تبرعه لمدرسة محمد بك سرور بمغاغة بمبلغ كبير بجانب إعانة شهرية للمدرسة وكان يتفقد تلك المدارس بل كان يتفاعل مع تلاميذها ليقف علي مستواهم ولما وجد في إحدي زياراته لتلك المدرسة تلميذا نابغة يدعي محمد زكي, وأعجب به جدا قرر أن يكمل هذا التلميذ مراحل تعليمه المختلفة حتي التخرج علي نفقته الخاصة.
وما يكشف لنا عن الجانب الفكري لهذا الوطني الكبير أنه وفي إحدي زياراته لأسيوط وتفقده لمدرسة الأقباط ووقوفه علي المستوي المتميز للمدرسة من كل الجوانب تبرع للمدرسة بـ40 نسخة من كتاب ملخص التاريخ العام الجزءين الأول والثاني, فهو بجانب تبرعاته المادية لتلك المدرسة يريد أن يذكي روح الوطنية في هؤلاء التلاميذ. وبشري بك حنا كابن بار وفي لمكان مسقط رأسه (ولد في أسيوط 1866م) كان دائم التردد علي بلده أسيوط وفي إطار خدماته الوطنية للعملية التعليمية اشترك هو ومجموعة من الأعيان في عمل صندوق يخصص للإنفاق علي 8 طلاب من فقراء أسيوط لإرسالهم في بعثات للخارج للتعليم في جامعات أوروبا, وأن يكون هذا الأمر سنويا, وفي أسيوط أيضا تبرع كثيرا لمستشفي أسيوط ولكثير من المؤسسات الخيرية.
وهو كمثقف معني جدا بأحوال الوطن ومقدر لأهمية الصحافة والإعلام, اشترك هو ومجموعة من الأعيان وكونوا شركة مساهمة لإصدار جريدة يومية, واكتتب بشري بك حنا بـ500 جنيه وكان أيضا من ضمن مجلس إدارة الجمعية التي أصدرت جريدة يومية باسم (الجريدة) وذلك في مارس 1907م
هذا هو بشري بك حنا الوطني الغيور والذي استغل ما أنعم الله عليه بنعم من ثروات كثيرة لخدمة الوطن بل لقد قام هذا الوطني باستضافة وفود عدة دول في مزرعته الخاصة, ففي 1927م نظمت مصر أكبر مؤتمر دولي للقطن في عهد الملك فؤاد الأول, وكان بشري بك نائبا لمجلس النواب المصري عن دائرة الفشن, وفي آخر يوم للمؤتمر العالمي استضاف بشري بك حنا جميع وفود الدول المشاركة في المؤتمر والذين دهشوا من اتساع ممتلكاته وشدة كرم الضيافة وجمال المكان.
بل امتد عمله الخيري إلي خارج مصر وذلك لأنه يعمل تحت مظلة الإنسانية, فعندما حدث زلزال في إيطاليا تبرع بشري بك حنا وأخوه سينوت بك حنا بألفي جنيه لمنكوبي الزلزال من شعب إيطاليا, وهنا تتجسد الإنسانية في أروع صورها, الإنسانية التي لا تعرف لونا ولا جنسا ولا عرقا ولا أي شيء غير الخير العام والمحبة الخالصة فجميعنا إخوة في الإنسانية, وكان لبشري بك حنا تبرعات لكثير من الكنائس والجمعيات والمؤسسات الأهلية الخيرية في مصر وخارجها وكما ذكرنا من قبل ـلم تقف أعماله علي القطر المصري فقط بل امتدت للخارج, مثلما تبرع لإيطاليا تبرع أيضا لكنيسة في الخرطوم.
وبشري حنا من أغني أغنياء القطر المصري في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين, فقد كون هو وأخوه سينوت السياسي الشهير بنكا بأسيوط (بنك البكوات) والذي يعد أول بنك في الصعيد, يقرض التجار بفائدة بسيطة لحمايتهم من المرابين الذين يقرضون بفائدة كبيرة, وبجانب غناه وثرائه الواسع كان بشري بك حنا رجل فكر كما عرفنا من قبل وكان إنسانا رائعا في أخلاقه وصفاته, حتي إنه عندما تم عقد المؤتمر القبطي في أسيوط وخشي البابا كيرلس الخامس أن تحدث اضطرابات من وراء المؤتمر, وتدخل الأنبا مكاريوس مطران أسيوط في ذلك الحين وطمأن البابا, وأعلمه أن المؤتمر يجري في إطار وطني, وفي ذلك الوقت أجمع الكل علي اختيار بشري بك حنا لرئاسة المؤتمر فكانت لقيادته الحكيمة ووطنيته هو وأخيه سينوت الفضل في أن يخرج هذا الأمر بسلام دون أي تشويش أو اضطرابات. إن سيرة ومسيرة هذا الوطني الكبير تحتاج لكتابات كثيرة ولكن هنا نلقي الضوء علي بعض جوانب إسهامات الشخصيات الوطنية التي خدمت الوطن.
إن التاريخ الاجتماعي للمصريين يذخر بكوكبة عظيمة من المخلصين الوطنيين الذين قدموا الكثير والكثير لخدمة المجتمع في مجالاته المتعددة, ويجب علينا أن نكون أوفياء لهذا التاريخ وأن نذكر تلك النماذج المضيئة لتكون نبراسا لنا للحث علي عمل الخير وخدمة الوطن.