إن كل ما حققه المسيح بالجسد من أجلنا هو سر لا يمكن إدراكه كاملًا بالعقل البشري، فهو يحتاج إلى الإيمان لكي يُفهم.

“إِنْ لَمْ تُؤمِنُوا فَلَنْ تَفْهَمُوا” (إش7: 9 سبعينيَّة).

والكنيسة تؤمن وتفتخر بسر تجسد الرب الذي لا ينطق به ولا يعبر عنه فهو حدث بطريقة يعلمها الله وحده.

فنحن نصلي في ثيؤطوكية يوم الثلاثاء – ق.4 “إذا تأملك أحد أيتها العذراء القديسة والدة الإله، والسر العجيب الذيصار فيك لأجل خلاصنا، فإنه يصمت من أجل ما لا ينطق به ويقيمنا إلى التسبيح، من أجل عظمة العجيب صانع الخيرات المتنوعة”.

ويعلمنا ق. أثناسيوس الرسولي عن عدم قدرة الانسان على حصر الأعمال التي حققها المخلص بتأنسه قائلًا:

“إن الأعمال التي حققها المخلص بتأنسه عظيمة وكثيرة بهذا المقدار، حتى أنه إذا أراد أحد أن يحصيها يكون كمن يواجه لجة البحر مريدًا أن يحصي أمواجه، هكذا مَن يريد أن يُحصي كل ما حققه المسيح بالجسد، فإنه لا يستطيع أن يحيط بها كلها حتى ولو بفكره فقط، لأن الأمور المتقدمة إلى فكره تزيد عما يظن أنه يستوعبه”(تجسد الكلمة، فصل 54).

لقد كان تجسد الابن الوحيد “من أجلنا ومن أجل خلاصنا” – كما نصلي في قانون الايمان – لكي يأخذ الذي لنا ويعطينا الذي له.

إن تجسد الابن من أجلنا حقق الآتي:

1. داس الموت وأبطل الفساد:

بصليبه وقيامته داس الموت “بالموت داس الموت” كما نصلي في ألحان القيامة. ونصلي في صلاة الصلح: “الموت الذي دخل العالم بجسد إبليس، هدمته بالظهور المحييّ الذي لابنك الوحيد”. وفي قسمة ق. غريغوريوسنصلي: يا مَن بموتك المحيي أمتَّ الموت قاتلنا فلا تجعل له سلطانا علينا يا سيدنا. ونصلي أيضا في أوشية الراقدين: ليس موت لعبيدك بل هو انتقال.

2. أبطل الخطية وشفانا منها:

نصلي في ثيؤطوكية يوم الأحد قائلين: لأنه هو شمس البر ولدته وشفانا من خطايانا، وفي القداس الغريغورييصلي الكاهن قائلًا: أبطلت الخطية بالجسد. أما في لبش يوم الجمعة فنصلي: ولدت لنا الملك رب كل البرية أتى وخلصنا من خطايانا كصالح ومحب البشر. وبذلك أعطانا النُّصرة على الشيطان الذي أغوانا وأسقطنا فيها.

3. حطم مملكة إبليس لحسابنا وأعطانا السلطان عليه:

بمعمودية المسيح سحق رأس التنين (إبليس) على المياه كما يقول المزمور، وبنصرته على الشيطان لحسابنا على الجبل، وبصليبه نزل إلى الجحيم وحرر المسبيين بقيامته المقدسة.

وفي قسمة ق. غريغوريوس: يا مَن بقيامتك المقدسة حطمت مملكة إبليس، أقمنا يا رب من سقطات الخطية.

فلم يكن في استطاعة الإنسان أن يرى الله، ولكن بالتجسد “رَأَيْنَاهُ…وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا” (1يو1: 1).

4. رأيناه واقتربنا منه:

“الذي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأبدية الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآب وَأُظْهِرَتْ لَنَا” (1يو1:1).

وفي إبصالية على ثيؤطوكية يوم الجمعة من شهر كيهك نصلي ونقول: “الإله المسبَّح أتى إلى أحشاء العذراء حتى أوصلنا إليه من قبل صلاحه”.

وفي ثيؤطوكية يوم الأربعاء: (وأيضًا مرد إنجيل باكر عيد الميلاد)، “تعالوا انظروا وتعجبوا وسبحوا وهللوا بابتهاج لهذا السر الذي ظهر لنا، لأن غير المتجسد تجسد والكلمة تجسد، وغير المبتدئ ابتدأ وغير الزمنى صار زمنيًّا، غير المدرَك لمسوه وغير المرئي رأوه ابن الله الحي صار ابن بشر بالحقيقة.”

أما في ثيؤطوكية يوم الثلاثاء – ق.5، فنصلي قائلين: “الساكن في النور غير المقترب إليه حل في بطنها تسعة شهور.”

لقد كان الله في العهد القديم يسكن في نور غير مقترب إليه(1تي6: 16)؛ فقال موسى: “أرني مجدك فقال أجيز كل جودتي قدامك وأنادي باسم الرب قدامك، وقال لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش. وقال الرب هوذا عندي مكان فتقف على الصخرة، ويكون متى اجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة، وأسترك بيدي حتى أجتاز، ثم أرفع يدي فتنظر ورائي وأما وجهي فلا يرى”(خر33).

وأما الآن فلا نراه فقط، لكنه وحَّدنا به وأيضًا وحَّدنا مع بعضنا بعضًا، لأن الخطية والموت في العهد القديم قسَّما بني البشر،