الدار/ افتتاحية
لماذا يرسل بلد لا ينتج الأسمدة 16 ألف طن من هذه المادة إلى بلد آخر؟ من يمكن أن يفعل ذلك غير نظام مخبول أضاع البوصلة مثل نظام الكابرانات؟ لا توجد دولة يحكمها عقلاء وتديرها قيادة رصينة يمكن أن تفعل ذلك لأن فاقد الشيء ببساطة لا يعطيه. الجزائر بلد مترامي الأطراف لم ينجح بعد حتّى في استصلاح نصف مساحته الزراعية ويفضل أن يوزع عطايا الأسمدة التي لا ينتجها بالمناسبة على بلدان إفريقية أضحت اليوم تقود تجارب رائدة في المجال الزراعي على غرار كينيا. منطق الرشوة التي ما يزال يحكم قرارات العصابة العسكرية في الجزائر، وهي التي قرّرت دون سابق إنذار أن تهدي كينيا هذه الكمية الكبيرة من الأسمدة فقط لغايتين ظاهرتين ومضحكتين.
الغاية الأولى هي منافسة المغرب في مجال دعم الدول الإفريقية بالأسمدة الزراعية. لكن ما يتجاهله الكابرانات أن المغرب لا يدعم هذه الدول من خلال أسمدة يستوردها من دول أخرى ويؤدي ثمنها بالدولار والعملة الصعبة، وإنما يفعل ذلك في إطار شراكات التعاون جنوب-جنوب لأنه أصبح بلدا رائدا في مجال صناعة الأسمدة بفضل التطور الهائل الذي حقّقته مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط. إذا تبرّع المغرب بالأسمدة الزراعية للدول الإفريقية فهذا ينسجم أولا مع قدراته ومجال خبرته ويؤسس ثانيا لشراكات اقتصادية واعدة ستسهم في تحقيق الثورة الزراعية في القارة السمراء وضمان الأمن الغذائي ومحاربة ظواهر الجوع وسوء التغذية.
16 ألف طن التي يتبجّح الكابرانات بمنحها لكينيا لا تمثل شيئاً أمام الطاقة الإنتاجية الهائلة التي يمتلكها اليوم المكتب الشريف للفوسفاط من خلال مركباته الصناعية المنتشرة في المغرب وفي العديد من بلدان العالم. على سبيل المثال وغير بعيد عن كينيا يشرف المكتب الشريف للفوسفاط في إثيوبيا المجاورة على إرساء مشروع إنتاجي ضخم للأسمدة باستثمار مبدئي يقدر بحوالي 2.4 مليار دولار أمريكي خلال المرحلة الأولى لتطوير وحدة إنتاج أسمدة بحجم 2.5 مليون طن تجمع بين اليوريا وNPS/NPK، ويمكن أن تصل طاقتها الإنتاجية إلى 3.8 مليون طن سنويا باستثمارات إجمالية تصل إلى 3.7 مليار دولار أمريكي في المرحلة الثانية.
نحن نتحدث عن ملايين الأطنان وليس عن بضعة آلاف من الأسمدة التي تعتقد الجزائر أنها قادرة على أن توظفها في شراء بعض الذمم. لماذاً إذاً يتبرع نظام الكابرانات بهذه الأكياس من الأسمدة؟ من الواضح أن الغاية الثانية ترجع إلى استشعار الجزائريين احتمال انضمام كينيا إلى صفوف الدول الإفريقية التي ستفتتح قريبا قنصلية لها في الأقاليم الجنوبية بعد سحب الاعتراف الرسمي بجمهورية الوهم، لهذا يتوهّم الكابرانات أن اللجوء إلى مثل هذه الأساليب كفيل بدفع السلطات الكينية إلى التراجع عن هذا الموقف. الأيام كفيلة بأن تثبت للكابرانات خطأ توقعاتهم، وأن هذه الأسمدة التي أُرسلت إلى كينيا كان من الأولى أن تُمنح للمزارعين الجزائريين المساكين الذين يعانون اليوم أكثر من أيّ وقت مضى تداعيات التضخم العالمي وانعكاسها على تكاليف الإنتاج.
بالمناسبة إن الجزائر التي تحاول الظهور كمنافس للمغرب لم تنجح منذ استقلالها في تحقيق الاكتفاء الذاتي من مواد الأسمدة بشتّى أنواعها، لكنّ الغريب أنها مستعدة لإنفاق ملايين الدولارات من أموال دافعي الضرائب الجزائريين لاستيراد أسمدة ومنحها على طبق من ذهب إلى شعوب ودول أخرى لا لشيء إلا لمعاكسة الوحدة الترابية للمملكة المغربية وحشد التأييد لقضية الانفصال الخاسرة. وعلى الفلاح الجزئري الذي يقاوم عوادي الزمن ومجاهل الفساد أن ينتظر اليوم الذي ينعم عليه الله بحكام يمتلكون ذرة عقل واحدة. هنيئا لكينيا بهدية الأسمدة، وموعدنا قريبا بمناسبة افتتاح القنصلية الكينية.
