الدار/ افتتاحية
قطعت حكومة أخنوش عامين وأربعة أشهر من عمرها. في هذا الظرف الزمني القصير ملأت هذه الحكومة الدنيا وشغلت الناس بقائمة طويلة من القرارات والمنجزات التي لا يمكن أبدا تجاهلها أو عدم الانتباه إليها. بصرف النظر عن الجوانب الظرفية التي صاحبت تحمّلها المسؤولية السياسية فإن هذه الحكومة تمكّنت بسرعة من ترك بصمة ستظل علامة مميزة لهذه المرحلة السياسية التي نجتازها. أولا لقد قاربت هذه الحكومة قضايا ومعضلات عديدة في الوقت نفسه. لعلّها أوّل حكومة تتجرأ على فتح هذا العدد الكبير من الملفات التي كانت أغلب الحكومات السابقة تتخوّف من الاقتراب منها. أول مثال على ذلك هو النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية.
لقد كان بإمكان الأغلبية الحالية أن تتغاضى عن هذا الملف وتؤجله إلى الحكومة المقبلة وتنجو بجلدها من تبعاته السياسية. قليل من الحكومات يستطيع مواجهة إضراب ممتدّ لأكثر من 3 أشهر كاد أن يشلّ قطاع التعليم والتربية شللاً تاماً. هناك سوابق معروفة في تاريخ الحكومات المتعاقبة التي كانت تتراجع بسرعة عن مقاربة هذا الملف بمجرّد شعورها بالاحتقان وتنامي الاحتجاجات النقابية. تُحسب لحكومة عزيز أخنوش إذاً هذه الشجاعة السياسية التي قادت أخيراً إلى طيّ هذا الملف بصفة نهائية وفقاً لحلّ مرضٍ للأطراف جميعها وتدشين تعاقد جديد بين الحكومة ورجال التعليم ونسائه.
هذا هو الإنجاز الأول الذي تحقّق في ظرف وجيز. الإنجاز الثاني الذي لا بدّ من التوقف عنده هو الشروع في تفعيل مساطر الدعم الاجتماعي المخصّص للفئات الهشّة. أقلّ ما يمكن أن يقال عن هذا الإنجاز أنه تاريخي بكلّ المقاييس. لأول مرة تقرّ حكومة من الحكومات المغربية منظومة دعم اجتماعي مباشر لفائدة الأسر الفقيرة والمعوزة بناء على شروط ومعايير واضحة. قد يقول قائل إن مقدار هذا الدعم الذي سيبدأ من 500 درهم قليل وغير كافٍ. هذا صحيح لكنّه يشمل أكثر من 3 ملايين ونصف مغربي. ويمثّل في عمقه مجرد خطوة أولى نحو بناء منظومة دعم اجتماعي عصرية وفعّالة ستمكّن الحكومة من جمع ما يكفي من البيانات لتعزيز المستوى المعيشي للعديد من الفئات المهمّشة.
وبالموازاة مع هذا الدعم المباشر، تواصل الحكومة جهودها من أجل تنزيل منظومة الدعم لفائدة مقتني السكن الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس في أكتوبر الماضي. لم تتأخر الحكومة في إطلاق المنصات والوسائل اللوجستية والبنيات التشريعية اللازمة لاستفادة الساكنة من دعم السكن اللائق، الذي سيمثّل بالمناسبة ثورة هائلة في مجال التمكين من الملكية لفئات واسعة من المواطنين المغاربة المحرومين من ذلك. الدعم المباشر ودعم السكن ينضافان إلى الجهود المبذولة على قدم وساق لتعميم نظام التغطية الصحية والحماية الاجتماعية على المواطنين المغاربة كافّة دون أيّ استثناء.
ماذا تعني هذه المنجزات إذاً؟ إذا أردنا أن نقيّم أداء الحكومة تقييما موضوعيا فلا يمكننا أبدا القفز على هذه الحقائق الصارخة التي تمكّنت حكومة عزيز أخنوش من ترسيخها بفضل تضافر جهود مكونات الأغلبية والتجاوب السريع والفعّال مع توجيهات الإرادة الملكية. هل يمكن أن ينكر المراقبون حصول الأساتذة والأطر التربوية على أول زيادة في الأجور منذ زمن طويل؟ هل يمكن إنكار استفادة ملايين المغاربة من مبادرة الدعم المباشر التي هم في أمسّ الحاجة إليها لا سيّما في العالم القروي؟ هل يمكن تجاهل ورش دعم السكن الذي سيخصّص له غلاف مالي هائل؟ ثم ماذا عن الاستراتيجية الواسعة التي انطلقت للتصدّي لمشكلة الإجهاد المائي؟
من السهل أن ننتقد أداء الحكومة أحياناً إذا كنا في موقع المعارضة غير البنّاءة. لكنّنا لا نستطيع تجاهل حقيقة مفادها أن هذه الحكومة تحمّلت مسؤولياتها في ظرفية اتسمت بتضخم اقتصادي عالمي غير مسبوق وارتفاع استثنائي في أسعار المحروقات دوليا وفي أعقاب جائحة وبائية تاريخية، وبعد كل هذا وذاك واجهت كارثة طبيعية مدمّرة تمثّلت في زلزال الحوز الذي أدى إلى وفاة الآلاف وانهيار مئات الآلاف من المباني والمنشآت. لذا؛ تقتضي الموضوعية في الوقت الحالي تثمين العمل الذي قدّمته هذه الحكومة ودعمها من أجل مواصلة الجهود لإنجاح هذه الأوراش وغيرها.
