الحياة والموت .. عُرس الخلود في جسد سيوة


الحياة والموت، والحياة بعد الموت، ما الذي يمكن أن يجمع النقيضين في جسد واحد؟ ما الذي يمكن أن يجمع الجبال والقبور والتلال، الأحجار، بالتكوينات الجيولوجية من الأراضى الرطبة والكثبان الرملية والهضاب والبحيرات التي تحط عليها الطيور المهاجرة للراحة والتزود بالغذاء؟ ما الذي يمكن أن يجمع 40 نوع من النباتات الرعوية والطبية وغيرها من نباتات تثبيت الرمال وأشجار السنط والطلح وحيوانات برية ثديية منها أنواع نادره مهددة بالانقراض ومن الثديات الكبيرة، بآثار الغارات الليبية والفارسية، وانكسارات الغزاة التي حولها المصريون الى انتصارات؟

إنه الخلود… ذلك الخلود الساكن في جسد سيوة .. إنها أرض النخيل محمية سيوة .. واحة الراحة، التي تضم في تكوينها كل عوامل الحياة، مضافاً إليها تراث وتاريخ يروي قصص الحياة والموت وأساطيرهما، وعن الحياة ينطق لسان التنوع البيولوجى الفريد في المحمية التي يوجد فيها 32 نوع من الزواحف و164 نوع من الطيور بالإضافة إلى أعداد كبيرة من اللافقاريات والحشرات.، وينابيع مياه وبحيرات وآبار مياه عذبة ساعدت على زراعة كثير من النباتات الأقتصادية والأشجار المثمرة التي تنمو في بيئة نقية خالية من التلوث لذلك تجد لها سوقا رائجة للتصدير. والواحة بها نحو 400 الف نخلة و70 الف شجرة زيتون. لذلك تشتهر بالزيتون والتمور.

في اطلالة على هذا الخلود نظمت جمعية كتاب البيئة والتنمية زيارة لمحمية سيوة بالتعاون مع وزارة البيئة خلال الاسبوع الماضي، داخل المحمية اصطحبنا ابراهيم باغي مدير محمية سيوة في جولة، قائلاً:”اعلنت محمية سيوة كمحمية طبيعية في عام 2002، وهي تقع في الصحراء الغربية على بعد 820 كيلومترا جنوب غرب القاهرة قرب الحدود المصرية الليبية، وتنخفض المحمية 18 مترا تحت سطح البحر. وتبلغ مساحتها حوالي 7800 كيلومتر مربع، بينما تبلغ مساحة واحة سيوة 55 الف كيلومتر مربع،

من الحياة تخرج آثار الموت والإندثار، ففي نفس المحمية عثر الفريق الوطني للحفريات بقطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة بالتعاون مع جامعة ميتشجان الأمريكية، منذ سنوات علي أكبر حوت في العالم بمحمية سيوة من نوع “سيتويد” يرجع عمره إلي نحو73 مليون سنة.الفريق سجل موقعا حفريا يضم 3 أنواع مختلفة من الحيتان وعرائس بحر وسلاحف بحرية عملاقة لم تسجل من قبل، وثعابين مائية واسنان سمك القرش. تم أيضا العثور علي منطقة أسلاف الفيلة وهي كائنات تعيش علي اليابسة، والحفريات بمحمية سيوة مطابقة لتلك الموجودة بوادي الحيتان، لكنها للأسف لا تحظى بنفس التردد بسبب ابتعادها عن القاهرة.

جبل الموتى

هكذا ازدهرت الحياة بنت الطبيعة في حضن جبال الموت، لتنجب الخلود في سيوة.. والحاضر ابن التاريخ، يأبى نسيان موتى الماضي، الذي خلده السيويون في جبل الموتى، فمنذ ما يقرب من ستة وسبعون عام مضت، وأثناء اشتعال الحرب العالمية الثانية، في عام 1944، اضطر أهالي سيوة للهروب من للفرار من نيران المعركة الدائرة بين الجيوش الألمانية والإيطالية والبريطانية، فاتجهوا إلي جبل مخروطي الشكل، يقع علي بُعد 2 كيلو متر فقط من المدينة، يحتوي علي عدد من الكهوف والتجاويف الصغيرة، ليصطدموا بأحد أهم الإكتشافات الأثرية بواحة سيوة وربما في شمال الصحراء الغربية كلها.

جبل للموتي، هكذا وجده أهالي سيوة، فقد اكتشفوا أن تلك التجاويف الصغيرة ما هي إلا مقابر صغيرة تغطي سطح الجبل المخروطي، وتمتلئ بالمئات من المومياوات البديعة التي تخلب لب من يراها، ويصل إرتفاعه إلي أكثر من ٥٠٠ متر، ذو تربه جيرية، يشبه إلي حد كبير خلية النحل ذات العيون الصغيرة، تشكلت من الحجر على هيئة صفوف منتظمة ومتتالية بشكل هندسي يشبه شكل الواحة القديمة، وهي عبارة عن عدد كبير من السراديب، والتي تنتهي جميعها إلي بهو واسع تمتد منه فجوات مخصصة لدفن الموتي، حيث يحتوي علي 3000 مقبرة.

تتشابك الأشياء وتتواصل مع بعضها البعض، لا يمكن أن تفصل البيئة عن السياحة عن التراث والتاريخ، لا يمكن ان ترى كل شىء بمفرده انها لوحة بديعة ذات تركيبة خاصة وفريدة جداً، مثلما ترى فيها الحياة ترى فيها الموت، ويُعد جبل الموتي أحد أجمل المقابر المصرية القديمة، فرغم كونها مدافن لموتي ينتمون إلي الأسرة السادسة والعشرين، اي خلال الفترة من 664-525 قبل الميلاد، إلا أن الدفن استمر في هذه الجبانة حتى العصرين البطلمي والروماني المتأخر أو البيزنطي، أي حتي قبيل الفتح الإسلامي لمصر في القرن السابع الميلادي، أي أن عملية الدفن استمرت لأكثر من 10 قرون، لذا تجمع في تصميمها بين الفن المصري القديم والفن اليوناني، وتمتلئ بالنقوش البارزة للآلهة نات وهي تقف أسفل شجرة الجميز، ورسوم التماسيح والتي تمثل الأله سوبيك، ولا تخلو جميع المقابر من الكتابات والزخارف والنقوش والرسومات المصرية القديمة.

أما عن أهم المقابر التي وجدت داخل جبل الموتي، فتأتي مقبرة “إيزيس”، ومقبرة “باتحوت”، ومقبرة التمساح، والتي تمثل هيكلا أشبه بكهف مكون من ثلاث حجرات، ولم يتم التعرف علي صاحبها حتي الآن، ومقبرة ” ثيبر باثوت”، وهي مزينة برسومات ونقوش مصبوغة باللون الأحمر الذي يغلب علي الأواني الفخارية المستخدمة في سيوة حتي اليوم، بالإضافة إلي مقبرة “سى آمون” والتي تعد أجمل المقابر التي تم الكشف عنها في الصحراء الغربية، وتعود إلى أحد الأثرياء الإغريق، وتتضمن المقبرة مناظر كاملة تترجم عقيدة المصري القديم في البعث والخلود، كما تعكس جدران المقبرة اندماجاً واضحاً بين الفنون المصرية والإغريقية.

ولأن الحياة والموت يسكنان ذات الأرض، التي عجت بالأساطير، فهناك اسطورة راسخة في نفوس اهل المنطقة، مرتبطة بجبل الموتي تتحدث عن أن السبب في ثبات عدد سكان منطقة الجبل والذي لا يتعدي ٣٤٠ نسمة، يعود إلي أنه يموت شيخًا في المساء إذا ما ولد طفل في الصباح، والعجيب أن تلك المصادفة تتكرر، ما جعلهم يؤمنون بتلك الاسطورة بشكل كبير.

تاريخ الخبر: 2024-03-01 21:21:37
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

السجن سنة ونصف للمدون يوسف الحيرش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 12:25:48
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 55%

بوريل يدعو إلى عدم بيع الأسلحة لإسرائيل

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 12:25:54
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 62%

بوريل يدعو إلى عدم بيع الأسلحة لإسرائيل

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 12:25:49
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية