الإستشفاء .. سر ينبع في أرض سيوة


الإستشفاء… ذلك السر العجيب المرتبط بالتخلص من الطاقة السلبية في أجسادنا، لنًصح ونعود لسابق نشاطنا، سر اختلف البعض حول كونه علماً أو مجرد حكايات ترويها القبائل المنتمية لقرون سالفة نتيجة الأساطير والروايات المشهورة في “أرض النخيل” واحة سيوة، أم انها حقيقة لها جذور علمية، وكلما عدنا للخلف نجد أنفسنا أمام واقع علمونا إياه بالفطرة، يكشف الواقع عن سره للمنقبين، نعم إن الإستشفاء هو ذاته السر المدفون في باطن أرض النخيل، بمحميتها الطبيعية – محمية سيوة- الزاخرة بكل عوامل “الإستشفاء بالطبيعة”، حيث يذهب المرء مئات الأميال نحو الحدود الليبية المصرية، ليختلي بنفسه والطبيعة، سابحاً في قلب عيون المياه الكبريتية الدافئة، أو مدفوناً في الرمال الساخنة، ملتفحاً بأشعة الشمس، محاطاً ببلورات الملح الطبيعي، بعيداً عن ضجيج المدن، ليركن الى الهدوء واستعادة الروح من الزحام المصطنع.

العلاج البديل

في زيارة خاطفة استطاعت جمعية كتاب البيئة والتنمية بالتعاون مع وزارة البيئة، اصطحاب فريق من الصحفيين إلى أرض النخيل ومحمية سيوة، برؤى العين رأينا الأجانب من أبعد بقاع الأرض وقد قصدوا سيوة من أجل الإستشفاء، الذي لم يعد ترفيهاً لكنه التعافي الحقيقي، فمع آداء نشاط حركي مستمر بايقاع هادئ، يتفاعل الجسد وتنخفض كمية وكثافة حامض اللاكتيك المتراكم في العضلات والذي يعمل على الاقلال من ظهور التعب خلال الأيام التالية لعملية الإستشفاء، والإستشفاء يختلف عن السياحة العلاجية، فالأخيرة تعتمد على وجود المراكز الطبية والمستشفيات التي تقدم الخدمة العلاجية بجودة عالية، لكن الإستشفاء هو حالة طبيعية لا يتم فيها تلقي العلاج عن طريق أي مراكز طبية، وهو ما تحظى به محمية سيوة، التي استطاعت جذب السياحة الإستشفائية فهي تعتمد في الأساس علي فكرة العلاج البديل والاعتماد علي الطبيعية الغنية بالعناصر الفعالة التي لها أثر كبير علي علاج بعض الأمراض مثل المياة الكبريتية، التي تفيد في علاج آلام والتهابات المفاصل وأمراض الجهاز الهيكلي والروماتيزم وبعض الأمراض الجلدية، وامراض الجهاز التنفسي مثل الحساسية والربو، نتيجة استنشاق اليود. وهناك أيضا العلاج بالرمال والتي لها نتائج مميزة لعلاج الروماتيزم والتهاب المفاصل عن طريق حمامات الرمال ، فالمياه الكبريتية تعالج الكثير من الأمراض التي قد تمس جسم الإنسان، وتضم سيوة ما يقرب من 200 عين كبريتية طبيعية، وأشهرها عين” كيلوباترا، قوريشت، الدكرور، تجزرت، فطناس، الحمام، خميسة، وعين العرائس” وغيرها من العيون الكبريتية.

مسبح الملكة

هناك في عين كليوباترا، التقينا بأناس من جنسيات متعددة، خلت الأماكن من التكييفات المبردة، او التدفئة الكهربائية، خلت المطاعم من الطاولات الكلاسيكية، لتحل محلها البساطة وجلسات “المربوعة” -جلسات الأرضية- جلس الأجانب يحاكون بساطة الطبيعة المحيطة بهم، والبعض في عين كليوباترا العميقة يسبح، ممستمتعاً بمياه البئر التي تجدد ذاتها تلقائياً من الينابيع الساخنة الطبيعية، ذلك الدفء الرباني في “عز الشتاء” جزء من برنامج الاستشفاء، وهذه البئر سميت بهذا الاسم لأن هناك أقاويل تؤكد أن ملكة مصر سبحت في مياهها في العهد القديم. فصارت مسبح الملكة وسميت باسمها.

واحة الغروب

تركنا عين كليوباترا لنذهب الى عين فطناس التي تقع داخل جزيرة فطناس، وتحيط بها أشجار النخيل في كل مكان، في ممر طويل الي البحيرة، اصطجبنا مدير المحية، لنرى مشهد الغروب، حيث ما يطلق عليه واحة الغروب، هناك سياح من كل مكان، لا يغنيك عن الصمت شىء فالكلام يعجز عن وصف ما يخلب القلوب وانت تشاهد الشمس وقد قررت السقوط خلف غيمات الغروب، إنه استشفاء النفس والروح.

من يصدق ان هذه الواحة كانت قبل عام واحد معرضة للخراب، حينما زادت كميات مياه الصرف الزراعي وأدت لارتفاع منسوب المياه الأرضية بالأراضي الزراعية بالواحة، حتى صارت زراعة الزيتون مهددة بالواحة، لكن بجهود وزارتي الري والبيئة، تم تنفيذ خطة لمد جسور للبرك وآبار وعيون طبيعية للحفاظ على الإنتاج الزراعي بالواحة، وحفر آبار عميقة لإنتاج المياه العذبة من خزان الحجر الرملي النوبي للخلط مع مياه الآبار السطحية وإغلاق العديد من الآبار الجوفية والتي كانت تسحب المياه من الخزان الجوفي السطحي بشكل جائر. علية وتدعيم وتكسية العديد من جسور المصارف بالواحة لاستيعاب كميات مياه الصرف الزراعي الزائدة وحماية الأراضي من الغرق والتدهور، مع المضي قدماً في إتمام أعمال مشروع المسار المفتوح لنقل كميات من مياه هذه المصارف إلى منخفض عين الجنبي شرقي الواحة.

بلورات الملح الثلجي

ومن فطناس الى بحيرات الملح كانت وجهتنا، هناك حيث الملح الخام، جبال من الملح، وبحيرات فيروزية اللون يسبح المرء فيها فيطفو مهما كان العمق، ولما لا فالملح يحمله فوق المياه، وكأنه الجليد الأبيض الذي لا ينكسر، وسط اكوام الجليد الدافئ بملمسه الملحي الخشن، تشتم رائحة اليود الشافية، لا أحد جوارك سوى الطبيعة ولون الفيروز المبهر على سطح البحيرة، يغريك على السقوط وسط المياه لتترك حالك للملح الذي يحتوي على نحو 40 عنصرا مفيدا للجسم، لم تأت عبثاً لكنها نتيجة ما تحويه البحيرات التي تشكلت منذ مئات السنين، بسبب تجمع مياه الأمطار والمياه الجوفية فى منخفضات الصحراء، ما أدى إلى تركز الملح فى مياه البحيرات، فعندما تتراكم المياه المتدفقة إلى البحيرة، التي تحتوي على الملح يتبخر الماء، تاركًا وراءه الأملاح مذابة، وبالتالي تزداد ملوحة الماء، مما يجعل البحيرة المالحة مكانًا ممتازًا لإنتاج الملح.

الدفن في الرمال

يخرج القاصدون من بحيرات الملح متجهون الى جبل الدكرور، الذي يقع في واحة سيوة، على مسافة حوالي 3 كيلو جنوب شرق واحة سيوة.، وأسمه ” أدرار بريق” باللغة الأمازيغية.، هناك تتم حمامات الرمل لمرضى الروماتيزم والروماتويد وآلام المفاصل وغيرها، حيث يتم تجهيز حمامات الرمل ويخرج الزائر من خيمته مباشرة إلى المكان ليتم دفنه بالرمال عدا وجهه، في عملية تستغرق نحو نصف ساعة لمدة 3 إلى 7 أيام كل على حسب حالته الصحية. ليشعر بعدها بتحسن شديد لفترة طويلة.

وجبل الدكرور من المعالم الأثرية الفرعونية المشهورة في واحة سيوة، يتمتع بحمامات الرمال الساخنة وهذه الرمال تعالج الكثير من الأمراض.، ويوجد به مقبرتان ظاهرتان ولكن يوجد واحدة منهم تم كسر أعمدتها في قديم الزمن، وتحكي الأساطير عن الجبل، وعن كنوز الملك ابريق، احد ملوك سيوة في قديم الزمن.

وللجبل قيمة ثقافية وتراثية ايضاً بخلاف القيمة الاستشفائية، اذ يحتفل أهل سيوة في كل عام عند حلول شهر أكتوبر وعند اكتمال القمر بدر، بعيد السلام أو الليالي القمرية فوق جبل الدكرور، ويجتمع الشيوخ والشباب والأطفال والنساء ويتصالح الجميع – بحسب رواية ابراهيم باغي مدير محمية سيوة- الذي يكمل قائلاً: أذا وجدت أي خلافات بين القبائل تتم المصالحة والاحتفال والتجهيز للطعام والشراب.، وتعود ذكرى هذا العيد الى ما يقرب من مائتي عام، حينما تفرق أهالي سيوة بين شرق سيوة وغرب سيوة، واحتدمت الصراعات والحروب بينهم، فخسرت القبائل أعدادا كبيرة من ابنائها، فقرر الجميع إقامة عيد بينهم للتصالح.

إن السياحة الإستشفائية، في محمية سيوة تعتمد على الإسترخاء والراحة التي توفر حالة استقرار ومانع طبيعي من التوتر، لأنها تتم في الهواء الطلق حيث الشمس المشرقة والمياه العلاجية الدافئة التي تشمل العناصر العلاجية

تاريخ الخبر: 2024-03-02 00:21:21
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 63%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية