رمضان .. والإنسان الكامل
رمضان .. والإنسان الكامل
النفس لا تقبل المكرر, بل وتزهده ولو كان لهوا, ماعدا شهر رمضان, الذي ينتظره المسلمون في كل عام بالغبطة, ويستقبلونه بأهازيج الفرح وترنيمات السرور, ويودعونه وهم يتمنون مخلصين, اليوم الذي تهل عليهم فيه بشائره, وتطالعهم أنواره, وتضيء حياتهم إنسانياته..
ولكن لماذا هذا الحب الكبير, وهذا العشق العظيم؟
سره أن رمضان فرصة للمؤمن المطيع يزداد به قربا من الله سبحانه وتعالي, فكل عمل المؤمن مقدر الأجر إلا صيام رمضان فجزاؤه إلي الله لا يحصر قدره, وفي آلحديث: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به, وفي الحديث أيضا: من تطوع في رمضان بخصلة من خصال الخير كان كمن أدي فريضة فيما سواه..
وسره أيضا أنه يوحي بحسن المعاشرة بين الناس, فهم يعاشرون بعضهم البعض خلاله -بوحي من روحه- ابتغاء مرضاة الله وليس لكسب ذاتي, فالصغير يجعل من هو أكبر منه بمنزلة الأب, والكبير يجعل الصغير بمنزلة الولد, والنظير يجعل نظيره بمنزلة الأخ, وتسود هذه العلاقات جميعها روح إنسانية طيبة, تهدف إلي الخير والسعادة للجميع, وتسعي لتوطيد أسمي درجات الحب والكرامة والعزة بين الناس, فقيرهم وغنيهم علي حد سواء..
وسره أيضا أنه يبث في النفوس الحلم والتواضع, فتعفو عما أساء إليك وأنت القادر علي رد الإساءة, وقد قال الرسول: بعثت للحلم مؤكدا, وللعلم معدنا, وللصبر مسكنا, كما تعرف أقدار الناس, وتحترم أفكارهم البناءة ولا تبخس مكانة أحد منهم, أعني أن نتواضع, لأن الله عز وجل لا يقبل عبادة ويرضاها إلا وبابها التواضع, وقد وصف سبحانه وتعالي عباده المتواضعين بأنهم عباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما, وقال رسول الله: إن الله تعالي أوحي إلي أن تواضعوا حتي لا يفخر أحد علي أحد ولا يبغي أحد علي أحد, كما قال: ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله..
وسره أيضا أنه يدعونا إلي الأمانة والسخاء والصدق:
* فالأمانة تدعم العلاقات بين الناس وتوثق تعاونهم, وتفتح الباب فسيحا -من ثم- لتحقيق مزيد من الإنتاج المثمر لصالح المجتمع..
* والسخاء يبث روح الأخاء الفقير يشعر بأنه أخ للغني, والغني يحس بأن عليه واجبا إزاء الفقراء, فتسود العلاقات الطيبة بين الناس, ويشعر الكل بأنهم أسرة واحدة, لا حقد بين أفرادها, ولا حسد يسبب لهم المتاعب ويعوقهم عن ممارسة العمل النافع, وقد قال الرسول الكريم: السخي قريب من الله, قريب من الناس قريب من الجنة بعيد عن النار, كما قال الرسول: السخاء من شجر الجنة أغصانها متدلية إلي الأرض, فمن أخذ بغصن منها قاده ذلك الغصن إلي الجنة..
* والصدق يكفي أن أقول فيه إن رسول الله كان يلقب بالصادق الأمين, وهو أساس الفضائل كلها, فالصادق أمين للعهد, صريح في قوله, لا ينافق ولا يرائي, ولا يبالغ ولا يسرف, عادل في حكمه, متريث يتحري الحق والصواب دائما..
وسره أيضا بالإضافة إلي الدروس السابقة, أنه يعلمنا المثابرة والعدل والمساواة والعفة, وهي دعامات أخلاقية رفية تعمل علي تقويم المجتمع وتبث في أوصاله العزيمة الصادقة, وتخلق منه قوة قادرة علي السير قدما نحو حياة أفضل, تسودها المحبة الصادقة, والتعاون التام, والاحترام المتبادل, في إطار من العمل الجاد المتصل المثمر البناء..
وهكذا يخلق الصوم رجلا كاملا في دنياه سوبرمان, نافعا لنفسه, ولأسرته, ولأمته.. بل وللناس جميعا, محبا للسلام, محبا لكل القيم, محبا للحب نفسه..