إفريقية

عودة للموسوعة

إحداثيات:

مقاطعة Africa الرومانية في عام 125 م (بالأحمر) التي توافق منطقة إفريقية خلال الفتح الإسلامي والتي منها اشتُق الاسم العربي
القيروان أولى المدن المشيدة في إفريقية والمغرب عامة بعد الفتح الإسلامي.

إفريقية (أوالمغرب الأدنى) هي الاسم الذي أطلقه العرب على المنطقة المُكَوَّنة من تونس الحالية ومنطقتي طرابلس (شمال غرب ليبيا) وقسنطينة (شمال شرق الجزائر)، والتي شكلت ولاية تابعة للدولة الإسلامية إبّان الفتح الإسلامي للمغرب. وهي، إلى حد ما، نفسها المناطق التي كانت في ما تجاوز تشكل مقاطعة إفريقية الرومانية (باللاتينية: Africa Proconsularis).

تضم إفريقية أساسا شمال الجمهورية التونسية وشرق الجزائر وغرب ليبيا تريبوليتانا ومركزها القيروان، ومن الدول التي حكمت هذه المنطقة دولة الأغالبة ودولة الموحدون والفاطميون وبنوغانية وبني حماد وفي بعض الأحيان تحكم هذه الدول جميع إفريقية وفي بعض الأحيان أجزاءً منها فقط.

تاريخ

إفريقية هي الجزء الشرقي من المغرب العربي الإسلامي، لذلك أطلق عليها عدد من المؤرخين المعاصرين اسم "بلاد البربر" الشرقية. ومما لا مجال للشك فيه، مهما يكن ممضى المؤلفين العرب في هذا الموضوع، حتى لفظة "إفريقية" مقتبسة من الحدثة اللاتينية "أفريكا" (Africa). فالكشف عن أصل الحدثة العربية يرجع إذن في نهاية الأمر إلى أصل لاتيني لا يزال يتحدى فطنة الباحثين منذ أقدم العصور إلي يومنا الحاضر. وإنه من الثابت حتى لفظة أفريكا وغيرها من الصيغ الأخرى المشتقة من الجذر اللغوي "آفر" (ج. أفري)(Afer,pl.Afri) قد وردت في المصادر اللاتينية القديمة قبل سقوط قرطاج بوقت طويل، ونفهم بالخصوص حتى سقيبيون الأكبر (235 - 183 ق.م) قد منح بعد فوزه على حنبعل في واقعة معركة زاما (سنة 202) لقب الإفريقي (Africanus)، وقد ورد ذكر الصفة "إفريقي" (Africus) عدّة مرات في عهد سابق لسقوط قرطاج (سنة 146 ق.م)، وقد ألحقت روما بعد ذلك أراضي قرطاج وسمتها "المقاطعة الإفريقية" (Provincia Africa) أو"الإفريقية" (Africa) بإضمار الاسم الموصوف (انظر جزال (Gsell)، التاريخ القديم: ج7، ص 2). وهذه المقاطعة الأفريقية (Provincia Africa) كانت موطن الأفارقة (Afri)، وهي التسمية التي كانت مقصورة في أول الأمر على السكان الأصليين الموجودين على أراضي قرطاج - بل وقد حصل أحيانا الفصل واللقاءة بين هذه التسمية وتسمية البونيين (Poeni) أوالقرطاجيين (Cathaginienses) - قبل حتى تضم أيضا في خاتمة الأمر هؤلاء القرطاجيين أنفسهم، كما نستنتج ذلك من اللقب الممنوح لقاهر حنبعل. فهذه هي المعطيات الثابتة التي نملكها بخصوص هذا الموضوع.

لا توجد أيّ معلومات ثابتة على نحويقيني ومسلًّم به بإجماع الباحثين. وقد كان "هنري فورنال" (h.founel) سنة 1875 يعلن في غير مواربة: "لا أتردد في التأكيد أننا نجهل ذلك تماما" (البربر Brebres، ج1، ص 32), وبعد مرور بضعة عقود من السنين يأتي ستيفان قزال (s.gsell) فيقول في صيغة الاعتراف "من الأفضل الإقرار بجهلنا بخصوص أصل هذه الحدثة"، على حتى الكثير من النظريات والتفسيرات المتفاوتة من حيث البراعة والقدرة على الإقناع قد جازف بعضهم بتقديمها طوال الفترة الممتدة من العصور القديمة إلى عصرنا الحاضر. ويمكن تصنيف هذه النظريات في قسمين كبيرين:

  • الاشتقاقات الأسطورية

لقد اقترحت منذ أقدم العصور عدّة نظريات تقوم كلها على أساس أسطورة الانتساب إلى أصل جوهر إلهي أوبطولي خرافي من نوع ما كان سائدا لدى الأقدمين. وعلى هذا الأساس فإن أفريكا تكون موطن أولاد "آفر" (afer)، وهوابن "الأميرة ليبيا" (libye) التي كانت أصيلة البلاد، أوإحدى بنات الاله "جوبيتار" أوالاله "نبتون" أو"إيبافوس" (Epaphus) (دافزاك davzac، أفريقيا، ج 4) أوهوابن هرقل ليبيا، أوابن كرونوس وفيليرا (conos et philyra)، أوابن إبراهيم وستورة، أوحفيد إبراهيم وقائد حملة حربية، بليبيا، الخ..

أما العرب الذين كانوا لا يجهلون تماما هذه الأساطير التي كانت شائعة فيما يظهر بالبلاد التي فتحوها، فإنّهم لمقد يكونوا أقل إغراقا في الخيال. لذلك نراهم يتبنون في الغالب نوعا من التفسير متأثرا من ناحية بالأساطير القديمة ومنقولا من ناحية أخرى عن الأنموذج الذي اعتمدوه في تفسير وجود الجنس العربي، أي بالرجوع إلى جدّ أول يطلق اسمه على بنيه، وهم يدعونه عادة افريقيس (africus) أوافريقيش في بعض الأحيان، وقد يحدث هوالذي تسمّى باسمه الأفريقيون وبلادهم إفريقية. وهذا التفسير الذي تبناه فيما بعد، مع بعض الفروق في الرواية، غالب رواة الأخبار والجغرافيين العرب يمثل في الواقع رواية واحدة، وهي التي نقلها ونشرها هشام بن محمد الكلبي (المتوفى فيما بين سنتي 204 و206هـ/819 و821 م).

ولا بدّ مع ذلك من حتى نسجّل حتى ابن عبد الحكم (187هـ - 257هـ/803 - 871م) الذي ينتمي إلى أسرة من الفقهاء والمحدّثين الثقاة، والذي ندين له بأقدم مصدر مكتوب عن تاريخ فتح إفريقية قد تعمّد فيما يظهر إغفال ذكر هذا التفسير في كتابه، ذلك حتى ابن الكلبي لا يعدّ من أهل الثقة عند كبار الرواة والمحدّثين.. أما ابن خلدون المشهور بروحه النقدية فهولا ينقل لنا هذا التفسير في مقدمته (ص16) إلاّ باعتباره مثالا "للأخبار الواهية" التي كانت خط سابقيه محشوة بها. وعندما يعود ابن خلدون إلى ذكر هذه الرواية فهويكتفي بنقلها دون تحمل مسؤوليتها، أويبدي بشأنها احترازا واضحا . ولا حاجة إلى التأكيد حتى أفريقيس أوأفريقيش هذا يقدم إلينا دوما من قبل الإخباريين العرب باعتباره بطلا عربيا محضا. وهم يربطون دائما من قريب أوبعيد تاريخ البطل بجذور البربر وما يحيط بأصلهم من غموض. والعرب في الغالب يعتبرون البربر مشارقة كنعانيين أوحميريّين في الأصل. وهم يذكرون لنا النسب الكامل لأفريقيس مع بعض الفروق في الروايات، ويؤكدون أنه كان من كبار ملوك اليمن في عهد سليمان الحكيم، وأنه فتح فيما يظهر بلاد المغرب وأطلق عليها اسمه وركز فيها بعض قبائل جنوب الجزيرة العربية فاستقرت بها. ويذكر البلاذري (المتوفى حوالي سنة 279هـ/892 م) نقلا عن هشام بن محمد الكلبي أنّ اسمه أفريقيس بن قيس بن صيفي الحميري، ونجد النسب نفسه عند ابن خلدون. لكننا نجد له أيضا عدة أنساب أخرى ونرى من بين ذلك من يسميه أحيانا أفريقيس بن أبرهة بن الرائش . ويورد الإخباريون العرب رواية أخرى من النوع الأسطوري أيضا يصبح فيها البطل الذي أطلق اسمه على إفريقية ينحدر من سلالة الأنبياء المذكورين في أسفار التوراة. وتفيد هذه الرواية التي نجد فيها صدى للأسطورة اليونانية اليهودية التي ينقلها جوزاف (Josèphe) تيسوTissot، حتى هذا البطل هوفيما يظهر إفريق (Aphera) ابن إبراهيم الخليل من زوجه الثانية فاتوراء (Cethura) أوأنه فارق بن بيصر بن حام بن نوح ويذكر ابن أبي دينار أنسابا أخرى لهذا البطل تعتمد أيضا على سلالات التوراة.

الاشتقاقات اللغويّة

أورد جميع من البيروني (المتوفّى سنة 442هـ/1050 م)، فيما نقل عنه ياقوت (ج1، ص 228)، والزبيدي (تاج العروس، ج 46، ص 7)، وابن أبي دينار (المؤنس، ص 19) تفاسير أخرى بالرجوع إلى الجذر اللغوي العربي (ف ر ق بمعنى فصل) الموجود في لفظة إفريقية.وقد ذكروا لنا أنّ إفريقية سمّيت كذلك لأنها "فرقت بين مصر والمغرب". أما في نظر الحسن بن محمد الوزّان الفاسي المعروف بليون الأفريقي (Léon L'Africain) فقد سُمّيت كذلك لأنها مفصولة عن أوروبا وجزء من آسيا بالبحر المتوسط.

وقد وضعت كثير من الاشتقاقات الأخرى بالرجوع دائما إلى الجذر اللغوي، أورد بعضها المؤلفون القدامى، واقترح بعضها الباحثون المعاصرون، وهي مستمدة من أصل لاتيني أويوناني أوسامي، فقد رجعوا بأصل اسم افريكا (Africa) إلى اللفظ اللاّتيني (Aprica) (بمعنى الساخنة) وهوالاشتقاق الذي ذكره إيزيدور (Isidore). وسرفيوس (Servius)، (تيسوTissot ، كما أشار إلى ذلك الاشتقاق أيضا المؤرخ ابن أبي دينار الذي اعتبر اللفظ اللاّتيني بمثابة جذر لغوي عربي فخط يقول: "نطق ابن الشباط ناقلا عن بعض المصادر أنّ إفريقية كانت تسمى أبريقة (apika)، وهي حدثة مشتقة من البريق، لصفاء سمائها من السحب".، كما رجعوا بأصل الاسم إلى الحدثة اليونانية (a-phike) أي دون برد أوبالخصوص إلى الجذر اللغوي السامي (ف ر ق)، فالباحث الأول وهوم. دافزاك (m.d avezac) بدأ بالإشارة إلى حتى بعضهم قد سعى إلى حتى يجد في حدثة إفريقية معنى "الأرض الخصبة بالسنابل، أوبلاد النخيل، أوالمنطقة المغبرة، أوالإقليم المتفرق المشتت، أوأرض برقة". ثم أضاف يقول:"لكن كم تبدوهذه الافتراضات متكلفة متصنعة بالقياس إلى ما كان أكده سويداس (suidas) بكل بساطة عندما أعرب حتى إفريقيا هي الاسم القديم لقرطاج نفسها...". أما معنى الاشتقاق اللّغوي لهذه التسمية القديمة، فنجده في لغة قرطاج نفسها تمدنا به بكل بساطة وطبيعية إذ تشير في حدثة إفريقه (afriqah) إلى مركز منفصل أومستعمرة لقاعدة صور. واتى العرب فاستخدموا اشتقاقا قياسيا وسموا الأرض التي تنتسب إلى إفريقه العتيقة "إفريقية". وهذا التأويل الذي تبناه دي سلان (de slanc) ورفضه جميع من فورنال (founel) وتيسو(tissot) وقزال (gsell)، يصطدم بعقبتين رئيسيتين:

أ - فإنه ليس من الثابت مطلقا حتى قرطاج قد كانت تسّمت باسم "إفريقية" في العصور القديمة. فالشهادة المنفردة التي قدمها سويداس في هذا الباب إنما هي شهادة محرر متأخر (من القرن التاسع والعاشر) لا يثق به الكثير من الباحثين. فكلامه إذن لا ينهض دليلا حاسما..

ب - ومن ناحية أخرى، وبالإضافة إلى عقبات الاشتقاق، فان حدثة آفر (Afer) ومشتقاتها - وهي ألفاظ غير لاتينية دون شك - لم يُعثر عليها في أي نقش كتابي بوني، لا في عهد جزال، ولا حتى في أيامنا الحاضرة.

حينئذ لجيء بطبيعة الحال إلى التفكير في ألوان أخرى من الاشتقاق بالاعتماد على اللغة البربرية: انطلاقا من حدثة آفري (مغارة) أومن إفران أوبالخصوص من اسم قبيلة أوريغة. وقد تقدم بفكرة هذا الاشتقاق لأول مرة الباحث كارات (Carette) مستوحيا إياه من اشتقاق حدثة ليبيا المتداولة عند اليونان والتي أطلقت في بادئ الأمر على بلاد قبائل ليبو(Lebou) أواللواتة. وقد خط عن أصل حدثة أفريكا، ناسجا على منوال المثال السابق فنطق: "كانت هذه الحدثة بالنسبة إلى المعمرين الفينيقيين بقرطاج مثلما كانت حدثة ليبيا عند المعمّرين اليونان بقريني (Cyrène) أي تسمية مقتبسة من الشعب الذي يحصل أول اتصال به وهي تسمية تكون قد وُضعت بعدُ في نطاق تنطقيد البلاد. بل إذا تسمية أفريكا قد سبقت تسمية ليبيا مثلما كان انتصاب القرطاجيين سابقا لارتكاز القرينيين" . وبعد حتى أضاف كارات حتى "هذا الاشتقاق في تسمية إفريقيا لا يقوم على أساس وثائق" وأنه يعتبره مع ذلك اشتقاقا "محتملا" حاول حتى يثبت، لتحميل بعض الدلائل الضعيفة أكثر مما تحمل، حتى قبائل أوريغة كانت تسكن، حسب المفروض وفي أقدم العصور، البلاد التي أصبحت تحتلها دولة قرطاج. وفي عهد حكم هذه الدولة قضي، فيما يبدو، على قبيلة أوريغة هذه وتشتّتت، باستثناء الهوارة، وهم بطن منها..." . وقد عاد إلى القول بهذا التفسير وإلى تبنّيه جميع من فيفيان دي سان مارتان (Vivien de Saint Martin) وتيسو(Tissot) اللذين يريان حتى الأوريغة هم الأفارقة أنفسهم الذين ذكرهم الجغرافيون العرب، ونفس "الايفوراكس" (Ifuraces) والذين يتحدث عنهم كوريبوس (Corippus). ونحن نفهم اليوم حتى الجمع بين جميع هذه المسميات في هوية واحدة هومن قبيل المجازفة. هذا وإن تأويلات كارات (carette) ليس لها من أساس سوى بعض الافتراضات الواهية. وإذ لم نظفر بأي تفسير ثابت يقيني في هذا الباب، وإذا ما أبينا النسج على منوال فورنال أوجزال في التزام جانب الحكمة والإقرار بجهلنا، فقد يحدث الافتراض الأبعد عن المجازفة والخطإ هوالقول بأن لفظ أفريكا (إفريقية) مشتق من الجذر اللغوي السامي (ف ر ق). وعملا فإنه لا يمكن حتىقد يكون الرومان قد وجدوا هذا اللفظ في لغتهم ذاتها ولا حتىقد يكونوا اقتبسوه عن اليونان - الذين كانوا يطلقون على إفريقيا اسم ليبيا - فلا يبقى إذن من احتمال آخر سوى أنهم تلقوه من أسلافهم البونيّين الذين أورثوهم البلاد بعد حتى دارت عليهم دائرة الحرب والسلاح. وعملا فإن تعبير البلاد الأفريقية (terra Africa) أوالمقاطعة الأفريقية (povincia Africa) - وهي ما عهد عند العرب بافريقية - أطلقت في أول الأمر على الأرض التي انتزعت من قرطاج وأدخلت في حكم روما.

هذه هي الحقيقة الوحيدة التي أثبتت على نحولا يدع مجالا للشك أوالنزاع. ويوجد بعض التردد في النطق بحدثة إفريقية. وهوناشئ عن عدم ضبط الحركات في الكتابة العربية. فبعض أصحاب المعاجم يوردون اللفظة دون حركات ولا يضبطون طريقة نطقها للقارئ . أما عند ابن دريد فإن الحدثة قد ضبطت بصيغة:"إفريقيّة" بتشديد الياء. ولا ندري هل القائم بضبط حركات هذه الصيغة هومؤلف الكتاب أوناشره،يا ترى؟ ويؤكد ابن منظور أنه ينبغي حتى ننطقها "مخففة الياء"، ويمضى الزبيدي الممضى نفسه فيذكر لنا أنه يجب قراءتها "بالكسر... وهي مخففة". ويضيف هذان المؤلفان حتى جمع إفريقية هوأفاريق ويستشهدان ببيتين للشاعر الأحوص لا نرى فيهما دليلا قاطعا. أما ابن أبي دينار فهويرسم الحدثة بصيغة إفريقيا تارة (كما ورد في العنوان مثلا) وبصيغة إفريقية طورا .

أما اليوم فإن الاستعمال الغالب شيئا فشيئا هوحتى يطلق اسم إفريقيا على القارة بأكملها، وتخصص صيغة إفريقية لتسمية المنطقة الترابية العربية الإسلاميّة التي كانت تحمل هذا الاسم في العصر الوسيط.

حدود إفريقية

يكتنف حدود هذه المنطقة الترابية غموض شديد. فالمعطيات التي يوردها مختلف الجغرافيين والمؤرخين العرب المسلمين ليست دائما متطابقة، ومن المؤكد حتى الحدود الثابتة لافريقية لم تكن في أذهانهم واضحة تمام الوضوح. وبوجه عام فإن إفريقية كانت بالنسبة إلى مؤرخي الفتح الأول تطابق المنطقة التي كان يحكمها البطريق غريغوريوس (أوجرجير) وكانت سلطته تمتدّ مبدئيا من طرابلس إلى طنجة (ابن عبد الحكم المتوفى سنة 257هـ/871 م، والبلاذري المتوفى سنة 279هـ/892 م، . على أننا نرى البلاذري، قبل ذلك بصفحة، ينقل قول عمروبن العاص من كتاب له موجّه إلى عمر بن الخطّاب: "بلغنا طرابلس وهي مدينة بينها وبين إفريقية مسيرة عشرة أيام". أما في رأي الورّاق (القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي)، وهوأحد مصادر البكري فإن "حدود إفريقية تمتد طولا من برقة في الشرق إلى طنجة الخضراء المسماة أيضا موريتانيا في الغرب). أما عرضا فإن هذه الحدود تمتد من البحر إلى الرمال التي هي أول بلاد السودان"..

إلى غير ذلك فإن "إفريقية" كانت في نظر كلّ هؤلاء المؤلفين تضم تام المغرب العربي الإسلامي تقريبا. وقد طرأ على هذا المفهوم تدريجيا شيء من التعديل والدقة عند بعض المؤرخين الاخرين على نحويقابل التقلبات السياسية التي حدثت بالبلاد على وجه الخصوص.

فالجغرافي "ابن خرداذبه" (المتوفى سنة 272هـ/58 م) الذي يقسم العالم المعمور إلى أربعة أقسام، يختار استعمال الاسم الذي اصطلح عليه اليونان في تسمية القارة الأفريقية فيسميها لوبية (ليبيا)، ويدخل في نطاقها مصر والحبشة وبلاد البربر وغيرها . وهويخصص لفظ إفريقية ليطلقها على إمارة الأغالبة ويذكر أبرز المدن فيها. وإنا لنشاهد هذه النزعة في حصر إفريقية ذاتها، على أقصى ما بلغته من اتساع، في حدود المملكة التي حكمها الأغالبة عند معظم الجغرافيين (ابن الفقيه [المتوفى حوالي سنة 290هـ/903م، البلدان ص 30 - 31, الاصطخري [المتوفى حوالي سنة 350هـ/961م، المسالك، ص 33 ياقوت [المتوفّى سنة 626هـ/1229م، ج1، ص 228، المراكشي [المتوفّى حوالي سنة 647هـ/1249م المعجب، ص 273، 433, 42). وقد كانت هذه المملكة تبدأ من شرق بجاية وتمتد حتى تقف على بعض فراسخ من برقة..

هذا في حين يرى سحنون (المتوفى سنة 240هـ/855م) حتى حدود إفريقية كانت تمتد من طرابلس إلى تبنة (حسب الداودي، الأموال، ضمن مزائج (MélangesM) . أما المقدسي (المتوفى سنة 375هـ/985م) فإنّ "أوّل ما يعترضك عند خروجك من مصر كورة برقة، تليها إفريقية، ثم كور تاهرت وسجلماسة وفاس، ثم السوس الأقصى" (أحسن التقاسيم، ص أربعة - 5,، وهويذكر من بين مدن أفريقية جزيرة بني مزغنة (أوبني مزغنة، أي الجزائر حاليا) وماتيجة (أي المتيجة) وآشير، وهذه مناطق لم تكن في أي يوم من الأيام خاضعة لسلطان الأغالبة. ولنذكر في آخر هذا العرض حتى ياقوت يحدّها غربا - حسب ما يراه البعض - ببجاية أوبمليانة، في حين يذكر ابن أبي دينار حتى حدثة إفريقية لم تعد تطلق في عصره (أي في أواخر القرن السابع عشر) إلاّ على سهل مجردة حتى مدينة باجة . ولا يزال هذا المعنى مستعملا إلى اليوم في لغة أهل البادية بالبلاد التونسية.

وجملة القول أنّه قد تُوسّع أحيانا في معنى إفريقية حتى ضمت تام بلاد المغرب العربي كما جرى اعتبارها في بعض الأحيان الأخرى منطقة جغرافية قائمة بذاتها. ويمكن حتى نقول إذا الرقعة الجغرافية لافريقية كانت تضم أساسا رقعتي البروقنصلية والمزاق (Byzacène) اللتين تكونان النواة الأصلية فيها، وتضاف إليهما عرضا واستطرادا مقاطعات طرابلس، ومملكة نوميديا الأوراس، بل وجزء من نوميديا السطيفية أحيانا. وقد كان يركّب على هذا المفهوم الجغرافي مفهوم آخر إداري. وبهذا الوجه فإن الاخباريين كانوا يمضىون في كتاباتهم إلى إطلاق اسم إفريقية على الرقعة الترابية التي كان مرجع حكمها في العصر الوسيط مركزا بالتداول في قاعدة القيروان ثم المهدية ثم تونس، وقد كانت هذه الرقعة تتسع وتضيق بحسب ظروف التاريخ وتقلباته. لذلك كان استعمال لفظ إفريقية محاطا في غالب الأحيان بقدر كبير من الغموض، فلم يكن معناه يتضح ويستقيم إلاّ في ضوء السياق المقصود والفترة التاريخية المعيّنة.

أعلام

  • ست الملك
  • ابن حيون

انظر أيضا

  • الأغالبة
  • الفاطميون
  • الزيريون
  • الحفصيون
  • المغرب العربي

المراجع والمصادر

  1. ^ قائمة تضم ذِكْرُ لفظ إفريقية عند العرب القدماء... نسخة محفوظة 01 ديسمبر 2017 على مسقط واي باك مشين.
  2. ^ المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب "نسخة مؤرشفة" (PDF). Archived from the original onسبعة يوليو2018. اطلع عليه بتاريخ 30 مايو2020. صيانة CS1: BOT: original-url status unknown (link)
  3. ^ التاريخ القديم، ج 2، ص 5
  4. ^ المراجع في كتاب جزال Gsell، التاريخ القديم: ج 2، ص4
  5. ^ ياقوت، معجم الأدباء، ج 19 ص ص 287 - 288)
  6. ^ كتاب العبر، ج2، ص ص95، 100، 170
  7. ^ كتاب العبر ج 2، ص 170
  8. ^ المسعودي، مروج المضى،الفهارس، البكري، المسالك، ص 21، ياقوت، ج 1، ص 228
  9. ^ استكشاف فهمي للبلاد التونسية، ج 1، ص 389، تعليق 5
  10. ^ البكري، المسالك، ص 21
  11. ^ ياقوت، ج 1، ص 228
  12. المؤنس، ص 19
  13. ^ استكشاف فهمي للبلاد التونسية ج1، ص 289، تعليق 2، وقزال Gsell إفريقيا ج 7، ص 3، تعليق 8
  14. ^ دافزاك davezac، إفريقيا، ص 4
  15. ^ فورنال، البربر، ج 1، ص 42، تعليق 2 وجزال، إفريقيا، ج 7، ص 3، تعليق 2
  16. ^ إفريقيا، ج7، ص 4
  17. ^ بحوث... ص،309 - 310
  18. ^ بحوث... ، ص 311
  19. ^ القاموس، ج 3، ص 275 الصحاح، ج 4، ص 1543
  20. ^ الجمهرة، ج1، ص 126
  21. ^ لسان العرب، ج01، ص 307
  22. ^ تاج العروس، ج 7، ص 46
  23. ^ فتوح إفريقية... ص 42 - 3
  24. ^ فتوح البلدان، ج1، ص 267
  25. ^ المسالك، ص 21
  26. ^ ياقوت ج1، ص 228/ الحميري، الروض، الورقة 75/ ابن أبي دينار، المؤنس، ص 20
  27. ^ المسالك، ص24 - 25
  28. ^ المسالك، صستة - 7
  29. ^ اليعقوبي، البلدان، ص 215
  30. ^ ليفي بروفنصال، ج 2 ، ص 409
  31. ^ المؤنس، 20
  • البكري أبوعبد الله، المسالك والممالك، طبعة دي سلان، تحقيق أدريان فان ليوفن وأندريه فيري، الدار العربية للكتاب، تونس، 1992.
  • وصف إفريقيا الشمالية في المسالك والممالك، نشر وترجمة H.G de Slane، باريس،1965.
  • المغرب في وصف إفريقية والمغرب، تحقيق دي سلان، نشرة الجزائر،1911. ونشرة باريس، 1965.
  • حسن محمد، الجغرافية التاريخية لإفريقية في القرنين الأول والتاسع هـ/7-15م، فصول في المواقع والمسالك والمجالات، دار الكتاب الجديدة، بيروت، 2004.
  • حوالة يوسف بن أحمد، الحياة الفهمية في إفريقية(المغرب الأدنى) منذ إتمام الفتح وحتى منتصف القرن الخامس الهجري 90هـ/450هـ، مركز بحوث الدراسات الإسلامية-مكة المكرمة،2000، جزءان.
  • عبد الوهاب حسن حسني، ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية التونسية، مخطة المنار، تونس،1966،ثلاثة أجزاء.
  • الوزان الحسن، وصف إفريقيا، تحقيق محمد الأخضر ومحمد حجي، الرباط، 1982.
  • Abdelwahab H.H, "Du nom arabe de Byzacène" ,Revue Tunisenne ;no 38-39-40,2 éme-3 éme-4éme tri,1939,pp199–200.

وصلات خارجية

  • إفريقية على الخريطة
تاريخ النشر: 2020-06-01 18:01:10
التصنيفات: إفريقية, القيروان, الجزائر الوسيطة, القرن 10 في تونس, القرن 11 في تونس, القرن 14 في تونس, القرن 16 في الجزائر, القرن 16 في تونس, انحلالات القرن 16 في أفريقيا, تأسيسات القرن 8 في أفريقيا, تاريخ الجزائر الجغرافي, تاريخ إقليم طرابلس, تونس الوسيطة, دول أفريقيا الوسيطة, مناطق تاريخية, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, صيانة CS1: BOT: original-url status unknown, الإحداثيات في ويكي بيانات, بوابة الجزائر/مقالات متعلقة, بوابة تونس/مقالات متعلقة, بوابة أفريقيا/مقالات متعلقة, بوابة العصور الوسطى/مقالات متعلقة, بوابة التاريخ/مقالات متعلقة, بوابة الوطن العربي/مقالات متعلقة, بوابة المغرب العربي/مقالات متعلقة, بوابة ليبيا/مقالات متعلقة, بوابة الأمازيغ/مقالات متعلقة, بوابة العرب/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, صفحات بها شريط بوابات بأكثر من 10 بوابات, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الموت يفجع الفنانة فيفي عبده

المصدر: المصري اليوم - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:20:58
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 63%

الصحة تعلن تسجيل 2272 حالة إيجابية جديدة بفيروس كورونا.. و 57 وفاة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:21:09
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 37%

مثقفون يطالبون بإنشاء متحف يضم أعمال كارم محمود الفنية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:20:52
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 57%

وفاة الشقيقة الكبرى لـ فيفى عبده بعد صراع مع المرض

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:21:08
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 41%

إقالة وزير يوناني ظهر في تسجيل مصور ساخرا من جهود حكومية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:20:47
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

انهيار منزل وتصدع 4 منازل أخرى أسيوط

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:20:38
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 54%

ضبط مصاب يستدرج ضحاياه من راغبي السفر عبر واتس واب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:20:37
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 65%

وفاة شقيق الفنانة المعتزلة شمس البارودى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:21:10
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 43%

اكتشاف مذهل.. العثور على تمثال مصرى قديم مصنوع من البرونز فى سقارة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:20:37
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 69%

التعليم: رسوم التظلم على نتيجة صفوف النقل 40 جنيها للمادة الواحدة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:21:08
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 43%

10 ضوابط تنظم دور هيئة التخطيط العمرانى فى تحديد الأحوزة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:21:07
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 44%

«ربنا يخليك لأمك».. أنغام توجه رسالة إلى محمد أبو جبل

المصدر: المصري اليوم - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:20:58
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 59%

بوتين يحذر أوروبا من الانجرار فى حرب مع روسيا: لن تكون فيها جهة منتصرة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:21:09
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 39%

نجاة 4 أشخاص في حادث إنقلاب توك توك في طريق الكوم الطويل سيدي غازي

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:20:43
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

وفاة شقيق الفنانة المعتزلة شمس البارودى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:20:37
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 68%

مصرع وإصابة 5 أشخاص في حادث مروري مروع في كفر الشيخ

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:20:42
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

مبادرة صلح على الهواء.. فريال يوسف توجه رسالة مؤثرة إلى هند صبري

المصدر: المصري اليوم - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:20:59
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 54%

جمال الشاعر: «الكراكيب» جزء من الثقافة المصرية وعلينا التخلص منها

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-08 03:20:52
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 51%

تحميل تطبيق المنصة العربية