الخنساء

عودة للموسوعة

الخنساء واسمها تماضر بنت عمروالسلمية (575م - 24 هـ / 645م)، صحابية وشاعرة مخضرمة من أهل نجد أدركت الجاهلية والإسلام وأسلمت، واشتهرت برثائها لأخويها صخر ومعاوية اللذين قتلا في الجاهلية. لقبت بالخنساء بسبب ازدياد أرنبتي أنفها.

اللقب

لُقّبَتْ بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبتيه. نطق الحُصري في كتاب زهر الأدب: لقبت بالخنساء كناية عن الظبية وكذلك الذلفاء والذلف قصر في الأنف ويريدون به أيضًا أنه من صفات الظباء.

نسبها

  • هي : أم عمروتماضر بنت عمروبن الحارث بن الشريد وهوعمروبن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. من آل الشريد من سادات وأشراف العرب وملوك قبيلة بني سليم في الجاهلية.

سكنوا بادية الحجاز في الشمال الشرقي من مدينة يثرب، حيث تمتد مضارب بني سليم.

كما اعتز النبي محمد بالانتساب إلى بني سليم، فكان يقول: " أنا ابن الفواطم من قريش، والعواتك من سليم، وفي سليم شرف كثير "، وآل الشريد كانوا سادة بني سليم. وعمروبن الحارث -أبوتماضر- كان من وفود العرب على كسرى، وكان يأخذ بيدي ابنيه معاوية وصخر في الموسم حتى إذا توسط الجمع نطق بأعلی صوته: أنا أبوخيري مضر، فمن أنكر فليغير. فلا يغير عليه أحد. وكان يقول: من أتى بمثلهما أخوين من قبل فله حكمه. فتقر له العرب بذلك.

بيئتها

البيئة زمان ومكان وطبيعة وأشخاص، يتفاعل معها تكون الشخص، ويتأثر بها أبناؤه. إنما تتضح شخصية إنسان بوضوح بيئته، وخصوصاَ أولئك الذين طواهم التاريخ، ولم نستطع حتى نعهد إلا مظاهر بدأت في سلوكهم أوأقوالهم. والخنساء واحدة من هؤلاء، فقد تبين كيف من الممكن أن أنها ولدت قبيل الإسلام وعاشت بعده، ولا أحد يعهد عنها، ولا يذكر من أوصافها شيئاً، الا حين تعرض لها " دريد بن الصمة" طالباً الزواج منها، وعندها فقط التفتنا إلى أنها جميلة، أسر جمالها فارس طالما أسر الفرسان.

إن أبرز ما اتسم به مجتمعهم ويساعد في توضيح إنسان الخنساء، هوتألف القبيلة من ثلاث طبقات:

  1. أبناؤها الذين يربط بينهم الدم والنسب، وعليه ينهض القبيلة وترتفع.
  2. العبيد المجلوبون من البلاد الأجنبية المجاورة وخصوصا الحبشة.
  3. الموالي، وهم عتقاء القبيلة.

وتخضع القبيلة بطبقاتها الثلاثة لقانون اجتماعي عام، فرضته عليهم ظروف الحياة وألزمهم إياه شعورهم بالحاجة إلى التضامن. ويتلخص هذا القانون في حدثة واحدة هي ( المروءة ) وعنها تتوالد جميع أخلاقهم الاجتماعية. والخنساء البدوية كانت تقطن مكاناً له خصائص ومميزات، نضحت على إهله، وظهرت على سكانه، فقد اشتهر أهل نجد بالبلاغة وقد مضىوا في الشعر جميع ممضى.

الخنساء الشابة

نستطيع حتى نلمح صورة الخنساء بالقدر الذي يمكننا من حتى نصفها -واثقين- بأنها كانت ذات حسب وجاه وشرف. وأنها كانت ذات جمال أّخاذ، وتقاسيم متناسقة... لذا شبهوها بالبقرة الوحشية. والعربي إذا تغزل في الأنثى، وأراد التعبير عن جمالها، شبهها بذلك. لكن هذا التشبيه لتماضر لم يكن في معرض غزل طارئ، وإنما هوتشبيه صار لها لقباً غالبا على اسمها وكنيتها.

كانت ذات أمر بالغ، وجاذبية طاغية، أطلقت الألسن فقابلتها بحقيقتها، فعهدت ما تملك في يدها من سلاح، كما عهدت قيمة ذلك السلاح. لم يكن في حياتها ما يقلقها، ويقض مضجعها - شأن مثيلاتها في أول العمر، ومقتبل الشباب- فقد أضفى عليها مركز قبيلتها، وكانة أسرتها، وسيادة أبيها جميع مسببات الطمأنينة، كما قد أفاض عليها جمالها وحسنها ما محا من حياتها القلق، وأزال عنها الاضطراب.

كانت العاقلة الحازمة، حتى لقد عدت من شهيرات النساء.. لا يجرؤ أحد عن التهجم عليها أوالتحدث عنها.. لذا لم يتحدث عنها أحد، ولم يتفوه شاعر بشيء يمكن حتى ينقل وتحمله الألسن، عهدت بحرية الرأي وقوة الشخصية. ظهر ذلك أوما ظهر حين تقدم لخطبتها "دريد بن الصمة"، بعد حتى أناخ "بنوجشم" رواحلهم، طلباً للراحة من عناء السفر الطويل إلى مكة في إبان الموسم، وكان منزلهم في بادية الحجاز قريباً من منازل بني سليم.

- ساقت المقادير سيد بني جشم، وفارسها المظفر "دريد بن الصمة" فينطلق على فرسه في رياضة قصيرة، وما كان يخاف شيئاً، فقد شارك في نحومائة معركة، ما أخفق في واحدة منها وأصبح له من سمعته ما يكفل له الأمن والإكرام. وبينما دريد في رحلته تلك القصيرة، لفت نظره مشهد فتاة تهنأ بعيرا لها. ويتساءل فيعهد أنها تماضر بنت عمرو، شقيقة صديقه الحميم معاوية وهو..!! أليس سيد بني جشم؟! ووقف سعيداً إذ وصل إلى تلك النتيجة وردد:


حَيّوا تُماضِرَ وَاِربَعوا صَحبي وَقِفوا فَإِنَّ وُقوفَكُم حَسبي
أَخُناسُ قَد هامَ الفُؤادُ بِكُم وَأَصابَهُ تَبَلٌ مِنَ الحُبِّ
ما إِن رَأَيتُ وَلا سَمِعتُ بِهِ كَاليَومِ طالي أَينُقٍ جُربِ
مُتَبَذِّلاً تَبدومَحاسِنُهُ ضَعُ الهِناءَ مَواضِعَ النُقبِ
مُتَحَسِّراً نَضَحَ الهِناءَ بِهِ ضحَ العَبيرِ بِرَيطَةِ العَصبِ
فَسَليهُمُ عَنّي خُناسُ إِذا عَضَّ الجَميعَ الخَطبُ ما خَطبي


حتى إذا بدأ الصبح أخذ طريقة إلى منزل صديقه معاوية بن عمرو.. تلقاه عمروبالترحاب، وجلس دريد في مجلسه ونطق: "جئت أخطب ابنتك تماضر الخنساء"

نطق له عمرو، "مرحباُ بك يا أبا قرة"، وانك لكريم لا يطع في حسبه، والسيد لا يرد عن حاجته والفحل لا يقرع انفه ولكن "لهذه المرأة في نفسها ماليس لغيرها. وأنا ذاكر لها وهي فاعلة". ثم ولج على ابنته. ونطق لها: " يا خنساء! أتاك فارس هوازن وسيد بين جشم، دريد بن الصمة يخطبك وهومن تفهمين.." نطقت - وكان دريد يسمع حديثهما: " يا أبت: اتراني تاركة بني عمي مثل عود الرماح، وناكحة شيخ بني جشم؟ فخرج اليه ابوها فنطق: " يا أبا قرة ! قد امتنعت، ولعها تجيب فيما بعد". فنطق دريد: قد سمعت قولكما. نطقها وهومنصرف، دون ان يزيد عليها. يبدوان اخاها معاوية، اراد ان يجاول صديقة دريد فحاول معها ولكنها اصرت على موقفها من الرفض، وكان بجوارها صخراً بعطفه وحنانه. عهد فيها أبوها رجاحة العقل، وأتزان الفكر، فأبي إلا انقد يكون زقابلا بعد موافقتها، ولم يكن ذلك حقا لكل ابنة، وانما هوخصيصة تمنح لمثيلات الخنساء.

الخنساء الزوجة

رفضت الزواج من غير بني العم، برفضها سيد آل بدر، ثم برفضها سيد بني جشم. ويرجع ذلك إلی أنها مرت بتجربة زواج من قبل ما رواه أبوالفرج الأصفهاني في سيرة مقتل زهير بن جذيمة:" وكانت تماضر بنت عمروبن الشريد بن رباح بن يقظة بن عصية بن خفاف السلمي امرأة زهير بن خذيمة، وهي أم ولدة " واتى في السيرة نفسها.

زقابلا من عبد العزى

يذكر أنها تزوجت من رجل من قبيلتها اسمه عبد العزى السلمي أولدها ابنها "أبا شجرة" عبد الله، ولكن ابن قتيبة مضى إلى حتى اسمه " رواحة بن عبد العزى ". - ونطق البستاني: أنها تزوجت بعد حادثة دريد من رواحة بن عبد العزى، فولدت له عبد الله ثم خلف عليها مرداء بن أبي عامر، فولدت له يزيد ومعاوية وبنتاً اسمها عمرة. ترجح بنت الشاطي حتى صاحب هذه الأسماء المختلطة إنسان واحد، هوالرواحي السلمي، عبد العزى بن عبد الله بن رواحة. قبلت الزواج من عبد العزى المقامر، وهي التي رفضت سيد بني جشم، ومن قبله رفضت سيد آل بدر. وقد أشارت إلی ذلك في قولها " أتراني تاركة بني عمي مثل عوالي الرماح" حاولت الخنساء حتى تمسك عليها زوجها، فضّحت.في سبيل ذلك بالكثير.. غيرت من طبيعتها وكبريائها، بل إنها بالغت في ذلك لدرجة جعلته يشعر بتعلقها به. فغالى في انحرافه، واستغل حرصها عليه أسوأ استغلال، وانتهز مالها ومال أخيها، وحدثا فرغت يده أظهر لها الضيق بحياته معها، فهم بالرحيل عنها ولكنها تتشبث به وتقول له: "أقم وأنا آتي صخراً فأسأله". ويقيم عبد العزى - تكرماً منه وعطفاً - بينما تمضى هي إلى أخيها صخر تشكوإليه حالها وما تلقى من ضيق العيش، فماقد يكون من صخر إلا حتى يشطر ماله شطرين، يعطيها خيرهما. ويستمر عبد العزى علی ذات الحال، فيلتف ما حملت معها من أخيها، ثم يجيئها صفر اليدين وقد زاد عليها جرأة، فيلجأ إلى الطلب بدلاً من التهديد بالهجر. تقول الخنساء:" ثم التفت إلّي فنطق: أين تمضىين يا خنساء؟ قلت: إلى أخي صخر. فأتيناه فقسم ما له شطرين ثم خيرنا في أحسن الشطرين.

وجدت الخنساء الشاعرة، التي جادت بمالها، وجاد عليها أخوها بماله، ثمناُ لهذه الفترة التي عاشتها في جوار عبد العزى.

تقف وقد بخلت بالحديث عن حياتها مع عبد العزى، فيما عدا تلك السيرة التي روتها لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

وبخلت عليها كذلك قريحتها الشاعرية بالتعبير عن تلك التجربة التي قد تكون الثانية في حياتها. فالخنساء ليست هناك كارثة بترت الراتى منها - كما هوالشأن في الموت- أنها كارثة تأمل في التخلص منها، وتبذل جميع ما تستطيع من أجلها. كانت منهمكة في البحث عن حلول، فلم تكن في حاجة إلى ان تتحدث.

ربما ظنت ان في التعبير ما قد يثير زوجها، فيضيع ما بذلته لعلاجة، أوخشيت شماتة الناس، ان هي نطقت شعر تتناقله الألسن، خصوصا وان شيخ جشم المرفوض ما زال على قيد الحياة. وما زال على علاقة باخيها الشقيق معاوية. وخشيتها من معاوية الذي مال إلى زقابلا من دريد.. فضربت برغبته عرض الحائط. حتى انفصلت عن عبد العزى ومضت في طريقها إلى بيت ابيها، تنتظر من أبناء العم زوجاً آخر. ولعل الذي واساها بعض الشئ ما كانت تتمتع به من فتوة فقد صقلتها الأحداث الماضية.

- كان لها من الأبناء أبن واحد من زوجها عبد العزى هو:

  • "أبوشجرة" عبد الله: الذي وقف حائراً بين امه وابيه.. تلك الحيرة التي ولدت فيه ضعفاً، جعله انتهازياً، لا تهمه المبادئ بقدر ما تهمه المنفعة الشخصية والكسب الخاص، وكان من نتيجة ذلك موقفه - وقد اسلم- بعد وفاة الرسول، حيث ارتد مع المرتدين الذين اشتراهم مال اعداء الإسلام ممن يقيمون على حدود الجزيرة ويحاورون بني تميم وغطفان.
  • (موقف عبد العزى)

- انفصال عبد العزى عن اخت معاوية شي ووقوفه بجوارة في المعركة شي اخر، لا يتعلق احدهما بالاخر، إذا الامر هنا مرتبط بعهد القبيلة وعاداتها ولقد وقف نفس الموقف "دريد"، فليم ينسى - رفض الخنساء خطبته- ما بينه وبين معاوية اخيها من صداقة، فوقف يرثية، ورثى دريد صديقه معاوية:


وإن الرزء يوم وقفت أدعو فلم أسمع معاوية بن عمرو
ولوأسمعتة لسرى حثيثاً سريع السعي أولأتاك يجري
بشكة حازم ٍ لا عيب فيها إذا لبس الكـُماة جلود نمرِ
فعَزَّ عليَّ هلكك يا ابن عمرو ومالي عنك من عزمٍ وصبرِ


ولم يقف عند قول قصيدة، بل طلب ثأر صديقه، ولم يهدأ حتى ثأر له..

زقابلا من مرداس

لم يطل بالخنساء المطال حتى تقدم اليها مرداس بن أبي عامر السلمي، الملقب بالفيض لسخائة.. ذلك بعد مقتل صخر، وفي اثناء حدادها على أخيها وابيها وكان مرداس إلى سخائة رجل جد وعمل لم يهجر فرصة إلا اهتم بها، ليوفر لأسرته اسباب الحياة، حتى توفي في إحدى مغامراته تاركاً للخنساء أربعة بنين هم: العباس، وزيد، ومعاوية، وبنتٌ اسمها عمرة.

وتهتز الخنساء لفقد مرداس اهتزازة، يتولد عنها قصيدة ترثيه بها.. والقصيدة - وان لم تصل إلى اعوار نفسها لتفصح عن الاسى والحزن لفراق زوج عاش معها فترة من حياتها، وسجلت له الأحداث ذكريات- إلا انهاتعتبر في ميزان شعرها من احسن مراثيها فهي لا تبعد عن نهجها العام في مراثيها الترى ترددها بن الندب والتأبين، فتعدد المناقب وتذكر المآثر.

ولقد كان مرداس في رأيها أفضل الناس حلماً ومروءة وشجاعة. فنطقت:


ألا اختار مِرداساً على الناس قاتله ولوعاده كناته وحلائله
وقلن ألا هل من شعفاءٍ يناله وقد منع الشفاء من هوقاتله
وقد منع الشفاء من شد قادراً وقد علقت هند بن عمروحبائله
فلما رآه البدر أظلم كاسفاً أ رن شوان بُرقه فمسايله
رنيناً وما يُغني الرنين وقد أتى بنعشك من فوق القرية حامله
وفضل مرداساً على الناس فضله وأن جميع همّ همه فهوفاعله
وأن رب وادٍ يكره القـوم هبطه هبطت وماء منهلٍ أنت نازله
هجرت بــه ليلاً طويلاً ومنزلاً تعاوى على جنب الطريق عواسله
وسبيٍ كآرام الصريم حويته خلال رجالٍ مُستكينٍ عواطله
فعدت عليه بعد بؤسى بأنعمٍ وكـــلهم يُثني بــه ويواصله
متى ما تُعادل ماجداً تعتدل به كما عدل الميزان بالكف ثاقله


هكذا ولج مرداس حياة الخنساء، وخرج من غير ان نرى أثر لتلك الفترة إلا الأبناء.

الخنساء الأم

لم تكن الخنساء الأم بأوضح كثيراً من الخنساء الطفولة، أوالخنساء الشابة أوالخنساء الزوجة. يبدأ الغموض في هذا الجانب من حياة الخنساء بحصر بنيها من مرداس بن ابن عامر السلمي. فهم ولدان وبنت أوثلاثة وبنت أواربعة وبنت. وعليه فلا مناص من القول بأن بنيها من مرداس هم: العباس زيد، ومعاوية، وعمرة. هناك من لا ينكر وجود العباس أكبر الأربعة سنا، ولكنه لا يعتبره ابنا للخنساء، وانما هوابن زوجها من امرأة اخرى سابقة عليها. ويؤيد القول بأن الاربعة أبناء الخنساء من مرداس، ما روى من انها حضرت القادسية، ومعها بنوها الاربع. وقد يحدث احدهم أبوشجرة بن عبد العزى، ما اتى على لسانها في خطبتها ليلة القادسية تحث ابناءها: " ... إنكم لبنورجل واحد، كما أنكم بنوامرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم... " هذا إلى موقف ابي شجرة من الارتداد وهوان عاد إلى الإسلام ولم يكن يضحي بنفسه، ويؤكد ذلك ما كان بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

اما العباس فقد طفى طفوتين اثناء اسلامه لا يشرفان مسلماً ولا يشرفان من يتصل به من المسلمين، حتى ليعلن فومه في احداهما مخالفته- وهوالسيد المطاع- بينما الأم صامته لا تبين، بل لا نسمع لها في ذلك الحين صوتا، ولا نعهد لها رأيا، وما اكن اجدر الخنساء بان نسمع صوتها عند ذلك.

الطفوة الأولى: كانت حين قرر الرسول صلى الله عليه وسلم رد سبايا هوازن- بعد تقسيمها، ثم إسلام هوازن- بادئا بنفسه وبني المطلب، وانصاع لذلك القرار المهاجرون والأنصار. اما الأقرع بن حابس عن تميم، وعيينة بن حصن فرفضا، ورفض العباس بن مرداس بن سليم. ولكن بني سليم لم يقروا العباس على رفضة.

واما الطفوة الثانية فحينما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هوازن ونادى فوزع خمسة على الذين كانوا إلى ايام اشد الناس عداوة له، نصيباً فوق نصيبهم - تأليفا لقلوبهم-، فاعطى العباس بن مرداس عددا من الإبل لم يرضه، وعاتبه على ان فضل عليه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وغيرهما.

فنطق النبي - صلى الله عليه وسلم - ادهبوا به فابتروا عني لسانه، فاعطوه حتى رضى.

ولا ينقضي بضعة اعوام على ذلك حنى يلقى الرسول ربه، ويبتلى اهل الشمال بالارتداد عن الإسلام، فنرى ابن الخنساء البكر" أبوشجرة بن عبد العزى " واحد من حاملي لواء الارتداد، يحرض بشعره المرتين على المسلمين وقاتلهم. فلما رأى تحريضة على خالد لم يثمر، ورأى الناس يرجعون إلى الإسلام عاد هوكذلك إليه، وقد قبل منه أبوبكر عودته، وعفا عنه فيمن عفا.

ويبدوا ان عودته إلى الإسلام لم تكن عن صدق، فقد اتى عمر - في خلافته- وهويعطي المساكين من الصدقة، ويقسمها بين فقراء العرب، فنطق: يا امير المؤمنين، اعطني فإني ذوحاجة. نطق: ومن أنت؟ نطق: أبوشجرة بن عبد العزى السلمي. نطق: أبوشجرة،يا ترى؟ أي عدوالله، الست الذي تقول:


فرويت رمحي من كتيبة خالد واني لأرجوبعدها حتى أمرا


نطق: قم جعل يعلوه بالدرة في رأسة حتى سبقه عدوا، فرجع إلى دابته فارتحلها، ثم اسندها في حرة شوران راجعا إلى ارض بني سليم فنطق:


ضن علينا أبوحفص بنائله وكل مختبط يوما له ورق


احداث ثلاثة تمر بابني الخنساء الأكبرين، فما اختلجت فيها خالجة، ولا رويت عنها حدثة تشير إلى انها اهتمت لذلك، ويبدوانها حتى ذلك الحين لم تفق من صدماتها المتواليات في اسرتها فهي في شغل عن جميع ما هولها من احداث، من الممكن كان نتيجة انهيار اصاب منها صبلابتها، ومضى بعزيمتها على توالي توالي الأحداث.

لم تتحدث الخنساء حين اخطأ ابناءها أبوشجرة والعابس، فقد كانت قريبة العهد بمصائبها، مما يشغل عن تتبع اخطاء الأبناء. كما انها كانت حديثة العهد بالإسلام، كما انها رأت كلامها في هذا الموقف غير ذي موضوع. فبعد ان تحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع صنيع ابي بكر وعمر - رضي الله عنهما- اصبح ما تأتيه وما تقوله عبثا، لا قيمة لهـ وخطأ يجدر بالعاقل ألا يقع فيه.

لم نراهم معها، ولا نراه معهم الا في نحوسنة 638 م ليلة خرج المسلمون لتأديب الفرس الذين حاولوا كثيرا تأليب الحدود على المسلمين الآمنين، وخرج هؤلاء مع الخارجين، نراها تتوسط بنيها الأربع - وليس من بينهم أبوشجرة - تحرضهم على الحرب وتمسح عن نفوسهم الخوف أوالقلق على مصيرها فهي في الإسلام لن تضاع إذا ما فقدت العائل المعين.

نراها في هذا الموقف، ونسمعها - وقد عاوتها شخصيتها المفقودة ذات العقل العاقل، والعزيمة الماضية - تقول: "يا بني إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله غيره إنكم لبنورجل واحد، كما أنكم بنوامرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم. وقد تفهمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. وافهموا حتى الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200]. فإذا أصبحتم غدًا إذا شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين. وإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت نارًا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة”.

فلما اصبحوا باكروا مراكزهم، وتقدموا واحد بعد واحد ذاكرين وصية العجوز فنطق الأول: يا اخوتي ان العجوز الناصحة

ونطق الثاني: ان العجوز ذات

وانشد الثالث: والله لا نعصي العجوز

ونطق الرابع: لسنا لخنساء ولا للاحزم

وما زالوا حتى استشهدوا جميعاً في حرب القادسية. وبلغها الخبر - رضي الله عنها - مع الجيش العائد محملاً بالظفر، فنطقت: "الحمد لله الذي شرفني

بقتلهم، وأرجومن ربي حتى يجمعني بهم في مستقر رحمته". نطقتها ولم تزد عليها.

وعندها يقف المنقبون في تاريخ الخنساء مع من يفسرون شخصيتها حيارى، لا يدرون إلى اين يتجهون، وكيف يسيرون، وبم يعللون هذا الجمود،يا ترى؟ جمود الأم المصابة في بنيها الأربع.

ولكنها لم تكن هذه الأم حرساء.. انها الخنساء..!!


حلفت بالبيت وزائريه إذ يعملون العيس نحوالجمار
لا أجزع الدهر على هالك بعدك ما جنت هوادي العشار


وقد بلعت الغصص صامته، واستقبلت ثكل الأبناء صابرة محتسبة. إلى غير ذلك التأثر بالإسلام هوالذي دفعها إلى إدامة البكاء على السادات من مضر، وفي الإسلام لا ثأر تبكي من أجله لبنيها، ولا نار لمن استشهد في سبيل دينه. قد يكمن سر ذلك الجمود في اطمئنانها إلى نهايتهم المشرقة، ومنزلتهم العظيمة. لان استشهادهم عن نصر كبير وفتح مبين.

الخنساء الأخت

لا تنتهي حادثة حتى تبدوحادثة أخرى، وكأنما استعاض التاريح بتلك الأحداث في حياتها عن الرصد والتدوين الرقمي. وليس بعيداً عن ذلك موقف صخر منها حين حاول معاوية أخوها حتى يُكرِهها على الزواج من صديقة دريد بن الصمة، فلجأت اليه ليكون لها عونا، تحقق به ما رغبت. وليس بعيداً عن ذلك الموقف موقفه منها حين أسقطها زوجها عبد العزى في ورطة مالية، فلم تجد غيره ملجأ تسعى اليه. وكان كريماً معها بكل ما تحمل تلك الحدثة من معانه، فقد شطر ماله نصفين، خيرها بين احدهما. حتى ملت زوجة واعترضت فنطقت: "اما كفاك ان تقسم مالك حتى تخيرهم؟" فنطق قاطعاُ عليها جميع اعتراض: والله لا امنحها شرارها وهي حصان قد كفتني عارها ولوهلكت مزقت خمارها واتخذت من شعرها صدارها

كان يوما من أيام عكاظ، تمنت الخنساء لوتوقف الزمن عنده، أواجتازه من غير حتى يمر به، فما في حياتها أشأم من ذلك اليوم، إذا سقطت عينا معاوية بن عمروعلى أسماء المرية، فاعجبه جمالها،

ونادىدها لنفسه، فامتنعت عليه قائلة: أما فهمت أني عند سيد العرب " هاشم بن حرملة الغطفاني".؟ نطق وقد أثارته بردها: أما والله لا قار عنه عنك. فهزت كتفيها قائلة في تحد: "شأنك وشأنه". ومضت إلى هاشم، فحدثته بما كان، فانطلق مغضباً حتى اتى معاوية يسأله عن الخبر، فنطق معاوي، لوددت والله اني قد سمعت بظعائن بندبنك.

انتهى الموسم، وصدى الحوار ما زال يرن في أذن معاوية، فتهيأ لغزوبني مرة قوم هاشم، ونهاه صخر اخوه، ولكن دون جدوى.

وانطلق في فرسان من بني سليم، حتى إذا دنا من ديار بني مرة، دومت عليه طير، وسنح طبي، فتطير منهما أصحابه، وما زالوا به حتى عاد وبلغ هاشم ذلك فنطق: ما منعه من الإقدام إلا الجبن.

واستثارت الحدثة معاوية لما بلغته فخرج في العام التالي مصراً على الغزو، لكن اخجابه تطيروا من ظبي سانح، فرجعوا وتخلفخمسة وفي تسعة عشر فارساً منهم: عبد العزى الواحي السلمي، شيخاً لا يريد قتالاً.

وورد معاوية واصحابة ماء هناك يسقون، فعهدتهم امرأة من جهينة - احلاف بني سهم ابن مره- فانسلت حتى اتت هاشم بن حرملة فاخبرته ان معاويه في تسعة عشر رجلا من صحبة غير بعيد.

فخرج هاشم مع اخيه دريد وجمع من قومه، واصابوا من معاوية مقتلاً، وشد فرسان بني سليم على عدوهم، فقتلوا بمعاوية مالك بن الحارث، سيد بني فزارة، وعادوا إلى صخر وهم يظنون انهم عوضوه بما ادركوا من ثأر عاجل. ولكن صخر لم يرض، وانما انطلق اتى بني مرة يسألهم:

من اغتال معاوية؟ فسكتوا طويلا، ثم نطق هاشم: فهم أبا حسان إلى من يخبرك، إذا اصبتني أواصبت دريداً أخي فقد اصبت ثأرك. نطق صخر: فهل كفنتموه.؟ اجابوا: نعم.. في بردين. نطق: فأروني قبره. فمضوا به حتى إذا رأى القبر جزع، غير انه ما لبث ان تمالك نفسه، ونطق: " كانكم قد انكرتم ما رأيتم من جزعمي، فوالله مابت منذ عقلت إلا باتراً أومبترواً، طالباً أومطلوبا، حتى اغتال معاوية. فما ذقت طعم نوم بعده".

وسأل عن الشماء فرس معاوية، فجاؤه بها، ثم انصرف وقد توعدهم ان يأتيهم في العام القابل. وانجز صخر وعيده، غزاهم على الشماء فنال منهم، وقتل عدداً فيها "دريد" أخوهاشم، وادرك ثأره، وان فاته ان يتشفى من هاشم، حتى اشتفى منه، دريد ابن الصمة، صديف معاوية. ولم تكن بنوغطفان بالتي تهجر صخراً هكذا، فقد خرجوا في إثره يطلبونه، ووقف دونه ابن اخته العباس

بن مرداس، حتى فات طالبيه وعاد صخر إلى ديار بني سليم، وهويقول مجيبا من طلب منه هجوهم:


تقول: ألا تهجوفوارس هاشم وما لي إذا أهجوهم ثم ما ليا
أبى الشتم أني قد أصابوا كريمتي وأن ليس إهداء الخنا من شماليا


كثير من الدارسين - وقد التقوا مع مراثيها في صخر - اخذوا عليها قلة شعرها في رثاء معاوية. والحقيقة ان شعرها في معاوية ليس قليلا في ذاته. ولكنه قليل إذا قيس بشعرها في صخر.

(ولذا يتكرر التساؤل عن تلك التفرقة):

- أما زال في نفس تماضر من أخيها الشقيق معاوية - بعد مقتله- أثر من آثار الماضي؟ - أم هي الصدمة المفاجئة، تنضم إلى صدماتها السابقات، فتلجم لسانها وتجمد عبراتها؟ - أم هوالخوف على اخيها صخر من ان تهيجه اشعارها، فيندفع - وهوالذي لا يبخل في سبيلها- إلى حتفه، وعندئذ تفقد الإخوة، مثلما فقدت الزوح والأب؟

لورجعنا إلى عادات العرب واخلاقهم في الرثاء لبدا لنا الامر في معاوية طبيعيا، لا شذوذ فيه، ولا حاجة تستدعي تلك الافتراضات أوبعضها، فقد كان من اخلاق العرب ان يأنفوا من بكاء من توفي في المعركة، لانهم يعتبرون ندبهم وبكاءهم هاتى أوفي حكم الهاتى، فهم ما خرجوا الا ليقتلوا، ولذا يجي رثاؤهم - والحالة هذه - تابينا يذكرون فيه فضائل المقتول، ومركزه في قبيلته، ولذا عاب بعضهم عليها في مراثي معاوية ذلك النهج - وما تنبهوا إلى الخلق الملتزم- فنطقوا: ان مراثيها فيه خلت من البكاء.

- نطقت في رثاء معاوية:


الا لا ارى في النَّاسِ مثلَ معاويهْ إذا طَرَقَتْ إحْدَى اللّيالي بِداهِيَهْ
بداهِيَة ٍ يَصْغَى الكِلابُ حَسيسَها وتخرُجُ منْ سِرّ النّجيّ عَلانِيَهْ
الا لا ارى كالفارسِ الوردِ فارساً إذا ما عَلَتْهُ جُرْأة ٌ وعَلانِيَهْ
وكانَ لِزازَ الحَرْبِ عندَ شُبوبِها اذا شمَّرتْ عنْ ساقها وهي ذاكيهْ
وقوَّادُ خيلٍ نحواخرى كانَّها سَعالٍ وعِقْبانٌ عَلَيْها زَبانِيَهْ
بلينا وما تبلى تعارٌ وما ترى على حدثِ الايَّامِ الاَّ كماهيهْ
فأقسَمْتُ لا يَنفَكّ دمعي وعَوْلَتي عليكَ بحزنٍ ما نادى اللهَ داعيهْ
بلينا وما تبلى تعار وما ترى على وقع الأيام إلا كما هيه


وأيا ما كان الامر، فلن يقبل عاقل مرور تلك الحادقة على الخنساء دون حتى تتناوشها الأحزان.

فقد استطاعت ان تكبت أحزانها وتسكت خوفا على صخر، أواخبرتها اخلاق قومها على السكوت، فما كان صخر الحليم الجواد العطوف ليسكت، وما كان ليرضية ان يثأر لمعاوية "دريد" صديقه، بينما هوعلى قيد الحياة.

"ولم يقتنع صخر بهذا الثأر المزدوج لأخيه، فتابع غاراته على مرة، حتى اصيب بجرح قتال على يدر رجل من فقعس وهي بط من اسد، كانت متحالفة مع بني مرة" وكان جرحه من طعنة طعنه بها ثور بن ربيعة الأسدي فسقم لها حولاً.

وأصبحت حياته مملة، حتى حتى امرأته سئلت عن حاله ونطقت: بشر حال، لا حي فيرجى، ولا ميت فينعى، ولقد لقينا منها الامرين.

وتجيب الام: " بأحسن حال، ما كان منذ اشتكى خيرا منه اليوم، ولا نزال بخير ما رأينا سواده فينا. فنطق صخر:


أرى أمَّ صخرٍ ما تجفُّ دموعُها وملَّتْ سُليمى مَضْجعي ومكاني
فأّيُّ امرئٍ ساوى بأمٍ حليلةً فلا عاشَ إِلا في شقاً وهوانِ


فلما طال عليه البلاء نطقوله: لوبترت تلك البترى لجونا ان تبرأ، وكانت بترت قماش في جوف الجرح، فنطق شأنكم وهي، فاشف عليه بعضهم، ونطق الموت اهون علي مما انا فيه، فاحموا له شفرة، ثم بتروها فبئس من نفسه.

واتىت تماضر- وفي يدها قلبها- تسأل: "كيف كان صبر؟"

فما كانت لتستطيع ان ترى ذلك المشهد، وسمع صخر البائس سؤال تماضر الوالهة فاجابها يطمئنها وهويفهم ألا شي يطمئن:


أجارتنا إذا الخطـوب تنوب على الناس، جميع المخطئين تصيب
فإن تسأليني هل صبرت فإنني صبور على ريب الزمان صليب
كأني وقد أدنوا إليّ شفارهم من الصفحتين ركوب
جارتنا لست الغداة بظاعن ولكن مقيم ما أقام عسيب


ومكث صخر في سقمه، بعد ان لاقى منه الامرين، وتجرعت امه واخته الآلام في جميع لحظة لمدة عام أويزيد، ومات في يوم كلاب سنه 615 م، ومن قبل توفي معاوية في يوم حوزة الأول 612م، ومن قبلهما قابلت تماضر الموت في اسرتها، يوم ان اقتلع اباها عمروبن الشريد، ومرداس زوجها الكريم، وما كانت الانثى لتستطيغ الصمود امام ذلك التيار الجارف، مهما تشبثت بالجمود، ومهما تعقلت بصلابة الرأي، ومهما لجأت إلى العزة والأنفة والعقل.

انهارت الخنساء، بعد ما تمالكت نفسها، وكانت موشكة ان تنهار في أثر مقتل معاوية لولا وجود صخر، ومنعتها اخلاق قومها، ولكنها لم تجد سناندا، ولم تجد مانعا، فما قدرت على تمالك نفسها بعد موت صخر، فقد توفي عزها ومؤنسها وملجؤها وحاميها، ولذا وجت به اعظم الوجد، وولهت أشد الوله، واقامت على قبره زمانا تبكيه وتندبه وترثيه.

وكما كان صخر في حياتها ملجأ الخنساء، يزيل عنها شكايتها، ويمسح عليها آلامها، كان بعد موتها ملجأها كذلك، خفف عنها ما كبتت في نفسها من احزان، وما ابتلعت من غصص، طالما اقلقتها واقضت منها المضاجع، فلما توفي صخر انفجرت باكية من غير مساك. فهوأسى مجمع، وشجى أثمر مع الأحداث.

في يوم من الأيام طلب من الخنساء حتى تصف أخويها معاوية وصخر، فنطقت: إذا صخرًا كان الزمان الأغبر، وذعاف الخميس الأحمر. وكان معاوية القائل الفاعل. فقيل لها: أي منهما كان أسنى وأفخر،يا ترى؟ فأجابتهم: بأن صخر حر الشتاء، ومعاوية برد الهواء. قيل: أيهما أوجع وأفجع،يا ترى؟ فنطقت: أما صخر فجمر الكبد، وأما معاوية فسقام الجسد.

ولذا قيل: كان موت صخر بن عمروابن الشريد تاريخ ميلاد شاعرة كشف للعرب عن شاعرة بني سليم تماضر، نظراً لكثرة ما نطقت فيه. والواقع انه كان تنفسيا لذلك الحزن المكبوت، ولذا كانت تسوم هودحها في الموسم، وتعاظم العرب بمصيبتها بابيها واخويها، وتقول: انا اعظم العرب مصيبة، فيقر لها الناس في ذلك وليس هذا جديد، فقد سبقوا ان اقروا لابيها حين فاخر بابنيه، ثم لما كانت سقطة بدر، وقت عتبه وشيبة أبناء ربيعة، والوليد بن عتبة، اقبلت هند بنت عتبة ترثيهم، وبلغها تسويم الخنساء ودجها في الموسم، ومعاظمتها العرب بمصيبتها بابيها واخويها، فنطقت هند: بل انا اعظم العرب مصيبة، فامرت بهودجها فسوم براية أيضا، وشهدت الموسم بعكاظ، وكانت عكاظ سوق تتجمع فيه العرب.

هكذا لا ترى الخنساء الأخت إلى هائمة على وجهها.. في حياة اخوتها.. تهيم على وجهها إلى الاخ الرقيق، فيمسح عليها بيده الحنون، ليزيل عنها متاعبها ويخفف عنها الامها. وبعد موت اخوتها.. تهيم على وجهها.. إلى..،يا ترى؟ لا شي... وتبكي وتنوح، ولا يعترض طريقها أحد. فلم يكن بد من ان يعلن في الملأ صدق حزنها، واليأس من تغيير حالها، إلى ان تهجر لدمعها تناجيه ويناجيها وفي ذلك السلوى لها والراحة.. وكان ذلك بلسان الفاروق رضي الله عنه عندما نطق: " دعوها، فانها لا تزال حزينة أبدا

إسلامها

حين انتشر نور الإسلام، صحبت بنيها وبني عمها من بني سليم وافدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلنوا دخولهم في الدين الجديد.

أسلمت في عامثمانية هـ - 630 م وهي في طلائع شيخوختها لم تقل عن الخمسين، ولن تزيد على الستين، عندما قدمت على النبي مع قومها بني سليم وأعربت إسلامها وإيمانها لعقيدة التوحيد وحسن إسلامها.

ذكر الزبير بن بكار عن محمد بن الحسن المخزومي وهوالمعروف بابن زبالة أحد المتروكين عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن أبي وجزة عن أبيه نطق حضرت الخنساء بنت عمروالسلمية حرب القادسية سنة 16 هـ، - 638 م ومعها بنوها أربعة رجال فذكر موعظتها لهم وتحريضهم على القتال وعدم الفرار، فقد حرّضت أبناءها الأربعة على الجهاد ورافقتهم مع الجيش زمن عمر بن الخطاب، وقد اوصتهم: "يا بني إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله غيره إنكم لبنورجل واحد، كما أنكم بنوامرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم. وقد تفهمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. وافهموا حتى الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200]. فإذا أصبحتم غدًا إذا شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين. وإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت نارًا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة”. فلما بلغ إليها خبر وفاة أستشهادهم جميعاً، لم تجزع ولم تبك، ولم تحزن، نطقت قولتها المشهورة: "الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجومن ربي حتى يجمعني بهم في مستقر رحمته" وكان عمر بن الخطاب يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة حتى قبض رضي الله عنه. أخرجها أبوعمر.

لها موقف يشير على وفائها ونبلها مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم تزل الخنساء تبكي على أخويها صخرًا ومعاوية حتى أدركت الإسلام فأقبل بها بنوعمها إلى عمر بن الخطاب وهي عجوز كبيرة فنطقوا: يا أمير المؤمنين هذه الخنساء قد قرحت مآقيها من البكاء في الجاهلية والإسلام فلونهيتها لرجونا حتى تنتهي.

فنطق لها عمر: اتقي الله وأيقني بالموت فنطقت: أنا أبكي أبي وخيري مضر: صخرًا ومعاوية، وإني لموقنة بالموت، فنطق عمر: أتبكين عليهم وقد صاروا جمرة في النار،يا ترى؟ فنطقت: ذاك أشد لبكائي عليهم؛ فكأن عمر رق لها فنطق: خلوا عجوزكم لا أبا لكم، فكل امرئ يبكي شجوه ونام الخلي عن بكاء الشجي.

وتمضي الخنساء مع الإسلام فتنسى كثيراً من عادات الجاهلية، ولكنها لا تنسى السادات من مضر، ولا يفارقها الوجد عليهم، والبكاء من أجلهم.

ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستنشدها شعرها، ويستزيدها - وهومصغ إليها- بقوله: "هيه يا خناس! ويومئ بيده. وقد أبى عليه قلبه الكبير ان يزرجها أوان يلومها.

الخنساء الشاعرة

الخنساء شاعرة مخضرمة. ينطبق عليها التحديد الأصيل لمعنى الحدثة ومدلولها، حيث تطلق حدثة مخضرم عند العرب في الأصل على من ادرك الجاهلية والإسلام ثم اطلقت على طبقة الشعراء الذين أدركوا الجاهلية.

ولدت من آباء شعراء. ليسوا بني سليم، آباءها الأقربين فحسب، بل ذلك يرجع إلى ابعد الآباء في قييس كلها، وكان فيهم خمسا شعراء العرب، فقد نبغ منهم جماعة من فحول الشعراء، ومنهم النابغتان (الذيباني والجعدي) وزهير بن أبي سلمى، وكعب ابنه، ولبيد بن أبي ربيعة، والحطيئة، والشماخ، وخداش بن زهير وغيرهم. نطق ابن قتيبة وهي جاهلية، كانت تقول الشعر في زمن النابغة الذبياني، ويرى ابن سلام هذا الرأي نفسه.

ونقطة التحول في حياة الخنساء هي فجيعتها المزدوجة بفقد اخويها معاوية وصخر"

كانت الخنساء في أول أمرها تقول البيتين والثلاثة، حتى قُتل أخواها معاوية وصخر اللذين ما فتأت تبكيهما حتى خلافة عمر، وخصوصاً أخيها صخر. فقد كانت تحبه حباً لا يوصف، ورثته رثاء حزيناً وبالغت فيه حتى عدت أعظم شعراء الرثاء. ويغلب على شعر الخنساء البكاء والتفجع والمدح والتكرار لأنها سارت على وتيرة واحدة تميزت بالحزن والأسى وذرف الدموع. ومما يذكر في ذلك ما كان بين الخنساء وهند بنت عتبة قبل إسلامها، نذكره لنعهد إلى أي درجة اشتهرت الخنساء بين العرب في الجاهلية بسبب رثائها أخويها.

توزع الرثاء أنواع ثلاثة، امتاز جميع منها بعنوان، فاصبح تحت المرثية:

  • الندب: وهوممنوع في المرثية، وذلك إذا كان الميت قتيل حرب. وكان من اخلاق العرب انهم لا يرثون قتلى الحرب. فاذا بكوهم كان ذلك هاتى، أوفي حكم الهاتى.
  • التأبين.
  • والعزاء.

وقد اجتمعت للخنساء في مراثيها أنواع الرثاء الثلاثة تلك فآنا نسمعها نادية باكية، يرتفع نشيجها، فيثير الأشجان، ويجري الدموع من المآقي، وذلك إذ تقول:


أبنت صخر تلكم الباكية لا باكي الليلة إلا هيه


وتقول:


يا عينِ جودي بالدّموعِ الغِزَارْ وابكي على اروعَ حامِي الذمارْ
فرعٍ منَ القومِ الجدى أنْماهُ منهُمْ كلُّ محضِ النِّجارْ
أقولُ لمّا اتىَني هُلْكُهُ وصرَّحَ النَّاسُ بنجوى السّرارْ
أُخَيّ! إمّا تَكُ وَدّعْتَنَا فَرْعٍ منَ القَوْمِ كريمِ الجَدا
فرُبّ عُرْفٍ كنْتَ أسْدَيتَهُ إلى عيالٍ ويتامى صغارْ
وربَّ نعمى منكَ انعمتها على عُناة ٍ غُلَّقٍ في الإسارْ
أهْلي فِداءٌ للّذي غُودِرَتْ أعْظُمُهُ تَلْمَعُ بَينَ الخَبارْ
صَريعِ أرْماحٍ ومَشْحوذَة كالبرقِ يلمعنَ خلالَ الديارْ
مَنْ كانَ يَوْماً باكياً سَيّداً فليبكهِ بالعبراتِ الحرارْ
ولتبكهِ الخيلُ اذا غودرتْ بساحة ِ الموتِ غداة َالعثارْ
وليبكهِ كلُّ أخي كربة ضاقتْ عليهِ ساحة ُ المستجارْ
رَبيعُ هُلاّكٍ ومأوى نَدًى حينَ يخافُ النَّاسُ قحطَ القطارْ
أسْقَى بِلاداً ضُمّنَتْ قَبْرَهُ صَوْبُ مَرابيعِ الغُيوثِ السَّوارْ
وما سؤالي ذاكَ الاَّ لكي يسقاهُ هامٍ بالرَّوي في القفارْ
قُلْ للّذي أضْحَى بهِ شامِتاً إنّكَ والموْتَ، مَعاً، في شِعارْ


وتقول:


بَكَت عَيني وَعاوَدَها قَذاها بِعُوّارٍ فَما تَقضي كَراها
على صَخرٍ وَأَيُّ فَتىً كَصَخرٍ إِذا ما النابُ لَم تَرأَم طِلاها
فَتى الفِتيانِ ما بَلَغوا مَداهُ وَلا يَكدى إِذا بَلَغَت كُداها
حَلَفتُ بِرَبِّ صُهبٍ مُعمِلاتٍ إِلى البَيتِ المُحَرَّمِ مُنتَهاها
لَئِن جَزِعَت بَنوعَمروٍ عَلَيهِ لَقَد رُزِئَت بَنوعَمروٍ فَتاها
لَهُ كَفٌّ يُشَدُّ بِها وَكَفٌّ تَحَلَّبُ ما يَجِفُّ ثَرى نَداها
تَرى الشُمَّ الجَحاجِحَ مِن سُلَيمٍ يَبُلُّ نَدى مَدامِعِها لِحاها
عَلى رَجُلٍ كَريمِ الخيمِ أَضحى بِبَطنِ حَفيرَةٍ صَخِبٍ صَداها
لِيَبكِ الخَيرَ صَخراً مِن مَعَدٍّ ذَوُوأَحلامِها وَذَوُونُهاها


وقد أجمع أهل الفهم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها أنشدت في سوق عكاظ بين يدي النابغة الذبياني وحسان بن ثابت "رائيتها" التي رثت بها صخر:


قذى بعينكِ امْ بالعينِ عوَّارُ امْ ذرَّفتْ اذْخلتْ منْ اهلهَا الدَّارُ
كأنّ عيني لذكراهُ إذا خَطَرَتْ فيضٌ يسيلُ علَى الخدَّينِ مدرارُ
تبكي لصخرٍ هي العبرَى وَقدْ ولهتْ وَدونهُ منْ جديدِ التُّربِ استارُ
تبكي خناسٌ فما تنفكُّ مَا عمرتْ لها علَيْهِ رَنينٌ وهيَ مِفْتارُ
تبكي خناسٌ علَى صخرٍ وحقَّ لهَا اذْ رابهَا الدَّهرُ انَّ الدَّهرَ ضرَّارُ
لاَ بدَّ منْ ميتة ٍ في صرفهَا عبرٌ وَالدَّهرُ في صرفهِ حولٌ وَاطوارُ
قدْ كانَ فيكمْ أبوعمرٍويسودكمُ نِعْمَ المُعَمَّمُ للدّاعينَ نَصّارُ
صلبُ النَّحيزة ِ وَهَّابٌ اذَا منعُوا وفي الحروبِ جريءُ الصّدْرِ مِهصَارُ
يا صَخْرُ وَرّادَ ماءٍ قد تَناذرَهُ أهلُ الموارِدِ ما في وِرْدِهِ عارُ
مشَى السّبَنْتى إلى هياتىَ مُعْضِلَة لهُ سلاحانِ: أنيابٌ وأظفارُ
وما عَجُولٌ على بَوٍّ تُطيفُ بِهِ لها حَنينانِ: إعْلانٌ وإسْرارُ
تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ، حتى إذا ادّكرَتْ فانَّما هيَ اقبالٌ وَادبارُ
لاَ تسمنُ الدَّهرَ في ارضٍ وَانْ رتعتْ فانَّما هيَ تحنانٌ وَتسجارُ
يوْماً بأوْجَدَ منّي يوْمَ فارَقني صخرٌ وَللدَّهرِ احلاءٌ وَامرارُ
وإنّ صَخراً لَوالِينا وسيّدُنا وإنّ صَخْراً إذا نَشْتولَنَحّارُ


فاعجبة شعرها فنطق لها النابغة الذبياني: (امضىي فأنت أشعر من جميع ذات ثديين. ولولا حتى هذا الأعمى (كنية الأعشى الأكبر) - أبا بصير - أنشدني قبلك لفضلتك على شعراء هذا الموسم.

- وفي رواية اخرى انه نطق: "لولا ان هذا الاعمى سبقك لقلت انك أشعر الجن والإنس". فغضب حسان ونطق: والله انا اشعر منك ومنها.

غالبا ما تلتفت الخنساء الوالهة، فلا ترى أسرع من عينيها عونا لها في مصيبتها، فتخاطبهما بشعرها، حتى اصبحت لازمة في أكثر مراثيها، وغدا استهلالها قصائدها بخطاب عينيها سمة بارزة، وخصيصة تمتاز بها مراثي الخنساء.

تسيطر عليها تلك السمة المتكررة فتقودها - على الرغم منها- إلى تكرار مطالع قصائدها، بحيث تتشابه في كثير منها، من النماذج تلك المطالع:


يا عَينِ جودي بدَمعٍ منكِ مَسكُوبِ كلؤلؤٍ جالَ في الأسْماطِ مَثقوبِ
انّي تذكَّرتهُ وَالَّليلُ معتكرٌ ففِي فؤاديَ صدعٌ غيرُ مشعوبِ
نِعْمَ الفتى كانَ للأضْيافِ إذْ نَزَلوا وسائِلٍ حَلّ بَعدَ النّوْمِ مَحْرُوبِ
كمْ منْ منادٍ نادى وَ الَّليلُ مكتنعٌ نفَّستَ عنهُ حبالَ الموتِ مكروبِ
وَ منْ اسيرٍ بلاَ شكرٍ جزاكَ بهِ بِساعِدَيْهِ كُلُومٌ غَيرُ تَجليبِ
فَكَكْتَهُ، ومَنطقٍ قُلْتَهُ حَسَنٍ بعدَ المَنطقَة ِ لمْ يُؤبَنْ بتَكْذيبِ


وقولها:


يا عَينِ جودي بدَمعٍ منكِ مُهْراقِ اذا هدى النَّاسُ أوهمُّوا باطراقِ
انّي تذكّرني صخراً اذا سجعتْ على الغُصُونِ هَتُوفٌ ذاتُ أطْواقِ
وكلُّ عبرى تبيتُ اللَّيلَ ساهرة تبكي بكاءَ حزينِ القلبِ مشتاقِ
لا تَكْذِبَنّ فإنّ المَوْتَ مُخْتَرِمٌ كلَّ البريَّة ِ غيرَ الواحدِ الباقي
انتَ الفتى الماجدُ الحامي حقيقتهُ تعطي الجزيلَ بوجهٍ منكَ مشراقِ
والعودَ تعطي معاً والنَّابَ مكتنفاً وكلَّ طرفٍ إلى الغاياتِ سبَّاقِ
انّي سابكي أبا حسَّانَ نادبة ما زلتُ في كلِّ امساءٍ واشراقِ


وبرغم أنها كانت شاعرة متمكنة من اللغة لها قصائد كثيرة إلا حتى شهرة الخنساء قد ذاعت وانتشر صيتها في جميع مكان من خلال مراثيها لأخيها صخر التي ذاعت وتداولها الناس في الجاهلية.

عندما كانت سقطة بدر اغتال عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، فكانت هند بنت عتبة ترثيهم، وتقول بأنها أعظم العرب مصيبة. وأمرت بأن تقارن مصيبتها بمصيبة الخنساء في سوق عكاظ، وعندما أتى ذلك اليوم، سألتها الخنساء: من أنت يا أختاه،يا ترى؟ فأجابتها: أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك فبم تعاظمينهم أنت،يا ترى؟ فنطقت: بأبي عمروالشريد، وأخي صخر ومعاوية. فبم أنت تعاظمينهم،يا ترى؟ نطقت الخنساء: أوهم سواء عندك،يا ترى؟ ثم أنشدت هند بنت عتبة تقول:


أبكي عميد الأبطحين كليهما ومانعها من جميع باغ يريدهـا
أبي عتبة الخيرات ويحك فافهمي وشيبة والحامي الذمار وليدها
أولئك آل المجد من آل غالب وفي العز منها حين ينمي عديدها


فنطقت الخنساء:


أبكي أبي عمرًا بعين غزيـرة قليل إذا نام الخلـي هجودهـا
وصنوي لا أنسى معاوية الذي له من سراة الحرتيـن وفـودهـا
وصخرًا ومن ذا مثل صخر إذا غدا بساحته الأبطال قــزم يقودها
فذلك يا هند الرزية فافهمي ونيران حرب حين شب وقـودهـا


كان بشار يقول: إنه لم تكن امرأة تقول الشعر إلا يظهر فيه ضعف، فقيل له: وهل الخنساء كذلك، فنطق: تلك التي غلبت الرجال.

- سئل جرير عن أشعر الناس فـأجابهم: أنا، لولا الخنساء، قيل: فيم فضل شعرها عنك،يا ترى؟ نطق: بقولها:


إن الزمان وما يفنى له عجب أبقى لنا ذنبًا واستؤصل الرأس


تعكس أبيات الخنساء عن حزنها الأليم على أخويها وبالأخص على صخر، فقد ذكرته في أكثر أشعارها:


ألا يا عين فانهمري بغدر وفيضي فيضة من غـير نزر
ولا تعدي عزاء بعد صخر فقد غلب العزاء وعيل صبري


روي في طبقات الصحابة، وفي السيرة النبوية اعجاب الرسول صلى الله عليه وسلم بشعرها واستزادته من انشادها وهويقول: " هيه يا خناس!، ويومي بيده ". ولقد وفد عدي بن حاتم الطائي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مبايعا على رأس قومه بني طيء فنطق: " يا رسول الله: إذا فينا أشعر الناس، وأسخى الناس، وأفرس الناس "، فلما سأله الرسول حتى يسميهم أجاب: " أما أشعر الناس فامرؤ القيس بن حجر، وأما أسخى الناس فحاتم بن سعد (يعني أباه)، وأما أفرس الناس فعمروبن معدي كرب ".

فنطق عليه الصلاة والسلام: " ليس كما قلت يا عدي! أما أشعر الناس فالخنساء بنت عمرو، وأما أسخى الناس فمحمد، وأما أفرس الناس لعلي بن أبي طالب ".

هذه هي الخنساء مرآة عصرها، تحدثها هذه الرسالة من قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

الخنساء في النقد

  • ابن قتيبة: " اما ما ادخلت الخنساء من صفات جديدة في المرثية، فمن الصعب ان نحدده، لانه لم يصل الينا شي تام من هذا النوع قبل قصائدها، إلا ما ورد عن المهلهل، وهوفي مجمله يقرب من طريقة الخنساء، ولكن مالا شك فيه هوان من تبعها من شعراء الرثاء، وشواعره اغترفوا جميعهم من بحرها الفياض بفيض العاطفة البشرية"
  • كرنكوف: "ألاحظ على مراثيها القصر، وصدق التفجع والحزن، ونكاد نبتر بان قصائدها ألهمت عدد كبيرا من شعراء المراثي المتأخرين، ومنهم ابنتها عمرة"
  • بطرس البستاني: " لعل الغلوأظهر خاصة في الخنساء، فهي مغالية في حزنها ولوعتها، مغالية فيما نعت به صخراً.. ورثاء الخنساء عاطفي بحت، ولا يشوبه تكلف"
  • أفرام البستاني يقول: "فهي شاعرة أكثر منها ناظمة، وهوما يروقنا فيها".
  • بنت الشاطئ: اخذت على الخنساء قصر قصيدتها، وخلوشعرها من الحكمة أوقلتها فيه.
  • مصطفى صادق الرافعي: " ولا يهولنك كثرة أسماء النساء اللأتي قلن شعرا، فعمود الشعر عندهم الرثاء، وليس لهنت إلا المقاطيع والابيات القليلة، ولم تبن منهن إلا الخنساء وليلى الأخيلية وما شعرت الخنساء حتى كثرت مصائبها"
  • المستشرق غوستاف فون غرنباوم: وإذا كانت المراثي قد نشأت من نياحات النساء، إلا ان هذا الفن انما بلغ اوجه في مراثي الخنساء الشاعرة التي عاشت في النصف الأول من القرن السابع". ونطق أيضا: اما الخنساء فقد جعلت قمم الجبال تتدحرج بداعي وفاة اخيها، والنجوم تهوي، والارض تهتز، والشمس تظلم".

وفاة الخنساء

ماتت الخنساء -رضي الله عنها- سنة 24 هـ/645م. عمرت إلى حتى أدركت نصر الإسلام المبين كان موتها في عامها الحادي والسبعين، وقد طبقت شهرتها الآفاق، إذا لم يكن ببكائها على السادات من مضر فباستشهاد بنيها الأربعة. ماتت ومعها شاهد تضمن به تسجيل يوم موتها، ولا يعتمد فيه على الروايات، وإنما اعتمد فيه سجلات الدولة المدون فيها اسمها، لتستلم أرزاق بنيها الشهداء الأربعة من ديوان بيت المال، وكان عمر قد قدر لها عن جميع واحد مائتي درهم إلى حتى قبض رضوان الله عليه.

انظر أيضاً

  • خنساء فلسطين

المراجع

  1. ^ الخنساء شاعرة الصبر والحكمة نسخة محفوظة 18 مايو2019 على مسقط واي باك مشين.
  2. ^ الأعلام - الزركلي - ج2 ص86
  3. ^ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلكان، ج6، ص34.
  4. ^ الوافي في الوفيات، ج1، ص1459.
  5. كتاب زهر الأدب، الحصري، (341:3).
  6. ^ زهر الآداب، ج4، ص957، الطبعة الثالثة.
  7. ^ المصدر السابق.
  8. ^ الأغاني، ج13، ص136، طبعة بولاق.
  9. ^ الشعر والشعراء، ابن قتيبة، ص301.
  10. ^ الإغاني ج 1 ص 72
  11. ^ الأغاني جعشرة ص ثلاثة دار الخط.
  12. ^ هنأ البعير طلاه بالهناء، وهوالقطران، وكانت العرب تعالج به من الجرب.
  13. ^ انظر دائرة المعارف الإسلامية ( مادة الخنساء)
  14. ^ الأغاني جعشرة ص 22 ط دار الخط، وفي الأمالي ج 2 ص 161 ط الدار أنه خطبها على اخيها معاوية، وعلى تلك الرواية اقتصرت دائرة المعارف الإسلامية لتستخلص وفاة ابيها قبل ذلك
  15. ^ قرة: كنية دريد، والقرة البرد وما تقر به العين.
  16. ^ لا يقرع أنفه: لا يعاب.
  17. ^ الاغاني ج 11 ص 85 ط دار الخط.
  18. ^ المصدر السابق ج 11 ص 89 ط دار الخط.
  19. ^ "كرنكوف" في دائرة المعارف الإسلامية.
  20. دائرة المعارف الإسلامية.
  21. ^ دائرة معارف البستاني مادرة (الخنساء).
  22. ^ الإصابة جثمانية ص 252
  23. ^ العقد الفريد ج 1 ص 22 - شرح العيون ص 299.
  24. ^ "كرنكوف" في دائرة المعارف الإسلامية
  25. ^ على ما رواه ابن حزم في جمهرة الأنساب، وما رواه ابن عبد الرب في الاستيعاب.
  26. ^ حياة محمد لهيكل ص 422 ط دار الخط.
  27. ^ المرجع السابق ص 424.
  28. ^ الصديق أبوبكر لهيكل ص 142 ط الثانية.
  29. ^ تاريخ الطبري ج ثلاثة ص 366 ط دار المعارف وبعد هذا البيت سبعة ابيات.
  30. ^ انظر الاستيعاب ج أربعة ص 1838 وخزانة الأدب ج 1 ص 395 وشرح مقامات الحريري للشريش ص 236 ط سنه 1300هـ والاصابة جثمانية ص 353 ومعاهد التنصيص ج 1 ص 353.
  31. أسد الغابة: جزء 1 – صفحة 1342.
  32. ^ الدغمي، محمد راكان (1985). التجسس وأحكامه في الشريعة الإسلامية . بيروت: دار السلام. ص 193 نسخة محفوظة 24 يوليو2019 على مسقط واي باك مشين.
  33. ^ الاصابة جثمانية 353.
  34. ^ الاصابة ج 1 ص 352.
  35. ^ الأغاني ج 13 ص 134.
  36. ^ هذا ما اتى في الاغاني، واتى في العقد الفريد حستة ص29
  37. ^ ديوان الحماسة لابي تمام شرح التبريزي ج 1 ص455.
  38. ^ دائرة المعارف الإسلامية - مادة ( الخنساء).
  39. ^ زهرة الآداب ج أربعة ص957.
  40. أسد الغابة - 6884.
  41. ^ هذه الرواية على ما اتى في الاغاني، وفي الشعر والشعراء، وفي شرخ مقامات الحريري لشرير ووفيات الاعيان ح 1 ص365. واتى في الاغاني رواية اخرى ج3 ص 136 ط بولاق تفيد ان التي نطقت ذلك هي بديلة الاسدية وكان صخر قد سباها فاتخذها لنفسه.
  42. ^ الأغاني ح 13 ص 131.
  43. ^ يوم ذي الأثل في بني عوف وبني خفاف.
  44. ^ الإصابة في تمييز الصحابة.
  45. ^ تسويم الهودج: ان تجعل له علامة يتميز بها عن سائر الهوادج.
  46. ^ الاغاني ج4 ص210 ط دار الخط ومعاد التنصيص ج 1 251.
  47. ^ انظر ادباء العرب لبطرس البستاني ص 229.
  48. ^ الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ج8 ص 34 سنة 1935.
  49. ^ ابن عبد البر في الاستيعاب.
  50. ^ كتاب: الإصابة في تمييز الصحابة.
  51. ^ الوافي في الوفيات: جزء 1 – صفحة 1461.
  52. ^ الإصابة ج8 ص34.
  53. ^ تاج العروس ج7 ص 28.
  54. ^ الشعر والشعراء ج 1 ص 302 ط دار احياء الكتاب العربي القاهرة سنه 1346هـ..
  55. ^ دائرة المعارف الإسلامية مادة الخنساء.
  56. ^ معاهد التنصيص ج 1 ص 349.
  57. ^ ابن قتيبة (1987). . بيروت: دار أحياء العلوم. مؤرشف من الأصل في 28 يناير 2020. ص 218
  58. ^ الاغاني ج9 ص 340 والشعر والشعراء ص 123.
  59. ^ الشعر والشعراء ص 197.
  60. ^ ادباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام ص 223 طثمانية بيروت..
  61. ^ الروائع العدد 38 المقدمة.
  62. ^ ديوان الخنساء.
  63. ^ تاريخ آداب العرب ج3 ص 61.
  64. دراسات في الأدب العربي ص 137.
  65. ^ دائرة المعارف الإسلامية، مادة الخنساء.
  66. ^ فؤاد البستاني في الروائع.
  67. ^ الاستيعاب، ج 4، ص 1827.
  68. ^ دائرة المعارف، للبستاني، ( الخنساء ) ومعاهد التنصيص، ج 1، ص 355.

وصلات خارجية

تاريخ النشر: 2020-06-01 18:29:56
التصنيفات: أشخاص اعتنقوا الإسلام, أشخاص من قبيلة بني سليم, شاعرات العصور الوسطى, شاعرات عربيات, شخصيات من ألف ليلة وليلة, شعراء العصر الجاهلي, شعراء رثاء, شعراء مخضرمون, شعراء مسلمون, صحابيات, عرب في القرن 6, عرب في القرن 7, كاتبات في القرن 6, كاتبات في القرن 7, كتاب باللغة العربية, كتاب عرب في القرن 6, كتاب عرب في القرن 7, مواليد 575, مواليد في نجد, نساء عربيات, وفيات 645, وفيات القرن 7, وفيات في نجد, صفحات تستعمل قالبا ببيانات مكررة, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, صفحات بها بيانات ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P20, صفحات تستخدم خاصية P1412, صفحات تستخدم خاصية P214, صفحات تستخدم خاصية P244, صفحات تستخدم خاصية P213, صفحات تستخدم خاصية P906, صفحات تستخدم خاصية P268, صفحات تستخدم الضبط الاستنادي مع عوامل متغيرة, بوابة شبه الجزيرة العربية/مقالات متعلقة, بوابة العرب/مقالات متعلقة, بوابة المرأة/مقالات متعلقة, بوابة الإسلام/مقالات متعلقة, بوابة التاريخ الإسلامي/مقالات متعلقة, بوابة أدب عربي/مقالات متعلقة, بوابة محمد/مقالات متعلقة, بوابة صحابة/مقالات متعلقة, بوابة أعلام/مقالات متعلقة, بوابة شعر/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, صفحات بها شريط بوابات بأكثر من 10 بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

دوري كامل لأولى السيدات السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-11-18 18:29:00
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 67%

لماذا تطالب إسرائيل سكان خان يونس في قطاع غزة بإخلاء منازلهم؟

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-18 21:08:31
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 92%

بلال الخنوس: "نعمل من أجل إسعاد الشعب المغربي"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-11-18 21:07:08
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 68%

في تجربة ناجحة..إطلاق "ستارشيب" العملاق للمرة الثانية السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-11-18 18:28:58
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

ليفاندوفسكي: "بُركان أيسلندا عام 2010 غيَّر حياتي"

المصدر: البطولة - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-11-18 21:07:21
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

الداخلة.. توقيف أحد العناصر الحاملة للفكر المتشدد

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-18 18:29:46
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

ريال مدريد يؤكّد إصابة فينيسيوس وشكوك حول عودته قبل 2024

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-18 18:29:05
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 51%

عشرات آلاف الإسبان يتظاهرون رفضا للعفو عن انفصاليين كاتالونيين

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-18 21:08:38
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 90%

أخضر 23 يكسب ودية الأردن السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-11-18 18:29:03
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 68%

تصفيات أوروبا 2024: هالاند يغيب عن مواجهة اسكتلندا

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-18 21:08:40
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 90%

الداخلة.. توقيف أحد العناصر الحاملة للفكر المتشدد

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-18 18:29:38
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 50%

ريال مدريد يؤكّد إصابة فينيسيوس وشكوك حول عودته قبل 2024

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-11-18 18:29:14
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

تحميل تطبيق المنصة العربية