دراسات أدبية داروينية

عودة للموسوعة

الدراسات الأدبية الداروينية، (تُعهد أيضًا باسم الداروينية الأدبية)، هي أحد أفرع النقد الأدبي الذي يفهم الأدب في إطار التطوّر بموجب الانتقاء الطبيعي، بما في ذلك التطور الجيني الثقافي المشهجر. تجسّد الدراسات الأدبية الداروينية اتجاهًا ناشئًا للفكر الدارويني الجديد المتمثّل في المجالات الفكرية، بعيدًا عن التخصّصات المتعلّقة تقليديًا بفهم الأحياء التطوّري: فهم النفس التطوري، الأنثروبولوجيا التطوّرية، فهم البيئة السلوكي، فهم النفس التنموي التطوري، فهم النفس المعهدي، فهم الأعصاب الوجداني، فهم الوراثة السلوكي، الأبستمولوجيا التطورية، وغيرها من المجالات المشابهة.

التاريخ والسياق

بدأ الاهتمام بالعلاقة القائمة ما بين الداروينية ودراسة الأدب خلال القرن التاسع عشر، كالاهتمام الذي كان جلّيًا في أوساط النقاد الأدبيين الإيطاليين. على سبيل المثال، افترض أوغوأنجيلوكانيلوحتى الأدب تمثيلٌ لتاريخ النفس البشرية، ولهذا السبب يلعب الأدب دورًا في الكفاح في سبيل الانتقاء الطبيعي. أمّا فرانشيسكودي سانكتيس فنطق إذا إميل زولا «أدخل إلى رواياته مفاهيم الانتقاء الطبيعي، والكفاح من أجل الوجود، والتكيّف، والبيئة».

ظهرت الدراسات الأدبية الداروينية الحديثة بصورة جزئية جرّاء استياء أنصارها إزاء فلسفات ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة، التي هيمنت على الدراسة الأدبية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. اعترض الداروينيون بالتحديد على الحجة القائلة بأنّ الخطاب هوما يبني الواقع. اعتبر الداروينيون الأحكام ذات الأسس البيولوجية مقيّدة الخطاب ومشكّلة له. تتعارض هذه الحجة مع فكرة فهماء النفس التطوري المركزية في «نموذج العلوم الاجتماعية القياسي»، التي تتجسّد بأنّ الثقافة أساس القيم والسلوكيات الإنسانية بأكملها.

يستعير الداروينيون الأدبيون مفاهيمًا من فهم الأحياء التطوّري والعلوم الإنسانية التطوّرية، وذلك بهدف صياغة مبادئ النظرية الأدبية وتفسير النصوص الأدبية. يبحث الداروينيون الأدبيون في التفاعلات التي تحدث بين الطبيعة البشرية وأشكال الخيال الثقافي، بما في ذلك الأدب وأسلافه الشفوية. يستخدم الداروينيون الأدبيون حدثة «الطبيعة البشرية» لتعني مجموعةً من الأحكام الإنسانية العالمية المتوارثة جينيًا: الدوافع والعواطف وملامح الشخصية وأشكال الفهم. غالبًا ما يصف الداروينيون الأدبيون أعمالهم على أنها «نقد ثقافي حيوي»، إذ يعود السبب إلى هجريزهم على العلاقات القائمة بين الأحكام المتوارثة جينيًا والتكوينات الثقافية المحددة.

لا يسعَ غالبية الداروينيين الأدبيين إلى خلق «نهج» أو«حركة» إضافية في النظرية الأدبية وحسب، بل يرغبون في إحداث تغيير جذري في النموذج الذي تُجرى فيه الدراسة الأدبية في الوقت الحاضر. يريد الداروينيون الأدبيون خلق تواؤم حديث بين التخصّصات، ليضم جميع النهج الأخرى القابلة للتطبيق في إطار الدراسة الأدبية في نهاية المطاف.

شارك الداروينيون الأدبيون إدوارد أو. ويلسون في مسعاه من أجل تحقيق «توافق في الأدلة» بين جميع الأفرع التعليمية. يتصوّر الداروينيون الأدبيون الطبيعة كما يتصوّرها ويلسون، أي بصفتها مجموعةً متكاملةً من العناصر والقوى الممتدّة على طول سلسلة متّصلة من العلّية المادّية، التي تتدرّج من أدنى مستويات الجسيمات دون الذّرية إلى أعلى مستويات الخيال الثقافي. ينظر الداروينيون الأدبيون إلى فهم الأحياء التطوّري كما ينظر إليه ويسلون، أي بوصفه مجالًا محوريًا قادرًا على توحيد العلوم الثابتة مع العلوم الاجتماعية والإنسانية. يعتقد الداروينيون الأدبيون حتى تطوّر البشر مقيّد في إطار علاقتهم التكيّفية مع بيئتهم. يرى الداروينيون الأدبيون أنّ تطوّر البشر مشابه لتطوّر جميع الأنواع الأخرى، إذ يصوغ التطور الخصائص التشريحية والفسيولوجية والعصبية لجميع الأنواع؛ الخصائص التي تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل السلوك والشعور والفكر الإنساني من وجهة نظرهم. يأخذ الداروينيون الأدبيون على عاتقهم اللجوء إلى فهم الأحياء التطوري والعلوم الاجتماعية التطورية، وذلك بهدف تحديد ماهية تلك الخصائص واستخدام هذه المعلومات في دعم معهدتهم لمخرجات الخيال البشري.

يتمثّل النوع الأدنى من النقد الأدبي التطوّري في تحديد الاحتياجات الإنسانية العامة والمشهجرة (على سبيل المثال، البقاء والجنس والمكانة) واستخدام هذه التصنيفات في وصف سلوك الشخصيات المصوّرة في النصوص الأدبية. يتصوّر البعض الآخرين لأنفسهم شكلًا من أشكال النقد المنطوي على تحدّ تفسيري شامل: بناء تسلسل توضيحي مستمر وقادر على ربط أعلى مستويات التفسير التطوّري العلّي مع المؤثرات الاستثنائية في الأعمال الأدبية الفردية. تتضمّن أعلى مستويات التفسير العلّي في سياق فهم الأحياء التطوّري التكيّف مع الانتقاء الطبيعي. يتعهّد الداروينيون الأدبيون -انطلاقًا من الفرضية القائلة بأن العقل البشري متطوّر في إطار علاقته تكيّفية مع بيئته- بتوصيف الخصائص الاستثنائية للعمل الأدبي (اللهجة والأسلوب والتنظيم الشكلي)، وتحديد مسقط العمل الأدبي في السياق الثقافي، وشرح هذا السياق الثقافي بوصفه تنظيمًا معيّنًا لعناصر الطبيعة البشرية ضمن مجموعة محدّدة من الظروف البيئية (بما في ذلك التنطقيد الثقافية)، وتحديد المؤلّف الضمني إضافةً إلى القارئ الضمني، ودراسة استجابات القرّاء العمليين (على سبيل المثال، النقّاد الأدبيون الآخرون)، ووصف الوظائف الاجتماعية والثقافية والسياسية والنفسية التي يستوفيها العمل، وتحديد مسقط هذه الوظائف في إطار الاحتياجات المتطوّرة للطبيعة البشرية، وربط العمل الأدبي بصورة نسبية بالأعمال الفنّية الأخرى باستخدام تصنيفات المواضيع والعناصر الشكلية والعوامل العاطفية والوظائف المستمدّة من نموذج تام للطبيعة البشرية.

ضمت قائمة المساهمين في الدراسات التطوّرية في الأدب كلّ من الإنسانيين وفهماء الأحياء وفهماء الاجتماع. تبنّى بعضٌ من فهماء الأحياء وفهماء الاجتماع طرقًا استطرادية بشكل رئيسي بهدف مناقشة الموضوعات الأدبية، أمّا الإنسانيون فتبنّى بعضهم الأساليب الكمّية الفهمية التجريبية المعهودة للبحث في العلوم. تعاون كلّ من الباحثين في الشؤون الأدبية والفهماء في البحث الجامع ما بين الأساليب النموذجية للعمل في مجال العلوم الإنسانية، والأساليب النموذجية للعمل في مجال العلوم.

انظر أيضًا

  • برايان بويد
  • دينيس دتون
  • فهم النفس التطوري

مراجع

  1. ^ For an overview of evolutionary research in the human sciences, see Human Behavior and Evolution Society نسخة محفوظةتسعة ديسمبر 2019 على مسقط واي باك مشين.
  2. ^ Elena Canadelli; Paolo Coccia; Telmo Pievani (2014). "Darwin and Literature in Italy: A Profitable Relationship". In Glick, Thomas F.; Shaffer, Elinor (المحررون). The Literary and Cultural Reception of Charles Darwin in Europe. A&C Black. صفحات 483–509. ISBN .
  3. ^ On the conceptual character of poststructuralism, see تيري إيجلتون, "Post-structuralism" in Literary Theory: An Introduction, (Minneapolis: University of Minnesota Press, 1983); M. H. Abrams, "The Transformation of English Studies: 1930-1995", Daedalus; and Jonathan Culler, Literary Theory: A Very Short Introduction (Oxford: Oxford UP, 1997). For Darwinist critiques of "cultural constructivism," see Brian Boyd, "Getting It All Wrong"; and Joseph Carroll, "Pluralism, Poststructuralism, and Evolutionary Theory,".
  4. ^ For introductory commentaries on evolutionary studies in the humanities, see Harold Fromm, "The New Darwinism in the Humanities", Hudson Review; D. T. Max, "The Literary Darwinists", The New York Times; John Whitfield, "Literary Darwinism: Textual Selection", Nature; Mark Czarnecki, "The Other Darwin" نسخة محفوظة 2010-01-14 على مسقط واي باك مشين., Walrus Magazine.
  5. ^ For general statements about the aims of scholars in this field, see Brian Boyd, "Literature and Evolution: A Bio-Cultural Approach"; Interview with Joseph Carroll, "What Is Literary Darwinism?"; Jonathan Gottschall, "The Tree of Knowledge and Darwinian Literary Study"; Maya Lessov, A Filmed Interview with Joseph Carroll, Brian Boyd, and Jonathan Gottschall; and Marcus Nordlund, "Consilient Literary Interpretation".
  6. ^ For an analysis of the topics and approaches in this field, see Joseph Carroll, "Evolutionary Approaches to Literature and Drama". For examples of interpretive essays by evolutionary critics, see ; ); Brian Boyd, "On the Origin of Comics: New York Double-Take"; "; ; "; Nancy Easterlin, "Hans Christian Andersen's Fish out of Water"; Nancy Easterlin, "Psychoanalysis and the 'Discipline' of Love'" (on Wordsworth); "; ; and Judith Saunders, "Male Reproductive Strategies in Sherwood Anderson's 'The Untold Lie'". نسخة محفوظة 28 يناير 2020 على مسقط واي باك مشين.
  7. ^ For examples of evolutionary criticism making use of empirical, quantitative methodology, see Carroll, Gottschall, Johnson, and Kruger, "Agonistic Structure in Nineteenth-Century British Novels: Doing the Math"; : A Revised Solution to an Old Evolutionary Riddle"; Jonathan Gottschall, "A Modest Manifesto and Testing the Hypotheses of Feminist Fairy Tale Studies"; Jonathan Gottschall, "Response to Kathleen Ragan's 'What Happened to the Heroines in Folktales?'"; Jonathan Gottschall and Marcus Nordlund, "Romantic Love: A Literary Universal?"; Johnson, Carroll, Gottschall, and Kruger, "Hierarchy in the Library: Egalitarian Dynamics in Victorian Novels; and Stiller, Nettle, and Dunbar, "The Small World of Shakespeare's Plays". Essays by scientists using the discursive methods typical of work in the humanities are included in the collections of essays edited by Boyd, Carroll, and Gottschall; Gottschall and Wilson; Headlam Wells and McFadden; and Martindale, Locher, and Petrov.
تاريخ النشر: 2020-06-01 19:08:57
التصنيفات: علم الأحياء التطوري, علم نفس تطوري, نظرية الأدب, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, مقالات يتيمة منذ يناير 2020, جميع المقالات اليتيمة, جميع المقالات التي بحاجة لصيانة, بوابة أدب/مقالات متعلقة, بوابة علم النفس/مقالات متعلقة, بوابة علم الأحياء التطوري/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

فاس تكرس تقاليدها الغنية والراسخة خلال عيد الفطر

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-09 18:27:07
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 54%

7 مايو.. إعلان النتائج المالية لأرامكو للربع الأول 2024 السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-09 18:24:32
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 60%

“وامعتصماه”.. صرخة امرأة تفتح أقوى مدن الروم

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-09 18:25:09
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 61%

عاجل.. الحكم على مومو بأربع أشهر نافذة 

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-09 18:26:05
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

وصول الطائرة السعودية الـ 20 لإغاثة الشعب الأوكراني السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-04-09 18:24:34
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 61%

فاس تكرس تقاليدها الغنية والراسخة خلال عيد الفطر

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-09 18:27:05
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 50%

عاجل.. الحكم على مومو بأربع أشهر نافذة 

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-09 18:25:58
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 65%

تحميل تطبيق المنصة العربية