غيرة

الغيرة والغزل, لهاينز كينج (1831-1904)

الغَيْرَةُ هي أفكار، وأحاسيس وتصرفات تحدث عندما يظن الشخص حتى علاقته القوية بشخص ما تهدد من قبل طرف آخر منافس، وهذا الطرف الآخر قد يحدث مدركًا أوغير مدرك أنه يشكل تهديدًا. وقيل الغَيْرة: كراهة الرجل اشتراك غيره فيما هوحقه. ونطق الراغب الأصفهاني: (الغَيْرة ثوران الغضب حماية على أكرم الحرم، وأكثر ما تراعى في النساء). والغَيْرَة -بالفتح- المصدر من قولك: غار الرجل على أَهْلِه والمرأَة على بَعْلها تَغار غَيْرة وغَيْرًا وغارًا وغِيارًا والغَيْرة هي الحَمِيَّة والأنَفَة .

استمع إلى هذه الموضوعة (معلومات)

ملف الصوت هذا قد أنشئ من المراجعة المؤرخة 16 أكتوبر 2008، ولا يعكس التغييرات التي قد تحدث للمنطقة بعد هذا التاريخ. (مساعدة الصوت)

المزيد من الموضوعات المسموعة

الغيرة في الإسلام

الغيرة المعتدلة من الأخلاق المحمودة في الإسلام فعن جابر بن عتيك: حتى الرسول محمد كان يقول: "من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغضه الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة". نطق الشوكاني: (فالغَيْرة في الريبة: نحوحتى يغتار الرجل على محارمه إذا رأى منهم عملًا محرمًا؛ فإن الغَيْرة في ذلك ونحوه مما يحبه الله... والغَيْرة في غير ريبة: نحوحتى يغتار الرجل على أمه حتى ينكحها زوجها، وكذلك سائر محارمه؛ فإن هذا مما يبغضه الله تعالى؛ لأنَّ ما أحلَّه الله تعالى فالواجب علينا الرضى به؛ فإن لم نرض به كان ذلك من إيثار حمية الجاهلية على ما شرعه الله لنا).

وعدم الغيرة من الأخلاق المذمومة التي قد تمنع صاحبها من دخول الجنة فعن عمار بن ياسر عن رسول الله نطق: " ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا : الديوث والرَجُلَة من النساء ومدمن الخمر". نطقوا يا رسول الله: أما مدمن الخمر فقد عهدناه، فما الديوث،يا ترى؟ نطق: "الذي لا يبالي من ولج على أهله" قلنا: فما الرجلة من النساء،يا ترى؟ نطق : "التي تشبه بالرجال"..

- عن أبي هريرة : حتى رسول الله نطق: ((المؤمن يغار، والله أشد غيرًا)).

- وعن أبي هريرة أيضًا: حتى النبي نطق: ((إن الله تعالى يغار، وغيرة الله حتى يأتي المؤمن ما حرم الله عليه)) .

(معناه: حتى الله يغار إذا انتهكت محارمه، وليس انتهاك المحارم هوغيرة الله؛ لأن انتهاك المحارم عمل العبد، ووقوع ذلك من المؤمن أعظم من وقوعه من غيره. وغيرة الله تعالى من جنس صفاته التي يختص بها، فهي ليست مماثلة لغيرة المخلوق، بل هي صفة تليق بعظمته، مثل الغضب، والرضا، ونحوذلك من خصائصه التي لا يشاركه الخلق فيها).

أقوال الفهماء عن الغيرة

- ونطق أبوالأسود لابنته: «إياك والغَيْرة فإنها مفتاح الطلاق، وعليك بالزينة، وأزين الزينة الكحل؛ وعليك بالطيب، وأطيب الطيب إسباغ الوضوء»

- نطق إسماعيل بن خارجة الفزاري وهويوصي ابنته: «وإياك والغيرة؛ فإنها مفتاح الطلاق».

- كان علي بن أبي طالب يقول: (لا تكثر الغَيْرة على أهلك فتُرمى بالسوء من أجلك) .

- ونطق الراغب الأصفهاني عن الغيرة: (جعل اللَّه سبحانه هذه القوة في الإنسان سببًا لصيانة الماء وحفظًا للإنسان، ولذلك قيل: كلُّ أمة وضعت الغَيْرة في رجالها وضعت العفة في نسائها، وقد يستعمل ذلك في صيانة جميع ما يلزم الإنسان صيانته).

- ونطق ابن القيم: (إن أصل الدين الغَيْرة، ومن لا غيرة له لا دين له، فالغَيْرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدم الغَيْرة تميت القلب، فتموت له الجوارح؛ فلا يبقى عندها دفع البتة، ومثل الغَيْرة في القلب مثل القوة التي تدفع السقم وتقاومه، فإذا مضىت القوة عثر الداء المحل قابلًا، ولم يجد دافعًا، فتمكَّن، فكان الهلاك، ومثلها مثل صياصي الجاموس التي تدفع بها عن نفسه وولده، فإذا تكسرت طمع فيها عدوه).

- ونطق ابن القيم أيضا: (ومن عقوبات الذنوب: أنها تطفئ من القلب نار الغَيْرة، التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن؛ فالغَيْرة حرارته وناره التي تُخرج ما فيه من الخبث، والصفات المذمومة). ويقول: (حدثا اشتدت ملابسته للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه وأهله وعموم الناس، وقد تضعف في القلب جدا حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيره).

أقوال الشعراء عن الغيرة

وكان أحد شعراء العرب في الجاهلية مشهور عنه بالغيرة الشديدة وكان أصحابه يحذرونه منها فلما تزوج كان يسير هووزوجته في الطريق فرأى رجلاً ينظر إلى زوجته فطلقها، ثم تعرض للوم من أصحابه فنطق لهم

سأهجر حبها من غير بغض		ولكن لكثرة الشركاء فيه
إذا سقط الذباب على طعام		حملت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأُسُود ورود ماء		إذا كان الكلاب وَلَغْنَ فيه

- ونطق الخريمي :

ما أحسنَ الغَيْرةَ في حينِها		وأقبحَ الغَيْرةَ في كلِّ حينِ
من لم يزلْ متهمًا عرسَه		مناصبًا فيها لريبِ الظُّنونِ
أوشك حتى يُغريَها بالذي		يخاف حتى يبرزها للعيونِ
حسبك من تحصينها وضعُها		منك إلى عِرض سليم ودينِ
لا تطَّلع منك على ريبة		فيتبعَ المقرونُ حبلَ القرينِ

- ونطق آخر:

أغارُ عليك مِن نفسي ومني		ومنك ومِن مكانِك والزمانِ
ولوأني خبَأتُك في عيوني		إلى يومِ القيامةِ ما كفاني

أقسام الغيرة

قسَّم ابن القيم الغَيْرة إلى نوعين: غيرة للمحبوب، وغيرة عليه.

1- فأما الغَيْرة له: فهي الحمية له، والغضب له، إذا استهين بحقه وانتقصت حرمته، وناله مكروه من عدوه؛ فيغضب له المحب ويحمى، وتأخذه الغَيْرة له بالمبادرة إلى التغيير، ومحاربة من آذاه، فهذه غيرة المحبين حقًّا، وهي من غيرة الرسل وأتباعهم لله ممن أشرك به، واستحلَّ محارمه، وعصى أمره، وهذه الغَيْرة هي التي تحمل على بذل نفس المحب وماله وعرضه لمحبوبه؛ حتى يزول ما يكرهه، فهويغار لمحبوبه حتى تكون فيه صفة يكرهها محبوبه ويمقته عليها، أويعمل ما يبغضه عليه، ثم يغار له بعد ذلك حتىقد يكون في غيره صفة يكرهها ويبغضها، والدين كله في هذه الغَيْرة، بل هي الدين، وما جاهد مؤمن نفسه وعدوه، ولا أمر بمعروف ولا نهى عن منكر إلا بهذه الغَيْرة، ومتى خلت من القلب خلا من الدين؛ فالمؤمن يغار لربه من نفسه ومن غيره إذا لم يكن له كما يحبُّ، والغَيْرة تصفي القلب، وتخرج خبثه كما يخرج الكير خبث الحديد.

2- وأما الغَيْرة عليه: أنفة المحب وحميته حتى يشاركه في محبوبه غيره. وهذه أيضًا نوعان: غيرة المحب حتى يشاركه غيره في محبوبه، وغيرة المحبوب على محبه حتى يحب معه غيره).

أنواع الغيرة

نطق ابن القيم: (وغيرة العبد على محبوبه نوعان:

1- غيرة ممدوحة يحبها الله. 2- وغيرة مذمومة يكرهها الله.

فالتي يحبها الله: حتى يغار عند قيام الريبة. والتي يكرهها: حتى يغار من غير ريبة، بل من مجرد سوء الظن، وهذه الغَيْرة تفسد المحبة، وتسقط العداوة بين المحب ومحبوبه. وفي المسند وغيره عنه نطق: ((الغَيْرة غيرتان: فغيرة يحبها الله، وأخرى يكرهها الله، قلنا يا رسول الله : ما الغَيْرة التي يحب الله،يا ترى؟ نطق: حتى تؤتى معاصيه، أوتنتهك محارمه، قلنا: فما الغَيْرة التي يكره الله،يا ترى؟ نطق: غيرة أحدكم في غير كنهه))..

(وكما يجب على الرجل حتى يغار على زوجته وعرضه؛ فإنه يطلب منه الاعتدال في الغَيْرة، فلا يبالغ فيها حتى يسيء الظن بزوجته، ولا يسرف في تقصي حركاتها وسكناتها؛ لئلا ينقلب البيت نارًا، وإنما يصح ذلك إذا بدت مسببات حقيقية تستدعي الريبة). وقد نهى النبي حتى يطرق الرجل أهله ليلًا يتخونهم، ويطلب عثراتهم.

أسباب الغيرة المذمومة وعلاجها

ويمكن إجمال مسببات الغَيْرة المذمومة في ضعف الإيمان، ووسوسة الشيطان، وما يعتري القلب من أمراض إلى غير ذلك. ويترتب على هذه الغيرة المذمومة أمور منها: الوقوع في الغيبة والتلبس بالسخرية، وهجر بذل الخير للآخرين، السعي في الإضرار بالغير، ومعاداة أقارب الزوج وهضم حقوقهم، والحسد، والحقد، والسحر، والتجسس، والآلام النفسية، والأمراض البدنية، والاحتيال والكيد، والقتل، وقد تصل الغيرة المذمومة بصاحبها إلى الكفر والعياذ بالله. وتتلخص معالجة الغيرة المذمومة في تقوى الله تعالى، ومطالعة الأجر العظيم للصابرين، وإحسان الظن، والقناعة، والبعد عن مجالس السوء، وذكر الموت وتقوية الإيمان باليوم الآخر، والنادىء، وفي الحديث أنَّ النبي نطق لأمِّ سلمة لما ذكرت من غيرتها: ((وأدعوالله حتى يمضى بالغَيْرة)).

المصادر

^ ((الكليات)) لأبي البقاء الكفوي (ص 671).
^ ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص 347).
^ ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/401)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص 232)
^ (رواه أبوداود).
^ ((نيل الأوطار)) (7/287).
^ الغيرة خلق الكرام، الشبكة الإسلامية نسخة محفوظة 12 يونيو2008 على مسقط واي باك مشين.
^ رواه مسلم ( 2761).
^ رواه البخاري ( 5223)
^ ((شرح كتاب التوحيد من سليم البخاري)) لعبد الله الغنيمان (1/335).
^ ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (4/76)
^ ((أدب النساء الموسوم بكتاب العناية والنهاية)) لعبد الملك بن حَبِيب القرطبي (164).
^ ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (2/46).
^ ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص 347).
^ ((الجواب الكافي)) (ص 68).
^ ((الجواب الكافي)) (ص 66).
^ جريدة الرياض^{[وصلة مكسورة]}نسخة محفوظة 2 يناير 2012 على مسقط واي باك مشين.
^ ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة (9/148).
^ ((المستطرف)) للأبشيهي (ص 433).
^ (روضة المحبين ونزهة المشتاقين)) لابن قيم (ص 347).
^ رواه الخرائطي في ((اعتلال القلوب)) (717).
^ ((روضة المحبين)) (ص 297).
^ ((خلق المؤمن)) لمصطفى مراد (ص 109).
^ رواه البخاري (1801) ومسلم ( 715) واللفظ له.
^ رواه مسلم ( 918).