براكلسوس

عودة للموسوعة

براكِلْسوس (باللاتينية: Paracelsus) كان كيميائياً وطبيباً ومنجماً وساحراً عاماً من عصر النهضة. إسمه «فيليپوس ثيوفراستوس أوريولوس بومباستوس فون هوهنهايم» ولد في 11 نوفمبر أو17 ديسمبر 1493 في أينسيدلن، سويسرا – توفي في 24 سبتمبر 1541 في زالتسبورغ، النمسا) كان اسمه عند ولادته كان فيليپ فون هوهنهايم، لاحقاً اتخذ الاسم فيليپوس ثيوفراستوس أوريولوس بومباستوس فون هوهنهايم، ثم لاحقاً أيضاً اتخذ اللقب براكلسوس، وتعني "مساوي أوأعظم من أولوس كورنليوس سلسوس"، الموسوعي الروماني من القرن الأول والذي اشتهر بعمله الهام في الطب. يُنسب إليه فضل إطلاق "زنك". ويعتبر من أول علام فهم النبات.

( كان للأسم الأصلي لهذا الطبيب الفذّ رنة رائعة - ثيوفراس بومباستوس فون هوهنهايم ، تفهم الطب على نفسه ، وبصورة عامة من خلال مراقبة الناس من مختلف مرافق الحياة ، وما يشكون من آلام ، ولاحظ شيئاً واحداً وهوحتى الأمراض ليست بالضرورة نتيجة أنهيار للحالة العامة للجسم ، أوأخلاطه ، فإن لها أسباباً معيّنة ، ولذا ينبغي العمل على شفائها بمعالجات محددة ، وكان براكلسوس يعتقد كذلك بالقيمة الشفائية للحمّامات الساخنة التي تضاف إلى مياهها المواد الكيميائية) .

سيرته

كان فيليبوس ثيوفراستوس بومباستوس فون هوهنايم يتخذ له اسم أوريولوس رمزاً لنبوغه، واسم براكلسوس-وهوعلى الأرجح ترجمة لاتينية للقب هوهنايم(71). وكان أبوه فلهلم بومباست فون هوهنايم ابناً غير شرعي لنبيل سوابي حاد الطبع. ولما هجر فلهلم ليدبر شئونه بنفسه، مارس الطب بين فقراء القرويين قرب أينزيدلن في سويسرا، وتزوج من إلزا أوخسنر، وكانت بنت صاحب حانة ومسقمة مساعدة، وقد أصيبت بعد قليل بحالة اكتئاب جنوني. وربما كان تضارب هذا النسب سبباً في ميل فيليب إلى عدم الاستقرار، وإلى إحساس ساخط بقدرات لم ترعها ببيئته رعاية كافية. وقد ولدفي 1493 وشب وسط سقمى أبيه، وربما في ألفة في الحانات غير صالحة له، تلك الحانات التي ظلت حياتها الطليقة تستهويه على الدوام. وتزعم سيرة غير مؤكدة حتى الصبي خصاه خنزير بري أوجنود مخمورون.

ولم يعهد حتى امرأة ظهرت في حياته بعد البلوغ. وحين كان في التاسعة أغرقت أمه نفسها، ولعل هذا هوالسبب في رحيل الوالد والولد إلى فيلاخ بالتيرول. وتقول رواية متواترة حتى فلهلم كان يقوم بالتدريس هناك في مدرسة للمناجم ويشتغل بالكيمياء القديمة على سبيل الهواية. ولا بد أنه كان مناجم بقرب المدينة ومصنع لصهر المعادن، ومن المحتمل حتىقد يكون فيليب قد تفهم هناك طرفاً من الكيمياء التي سيحدث فيها ثورة في دنيا العلاج.

ولما بلغ الرابعة عشرة قصد هايدلبرغ للدراسة. وتكشف طبعه القلق في انتنطقه السريع من جامعة لأخرى - فرايبورغ، وإنجولشتات، وكولونيا، وتوبنجن، وفينا، وإرفورت، وأخيراً (1513-15) فيرارا -ولوحتى هذا التنقل بين دور الفهم كان مألوفاً في العصور الوسطى. وفي عام 1515، التحق فيليب-وقد سمى نفسه الآن براكلسوس-حلاقاً صحياً في جيش شارل الأول ملك أسبانيا، دون حتى يحصل على درجة جامعية. فلما انتهت الحملة عاد إلى حياة الترحل. وهويزعم أنه مارس الطب في غرناطة، ولشبونة، وإنجلترا، والدانمرك، وبروسيا وبولندا، ولتوانيا، والمجر، و"غيرها من الأقطار"(72) وكان في زالتسبورغ إبان حرب الفلاحين عام 1525، وعالج جروحهم وتعاطف مع أهدافهم. وقد ولع حيناً بالاشتراكية، فهويندد بالمال، والفائدة، والتجار، ويدعوللشيوعية في الأرض والتجارة، وللمساواة بين الناس في الأجور(73). وفي كتابه الأول المسمى "Archidoxa" (أي الحكمة العظمى-1524) رفض اللاهوت وامتدح التجربة الفهمية(74). ولما قبض عليه بعد إخفاق ثورة الفلاحين، أنقذته من حبل المشنقة شهادة بأنه لم يحمل سلاحاً قط، ولكنه نفي من زالتسبورغ، فغادرها على عجل.

وفي عام 1527 كان في ستراسبورج يمارس الجراحة ويحاضر الحلاقين الصحيين، وكان تعليمه لهم مزيجاً مهوشاً من المعقول وغير المعقول، ومن السحر والطب-ولوحتى الله وحده يفهم كيف من الممكن أن سيصف المستقبل بقينياتنا الحاضرة. وقد رفض التنجيم، ثم سلم به، وكان يأبى حتى يحقن مريضاً بحقنة شرجية ما لم يكن القمر في تربيعه السليم. وكان يسخر من عصا الكهانة، ولكنه زعم أنه أحال المعادن مضىاً(75). وإذ كان-كأجريبا في شبابه-يحدوه تعطش للفهم فقد درس في شوق عن "حجر الفلاسفة"-أي عن صيغة عامة تفسر الكون. وخط في سذاجة المصدق عن الأقزام الخرافية، وسلامندر الأسبستوس، و"الإرشادات"، وهي علاج الأعضاء المريضة بعقاقير شبيهة بها لوناً وشكلاً. ولم يستنكف من استخدام التعاويذ والتمائم السحرية علاجاً(76)-ربما بوصفها طباً إيحائياً. ولكن هذا الرجل نفسه، الذي ينضح بأوهام جيله، أدخل تحسينات جريئة على استخدام الكيمياء في الطب. وكان يتحدث أحياناً حديث الماديين "إن الإنسان مشتق من المادة، والمادة هي الكون كله"(77). والإنسان بالنسبة للكون كالعالم الصغير (الميكروكوزم) بالنسبة للعالم الكبير (الماكروكوزم)" وكلاهما من نفس العناصر-وأساسهما الأملاح، والكبريت، والزئبق؛ والمعادن والأملاح المعدنية التي تبدوعديمة الحياة هي في الواقع مفعمة بالحياة(78). والعلاج الكيمياوي هواستخدام العالم الكبير لشفاء العالم الصغير. والإنسان من حيث بدنه مركب كيميائي، والسقم تنافر، لا في "الأمزجة" كما زعم جالينوس، بل في مكونات البدن الكيميائية؛ وهذه أول نظرية حديثة للأيض أوالتمثيل الغذائي. وكان العلاج في ذلك العهد يعتمد في عقاقيره إلى حد كبير على عالم النبات والحيوان، أما براكلسوس، الغارق في كيميائه القديمة، فقد أكد ما للمواد غير العضوية من قدرات علاجية. وجعل الزئبق، والرصاص، والكبريت، والحديد، والزرنيخ، وكبريتات النحاس، وكبريتات البوتاسيوم، أجزاء من أقرباذينه، وأشاع استعمال الصبغات والخلاصات الكيميائية، وكان أول من خلق "صبغة الأفيون" التي نسميها اللودنوم. وقد شجع استعمال الحمامات المعدنية، وشرح خواصها وآثارها المتنوعة.

اسهاماته في فهم السموم

لاحظ بارسيلسوس العوامل المهنية والجغرافية المؤثرة في السقم، ودرس السل الرئوي المتليف في المعدنين، وكان من أول من ربط بين القماءة والغوطر المتوطن. وأدخل تحسينات على فهم الصرع، وعزا الشلل واضطرابات النطق إلى إصابات الرأس. ومع حتى الفكرة المسلم بها عموماً في ذلك العصر عن النقرس والتهاب المفاصل هي أنهما رفيقان للشيخوخة لا شفاء منهما، فإن بارسيلسوس رأى أنهما قابلان للشفاء إذ شخصا على نتيجة لأحماض تكونها بقايا الطعام التي استغرقت طويلاً في القولون. نطق "كل الأمراض يمكن ردها إلى تخثر المادة غير المهضومة في الأمعاء"(79). وقد أطلق على هذه الأحماض الناشئة عن التعفن المعوي اسم "الطرطير" لأن رواسبها في المفاصل، والعضلات، والكلى، والمثانة "تحرق كالجحيم، وطرطروس هي الجحيم"(80). "إن الأطباء يفاخرون بمعهدتهم بالتشريح، ولكنهم عاجزون عن رؤية "الطرطير" اللاصق بأسنانهم"(81). وعلق هذا المعنى بالحدثة الجديدة. واقترح وقف تكون هذه الرواسب في الجسم بالغذاء الصحي، والمقويات، وتحسين الإخراج، وحاول "تليين" الرواسب باستعمال زيت الغار ومركبات الراتنج، أما الحالات الشديدة فقد نادى فيها إلى الجراحة حتى يسمح للرواسب الملتصقة بالهروب أوتتاح إزالتها. وقد زعم أنه شفى كثيراً من حالات النقرس بهذه الوسائل، ويعتقد بعض الأطباء في عصرنا هذا أنهم شفوا سقمى بإتباع تشخيص براكلسوس.

ووصلت إلى بال أنباء طرق العلاج التي توصل إليها بارسيلسوس في ستراسبورج. وكان المصور الشهير فروبن يشكوهناك ألماً حاداً في قدمه اليمنى، فأشار الأطباء ببتر القدم. ونادى فروبن براكلسوس إلى بال ليشخص الحالة. واتى براكلسوس، ووفق في علاجها دون الالتاتى إلى السلاح. واستشار أرزمس براكلسوس، وكان يومها يعيش مع فروبن ويشكوأوجاعاً كثيرة، فوصف له علاجاً لا ندري مدى توفيقه فيه. على أية حال أضاف هؤلاء السقمى المشهورون شهرة جديدة إلى شهرة الطبيب الشاب، وقربه خليط غريب من الظروف من منصب الأستاذ الجامعي الذي كانت تهفوإليه نفسه.

كان البروتستنت فيتلك الحقبة أغلبية في مجلس مدينة بال، ففصلوا الدكتور فونيكر طبيب المدينة على الرغم من اعتراضات أرزمس والأقلية الكاثوليكية، بحجة أنه "تفوه بعبارات جديدة ضد الإصلاح البروتستنتي"(82) وعينوا براكلسوس مكانه وافترض المجلس وبراكلسوس حتى هذا التعيين يتضمن حقه في التدريس في الجامعة، ولكن الكلية استنكرت التعيين واقترحت عقد امتحان علني لبراكلسوس في التشريح وهي على بينة من ضعفه فيه. فتهرب من الاختبار، وبدأ يمارس مهنته طبيباً بالمدينة، ويحاضر في قاعة خاصة دون موافقة الجامعة (1527). وقد جمع إليه الطلاب بدعوة مميزة لخلقه هذا نصها:-

"من ثيوفراستوس بومباست فون هونهايم، الدكتور في فرعي الطب، والأستاذ، تحيات لطلبة الطب. إذا الطب وحده دون جميع العلوم... هوالمعترف به صناعة مقدسة. ومع ذلك فإن قلة من الأطباء يمارسونه اليوم بنجاح، ومن ثم فقد حان الوقت لرده إلى مكانه المرموق السابق، ولتنقيته من خميرة الهمج، وتطهيره من أخطائهم. وسنقوم بهذه المهمة، لا بالتزام قواعد الأقدمين، بل بشيء واحد دون سواه هودراسة الطبيعة واستخدام الخبرة التي اكتسبناها خلال سنوات طويلة من الاشتغال بالطب. ومن ذا الذي يهل حتى معظم الأطباء المعاصرين يفشلون لأنهم استعبدوا أنفسهم لتعاليم ابن سينا وجالينوس وأبقراط؟... وقد يفضي بهم هذا الطريق إلى ألقاب فخمة، ولكنه لا يكوّن طبيباً بمعنى الحدثة... فليس الطبيب في حاجة إلى الفصاحة أوالإلمام باللغة أوالخط.... بل إلى الفهم العميقة بالطبيعة وأعمالها...

ولقد اعتزمت، بفضل المنحة السخية التي قدمها سادة بال لهذا الغرض، حتى أشرح الخط الدراسية التي ألفتها في الجراحة وفهم الأمراض، مخصصاً لذلك ساعتين في جميع يوم، على سبيل التمهيد لطرق الشفاء التي أمارسها. وأنا لا أصنف هذه الخط من مختارات أنقلها عن أبقراط أوجالينوس. ولكنني بطول الكد والكدح خلقتها من حديث على أسس من الخبرة، التي هي اسمي مفهم لجميع الأمور. فإذا شئت إثبات شيء ما أعمل هذا بالنقل عن هؤلاء القدامى، بل بالتجربة والتفكير المبني عليها. فإن شعرت أيها القارئ العزيز بدافع يدفعك إلى استكناه هذه الخفايا المقدسة، وإن شئت حتى تسبر أغوار الطب في زمن وجيز، فأقبل إلى في بال... بال فيخمسة يونيو1527"(83).

وسجل ثلاثون طالباً أسماءهم في هذه الدراسة. وفي يوم الافتتاح طلع بارسيلسوس في الرداء الجامعي المألوف، ولكنه خلعه عنه لتوه، ووقف في ثوب الكيميائي الخشن ومئزرته الجلدية المتسخة بالسناج. وقد أقلى محاضرته في الطب مكتوبة بلاتينية أعدها له سكرتيره أوبورينوس (الذي طبع في تاريخ لاحق كتاب فيساليوس "فابريكا"، أما محاضرات الجراحة فألقاها بالألمانية. وكانت هذه صدمة جديدة للأطباء التقليديين، ولكنها لم تزعجهم بقدر ما أزعجهم رأي باراسيلوس وهو"أنه يجب ألا يؤدي الصيدلي عمله متواطئاً مع أي طبيب"(84). وكأنه أراد حتى يعلن على الملأ ازدراءه للطب التقليدي، فقذف في النار وهومبتهج بنص طبي حديث لعله Summa Jacobii-وكان الطلاب قد أوقدوا النار احتفالاً بعيد القديس يوحنا (24 يونيو1527)، ثم نطق "لقد ألقيت في نار القديس يوحنا "بخلاصة" الخط، حتى تصعد جميع المحن والبلايا في الهواء مع الدخان. إلى غير ذلك طهرت مملكة الطب من أدرانها". وقارن الناس بين هذه الحركة وبين إحراق لوثر لمرسوم أصدره البابا.

أما حياة براكلسوس في بال فكانت خارجة على العهد خروج محاضراته. يقول أوبورينوس "لقد أنفق العامين اللذين صحبته خلالهما في السكر والشره ليل نهار... وكان متلافاً، تأتي عليه أوقات لا يجد في جيبه فيها فلساً... وكان في جميع شهر يوصي بصنع سترة جديدة، ويعطي القديمة لأول قادم، ولكنها كانت من القذارة بحيث لم أتمن قط سترة منها لنفسي(86)" وقد هجر لنا هنريش بولينجر وصفاً لبراكلسوس مماثلاً لهذا، فهومدمن للخمر، "ورجل في منتهى القذارة(87)" ولكن أوبورينوس يشهد بحالات عجيبة من الشفاء حققها أستاذه، "في علاج القرح أتى بما يقرب من المعجزات في حالات يئس منها غيره"(88).

أما رجال الطب فقد برئوا منه دجالاً عاطلاً من الدرجة الجامعية، مجرباً مستهتراً، عاجزاً عن تشريح الجثث، جاهلاً بفهم التشريح. أما هوفقد عارض التشريح بحجة حتى الأعضاء لا يمكن فهمها إلا وهي تؤدي وظيفتها في الجسم الحي أداءً متحداً طبيعياً. ورد على احتقار الأطباء له بلغة سوقية غاية في المرح. فسخر من وصفاتهم الوحشية، وقمصانهم الحريرية، وخواتمهم، وقفازاتهم الناعمة، ومشيتهم المتغطرسة، وتحداهم حتى يخرجوا من حجرات الدرس إلى المعمل الكيميائي، وأن يرتدوا المآزر، ويوسخوا أيديهم بالعناصر الكيميائية وينحنوا فوق الأفران ليتفهموا أسرار الطبيعة بالتجربة وعرق الجبين. وقد عوض عن افتقاره إلى الدرجة الجامعة باتخاذ ألقاب مثل "أمير الفلسفة والطب" و"دكتور في فرعي الطب" (أي طبيب وجراح)، و"ناشر الفلسفة"، وداوى جراح غروره بالثقة في نادىواه. خط يقول "سيتبعني الجميع، وستكون مملكة الطب مملكتي... جميع الجامعات وكل الكتاب القدامى مجتمعين أقل مواهب من..."(89). وإذ ألفى نفسه مرفوضاً من الغير، فقد اتخذ لنفسه هذه الحكمة شعاراً "لا يملكنك أحد إذا استطعت حتى تملك نفسك"(90). أما التاريخ فقد وبخ تفاخره، إذ جعل لقب أسرته "بومباست" اسماً نكرة (بمعنى الفشر).

وحدث حتى ظريفاً مجهول الاسم في بال-متواطئاً مع كلية الجامعة، أوفي تمرد عفوي من الطلبة على مدرس دجماطي-خط قصيدة هجائية لاذعة وعرضها في مكان ظاهر، والقصيدة باللاتينية الرديئة، توهم حتى جالينوس نفسه هوالذي خطها من "الجحيم" يرد بها على منتقص قدره، وقد سماه كاكوفراستوس-خطيب الروث. وهزأت الأبيات هزءاً شديداً بمصطلحات براكلسوس الغيبية، ونعتته بالجنون، وأشارت عليه بأن يشنق نفسه. وحاول براكلسوس حتى يعثر على الجاني ففشل، لذلك طلب إلى مجلس المدينة حتى يستجوب الطلاب واحداً واحداً ويعاقب المذنب. ولكن المجلس تجاهل الطلب. وحوالي هذه الفترة عرض قسيس في كاتدرائية بال حتى يدفع مائة "جلدر" لمن يشفيه من سقمه، وشفاه براكلسوس في ثلاثة أيام، ودفع له القسيس ستة جلدرات، وأبى حتى يدفع الباقي بحجة حتى العلاج لم يسغرق سوى وقت قصير جداً. فقاضاه براكلسوس، ولكنه خسر دعواه، وخسر معها هدوء طبعه، فرمى نقاده بأنهم "غشاشون حكاكون للظهور"، ونشر نبذة غفلاً من اسم الكتاب رمى فيها رجال الدين والقضاء بالفساد؛ وأمر المجلس بالقبض عليه، ولكنه أجل تطبيق الأمر حتى الصباح. وهرب براكلسوس تحت جنح الظلام (1518)، بعد حتى قضى في بال ثمانية شهور.

وفي نورمبرج أعاد باختصار تجربته في بال. وكل إليه آباء المدينة مستشفى سجن، فاستخدم ألواناً من العلاج أثارت الإعجاب. ولكنه ندد بحساده من أطباء المدينة لافتقارهم إلى الذمة، ولثرائهم، ولبدانة نسائهم. ثم دافع عن الكاثوليكية حين لاحظ حتى أغلب أعضاء المجلس من البروتستنت. وانزعج آل فوجير الذين يبيعون الغويقم حين زعم حتى هذا "الخشب المقدس" عديم الجدوى في علاج الزهري. وفي عام 1530 أغرى طباعاً مغموراً بأن ينشر "ثلاثة فصول عن السقم النفسي" عنف فيها الأطباء تعنيفاً أثار عليه عاصفة من المعارضة أكرهته على حتى يعود إلى تجواله من جديد. وأراد حتى ينشر كتاباً أكبر في الموضوع ذاته، ولكن مجلس المدينة منع طبعه. ودافع براكلسوس في خطاب خطه إلى المجلس عن حرية الطبع بفصاحة لم تغنه فتيلاً، ولم ير الكتاب النور قط في حياته. وكان يحتوي على أفضل وصف إكلينيكي خط عن سقم الزهري، وقد أشار باستعمال جرعات باطنية من الزئبق دون الاستعمالات الظاهرة له. وأصبح هذا السقم ساحة احتدمت فيها المعركة بين العلاج النباتي والعلاج الكيميائي.

وانتقل براكلسوس إلى سان- جال، وسكن نصف عام منزل أحد سقماه. وهناك وفي فترة لاحقة ألف خطه "العمل العجيب جداً" و"معارضة الطبيعة؟" و"الجراحة الكبرى"، وكلها بالألمانية الدارجة. وهي أكوام من الخامات الخشنة التي تعثر أحياناً على حجر كريم في ثناياها. وفي عام 1543 انتكس إلى السحر، وألف كتابه Philosophia sagax وهوخلاصة وافية في السحر. ولما توفي مريضه في سان- جال راح يضرب في الأرض من جديد، متنقلاً بين ربوع ألمانيا، مستجدياً قوته أحياناً. وكان قد فاه في شبابه ببعض الهرطقات الدينية- كقوله إذا دلالة العماد رمزية لا أكثر، وإن تناول الأسرار المقدسة نافع للأطفال والمغفلين، عديم الفائدة للأذكياء، وإن الصلوات للقديسين مضيعة للوقت(91). أما الآن (1532)، بعد حتى هدّه الفقر والهزيمة، فقد اختبر "التحول" الديني. فصام، ووهب متاعه الباقي للفقراء، وخط الموضوعات التعبدية، وعزى نفسه بآمال الجنة. وفي عام 1540 قدم له أسقف زالتسبورغ الملجأ، فقبله الرجل شاكراً، مع أنه هوالذي شجع الثورة هناك قبل خمسة عشر عاماً. وخط وصيته، فهجر نقوده القليلة لأقاربه، وأدواته لحلاقي المدينة الصحيين، وفي 24 سبتمبر 1541 أسلم جسده للتراب. لقد كان رجلاً قهرته عبقريته، غنياً في الخبرة المنوعة والأحاسيس الذكية، ناقصاً في تعليمه المدرسي نقصاً أعجزه عن فصل الفهم عن السحر، مفتقراً إلى ضبط النفس اللازم للسيطرة على حماسته المتأججة، حاد الخصومة بحيث لم يستطع التأثير في جيله. ولعل حياته وحياة أجريبا أعانتا على تضخيم أسطورة فاوست. وإلى القرن الماضي كان يحج إلى قبره في زالتسبورغ ضحايا وباء تفشي في النمسا والأمل يراودهم في الشفاء بسحر روحه أوبسحر رفاقه(92).

المصادر

  1. ^ المخطة الرقمية العالمية نسخة محفوظة 07 يوليو2018 على مسقط واي باك مشين.
  • ^ Read, J. Through Alchemy to Chemistry. Bell and Sons; London; 1961
  • ^ Habashi, Fathi. Discovering the 8th metal (PDF), International Zinc Association..
  • ^ Hefner Alan G. Paracelsus.
  • After Hippocrates, Monday, Feb. 03, 1941, Time, http://www.time.com/time/magazine/article/0,9171,765225-1,00.html
  • ول ديورانت; أرييل ديورانت. سيرة الحضارة، ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
  • صانعوالتاريخ - سمير شيخاني .
تاريخ النشر: 2020-06-02 01:17:43
التصنيفات: مواليد 1493, وفيات 1541, أشخاص من اينسيديلن (سويسرا), باراسيلسوس, خريجو جامعة فيرارا, خيميائيون سويسريون, خيميائيون في القرن 16, صوفيون مسيحيون, علماء القرن 16, علماء سموم سويسريون, غموضيون في القرن 16, فلاسفة طبيعيون, فلكيون سويسريون, كتاب باللغة اللاتينية في القرن 16, كتاب سويسريون في القرن 16, كتاب غير روائيين سويسريون, كيميائيون سويسريون, منجمون سويسريون, منجمون في القرن 16, مواليد 1541, وفيات في زالتسبورغ, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, مقالات تحتوي نصا بالألمانية, صفحات تستخدم خاصية P1559, صفحات بها بيانات ويكي بيانات, صور كما في ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P1477, مواليد 10 نوفمبر, صفحات تستخدم خاصية P19, صفحات تستخدم خاصية P27, صفحات تستخدم خاصية P106, صفحات تستخدم خاصية P103, صفحات تستخدم خاصية P1412, صفحات تستخدم خاصية P101, صفحات تستخدم خاصية P108, صفحات تستخدم قالب:صندوق معلومات شخص مع وسائط غير معروفة, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات, بوابة فلسفة/مقالات متعلقة, بوابة أعلام/مقالات متعلقة, بوابة سويسرا/مقالات متعلقة, بوابة الكيمياء/مقالات متعلقة, بوابة طب/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, صفحات تستخدم خاصية P214, صفحات تستخدم خاصية P1309, صفحات تستخدم خاصية P244, صفحات تستخدم خاصية P213, صفحات تستخدم خاصية P227, صفحات تستخدم خاصية P906, صفحات تستخدم خاصية P268, صفحات تستخدم خاصية P1015, صفحات تستخدم خاصية P409, صفحات تستخدم خاصية P396

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

التنمية المحلية: تلقينا 78.5 ألف شكوى.. وتجمعات القمامة الأبرز

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:20:42
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 60%

اليوم .. مراجعة مادة اللغة الانجليزية لطلاب الصف الثاني الثانوي

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:20:48
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 60%

قرار جمهورى بالموافقة على اتفاق التعاون الفني مع ألمانيا

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:21:29
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 53%

مكونات النظام البيئي الرقمية مهمة للاقتصاديات النامية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:20:29
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 53%

إزالة العقارات المتعارضة مع توسعات الدائري بالبساتين

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:20:24
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

الخطيب يتسلم جائزة محمد بن راشد للإبداع الرياضي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:19:19
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 37%

رئيس الوزراء: آلية جديدة لإدارة وتشغيل المرافق بالعاصمة الإدارية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:22:40
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 60%

«قوى عاملة النواب»: منتدى شباب العالم بشرم الشيخ يؤكد استقرار الدولة

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:20:27
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 58%

رحيل المستشارة تهاني الجبالي.. حياة مهنية حافلة بالانجازات

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:20:52
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

أحزاب سنية ترشح الحلبوسي لرئاسة مجلس النواب العراقي لدورة ثانية

المصدر: TRTعربي - تركيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:18:09
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 74%

«جسد معافى».. «إنهاء قوائم الانتظار» تعيد الحياة لمئات المرضى مجانًا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:22:41
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 70%

«حياة كريمة.. التجربة المصرية لبناء الإنسان» بمنتدى شباب العالم

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:20:19
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 51%

الري: مواصلة العمل في مشروعات تأهيل الترع وتنمية شمال سيناء 

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:20:45
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

«ضرر مدفوع الثمن».. جلسات «البوتوكس» تحرق الشعر وتتُلف فروة الرأس

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:22:44
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 58%

وصول فرقة «نودولوفو» الأفريقية للمشاركة بمنتدى شباب العالم

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:20:35
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 53%

بالأسماء.. مصرع 5 وإصابة 8 في حادث «الصحراوي الغربي»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:22:45
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 64%

مسرح شباب العالم | نقطة تبادل الثقافات وتبادل الخبرات العالمية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-09 10:20:32
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

تحميل تطبيق المنصة العربية