جموع النمساويين تحيي القوات الألمانية النازية في فيينا
أحداث أدت إلى الحرب العالمية الثانية
العلاقات الدولية (1919-1939)
والتسلسل الزمني لما قبل الحرب العالمية الثانية
-وأسباب الحرب العالمية الثانية-
1919 معاهدة فرساي
1920 معاهدة تريانون
1920 معاهدة ربالو
1922 الزحف على روما
1923 حادثة كورفو
1923 احتلال حوض الرور
1923 الحرب الايطالية السنوسية الثانية
1925 كفاحي
1924 خطة دوز
1925 معاهدة لوكارنو
1927 الحرب الأهلية الصينية
1929 خطة يونغ
1929 الكساد الكبير
1931 الغزوالياباني لمنشوريا
1932 حادثة 28 يناير
1932-1934 مؤتمر نزع السلاح العالمي
1933 وصول النازية إلى السلطة في ألمانيا
1935 المعاهدة السوفيتية الفرنسية للمساعدة المتبادلة
1935 المعاهدة السوفيتية التشيكوسلوفاكية للمساعدة المتبادلة
1935 الحرب الإيطالية الإثيوبية الثانية
1935 إعادة تسليح راينلاند
1936 الحرب الأهلية الإسبانية
1936 حلف مناهضة الكومنترن
1937 الحرب اليابانية الصينية الثانية
مارس 1938 آنشلوس
1938 الحرب الألمانية التشيكوسلوفاكية غير المعلنة
1938 معاهدة ميونخ
نوفمبر 1938 منحة فيينا الأولى
مارس 1939 الاحتلال الألماني لتشيكوسلوفاكيا
1939 الإنذار الألماني لليتوانيا
مارس 1939 الحرب المجرية السلوفاكية
1939 التحالف العسكري الأنجلو-بولندي
1939 غزوألبانيا
1939 الإنذار الألماني لرومانيا
1939 المفاوضات السوفياتية البريطانية الفرنسية في موسكو
1939 ميثاق الصلب
1939 أزمة دانزيغ
مايو-سبتمبر 1939 معركة خالخين غول
أغسطس 1939 اتفاق مولوتوف-ريبنتروب
سبتمبر 1939 غزوبولندا

آنشلوس (بالألمانية: Anschluss  استمع) هي عملية عسكرية سلمية تم بموجبها ضم جمهورية النمسا إلى ألمانيا النازية على يد الحكومة النازية وذلك في 12 مارس 1938. لقي هذا الانضمام ترحيباً كبيراً من قبل غالبية النمساويين حينها وذلك في عهد مستشار النمسا أرتور زايس إنكفارت. وقد بقيت النمسا جزءاً من ألمانيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ضمن الساحة الأوروبيّة فيثمانية مايو1945.

كانت الحدثة الألمانية تُكتَب Anschluß، واستمر ذلك حتى الإصلاح الإملائي الألماني عام 1996، وكانت تُعهد أيضًا باسم «ضم النمسا» (بالألمانية: Anschluss Österreichs).

سُبِقت عملية الآنشلوس، بتأييد شعبي قوي لقيام الاتحاد بين البلدين من قِبل جميع الخلفيات -وليس فقط النازيين- في جميع من النمسا وألمانيا. شكلت الرغبة في الاتحاد جزءًا لا يتجزأ من الحركة النازية «العودة إلى الرايخ» (بالألمانية: Heim ins Reich) التي هدفت لحشد الألمان العرقيين خارج ألمانيا النازية ضمن ألمانيا الكبرى. في وقت سابق، قدمت ألمانيا النازية الدعم للحزب الوطني الاشتراكي النمساوي (الحزب النازي النمساوي) في محاولة منها لانتزاع السلطة من حكومة الجبهة الوطنية النمساوية.

بدأ ظهور فكرة الآنشلوس (وحدة النمسا وألمانيا التي ستشكل «ألمانيا العظمى») بعد استبعاد «حركة توحيد ألمانيا» للنمسا والنمساويين الألمان من الإمبراطورية الألمانية الواقعة تحت هيمنة بروسيا في عام 1871. في أعقاب نهاية الحرب العالمية الأولى ومع سقوط الإمبراطورية النمساوية المجرية، في عام 1918، حاولت جمهورية ألمانيا النمساوية المتشكلة حديثًا تكوين اتحاد مع ألمانيا، لكن منعت معاهدة سان جرمان (10 سبتمبر 1919) إلى جانب معاهدة فرساي (28 يونيو1919) تشكيل الاتحاد، ومنعت أيضًا الاستمرار باستخدام اسم «الدولة الألمانية النمساوية» (بالألمانية: Deutschösterreich) ؛ وجُرِّدت النمسا من بعض أراضيها، مثل إقليم السوديت (بالألمانية: Sudetenland).

خلفية تاريخية

شكَّلت فكرة حشد جميع الألمان ضمن دولة واحدة موضع نقاش في القرن التاسع عشر منذ تفكك الإمبراطورية الرومانية المقدسة في عام 1806 وحتى انهيار الاتحاد الألماني في عام 1866. أرادت النمسا الحل الألماني الكبير (بالألمانية: Großdeutsche Lösung)، حيث تتحد بموجبه الدول الألمانية تحت قيادة النمساويين الألمان (هابسبورغ). ضم هذا الحل جميع الدول الألمانية (بما في ذلك المناطق غير الألمانية من النمسا)، لكن وجب على بروسيا حتى تحتل المرتبة الثانية. سيطر هذا الجدل، الذي سُمِّي بالازدواجية، على الدبلوماسية النمساوية البروسية  وسياسة الولايات الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر.

في عام 1866، انتهى النزاع أخيرًا خلال الحرب الألمانية بهزيمة النمساويين على يد البروسيين الذين طردوا النمسا والنمساويين الألمان خارج ألمانيا. عمل السياسيّ المحنّك البروسي أوتوفون بسمارك على تشكيل الاتحاد الألماني الشمالي، الذي تضمن بقية الولايات الألمانية ووسَّع سلطة بروسيا. استخدم بسمارك الحرب الفرنسية البروسية (1870-1871) على أنها حجّة إقناع للولايات الألمانية الأخرى، بما في ذلك مملكة بافاريا، كي تتحالف مع بروسيا ضد الإمبراطورية الفرنسية الثانية. نتيجة الفوز السريع لبروسيا، حُسِمت المسألة وتشكلت القيصرية الألمانية «ألمانيا الصغرى (بالألمانية: Kleindeutsch)» في عام 1871 تحت قيادة بسمارك ومملكة بروسيا (مستبعدةً النمسا). بالإضافة إلى ضمان السيطرة البروسية على ألمانيا الموحدة، كان استبعاد النمسا كفيلًا بأن تتمتع ألمانيا بأغلبية بروتستانتية كبيرة.

نصَّت التسوية النمساوية المجرية لعام 1867،(تسوية آوسغلايش – بالألمانية: Ausgleich )، على سيادة مزدوجة للإمبراطورية النمساوية ومملكة المجر، تحت حكم الإمبراطور فرانتس يوزيف الأول. تضمن الحكم المجري النمساوي لهذه الإمبراطورية المتنوعة مجموعات عرقية مختلفة عديدة بما في ذلك الهنغاريين أوالمجريين، والمجموعات العرقية السلافية مثل الكروات والتشيك والبولنديين والروس والصرب والسلوفاك والسلوفينيين والأوكرانيين، والإيطاليين والرومانيين الذين حكمتهم أقليَّة ألمانية أيضًا. سببت الإمبراطورية توترات بين الجماعات العرقية المتنوعة. أظهر الكثير من عوام الألمان النمساويين الولاء لبسمارك ولألمانيا فقط، إذ ارتدوا رموزًا حُظِرت مؤقتًا في المدارس النمساوية ودعوا إلى حلّ الإمبراطورية للسماح بضم النمسا إلى ألمانيا. على الرغم من موافقة الكثير من النمساويين على أفكار الوحدة الألمانية، استمر الكثير منهم بإبداء ولائهم لمَلَكية هابسبورغ آملين حتى تظل النمسا دولة مستقلة. بعد حتى حاز النازيون على السلطة في ألمانيا في عام 1933، لجؤوا لاستخدام البروباغندا في محاولة لإجبار النمساويين على الدعوة إلى عملية ضم «آنشلوس» إلى الرايخ الألماني باستخدام شعارات مثل آين فولك، وآين رايخ، وآين فوهرر «شعب واحد، وإمبراطورية واحدة، وقائد واحد».

النمسا خلال الجمهورية النمساوية الأولى  1918–1934

بحلول نهاية الحرب العالمية الأولى، كان قد مضى على استبعاد النمسا من الشؤون الألمانية الداخلية أكثر من خمسين عامًا منذ صلح براغ الذي أنهى الحرب البروسية النمساوية لعام 1866.

أيّدت النخبة والرأي الشعبي في النمسا بعد عام 1918 بشدة قيام نوع من أنواع الاتحاد مع ألمانيا، لكن حُظِر ذلك صراحةً ضمن معاهدات السلام. انفصلت الإمبراطورية النمساوية المجرية في عام 1918، وفي 12 نوفمبر من ذلك العام، أعرب عن قيام الجمهورية الألمانية النمساوية. صاغت الجمعية الوطنية المؤقتة بصياغة دستور مؤقت نصَّ على حتى «دولة النمسا الألمانية تعتبر جمهورية ديمقراطية» (المادة 1) و«دولة النمسا الألمانية هي جزء من الجمهورية الألمانية» (المادة 2). حصدت الاستفتاءات الشعبية اللاحقة في ولايتي تيرول وسالزبورغ على الحدود الألمانية على أغلبية 98% و%99  (كمدينة فايمار) لصالح الاتحاد مع جمهورية ألمانيا.

إثر تداعيات الحظر المفروض على قيام الآنشلوس، أشار الألمان في جميع من النمسا وألمانيا إلى تناقض في مبدأ تقرير المصير الوطني كونه فشل في منح الألمان العرقيين (مثل النمساويين الألمان وألمان السوديت) الحق بتقرير المصير خارج الرايخ الألماني.

حظرت معاهدة فرساي ومعاهدة سان جرمان (جرى التوقيع عليهما في عام 1919) بشكل صريح الإدماج السياسي للنمسا في الدولة الألمانية. انتقد هذا الإجراءَ هوغوبروس، المسؤول عن صياغة دستور جمهورية فايمار الألمانية، الذي رأى حتى الحظر يتناقض مع مبدأ ويلسون في حق الشعوب بتقرير المصير، والذي يهدف إلى المساعدة بعملية إحلال السلام في أوروبا. بعد ما خلفته الحرب العالمية الأولى من دمار، كانت فرنسا وبريطانيا تخشيان قوة ألمانيا الكبرى وبدأتا بإضعاف الدولة الحالية.

لعبت الحركة الخصوصية (الانصرافية) النمساوية[المرجوالتوضيح] خاصة بين طبقة النبلاء، دورًا في صناعة القرارات؛ إذ اتَّبعت النمسا الرومانية الكاثوليكية، بينما هيمن البروتستانت على ألمانيا، وخاصة داخل الحكومة (إذ كان النبلاء البروسيون، مثلًا، لوثريين).

تضمن دستورا جمهورية فايمار والجمهورية النمساوية الأولى هدف التوحيد السياسي، الذي حظي بدعم واسع من الأحزاب الديمقراطية. في أوائل الثلاثينيات، سيطر الدعم الشعبي في النمسا للوحدة مع ألمانيا، ونظرت الحكومة النمساوية في اتحاد جمركي محتمل مع الجمهورية الألمانية في عام 1931.

ألمانيا النازية والنمسا

عندما اعتلى النازيون السلطة في جمهورية فايمار، بقيادة أدولف هتلر، انسحبت الحكومة النمساوية من العلاقات الاقتصادية. كان للنمسا نصيب من الاضطراب الاقتصادي لأزمة الكساد الاقتصادي الكبير، بارتفاع معدل البطالة، والتجارة والصناعة غير المستقرة. خلال عشرينيات القرن الماضي كانت النمسا هدفًا لرأس المال الاستثماري الألماني. بحلول عام 1937، زادت عملية إعادة تسلح الرايخ الثالث السريعة من اهتمام برلين بضم النمسا الغنية بالمواد الخام والقوى العاملة. زودت ألمانيا بالمغنيزيوم ومنتجات صناعات الحديد والنسيج والآلات. امتلكت احتياطي من المضى والعملات الأجنبية، والكثير من العمال المهرة العاطلين عن العمل، ومئات من المصانع الخاملة، والموارد المائية الضخمة ذات الإمكانات الكبيرة.

تشرّب هتلر، الألماني نمساوي المولد، أفكاره القومية الألمانية في سن مبكرة. أثناء اختراقه لحزب العمال الألماني (داب)، انخرط هتلر في جدال سياسي ساخن مع أحد الزائرين، البروفيسور باومان، الذي اقترح حتى تنفصل بافاريا عن بروسيا وأن تؤسس دولة ألمانية جنوبية جديدة مع النمسا. في مهاجمته الشديدة لحجج الرجل، هجر انطباعًا لدى أعضاء الحزب الآخرين بمهاراته الخطابية، ووفقًا لهتلر، غادر «البروفيسور» القاعة معترفًا بهزيمة قاطعة. معجبًا بهتلر، نادىه أنتون دريكسلر للانضمام إلى حزب العمال الألماني. وافق هتلر في 12 سبتمبر 1919، ليصبح العضورقم 55 في الحزب. بعد حتى أصبح زعيم حزب العمال الألماني، خاطب هتلر حشدًا في 24 فبراير 1920، وفي محاولة لجذب شرائح أوسع من السكان الألمان، أعيد تسمية حزب العمال الألماني باسم حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني (الحزب النازي) (NSDAP).

أعرب برنامج الاشتراكية القومية لعام 1920 بنده الأول، «نطالب بتوحيد جميع الألمان في ألمانيا الكبرى على أساس حق الشعب في تقرير المصير». ناقش هتلر في منطق عام 1921 بأن الرايخ الألماني تبنّى مهمة واحدة تمثّلت «بدمج عشرة ملايين ألماني نمساوي في الإمبراطورية وإزاحة عائلة هابسبورغ الحاكمة، التي تعتبر أتعس سلالة حاكمة على الإطلاق». سعى النازيون لتوحيد جميع الألمان ممن ولدوا أوعاشوا خارج الرايخ لإنشاء «الرايخ الألماني المطلق». خط هتلر في كتابه «كفاحي» (بالألمانية: Mein Kampf)(1925) أنه سينشئ اتحادًا بين مسقط رأسه النمسا وألمانيا بشتَّى الوسائل الممكنة.

هيمن الحزب الاشتراكي المسيحي الكاثوليكي القومي المناهض للآنشلوس (CS) في أواخر عشرينيات القرن الماضي على الجمهورية النمساوية الأولى التي تفكّكت تدريجيًا منذ عام 1933 (بحلّ البرلمان وفرض حظر على الاشتراكيين الوطنيين النمساويين) حتى عام 1934 (مع نشوب الحرب الأهلية النمساوية في فبراير وفرض حظر على جميع الأطراف المتبقية باستثناء حزب CS). تطورت الحكومة إلى حكومة نقابوية (تشاركية) مؤلفة من حزب واحد جمع بين الحزب الاشتراكي المسيحي وقوات الحرس الوطني شبه العسكرية «هايمفير» (بالألمانية: (Heimwehr).

هجرَّزت السلطة في مخط المستشار، الذي كان قد مُنِح سلطة الحكم بالمراسيم. شكلَّت هيمنة الحزب الاشتراكي المسيحي (ذوالسياسات الاقتصادية القائمة على المنشور البابوي «حقوق وواجبات رأس المال والقوى العاملة»، «باللاتينية: Rerum novarum») ظاهرة نمساوية غريبة. ضمَّت الهوية الوطنية للنمسا عناصر كاثوليكية قوية جرى دمجها في الحركة، عن طريق النزعات الاستبدادية الكهنوتية التي افتقرت النازية لوجودها. انحاز انغلبرت دولفوس وخَلَفَه كورت شوشنيغ، إلى حكومة بينيتوموسوليني الإيطالية للإلهام والدعم. غالبًا ما أُشير إلى النقابوية الدولانية على أنها فوهة مدفع الفاشية النمساوية كونها تشابه الفاشية الإيطالية أكثر من التشاركية الوطنية الألمانية، وقد وُصِفت كشكل من أشكال الفاشية الكهنوتية.

أيّد موسوليني استقلال النمسا، وعُزِي ذلك بدرجة كبيرة إلى قلقه من حتى هتلر سيمارس ضغوطًا في نهاية المطاف بهدف إعادة الأراضي الإيطالية التي كانت قد حكمتها النمسا سابقًا. لكن موسوليني احتاج إلى الدعم الألماني في إثيوبيا (انظر الحرب الإيطالية الإثيوبية الثانية). بعد تلقيه ضمانًا من هتلر شخصيًا بأن ألمانيا لن تسعى للحصول على تنازلات إقليمية من إيطاليا، بدأ موسوليني علاقة انتفاع مع برلين بدأت مع محور برلين-روما عام 1937.

الفترة الممتدة من الحرب الأهلية النمساوية حتى الآنشلوس

أخفق الحزب النازي النمساوي بالفوز بأيّ مقاعد في الانتخابات العامة التي جرت في نوفمبر 1930، لكن زادت شعبيته في النمسا بعد اعتلاء هتلر سدَّة الحكم في ألمانيا. بدأت فكرة انضمام البلد إلى ألمانيا بالنموأيضًا، ولكان من الممكن تحقيق اتحاد الآنشلوس عبر عملية ديمقراطية لولم يبدأ النازيون النمساويون حملتهم الإرهابية. خط جون غونتر في عام 1936، «في عام 1932، كانت النمسا على الأرجح مؤيدة لعملية الآنشلوس بنسبة ثمانين بالمئة».

اتَّبع كورت شوشنيغ نهجًا سياسيًا مماثلًا لسلفه دولفوس. في عام 1935 استخدم شوشنيغ الشرطة لقمع مؤيدي النازيين. تضمنت ممارسات الشرطة في عهد شوشنيغ جمع النازيين (والديمقراطيين الاشتراكيين) واحتجازهم في معسكرات الاعتنطق. ركزت الفاشية النمساوية بين عامي 1934 و1938 على تاريخ النمسا وعارضت ضم النمسا لألمانيا النازية (حسب الفلسفة التي نصَّت على حتى النمساويين هم «ألمانيون أعلى منزلة»). ووصف شوشنيغ النمسا بأنها «دولة ألمانية أفضل» لكنه صارع للحفاظ على استقلال النمسا.

في محاولة لتهدئة شوشنيغ، ألقى هتلر خطابًا في الرايخستاغ ذكر فيه: «ليس لدى ألمانيا أي نيّة أورغبة في التدخل في الشؤون الداخلية للنمسا، أوضم النمسا أواستكمال عملية الآنشلوس»

بحلول عام 1936 أُلحِقت أضرار جسيمة بالنمسا إثر حركة مقاطعة ألمانيا. في ذلك الصيف، أبلغ شوشنيغ موسوليني حتى بلاده يجب حتى تتوصل إلى اتفاق مع ألمانيا. في 11 يوليو1936، وقّع شوشنيغ اتفاقًا مع السفير الألماني فرانز فون بابن، وافق فيه على إطلاق سراح النازيين المسجونين في النمسا، ووعدت ألمانيا باحترام السيادة النمساوية باللقاء. بموجب شروط المعاهدة النمساوية الألمانية، أعربت النمسا نفسها «ولاية ألمانية» تتبع دومًا القيادة الألمانية في سياستها الخارجية، وسُمِح لأعضاء «المعارضة الوطنية» بدخول مجلس الوزراء، لقاء وعد النازيين النمساويين بوقف هجماتهم الإرهابية ضد الحكومة. لم يكتفِ هتلر بهذا الأمر ونمت قوة النازيين النمساويين المواليين لألمانيا.

في سبتمبر 1936، أطلق هتلر الخطة الاقتصادية الرباعية (خطة الأربع سنوات) التي دعت إلى زيادة هائلة في الإنفاق العسكري وجعل ألمانيا مكتفية ذاتيًا قدر الإمكان بهدف تحضير الرايخ لخوض حرب عالمية بحلول عام 1940. تطلبت الخطة الرباعية استثمارات ضخمة في أعمال الصلب للرايخزفيرك (بالألمانية: Reichswerke)، وهوبرنامج لتطوير النفط التصنيعي الذي سرعان ما تجاوز الميزانية بشدة، وبرامج لإنتاج المزيد من المواد الكيميائية والألمنيوم؛ دعت الخطة إلى سياسة استبدال الواردات وترشيد الصناعة لتحقيق أهدافها التي فشلت بالكامل. مع حياد الخطة الرباعية أكثر فأكثر عن أهدافها، بدأ هيرمان غورينغ، رئيس مخط الخطة الرباعية، بالضغط لصالح قيام الآنشلوس لتأمين الحديد النمساوي والمواد الخام الأخرى كحل لمشاكل الخطة الرباعية. إذ خط المؤرخ البريطاني السير إيان كيرشو:

... في بادئ الأمر، كان هيرمان غورينغ، القريب من بلوغ ذروة سلطته، أكثر بكثير من اقتراب هتلر للسلطة آنذاك، هومن استلم زمام السلطة ودفع بقوة إلى حل مبكر وجذري «للمسألة النمساوية» على مدار عام 1937. لم يكن غورينغ يعمل ببساطة كوكيل لهتلر في الأمور المتعلقة «بالمسألة النمساوية». اختلف نهجه في الهجريز في نواحٍ مهمة ... لكن مفاهيم غورينغ الواسعة للسياسة الخارجية، والتي دفعها إلى حد كبير بمبادرته الخاصة في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، استفادت أكثر من المفاهيم التقليدية الألمانية لسياسات السلطة القومية لتحقيق الهيمنة في أوروبا أكثر من الهجريز على إيديولوجية هتلر الدوغماتية العرقية (العقائدية المتعصبة).

أولى غورينغ اهتمامه لعودة المستعمرات الألمانية السابقة في إفريقيا أكثر مما عمل هتلر، الذي آمن حتى عام 1939 بإمكانية تحقيق تحالف أنجلو-ألماني (فكرة تخلى هتلر عنها بحلول أواخر عام 1937)، وأراد دخول أوروبا الشرقية بأكملها في منطقة النفوذ الاقتصادي الألماني. لم يتفق غورينغ مع رغبة هتلر في سياسة الليبنسراوم «أماكن إعاشة» (بالألمانية: Lebensraum) إذ كان مجرد وجود أوروبا الشرقية داخل منطقة النفوذ الاقتصادي الألماني كافيًا بالنسبة له. ضمن هذا السياق، مثَّل ضم النمسا لألمانيا المفتاح لإدخال أوروبا الشرقية إلى المساحة الاقتصادية الكبرى التي رغب غورينغ بها (بالألمانية: Grossraumwirtschaft).

لقاءًا مشاكل الخطة الرباعية، أصبح غورينغ صاحب الصوت الأعلى في ألمانيا، داعيًا إلى آنشلوس، حتى مع خطر فقدان التحالف مع إيطاليا. في أبريل 1937، في خطاب سرّي أمام مجموعة من رجال الصناعة الألمان، صرّح غورينغ بأن الحل الوحيد للمشاكل المتعلقة بتحقيق أهداف إنتاج الصلب المنصوص عليها في الخطة الرباعية هوضم النمسا الغنية بالحديد كما أشار غورنغ في خطابه. لم يحدد غورنغ موعدًا محددًا للآنشلوس، ولكن بالنظر إلى ضرورة تحقيق أهداف الخطة الرباعية جميعها بحلول سبتمبر 1940، ومع المشكلات المتعلقة بتحقيق أهداف إنتاج الصلب آنذاك، فقد شكّل ذلك مؤشرًا لرغبته بقيام الآنشلوس في المستقبل القريب جدًا.

الممارسات المعادية لليهودية

بدأت الحملة ضد اليهود مباشرة بعد الآنشلوس. إذ جرى اقتيادهم في شوارع فيينا، ونُهبت منازلهم ومتاجرهم. أُجبر الرجال والنساء اليهود على إزالة الشعارات المؤيدة للاستقلال المكتوبة في شوارع فيينا قبيل إجراء الاستفتاء العام الفاشل في 13 مارس. أجبر حزب SA (حزب كتيبة العاصفة النازي) الممثلات اليهوديات من مسرح  جوزيفشتات على تنظيف الحمامات. بدأت عملية الاصطفاء الآري، واستُبعِد اليهود على إثرها من الحياة العامة خلال أشهر. بلغت هذه الأحداث ذروتها في مجزرة ليلة الزجاج المكسور أوليلة البلور (بالألمانية: Kristallnacht) التي سقطت في 9-10 نوفمبر 1938. دُمِّرت جميع الكنس والمعابد اليهودية ودور الصلاة في فيينا، وفي مدن نمساوية أخرى مثل سالزبورغ أيضًا. كان معبد شتاتتيمبل (بالألمانية: Stadttempel) الناجيَ الوحيد بسبب مسقطه ضمن منطقة سكنية ما حال دون احتراقه. نُهِبت معظم المتاجر اليهودية وأُغلقَت. وأُلقي القبض على أكثر من 6000 يهودي بين عشية وضحاها، فرُحِّل معظمهم إلى معسكر الاعتنطق داكاوفي الأيام التي تَلَت الاعتنطق. عُزِّزت قوانين نورمبرغ المطبَّقة في النمسا من مايو1938، في وقت لاحق بعدد لا يحصى من المراسيم المعادية للسامية. سُلِب اليهود حرياتهم تدريجيًا، وحُظِروا من مزاولة جميع المهن تقريبًا، وأُغلقت أبواب المدارس والجامعات أمامهم، وأُجبِروا على ارتداء الشارة الصفراء بدءًا من سبتمبر 1941.

حلَّ النازيون المنظمات والمؤسسات اليهودية، على أمل إجبار اليهود على الهجرة. بالعمل نجحت خططهم، إذ بحلول نهاية عام 1941، كان قد غادر فيينا نحو130000 يهودي، مضى 30000 منهم إلى الولايات المتحدة. هجروا وراءهم جميع ممتلكاتهم، لكنهم أُجبروا على دفع ضريبة طيران الرايخ، وهي ضريبة مفروضة على جميع المهاجرين من ألمانيا النازية، حصل البعض على دعم مالي من منظمات المعونة الدولية حتى يتمكنوا من دفع هذه الضريبة. راح غالبية اليهود ممن أقاموا في فيينا ضحايا للهولوكوست (المحرقة) في نهاية المطاف. نجا أقل من 2000 يهودي من بين أكثر من 65000 من يهود فيينا الذين رُحِّلوا إلى معسكرات الاعتنطق.

مواضيع ذات صلة

  • ألمانيا النازية
  • تاريخ النمسا

مراجع

  1. ^ "Anschluss". Britannica. Retrieved 2014-21-05. نسخة محفوظة 07 مايو2015 على مسقط واي باك مشين.
  2. ^ Shirer 1984.
  3. ^ Blackbourn, David (1997) The Long Nineteenth Century: A History of Germany, 1780-1918 New York: HarperCollins. pp.160–175. (ردمك 0002556774)
  4. ^ Sheehan, James J. (1993). . Oxford University Press. صفحة 851. ISBN . مؤرشف من الأصل في 19 مارس 2017.
  5. ^ Suppan (2008). ′Germans′ in the Habsburg Empire. The Germans and the East. صفحات 171–172.
  6. ^ ألان جون بيرسيفال تايلور (1964) The Habsburg monarchy, 1809–1918: A History of the Austrian Empire and Austria-Hungary (2nd ed.) ch. 2
  7. ^ Unowsky, Daniel L. (2005). The Pomp and Politics of Patriotism: Imperial Celebrations in Habsburg Austria, 1848–1916. Purdue University Press. صفحة 157.
  8. ^ Gould, S. W. (1950). "Austrian Attitudes toward Anschluss: October 1918 – September 1919". Journal of Modern History. 22 (3): 220–231. doi:10.1086/237348. JSTOR 1871752.
  9. ^ Stackelberg 1999، صفحة 194.
  10. ^ Low (1976), p.7
  11. ^ Staff (14 September 1919) Preuss Denounces Demand of Allies, نيويورك تايمز "german+democratic+republic"&scp=1&st=p نسخة محفوظة 16 ديسمبر 2019 على مسقط واي باك مشين.
  12. ^ David Walker, "Industrial Location in Turbulent Times: Austria through Anschluss and Occupation," Journal of Historical Geography (1986) 12#2 pp 182–195
  13. ^ Taylor, Alan John Percivale (2001). . Routledge. صفحات 257–. ISBN . مؤرشف من الأصل في 13 مارس 2017.
  14. ^ Mitcham, Samuel (1996) Why Hitler?: The Genesis of the Nazi Reich p.67
  15. ^ Kershaw 2008، صفحة 87.
  16. ^ Hamann, Brigitte (2010) Hitler's Vienna: A Portrait of the Tyrant as a Young Man. Tauris Parke Paperbacks. p.107 (ردمك 9781848852778)
  17. Gunther, John (1936). . Harper & Brothers. صفحات 284–285, 317–318. مؤرشف من الأصل في 29 نوفمبر 2019.
  18. ^ Shirer 1990، صفحة 296.
  19. ^ Overy, Richard (1999) "Germany and the Munich Crisis: A Mutilated Victory?" in Lukes, Igor and Goldstein, Rick (eds.) The Munich Crisis, 1938 London: Frank Cass. p.200
  20. ^ Kershaw 2001، صفحات 67-68.
  21. ^ Kershaw 2001، صفحة 68.
  22. ^ Snyder, Timothy (2015). Black Earth: The Holocaust as History and Warning. Crown/Archetype. صفحات 77–81. ISBN .
  23. ^ Maria Kohl, Katrin; Ritchie, Robertson (2006). . Camden House. صفحة 7. ISBN . مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 2019.
  24. ^ McKale, Donald (2006). . Taylor Trade Publishing. صفحة 109. ISBN . مؤرشف من الأصل فيتسعة فبراير 2018.
  25. ^ Pauley 2000، صفحات 297–98.
تاريخ النشر: 2020-06-02 02:51:48
التصنيفات: غزوات ألمانيا, 1938 في ألمانيا, 1938 في النمسا, أحداث مارس 1938, اتحادات قومية, التغلب على الماضي, العلاقات الألمانية النمساوية العسكرية, القرن 20 في ألمانيا, تاريخ النمسا, تاريخ نمساوي يهودي, دخيل ألماني, ضم عسكري, علاقات دولية في 1938, قومية ألمانية في النمسا, مصطلحات نازية, قالب أرشيف الإنترنت بوصلات واي باك, مقالات بحاجة للتوضيح منذ ديسمبر 2015, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P244, صفحات تستخدم خاصية P227, بوابة علاقات دولية/مقالات متعلقة, بوابة التاريخ/مقالات متعلقة, بوابة عقد 1920/مقالات متعلقة, بوابة النمسا/مقالات متعلقة, بوابة السياسة/مقالات متعلقة, بوابة الحرب العالمية الثانية/مقالات متعلقة, بوابة ألمانيا النازية/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات, مقالات تحتوي صراحة على نص باللغة الإنجليزية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بنك أوف أميركا: حظر النفط الروسي سيرفع سعر البرميل إلى 200 دولار

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:16:44
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 96%

ثنائي الأهلي جاهز لمواجهة بيراميدز

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:17:11
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 48%

مدرب المنتخب يتواجد في مران الأهلي.. ويجتمع بهذا الثنائي

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:17:12
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 38%

لرفع المعنويات.. موسيماني يطمئن على عمار حمدي وكوكا

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:17:09
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 50%

صناعة النواب تطالب هيئة الاستثمار بإنهاء التداخل بين الجهات‎‎

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:17:22
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 50%

طائرة الأهلي تهزم بتروجيت وتواصل تربعها على قمة دوري النخبة

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:17:10
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 36%

كما أوضح El-Ahly.com.. طبيب الأهلي يعلن مستجدات حالة بدر بانون

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:17:10
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 47%

إصابة مبابي في التدريبات تقلق باريس قبل قمة الريال

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:16:42
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 91%

روسيا: ضخ الغاز عبر أوكرانيا مستمر بالكامل بموجب اتفاقية العبور

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:16:46
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 98%

غداً.. تشغيل قطارات درجة ثالثة مكيفة لأول مرة بسعر 150 جنيهاً

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:17:23
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 53%

فرض عقوبات على الطاقة الروسية لم يعد خطا أحمر.. الغرب يبحث عن بدائل

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:16:43
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 92%

إطلاق الموقع الرسمي لوزارة النقل واللوجيستيك "transport.gov.ma"

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:17:04
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

بعد شكواه من إصابة.. فحص طبي لطاهر لتحديد موقفه من لقاء بيراميدز

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-03-07 18:17:09
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 41%

تحميل تطبيق المنصة العربية