الأبدال هم المرتبة الرابعة من مراتب الأولياء عند الصوفية، وهم من رجال الغيب أي لا يعهدهم أحد . ويعهدون بالرقباء ولهم كرامات خاصة. وتقول بعض المراجع أنهم قوم من الصالحين لا تخلوا منهم الدنيا؛ لا يموت أحدهم إلا قام بدله آخر من سائر الناس، وهم في الشام. وقد ورد فيهم أحاديث نُسِبَت إلى الرسول محمد وردّها المحقّقون، منها:« الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا حدثا توفي رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب». وكل الأحاديث التي على هذه الشاكلة إما مرفوعة أومقطوعة أومعلولة.

احاديث في الإبدال

(حديث مرفوع) حديث : الأبدال . له طرق عن أنس رضي اللَّه عنه مرفوعا بألفاظ مختلفة كلها ضعيفة . منها للخلال في كرامات الأولياء بلفظ : " الأبدال أربعون رجلا ، وأربعون امرأة حدثا توفي رجل أبدل اللَّه رجلا مكانه ، وإذا ماتت امرأة أبدل اللَّه مكانها امرأة " . ومنها للطبراني في الأوسط بلفظ : لن تخلوالأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمن ، فبهم يسقون ، وبهم ينصرون ، ما توفي منهم أحد إلا أبدل اللَّه مكانه آخر . ومنها لابن عدي في كامله بلفظ : البدلاء أربعون ، اثنان وعشرون بالشام ، وثمانية عشر بالعراق ، حدثا توفي منهم واحد بدل اللَّه مكانه آخر ، فإذا اتى الأمر قبضوا كلهم ، فعند ذلك تقوم الساعة . وكذا يروى كما عند أحمد في المسند والخلال وغيرهما ، عن عبادة بن الصامت رضي اللَّه مرفوعا : لا يزال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن حدثا توفي واحد أبدل اللَّه عز وجل مكانه رجلا . وفي لفظ للطبراني في الكبير : بهم تقوم الأرض ، وبهم يمطرون ، وبهم ينصرون . ولأبي نعيم في الحلية ، عن ابن عمر حمله : " خيار أمتي في جميع قرن خمس مائة والأبدال أربعون ، فلا الخمس مائة ينقصون ، ولا الأربعون حدثا توفي رجل أبدل اللَّه مكانه آخر " ، نطقوا : يا رسول اللَّه ، دلنا على أعمالهم ،يا ترى؟ نطق : " يعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويتواصلون فيما أتاهم اللَّه عز وجل " . وفي لفظ للخلال : " لا يزال أربعون رجلا يحفظ اللَّه بهم الأرض ، حدثا توفي رجل أبدل اللَّه مكانه آخر وهم في الأرض كلها " . وفي الحلية أيضا ، عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه حمله : " لا يزال أربعون رجلا من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم يدفع اللَّه بهم عن أهل الأرض ، ينطق لهم الأبدال ، إنهم لم يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة " ، نطقوا : فبم أدركوها يا رسول اللَّه ،يا ترى؟ نطق : " بالسخاء والنصيحة للمسلمين " . والجملة الأخيرة تروى كما للطبراني في الأجواد وغيره ، كأبي بكر بن لال في مكارم الأخلاق ، عن أنس رضي اللَّه عنه حمله بلفظ : " إذا بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بصلاة ولا صيام ، ولكن دخلوها بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للمسلمين . وللخرائطي في المكارم من حديث أبي سعيد نحوه . وبعضها أشد في الضعف من بعض ، وآخرها اتى عن فضيل بن عياض رحمه اللَّه من قوله بلفظ : لم يدرك عندنا من استوعب بكثرة صيام ولا صلاة ، وإنما استوعب عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة . وأحسن مما تقدم ما لأحمد من حديث شريح يعني ابن عبيد ، نطق : ذكر أهل الشام عند علي رضي اللَّه عنه وهوبالعراق ، فنطقوا : العنهم يا أمير المؤمنين ، نطق : لا ، إني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ، يقول : " البدلاءقد يكونون بالشام وهم أربعون رجلا ، حدثا توفي رجل أبدل اللَّه مكانه رجلا يسقي بهم الغيث ، وينتصر بهم على الأعداء ، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب " ، ورجاله من رواة السليم ، إلا شريحا وهوثقة ، وقد سمع ممن هوأقدم من علي ، ومع ذلك فنطق الضياء المقدسي : إذا رواية صفوان بن عبد اللَّه عن علي رضي اللَّه عنه من غير حمل : لا تسبوا أهل الشام جما غفيرا ، فإن فيها الأبدال ، نطقها ثلاثا ، أولى ، أخرجها عبد الرزاق ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل ، ورواها غيرهما ، بل أخرجها الحاكم في مستدركه مما صححه من قول علي نحوه . ورأى بعضهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم في المنام فنطق له : أين بدلاء أمتك ،يا ترى؟ فأومأ بيده نحوالشام ، ونطق : فقلت يا رسول اللَّه ،يا ترى؟ أما بالعراق أحد منهم ،يا ترى؟ نطق : بلى وسمى جماعة . ومما يتقوى به هذا الحديث ، ويدل لانتشاره بين الأئمة قول إمامنا الشافعي رحمه اللَّه في بعضهم : كنا نعده من الأبدال . وقول البخاري في غيره : كانوا لا يشكون أنه من الأبدال . وكذا وصف غيرهما من النقاد والحفاظ والأئمة غير واحد بأنهم من الأبدال . ويروى في حديث مرفوع : " ثلاث من كن فيه فهومن الأبدال : الرضا بالقضاء ، والصبر عن المحارم ، والغضب للَّه " . وعن بعضهم نطق : أكلهم فاقة وكلامهم ضرورة ، وعن معروف الكرخي ، نطق : من نطق : اللَّهم ارحم أمة محمد في جميع يوم خطه اللَّه من الأبدال ، وهوفي الحلية بلفظ من نطق في جميع يوم عشر مرات : اللَّهم أصلح أمة محمد ، اللَّهم فرج عن أمة محمد ، اللَّهم ارحم أمة محمد ، خط من الأبدال ، وعن غيره ، نطق : علامة الأبدال حتى لا يولد لهم . بل يروى في مرفوع معضل : " علامة أبدال أمتي أنهم لا يلعنون شيئا أبدا " . ونطق يزيد بن هارون : الأبدال هم أهل الفهم . ونطق الإمام أحمد : إذا لمقد يكونوا أصحاب الحديث فمن هم ،يا ترى؟ ونطق بلال الخواص فيما رويناه في مناقب الشافعي ورسالة القشيري : كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني فتعجبت منه وألهمت أنه الخضر ، فقلت له : بحق الحق من أنت ،يا ترى؟ نطق : أنا أخوك الخضر ، فقلت له : أريد حتى أسألك ، نطق : سل ، قلت : ما تقول في الشافعي ،يا ترى؟ نطق : هومن الأبدال ، قلت : فما تقول في أحمد ،يا ترى؟ نطق : رجل صديق ، قلت : فما تقول في بشر بن الحارث ،يا ترى؟ نطق : رجل لم يخلق بعده مثله ، قلت : فبأي وسيلة رأيتك ، نطق : ببركة أمك . وروينا في تاريخ بغداد للخطيب ، عن الكتاني ، نطق : النقباء ثلاثمائة ، والنجباء سبعون ، والبدلاء أربعون ، والأخيار سبعة ، والعمد أربعة ، والغوث واحد ، فمسكن النقباء المغرب ، ومسكن النجباء مصر ، ومسكن الأبدال الشام ، والأخيار سيَّاحون في الأرض ، والعُمُدُ في زوايا الأرض ، ومسكن الغوث مكة ، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء ، ثم النجباء ، ثم الأبدال ، ثم الأخيار ، ثم العمد ، فإن أجيبوا وإلا ابتهل الغوث ، فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته . وفي الإحياء : وينطق إنه ما تغرب الشمس من يوم إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدال ولا يطلع الفجر من ليلة إلا ويطوف به واحد من الأوتاد ، وإذا انبتر ذلك كان سبب حمله من الأرض ، وذكر أثرا . إلى غير ذلك من الآثار الموقوفة وغيرها ، وكذا من المرفوع مما أفردته واضحا بينا معللا في جزء سميته نظم اللآل في الكلام على الأبدال .

ورد في (الأبدال) أحاديث أشهرها:

(1) حديث عبادة بن الصامت:

أخرجه الإمام أحمد (5/ 322) عن عبد الوهاب بن عطاء عن الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت مرفوعاً: أنه ـ ـ نطق: (الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن، حدثا توفي رجل أبدل الله مكانه رجلاًَ).

نطق الإمام أحمد ـ مستنكراً له ـ: (فيه ـ يعني حديث عبد الوهاب ـ كلام غير هذا، وهومنكر، يعني حديث الحسن بن ذكوان) المسند (5/ 322)، وانظر مجمع الزوائد (5/ 62).

(2) حديث على بن أبي طالب: (ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب، وهوبالعراق، فنطقوا: العنهم يا أمير المؤمنين، نطق: لا. إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الأبدالقد يكونون بالشام وهم أربعون رجلاً، حدثا ما توفي رجل، أبدل الله مكانه رجلاً، يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب).

أخرجه أحمد (1/ 112) ومن طريقه الضياء في المختارة ( 2/ 110) ـ من طريق شريح بن عبيد الحضرمي .

والطبراني في ( الأوسط ) ( 5/ 39 ) والحاكم ( 4/ 596 ) من طريق عياش بن عباس القتباني عن عبد الله بن زرير الغافقي.

كلاهما عن علي بن أبي طالب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعاً بلفظه في حديث شريح، وبمعناه مطولاً في حديث عبد الله بن زرير، وفي رواية الحاكم إدخال الحارث بن يزيد بين عياش، وعبد الله بن زرير .

وهذا الحديث ـ أعني حمله ـ معلول لما يلي :

أ- حتى في الطريق الأول شريحاً لم يدرك علياً فهومنبتر ينظر ( تهذيب الكمال والمختارة ) .

ب- وأما الطريق الثاني فقد اختلف فيه على عياش بن عباس في إسناده على ما تقدم ولذا أعله الطبراني ، والهيثمي (7/317) .

ج- حتى هذا الحديث قد روي موقوفاً على علي بن أبي طالب من وجه أصح فقد أخرجه عبد الرزاق (11/ 249) ونعيم بن حماد في (الفتن) (1/ 235) وابن أبي الدنيا في (الأولياء) (ص 30) والضياء في (المختارة) (2ح 485، 486) من طرق عن الزهري عن صفوان بن عبد الله بن صفوان الجمحي عن علي بن أبي طالب بنحوه موقوفاً.

ولهذا لما ذكر الضياء في (المختارة) هذا الاختلاف في حمله، ووقفه نطق: الموقوف أولى.

(3) حديث عبد الله بن مسعود مرفوعاً: (لا يزال أربعون رجلاً من أمتي، قلوبهم على قلب إبراهيم، يدفع الله بهم عن أهل الأرض، ينطق لهم: الأبدال)، ثم نطق - صلى الله عليه وسلم-: (إنهم لم يدركوها بصلاة، ولا بصوم، ولا صدقة) نطقوا: يا رسول الله فبم أدركوها،يا ترى؟ نطق: (بالسخاء والنصيحة للمسلمين).

أخرجه الطبراني في (الكبير) (10 /1 18ح ، 39 ، 1) من طريق ثابت بن عياش الأحدب عن أبي راتى الثعالبي عن الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود فذكره.

وهومعلول بثابت بن عياش وشيخه، فإنهما مجهولان ، نطق الهيثمي في (المجمع): رواه الطبراني من رواية ثابت بن عياش الأحدب عن أبي راتى، وكلاهما لم أعهده

(10/ 63).

وأيضاًَ أين أصحاب الأعمش الحفاظ عن هذا الحديث؟!

(4) حديث عوف بن مالك مرفوعاً: (فيهم ـ أهل الشام ـ الأبدال، فبهم تنصرون وبهم ترزقون).

أخرجه الطبراني في (الكبير) (18 /65) من طريق عمروبن واقد عن يزيد بن أبي مالك عن شهر بن حوشب نطق: لما فتحت مصر، سبوا أهل الشام، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنس ثم نطق: يا أهل مصر، لا تسبوا أهل الشام، فإني سمعت رسول الله -صلى اله عليه وسلم- يقول: (فيهم الأبدال...) فذكره.

وهذا معلول أيضاً؛ لأن عمروبن واقد متروك، نطق الهيثمي: ضعفه جمهور الأئمة (10 / 62) ويزيد بن أبي مالك ، ليس بالقوي، وكذا شهر بن حوشب على الراجح.

وبهذا العرض الموجز لأحاديث الأبدال يظهر جلياً أنه لا يصح في هذا الباب شيء كما نطق ابن القيم رحمه الله: (ومن ذلك أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله وأقرب ما فيها: (لا تسبوا أهل الشام ، فإن فيهم البدلاء حدثا توفي رجل منهم أبدل الله مكانه رجلاً آخر) ذكره أحمد، ولا يصح أيضاًَ، فإنه منبتر (المنار المنيف) (ص 136).

والله أفهم .

مراجع

تخريج ومصدر الأحاديث السابقة

• لقراءة تخريج ومصادر الأحاديث السابقة