اعتكاف

الرباط أوالاعتكاف في اللغة هولزوم الشيء وحبس النفس عليه برا كان أوغيره ومنه قول اللّه تعالى في القرآن: {ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون وهوفي الشرع الإقامة في المسجد، وهوسنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لقول السيدة عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم —يعتكف العشر الأواخر).

أما عن معنى الاعتكاف في الشريعة: المكث في المسجد بقصد التعبّد للّه وحده. وهومشروع قرآناً وسنة وإجماعاً. ويبدوأنَّ الإسلام قد شرّع الاعتكاف ليكون وسيلة موقوتة وعبادة محدودة تؤدى بين حين وآخر، لتحقيق نقلة إلى رحاب اللّه يعمّق فيها الإنسان صلته بربِّه ويتزود بما تتيح له العبادة من زاد، ليرجع إلى حياته الاعتيادية وعمله اليومي وقلبه أشدّ ثباتاً وإيمانه أقوى فاعلية.

أما عن معنى الاعتكاف اصطلاحاً : هولزوم مسجد لعبادة الله من إنسان مخصوص على صفة مخصوصة.

حكمته : من حكم الاعتكاف: صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله بلم شعثه بالإقبال على الله وهجر فضول المباحات وتحقيق الأنس بالله والاشتغال به وحده والتفكر في تحصيل مراضيه

صفة اعتكاف النبي محمد في مسجده في المدينة

كان النبي محمد يأمر بخباء (على مثل هيئة الخيمة) فيضرب له في المسجد، فيمكث فيه، يخلوفيه عن الناس، ويقبل على ربه تبارك وتعالى، حتى تتم له الخلوة بصورة واقعية.)
وتقول عنه السيدة عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها : (وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا)
وكان يعتكف في جميع رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً.

في شرائط الاعتكاف

للاعتكاف شروط لا يصح بدونها وهي كما يأتي:

الأول: العقل.

الثاني: الإيمان.

الثالث: نية القربة ابتداءً واستمراراً كسائر العبادات.

والمهم في النية: حتى ينوي الاعتكاف في المسجد قربة إلى اللّه تعالى، وليس من الضروري حتى يقصد باعتكافه التوفر على مزيد من النادىء والصلاة وإن كان هذا أفضل وأكمل، غير أنَّ الاعتكاف بذاته عبادة يصح حتى يقصد ويتقرّب به إلى اللّه تعالى، فإن انضمّ إلى ذلك التفرّغ للعبادة وممارسة المزيد من النادىء والصلاة كان نوراً على نور.

ولا بُدَّ من وقوع النية مقارنة للبدء بالاعتكاف، ولا بأس بتبييت النية من الليل لمن أراد الشروع في الاعتكاف فجراً، بنحويمر عليه الفجر وهونائم، من دون ضرورة لكونه منتبهاً متيقظاً عند صدور النية منه مقارنة لأول الاعتكاف.

الرابع: الصيام في الأيام الثلاثة، فمن لا يصح منه الصوم لا يصح منه الاعتكاف؛ فالمريض والمسافر لا يتأتى لهما حتى يعتكفا، إذ لا يصح منهما الصيام. نعم يمكن للمسافر حتى يتوصل إلى ذلك بأن ينذر حتى يصوم في سفره وحينئذ يسوغ له حتى يعتكف ويصوم.

وللمعتكف حتى ينوي بالصيام أي صيام مشروع بالنسبة إليه، فيصح له حتى ينوي صيام القضاء أوصيام الكفارة، كما يصح له حتى يصوم صياماً مستحباً إذا توفرت له الشروط التي يصح معها الصيام المستحب، ومن تلك الشروط حتى لاقد يكون عليه صيام واجب على ما تقدّم، فمن كان عليه قضاء شهر رمضان وأراد حتى يعتكف في غير شهر رمضان عمليه حتى ينوي بصيامه القضاء الواجب.

وكما يجب حتىقد يكون المعتكف ممن يصح منه الصوم، كذلك يجب حتى تكون أيام الاعتكاف مما يصح فيها الصوم، فلا يصح الاعتكاف في عيد الفطر أوعيد الأضحى مثلاً، إذ لا يسوغ الصيام فيهما.

وكلّ ما يفسد الصوم فهويفسد الاعتكاف ويبطلة، لأنَّ الصوم شرط في صحته والمشروط يبطل ببطلان شرطه.

الخامس: العدد، وأقلّه ثلاثة نهارات تتوسطها ليلتان، ويسوغ حتىقد يكون أكثر من ذلك، بأن ينوي الاعتكاف من بداية ليلة الجمعة إلى نهار الأحد أوإلى صباح الإثنين، فيكون اعتكافه مكوّناً من ثلاثة نهارات وأربع ليال، أوإلى غروب الإثنين أوأكثر من ذلك

● وليس عند الشافعي زمان مقدر أي حتى أقله لحظة، وهوالمشهور عن أحمد، وعن أبي حنيفة روايتان: إحداهما يجوز بعض يوم، والثانية لا يجوز أقل من يوم، وهذا ممضى مالك.

السادس: حتىقد يكون الاعتكاف في مسجد يجتمع فيه النّاس ويعتبر مسجداً جامعاً ورئيسياً في البلد. فليس من المعلوم حتى يصح الاعتكاف في مسجد صغير جانبي.

ويجب حتىقد يكون المسجد المقصود ممارسة الاعتكاف فيه محدّداً وواحداً، فلا يسوغ الاعتكاف في مسجدين على نحويمكث في هذا يوماً وفي ذاك يوماً أويومين، وعليه فإذا اعتكف في مسجد وتعذر البقاء فيه للإتمام والإكمال بطل الاعتكاف من الأساس، ولا يسوغ توزيعه بين مسجدين وإن تقاربا أوتجاورا.

والمسجد يضم كلّ طوابقه من السطح والسراديب، ولوخصّ المعتكف بنيته زاوية خاصة من المسجد فنوى الاعتكاف في تلك الزاوية بالذات، فلا أثر لهذا القصد، ويسوغ لهذا القاصد حتى يمكث ويتنقل في كلّ أجزاء ذلك المسجد.

السابع: حتى لا يخرج المعتكف من مسجده إلاَّ لضرورة شرعية أوعهدية، فمن الضرورة الشرعية حتى يخرج لغسل الجنابة، إذ لا يجوز له حتى يمكث في المسجد ويغتسل حتى ولوكان ذلك ممكناً، ومنها الخروج لحضور صلاة الجمعة إذا أقيمت. ومن الضرورة العهدية حتى يخرج لتمضية الحاجة أولعلاج سقم داهمه ونحوذلك، ولا يشترط لجواز الخروج عند الضرورة عدم إمكان تأديها في المسجد، لذا لوأمكنه إتيان الغسل الواجب من مسّ الميت في المسجد، أوأمكنه استنادىء الطبيب إلى المسجد، جاز له الخروج ـ رغم ذلك ـ والاغتسال في بيته أوالتداوي في عيادة الطبيب.

فإذا لم تكن هناك حاجة ضرورية للخروج شرعاً أوعهداً وخرج متعمداً بطل اعتكافه، وكذا لوخرج لغير ضرورة جهلاً أونسياناً على الأحوط. ويستثنى من ذلك الأمور التالية:

أ ـ إذا خرج لعيادة مريض أومعالجته فإنه لا يبطل بذلك اعتكافه.

ب ـ إذا خرج لتشييع جنازة وما إليه من تجهيز.

ج ـ إذا أكره على الخروج.

وفي كلّ حالة يسوغ للمعتكف فيها الخروج عليه حتى يقتصر في ابتعاده عن المسجد على قدر الحاجة التي سوغت له الخروج، ولا يجلس مهما أمكن، وإذا اضطر إلى الجلوس فلا يجلس في ظلّ، ويتحرى مهما أمكن أقرب الطرق.

الثامن: حتى يهجر كلّ ما يجب على المعتكف اجتنابه مما يأتي بيانه في التزامات المعتكف، فإذا مارس عامداً شيئاً من تلك الأمور بطل اعتكافه، بل يبطل مع الإتيان بها جهلاً أونسياناً على الأحوط وجوباً، وإذا سقط منه هذا النسيان أوالجهل في اليوم الثالث فالأحوط وجوباً إكمال اعتكافه، لاحتمال حتى يقبل منه، ثُمَّ يعيده.

^ شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصيام - باب الاعتكاف - للشيخ : (سلمان العودة) نسخة محفوظة 25 مارس 2017 على مسقط واي باك مشين.
^ انظر سليم مسلم (1167
^ رواه البخاري (2029) ومسلم (297)
^ [ البخاري (2044) ]