فهم العلل أوفهم علل الحديث هوفهم يهتم بدراسة الأسباب الخفية التي تؤدي إلى ضعف الحديث، مع حتى ظاهر الحديث الصحة والسلامة.

أهميته

نطق الخطيب البغدادي: ((فهم العلل أَجَلُّ أنواع فهم الحديث)) ، ونطق الإمام النووي : ((ومن أبرز أنواع العلوم تحقيق فهم الأحاديث النبويات، أعني: فهم متونها: سليمها وحسنها وضعيفها، متصلها ومرسلها ومنبترها ومعضلها، ومقلوبها، ومشهورها وغريبها وعزيزها، ومتواترها وآحادها وأفرادها، معروفها وشاذها ومنكرها، ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها...)). عملماء الحديث قد اهتموا بالحديث النبوي الشريف عموماً ؛ لأنَّه المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، وقد اهتموا ببيان علل الأحاديث النبوية من حيث الخصوص ؛ لأنَّ بفهم العلل يعهد كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من غيره، وسليم الحديث من ضعيفه، وصوابه من خطئه، قيل لعبد الله بن المبارك : هذه الأحاديث المصنوعة ،يا ترى؟ نطق: ((تعيش لها الجهابذة)). وقد ذكر الحاكم النيسابوري: ((أنَّ فهم علل الحديث من أجَلِّ هذه العلوم)) ونطق : ((فهم علل الحديث، وهوفهم برأسه غير السليم والسقيم، والجرح والتعديل)). وفهم العلل ممتد من فترة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على أيدي كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، حيث كان أبوبكر الصديق وعمر الفاروق ما يحتاطان في قبول الأخبار، ويطلبان الشهادة على الحديث أحياناً ؛ من أجل تمييز الخطأ والوهم في الحديث النبوي، ثم اهتم الفهماء به من بعد ؛ لئلا ينسب إلى السنة المطهرة شيء ليس منها خطأ. عملم العلل له مزية خاصة، فهوكالميزان لبيان الخطأ من الصواب، والسليم من المعوج، وقد اعتنى به أهل الفهم قديماً وحديثاً، ولا يزال الباحثون يحققون وينشرون تلكم الثروة العظيمة التي دَوَّنَها لنا أولئك الأئمة العظام كعلي ابن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، والترمذي، وابن أبي حاتم، والدارقطني، وغيرهم.

ويزيد هذا الفهم أهمية أنَّه من أشد العلوم غموضاً، فلا يدركه إلا من رُزِقَ سعة الرواية، وكان مع ذلك حاد الذهن، ثاقب الفهم، دقيق النظر، واسع المران، نطق الحاكم : ((إنَّ السليم لا يعهد بروايته فقط، وإنَّما يُعهد بالفهم والحفظ وكثرة السماع، وليس لهذا النوع من الفهم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والفهم، ليظهر ما يخفى من علة الحديث، فإذا وُجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد السليمة غير مخرّجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم ما، لزم صاحب الحديث التنقير عن علته، ومذاكرة أهل الفهم به لتظهر علّته)) .

موضوعه

ليس جميع الأحاديث ظاهرها السلامة، ولا جميع علة خفية، فمن الأحاديث علتها ظاهرة جلية، وهذه الأوصاف بحديث الضعيف ألصق، وليست من فهم العلل في شيء، ومع ذلك وجدنا بعض الفهماء قد أطلق العلة على الخفي منها والجلي، واستعمال اللفظ بمعناه العام من باب التوسع. أما الحديث المعل فهوما اجتمع فيه ركنا العلة، وهذا لاقد يكون سوى في أحاديث الثقات ؛ لأنَّ حديث الضعيف خطأه بَيّن يتصدى له الناقد، وفق قواعد معلومة، أما أحاديث الثقات فهي موضوع فهم العلل وميدانه بمعناه الدقيق، ولا يتصدى لها إلا جهابذة النقاد. وهذا النوع من النقد أوسع من الجرح والتعديل ؛ لأنَّه يواكب الثقة في حله وترحاله، وأحاديثه عن جميع شيخ من شيوخه، ومتى ضبط ،يا ترى؟ ومتى نسي ،يا ترى؟ وكيف تحمّل ،يا ترى؟ وكيف أدَّى ،يا ترى؟ إذن فهم العلل يبحث عن أوهام الرواة الثقات، ويعمل على تمحيص أحاديثهم وتمييزها، وكشف ما يعتريها من خطأ، إذ ليس يسلم من الخطأ أحد.

هل نحتاج اليوم إلى فهم العلل؟

لما رأى الناس ضعف المتأخرين والمعاصرين بهذا الفهم، أدركوا أنَّ الحاجة إليه لا زالت قائمة، لاسيما أنَّ إعلال الأئمة للأحاديث مبنيٌّ على الاجتهاد وغلبة الظن، وباب الاجتهاد لا يحل لأحد غلقه ، وكذلك فإنَّ من واجب المتأخرين شرح كلام المتقدمين وبيان مرادهم في إعلالات الأحاديث، والترجيح عند الاختلاف.

ثمرة هذا الفهم

لكل فهم إذا استوى على سوقه ثمرة، وثمرة فهم علل الحديث الرئيسة حفظ السنة، ففي حفظها صيانة لها، ونصيحة الدين، وتمييز ما قد يدخل على رواتها من الخطأ والوهم وكشف ما يعتريهم، وبيان الدخيل فيها، وبها تقوى الأحاديث السليمة ؛ لبـراءتها من العلل.

تاريخه

تاريخه : يمكن جعل البداية الحقيقية لهذا الفهم من فترة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على أيدي كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعلي ، فهم أول من فتّش عن الرجال في الرواية، وبحثوا عن النقل في الأخبار. ثم تلقّى التابعون عن الصحابة نقد الأخبار وتمييز الروايات، كسعيد بن جبير، والشعبي، وابن سيرين، وفي هذا العصر ازدادت الحاجة إلى النقد، حيث طرأت أمور دعتهم إلى نقد المرويات وتمييزها، فقد كثرت الفتن، وتعددت الفرق، وكثر المشتغلون بفهم الحديث، واتسعت دائرتهم، وزادت أعداد حملة الآثار، ونشطوا للرحلة والطلب.. فدخل في ذلك من يحسن ومن لا يحسن، واختلفت أغراض الرواة، وتعددت مشاربهم. وفي عصر تابعي التابعين زادت الأمور السالفة خطراً، فانتشرت البدع بشكل متزايد، وكثر موجودها، وطالت الأسانيد وكثر رجالها، ولم يبق الوهم مقتصراً على الحفظ والضبط، بل ولج في المصنفات والخط. ومضى بعض الباحثين إلى أنَّ هذا المنهج تسارع ارتقاؤه، وتعاظم ازدهاره في فترة زمنية قصيرة، حصرها بين محمد بن سيرين المتوفى سنة (110 هـ) ويحيى بن معين المتوفى سنة (233 هـ) أي في خلال (120) سنة تقريباً، زاعماً أنَّ هذه الفترة تضاعفت فيها أعداد الأسانيد حتى وصلت إلى المليون. ولما ولج عصر التدوين الرقمي كان هذا الفهم أول ما عني به الأئمة . وهذه المؤلفات تعطي لنا تصوراً مجملاً عن نشأة فهم العلل، وأنَّه بدأ في عصر مبكر جداً مقارنة مع بقية علوم الحديث، وعلى الرغم من قدمِ نشأته فقد قوبل بقلة الاهتمام وضعف الجانب.

مؤسسوه وأئمته

أسهم الصحابة والتابعون من بعدهم في بناء صرح فهم العلل، وتوالتِ اللَّبناتُ ترص بعضها بعضاً حتى غدا فهماً لا يُستهان بجنابه، وقد مرّ علينا قبلُ أنَّ فهم العلل بدأ بمحمد بن سيرين ؛ لأنَّه أول من اشتهر بالكلام في نقد الحديث، مروراً بالزهري الذي كان يملي على تلامذته أشياء في نقد الأحاديث وإعلالها. حتى استقر عند شعبة بن الحجاج، وقد جعل أحد الباحثين شعبة هوالمؤسس الحقيقي لهذا الفهم ؛ لأنَّ أحداً قبله لم يتحدث بالدقة والشمول الذينِ تحدث بهما شعبة ؛ ولأنَّ الحديث أصبح صناعة وفناً على يديه، وهوأول من فتّش عن أمر المحدّثين .

وقد شهد له من اتى بعده، نطق الشافعي : ((لولا شعبة ما عُرف الحديث بالعراق)) ونطق ابن رجب الحنبلي : ((وهوأول من وسّع الكلام في الجرح والتعديل، واتصال الأسانيد وانقطاعها، ونقّب عن دقائق فهم العلل، وأئمة هذا الشأن بعده تبع له في هذا الفهم)). وقد أخذ عن شعبة يحيى بن سعيد القطان، وهومن أوائل من صنّف كتاباً في العلل كما ذكر ابن رجب ، وأخذ عنه أيضاً عبد الرحمان بن مهدي وهومن رجال هذا الفن، وعنهما أخذ يحيى بن معين وإليه تناهى فهم العلل، وفيه نطق أحمد : ((ها هنا رجل خَلَقه الله لهذا الشأن))، وعلي بن المديني شيخ البخاري الذي نطق عنه أبوحاتم : ((كان علي بن المديني عَلَماً في الناس في فهم الحديث والعلل))، وأحمد بن حنبل، ثم اتى بعدهم البخاري طبيب الحديث في علله، ومسلم الذي أماط اللثام عن علل خفية في أحاديث الثقات في كتابه " التمييز "، وأبوداود الذي قرر قاعدة عظيمة في هذا الباب مغزاها أنَّه قد يخرّج الحديث المعلول، ويسكت عن بيان علته بقوله : ((لأنَّه ضرر على العامة أنْ يكشف لهم جميع ما كان من هذا الباب... ؛ لأنَّ فهم العامة يقصر عن مثل هذا))، وأبوغرسة الذي لمّ شتات هذا الفهم مع أبي حاتم، وجمع فهمهما عبد الرحمان ابن أبي حاتم في مصنّفه، وتلاهم جماعة منهم النسائي، والعقيلي، وابن عدي، والدارقطني ولم يأتِ بعدهم من برع فيه، وأخال ابن الجوزي نطق قولته فيمن اتى بعدهم : ((قد قَلَّ من يفهم هذا بل عدم)).

انظر أيضا

• متن الحديث
• أجزاء حديثية
• فهم شرح الحديث
• تخريج الحديث
• العلل
• خط الجوامع

المصادر