أناة
عودة للموسوعةالأناة في اللغة هي الحِلْم والوَقار، وأَنِيَ وتَأَنَّى واسْتأْنَى: تَثبَّت، ورجل آنٍ -على فاعل- أَي: كثير الأَناة والحِلْم. وتقول للرَّجل: إنَّه لذوأناةٍ، أي: لا يَعجَل في الأمور، وهوآنٍ: وقور.
- واصطلاحاً: التَّأنِّي والأناة هو: التَّثبُّت وهجر العَجَلَة .
الأناة هي المبالغة في الرِّفق بالأمور والتَّسبُّب إليها . |
الفرق بين الأناة والتَّؤُدَة والحِلْم
يرى كثير من الفهماء أنَّ الأناة والحلم بنفس المعنى، فالحِلْم في كلام العرب هوالأناة والعقل، والسُّكون مع القدرة والقوَّة،
والأناة هي الحِلْم والوقار .
فالأناة هي التَّمهُّل في تدبير الأمور، وهجر التَّعجُّل. والحِلْم هوالإمهال بتأخير العقاب المستحق. |
والتُّؤدة: مفارقة الخفَّة في الأمور،... فالتؤدة تفيد من هذا خلاف ما تفيد الأناة، وذلك حتى الأناة تفيد مقاربة الأمر والتسبب إليه، والتُّؤدة تفيد مفارقة الخفَّة.
الأناة في القرآن والسنة
في القرآن
- نطق الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6].
وقد قرأ جمهور القراء "فتبيَّنوا" أي مِن التَّبيُّن، وقرأ حمزة والكسائي: "فتثبَّتوا" أي مِن التَّثبُّت، والمراد مِن التَّبيُّن هوالتَّعرُّف والتَّفحُّص، والمراد مِن التَّثبُّت هوالأناة وعدم العَجَلَة، والتَّبصُّر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتَّضح ويظهر. .
- ونطق تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النِّساء: 94].
نطق الطبري في تفسيرها: ("فتبيَّنوا" أي تأنَّوا في اغتال مَن أشكل عليكم أمره فلم تفهموا حقيقة إسلامه ولا كفره، ولا تعجلوا فتقتلوا مَن الْتَبَس عليكم أمره، ولا تتقدَّموا على اغتال أحدٍ إلَّا على اغتال مَن فهمتموه -يقينًا- حرْبًا لكم ولله ولرسوله) .
- ونطق تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد: 4].
(خلقها في ستَّة أيام -والله أفهم- لحكمتين:... الثَّانية: أنَّ الله علَّم عباده التُّؤدة والتَّأنِّي، وأنَّ الأهم إحكام الشَّيء لا الفراغ منه، حتى يتأنَّى الإنسان فيما يصنعه، عملَّم الله -سبحانه- عباده التَّأنِّي في الأمور التي هم قادرون عليها).
في السنة
روي عن أنس بن مالك أن رسول الله نطق:
التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلة مِن الشَّيطان . |
نطق ابن القيم: (العَجَلَة مِن الشَّيطان فإنَّها خفَّةٌ وطيشٌ وحدَّةٌ في العبد تمنعه مِن التَّثبُّت والوقار والحِلْم، وتوجب له وضع الأمور في غير مواضعها، وتجلب عليه أنواعًا من الشُّرور، وتمنع عنه أنواعًا من الخير).
ونطق المناوي شارحاً للحديث: (التَّأنِّي مِن الله تعالى أي ممَّا يرضاه ويثيب عليه، والعَجَلَة مِن الشَّيطان أي هوالحامل عليها بوسوسته؛ لأنَّ العَجَلَة تمنع مِن التَّثبُّت، والنَّظر في العواقب) .
روي عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله نطق:
((التُّؤدة في كلِّ شيء خيرٌ إلَّا في عمل الآخرة)). |
نطق القاري: (التُّؤدة أي: التَّأنِّي، ((في كلِّ شيء)) أي: مِن الأعمال. ((خيرٌ)) أي: مستحسن، ((إلَّا في عمل الآخرة)) أي: لأنَّ في تأخير الخيرات آفات. ورُوِي أنَّ أكثر صياح أهل النَّار مِن تسويف العمل. نطق الطِّيبي: وذلك لأنَّ الأمور الدُّنيويَّة لا يفهم عواقبها في ابتدائها أنَّها محمودة العواقب حتى يتعجَّل فيها، أومذمومة فيتأخر عنها، بخلاف الأمور الأخرويَّة؛ لقوله تعالى: فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ – وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ).
روي عن ابن عباس أن رسول الله نطق:
نطق لأشجِّ عبد القيس: (إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم، والأناة) . |
أقوال الفهماء والسلف في الأناة
- ونطق أبوحاتم: (إنَّ العاجل لا يكاد يلحق، كما أنَّ الرَّافق لا يكاد يُسْبَق، والسَّاكت لا يكاد يندم، ومَن نطق لا يكاد يسلم، وإن العَجِل يقول قبل حتى يفهم، ويجيب قبل حتى يفهم، ويحمد قبل حتى يجرِّب).
- ونطق أبوعثمان بن الحداد: (مَن تأنَّى وتثبَّت تهيَّأ له مِن الصَّواب ما لا يتهيَّأ لصاحب البديهة).
- خط عمروبن العاص إلى معاوية يعاتبه في التَّأنِّي، فخط إليه معاوية: (أما بعد، فإنَّ التَّفهُّم في الخبر زيادة ورشد، وإنَّ الرَّاشد مَن رشد عن العَجَلَة، وإنَّ الخائب مَن خاب عن الأناة، وإنَّ المتثبِّت مصيب، أوكاد حتىقد يكون مصيبًا، وإنَّ العَجِل مخطئٌ أوكاد حتىقد يكون مخطئًا).
يُوسُف نموذجًا
تأنَّى نبيُّ الله يوسف مِن الخروج مِن السِّجن حتى يتحقَّق الملك ورعيَّته براءة ساحته، ونزاهة عرضه، وامتنع عن المبادرة إلى الخروج ولم يستعجل في ذلك. نطق تعالى: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ -سورة يوسف-
نطق ابن عطية: (هذا العمل مِن يوسف أناةً وصبرًا وطلبًا لبراءة السَّاحة).
التأني في واحة الشعر
نطق الشَّاعر:
لا تعجلنَّ لأمرٍ أنت طالبُه | فقلَّما يدركُ المطلوبَ ذوالعَجلِ | |
فذوالتَّأنِّي مصيبٌ في مقاصدِه | وذوالتَّعجلِ لا يخلوعن الزَّللِ |
نطق النَّابغة. :
الرِّفقُ يُمْنٌ والأناةُ سعادةٌ | فتأنَّ في رفقٍ تُلاقِ نجاحا |
ونطق زهير:
منَّا الأناةُ وبعضُ القوم يحسبنا | أنَّا بِطاءٌ وفي إبطائِنا سرعُ |
أهمية التأني وفوائده
- يحمي الإنسان من الوقوع في الخطأ والضلال وظلم الآخرين ومن ثم الندم.
ونطق ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: (ما أكثر ما يهلك الإنسان ويزلُّ بسبب التَّعجُّل في الأمور، وسواء في نقل الأخبار، أوفي الحكم على ما سمع، أوفي غير ذلك. فمِن النَّاس -مثلًا- مَن يتخطَّف الأخبار بمجرَّد ما يسمع الخبر يحدِّث به، ينقله،.. ومِن النَّاس مَن يتسرَّع في الحكم، سمع عن إنسان شيئًا مِن الأمور، ويتأكَّد أنَّه نطقه، أوأنَّه عمله ثمَّ يتسرَّع في الحكم عليه، أنَّه أخطأ أوضلَّ أوما أشبه ذلك، وهذا غلط، التَّأنِّي في الأمور كلُّه خيرٌ) .
- حماية الإنسان مِن كيد الشَّيطان وإغوائه له. (كما ورد في الحديث: (..والعجلة من الشيطان).
- نيل محبة الله. كما ورد في الحديث: (فيك خصلتان يحبهما الله الحلم والأناة).
- يعطي التأني انطباعاً ودليلاً على رجاحة العقل والنضج وسكينة النفس وعلوشأنها.
مراجع
- ^ شرح سليم مسلم للنووي (1/189)
- ^ كتاب الفروق اللغوية (1/204)
- ^ لسان العرب لابن منظور (12/146)، (14/48)- مختار الصحاح للرازي (1/24، 80)
- ^ كتاب الفروق اللغوية (1/200)،203،204
- ^ فتح القدير للشوكاني (5/71)
- ^ جامع البيان في تأويل القرآن للطبري (9/70)
- ^ (فتح القدير) للشوكاني (5/71)
- ^ رواه البيهقي وأبويعلى، وحسنه الألباني
- ^ الروح(كتاب) ص258
- ^ فيض القدير (3/184)
- ^ صححه الألباني في (سليم سنن ابن دواد)
- ^ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملا علي القاري (3164\8)
- ^ رواه مسلم (25)
- ^ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي (1/216)
- ^ جامع بيان الفهم وفضله لابن عبد البر (ص2/1127)
- ^ (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) لللالكائي (ص8/1533)
- ^ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية (ص 3/252)
- ^ (بريقة محمودية)، لأبي سعيد الخادمي، (3/65)
- ^ (كتاب العين) للخليل بن أحمد (8/401)، (1/114)
- ^ شرح رياض الصالحين (3/577)
التصنيفات: أخلاق إسلامية, أخلاقيات اجتماعية, بوابة أخلاقيات/مقالات متعلقة, بوابة الإسلام/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات