إبراهيم بن موسى الشاطبي

عودة للموسوعة

إبراهيم بن موسى الشاطبي

هوأبواسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي ،من فهماء الأندلس ، وشهد له الفهماء بملآثره الكثيرة .


اسمه وكنيته ونسبه

هوإبراهيم بن موسى بن محمد أبوإسحاق اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي ، وكنيته التي عهد بها أبوإسحاق ، أما نسبه فليس بالعربي مع أنه نال علوم العربية فبرع بها, فلم ينته نسبه إلى قبيلة من قبائل العرب ، بل هوعالم أعجمي من من تجاوز أجداده للإسلام ، ونسب إلى لخام وغر ناطة وشاطبة فقيل اللخمي والغرناطي والشاطبي.


ولادته ونشأته ووفاته

تعرض الريسوني لمكان ولادة الشاطبي فنطق : " فالأظهر أنه ولد بغرناطة" وسبب هذا حتى الإمام الشاطبي نشأ وترعرع بها ولم يُفهم أنه غادرها ، وسبب عدم ترحاله حتى أسفار الفهماء كانت طلبةً للفهم ، أما الشاطبي فكان الفهم حاضر بلدته ،أما عن وفاته فهي يوم الثلاثاء من شهر شعبان سنة 790 هجري .

شيوخ الشاطبي

تتلمذ الشاطبي على يد الكثير من الفهماء من شيوخ الغرناطيين والوافدين الذين أحسنوا إعداده الأدبي والفهمي في شتى الفروع الفهمية ، ومن هؤلاء


أولاً : فهماء غر ناطة

من أبرز شيوخه ابن الفخار البيري ، وأبوجعفر الشقوري ، وأبوسعيد بن لب ، وأبوعبد الله البلنسي .

ثانياً: الفهماء الوافدين إلي غر ناطة

أما شيوخه من الفهماء الوافدين فمنهم : أبوعبد الله الشريف التلمساني ،أبوعبد الله المقري ،أبوالقاسم السبتي ابن مرزوق الخطيب " الجد" أبوعلي الزاوي . ==تلاميذ الشاطبي== تتلمذ على يد الإمام الشاطبي الكثير من الفهماء الأجلاء الذين شُهد لهم بالفضل في الفهم وقد تنوعت علومهم وإبداعاتهم في جوانب شتى من الفهم وقد اشتهر منهم ، العلامة أبويحيى بن عاصم ، والقاضي الفقيه أبوبكر بن عاصم, والفقيه أبوعبد الله البياني ، وأبوجعفر القصار ، وأبوعبد الله المجاري .

طلبه للفهم

كان الإمام الشاطبي شغوفاً بالفهم طالباً له من أهله ، باحثاً عن كنوزه كاشفاً لأسراره ، حيث جمع أصول العلوم الشرعية ففقه العربية وفنونها على يد شيخه ابن الفخار ، وفقه النحوعلى يد شيخه أبي جعفر الشقوري ، وفقه الفقه والفتوى على يد شيخه أبي سعيد بن لب ، وفقه التفسير على يد شيخه أبي عبد الله البلنسي ، وفقه أصول الفقه على يد شيخيه أبي عبد الله الشريف التلمساني وأبي علي الزاوي ، وفقه القواعد الفقهية على يد شيخه أبي عبد الله المقري ، وفقه العلوم اللسانية على يد شيخه أبي القاسم السبتي ، وفقه علوم الحديث على يد شيخه ابن مرزوق ، الملقب بالجد. فيكون بذلك الإمام الشاطبي حاز فنون جميع علوم الشريعة ، وهذا ما أهله بعد ذلك لينتج نظرياته الفقهية والأصولية التي أوقفت أهل الفهم عندها طلاب ، وأفصحت عن مراد الشارع ، وكشفت لأهل الفهم عنه الحجاب ، حيث عمت به فائدة كبيرة لأهل الفهم.

==منزلته الفهمية بين الفهماء ومؤلفاته== لقد تميز الشاطبي رحمه الله تعالى بمنزلة عالية رفيعة بين فهماء الشريعة الإسلامية ، فتمهر على يديه الكثير من الفهماء الذين خرًّجوا الكثير من الفهماء ، فكان الشاطبي ، نجماً ساطعاً بين فهماء عصره ، حيث ارتقى الشاطبي ، مرتبة الفهماء الذين خلد التاريخ ذكرهم ، فهم الذين أثْرَََوالمخطة الإسلامية بالفكر الذي تستند الأمة عليه ، وقد وصفوه فنطقوا :" هوالإمام العلامة المحقق القدوة الحافظ الجليل المجتهد الأصولي المفسر الفقيه المحدث اللغوي النظارة المدقق البارع صاحب القدم الراسخ والإمامة العظمى في سائر فنون الفهم الشرعي ، الإمام المحقق العلامة الصالح " ، وللإمام الشاطبي مؤلفات كثيرة في مختلف علوم العربية والشرعية ، كالنحووالصرف والإشتقاق والأدب والشعر وعلوم الحديث وفقهه والفقه وأصوله والتصوف والبدع إلى غير ذلك من علوم ، ومن خطه المطبوع ومنها غير المطبوع علي النحوالتالي:

أولاً : المطبوع

طبع للإمام الشاطبي الكثير من الخط التي لاقت القبول عند أهل الفهم وهي :

  • كتاب الموافقات في أصول الشريعة وهومن أنبل الخط في بابه.
  • كتاب الإفادات والإنشادات وفيه طرق وتحف ومدح أدبية وإنشاءات
  • كتاب الإعتصام في أهل البدع والضلالات


ثانياً : غير المطبوعة

ولم تحظ مجموعة أخرى من كتابات الإمام الشاطبي بالطباعة ، وهذه الخط هي :

  • شرح جليل على الخلاصة في أربعة أجزاء
  • كتاب المجالس وهوشرح لكتاب البيوع من سليم البخاري
  • عنوان الإتفاق في فهم الإشتقاق قيل أنه أتلف في حياة الشاطبي واستفاد منه أهل عصره فقط
  • كتاب أصول النحو ، قيل أنه أتلف في حياة الشاطبي
  • شرح الألفية يعني ألفية ابن مالك

ذكر الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في آخر كتابه الإعتصام عن عزمه تأليف كتاب يعالج فيه التصوف وأسماه "ممضى أهل التصوف" ، ولكنا لا ندري هل قام بتأليفه أم لا .

بيان منهجه الأصولي وممضىه الفقهي

نبذة عامة عن منهجه الفهمي

كان للإمام الشاطبي رحمه الله تعالى منهجاً فهمياً متزناً ، حيث كان له مزايا على ما ذكر هوبنفسه فنطق :" وذلك أني ولله الحمد لم أزل منذ فتق للفهم عقلي ، ووجه شطر الفهم طلبي ، أنظر في عقلياته وشرعياته ، وأصوله وفروعه ، لم أقتصر منه على فهم دون فهم ، ولا أفردت من أنواعه نوعاً دون أخر ، حسبما إقتضاه الزمان والإمكان وأعطته المنة المخلوقة في أصل فطرتي ، بل خضت في لجاجه خوض المحسن للسباحة ، وأقدمت في ميدانه إقدام الجريئ .......إلى حتى من علىًّ الرب الكريم ، الرؤوف الرحيم ، فشرح لي من معان الشريعة ما لم يكن في حسابي ......." ولعلها نظرته الكاملة في أخذه للعلوم ، ثم رعته يد الله تعالى لينشأ نشأً بعد آخر ، لفترةقد يكون الإسلام أحوج إلى فهمه الزاخر ، تماشياً مع حاجة الإسلام المتنامية يومأً بعد يوم ، لما يَجِدُّ من حوادث ، فيكون امتداداً بأصل التشريع إلى فرعه ، لتخط السلامة والنجاة لأهل هذا الدين الحنيف ، ولم تكن الطريق ممهدة أمام الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى ، بل قابل الكثير من الصعاب التي أوشكت حتى تثقله إلى الأرض ، وكان من أبرزها ، ما أثاره بعض أهل الفهم الذين عجِّلوا عليه أمره ممن عاصره منهم ، ففهموا مقصده على غير وجهته ، بالإضافة إلى أهل البدع والضلالات الذين لا يذرون في مؤمن إلاً ولا ذمةً ، فاتهموه بكثير من الأمور التي لا تقبل فيمن هودونه ، فاتهموه بأنه يقول أنَّ النادىء لا ينفع ، وجميع أمره أنه لم يلتزم النادىء الجماعي في إمامته للناس ، ونسب إلى التشيع والرفض وبغض الصحابة ، لأنه لم يلتزم ذكر الخلفاء الراشدين في الخطبة ، ونسب إليه تجويز الخروج على الأئمه ، لأنه لم يلتزم ذكرهم في الخطبة ، واتهم بالغلووالتشدد لأنه التزم الفتوى بمشهور المذاهب ، إلى غيرها من أمور ، وقد عبر عمًّا لاقى منهم بما جادت عليه فصاحته فنطق: "بُليتُ يا قومِ والبلوى منوعةُ ..... بمن أُداريه حتى كاد يُرديني . دفع المضرة لا جلبُ لمصلحةٍ ..........فحسبيَ الله في عقلي وفي ديني " . وكان لنشأته السليمة دوراً كبيرأ في المضي قدماً في دربه الصعب ، بل وخط لنفسه آليةً لأخذ علومه عَبر عنها بنفسه فنطق :" فمن هنا قويت نفسي على المشي في طريقه بمقدار ما يسَّر الله فيه ، فابتدأت بأصول الدين عملاً واعتقاداً ، ثم بفروعه المبنية على تلك الأصول " ، فأقبل على أصول الدين بادئ ذي بدء اعتقاداً وعملاً ، ثم ألَّم بفروعه المبنية على تلك الأصول ، وهي طريقة سليمة. ثم شرط على نفسه شروطاً لا يحيد عنها مهما كان الأمر فنطق: " كثيراً ما كنت أسمع الأستاذ أبا علي الزاوي يقول : نطق بعض العقلاء : لا يسمى العالم بفهمٍ ما عالماً بذلك الفهم على الإطلاق ، حتى تتوفر فيه أربعة شروط .... . وهي :

  1. أن يحيط فهماً بأصول الفهم الذي يطلب على الكمال ، .
  2. ثم تكون له القدرة على العبارة عن ذلك الفهم ، .
  3. ثمقد يكون عارفاً بما يلزم عنه ، .
  4. وآخرها حتى تكون له القدرة على دفع الإشكالات الواردة على ذلك الفهم "

وتميز بالتأني قبل الكتابة فنطق:"ولما بدى من مكنون السر ما بدا ، ووفق الله الكريم لما شاء منه وهدى ، لم أزل أقيد أوابده ....." بل والمشاورة في ذلك حيث إنه كان يباحث تلميذه أبا جعفر القصار أثناء تأليفه لمباحث الموافقات ، ولقد وضُح أثر هذه الطريقة في منهجه فبان متانة صنعته .

منهج الإمام الشاطبي الأصولي

تميز الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى بنظرةٍ خاصةٍ لم يعتبرها كثيرٌ من الأصوليين والفقهاء ، وتمثلَ ذلك باعتبار عدة أمورٍ :

  1. من جهة النصوص: وذلك باثبات الكلية والجزئية ، واثبات الاستقراء كدليل لاثبات الحكم بمجموع الصور لا بعضها ، وربط أطراف المسائل النقلية بقرينتها العقلية ، واستنباط الأحكام منها.
  2. من جهة المعاني :فأخذ بالمصالح وضبطها بضوابط سليمة ، ثم قسَّمها ، ثم نظر إلى علاقتها بالتعليل .
  3. من جهة المصادر وضوابط الاستدلال :والتي تحتوي على عدة أمور مهمةٍ ، مما نلمس فيه الكثير من المسائل التي تُؤثر في فهم أصول الفقه ، والتي يفترض أن نعرض لها على النحوالتالي :

أولاً: باعتبار النصوص

  1. اعتبار كليات الشريعة : قام الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى ، باعتبار كليات الشريعة الإسلامية قبل اعتبار النصوص الجزئية ، لأن الكليات ثبتت بتواتر النصوص عليها فهي أبتر من الجزئية ، فوضعها في المقام الأول ، والدليل على ذلك ما ألمح إليه بنصه فنطق :" ولما بدا من مكنون السر ما بدا ، ووفق الله الكريم لما شاء منه وهدى ، لم أزل أقيد أوابده ، وأضم من شوارده تفصيلاً وجملاً ، معتمداً على الاستقراءات الكلية غير مقتصر على الأفراد الجزئية " . فإذا أمعنت النظر تجده قد رسم ملامح منهجه بدقة فائقة يصعب معها اللبس أوالخلل فانظر قوله : " لم أزل أقيد أوابده ، وأضم من شوارده تفصيلاً وجملاً " ، هذا مرشد على إمعانه النظر في النصوص مع إمعان نظره في صور فروعها, ثم قوله: "تفصيلاً وجملاً " وهوبيان لحال نظره في النصوص وما ينبني عليها من فروع ، وتجد هنا حتى نظره في النصوص اعتمد على أمرين أساسيين هما : الأول: نظرة جزئية خاصة باعتبار النص كوحدةٍ تشريعية كاملة . الثاني: نظرة باعتبار باقي النصوص. وهذا يعني عدم الاستقلال بالنصوص الجزئية في فهم مقصودها بل قدَّم عليها النصوص الكلية التي هي أبتر من حيث الدلالة على روح التشريع ومقصد المشرع في ذلك ،.
  1. الاستقراء كمنهج : اعتمد الإمام الشاطبي رحمه الله الاستقراء لأفراد الموضوع منهجاً ، ليثبت بعد ذلك الحكم باعتبار جميع الصور لا بعضها ، ونص على ذلك بقوله : " معتمداً على الاستقراءات الكلية غير مقتصر على الأفراد الجزئية " ، وهومنهج عقلي سليم ، .
  2. ربط أطراف المسائل النقلية بأطرافها العقلية : قام الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى بربط أطراف المسائل النقلية بأطرافها العقلية ، ومن ذلك أنه أوصل أصول المسائل في الكتاب والسنة بامتدادها بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مما جد عليها من أمور ، فتكون المسائل غير متروكة للهوى ولكن مربوطة بأصولها من الكتاب والسنة فلا خلاف في الحكم عليها إذا تم ردها إلى أصلها ، وذلك قوله " ومبيناً أصولها النقلية بأطراف من القضايا العقلية ، حسبما أعطته الاستطاعة والمنة" ، وما لهذه الطريقة من أثر على صحة وسلامة التشريع .

ثانياً: باعتبار المعاني

  1. الأخذ بالمصالح :أخذ الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى بالمصالح وراعى المعاني في تقرير الأحكام ، شأنه شأن الإمام مالك رحمه الله تعالى ، والكثير من الأصوليين الذين اعتمدوا منهج الاستقراء لأحكام الشريعة والنصوص التي أنشأتها ، فكان يأخذ بالمصالح رحمه الله تعالى ويكثر منها شأنه شأن فهماء الممضى المالكي ، لكن ما تميز به رحمه الله تعالى أنه عبر عن ممضىه مبيناً مسببات أخذه هذا مدافعاً عنه أشد دفاع ، ما يظهر الحق ويجلوا الغمامة عن الأعين فنطق: " أما قسم العادات الذي هوجار على المعنى المناسب الظاهر للعقول فإنه استرسل فيه استرسال المدل العريق في فهم المعاني المصلحية..." ويقصد بذلك شيخه مالك رحمه الله تعالى ، مؤكداً حتى سبب الأخذ بالمصالح على هذا النحوتعلق النصوص الشرعية بالمصالح ودوران النصوص الشرعية حيث دارت المصالح ، والحق حتى من عارض الشاطبي في ممضىه ، لم يرى ممضىه رأي الواعي العاقل صاحب اللب السليم الذي يلمح بعين البصيرة ما تقصر عنه أعين العوام ، فهوالمتبع لا المبتدع ، ولقد ارتقى بمنهجية الفقهاء ، وأكمل مسيرة الفقه ، وما ذلك إلا عبر اعتماد منهج مدرسة المدينة المنورة ، عاصمة الدعوة والدولة ، التي بها أصحاب رسول الله وشيوخ التابعين ، وقد عاصر أبناءهم نموالتشريع على يد الخلفاء الراشيد رحمهم الله تعالى ، فهم الذين مثَّلوا ميراث النبوة عملاً لا قولاً ، وحاضرةً عندهم فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستشف الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى بنور الله تعالى ملامح مدرسة النبوة ، فأرسى رواسيها وخط حدودها ، واتى الفقه الحديث بما يحمل من حديث برهاناً على صحة المنهاج وسلامة الطريقة والحمد لله تعالى .

فإذا نظرت في قوله نظر الممعن نظره في ممضىه وأصوله ومقاصده ، تفهم حتى المصلحة هي كما لمحها الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى ، باب يضم روح التشريع لكثير من الأحكام التشريعية ، والتي اتىت النصوص معبرة عنها ، مع ذلك فإن أخذ الإمام الشاطبي هذا للمصالح ، كان مقيداً بشروط ذكرها هو، مما يجعله في دائرة التشريع لا خارجها ، وهي على النحوالتالي :

    1. عدم الخروج على مقاصد الشريعة بشيء ،مما يضمن انسجام أحكام الشريعة مع بعضها البعض مع عدم مخالفتها لمصادر التشريع .
    2. ألا يناقض أصلاً من أصول التشريع ، مما يضمن الثبات في مسيرة التشريع . حيث يقول الشيخ أبوزهرةعن الممضى المالكي : ".., نعم مع مراعاة مقصود الشارع حتى لا يخرج عنه ولا يناقض أصلاً من أصوله ، حتى لقد استشنع الفهماء كثيراً من وجوه استرساله ، زاعمين أنه خلع الربقة وفتح باب التشريع ، وهيهات ، ما أبعده من ذلك رحمه الله ، بل هوالذي رضي لنفسه في فقهه بالإتباع ، بحيث يخيل للبعض أنه مقلد لمن قبله " ، بل ووضع ضوابط للمصالح وأقسامها ، فقام الشاطبي رحمه الله تعالى بوضع ضوابط وتقسيمات للمصالح ، هي واجبة لفهم مقاصد الشريعة وهي طريق فهم الكتاب والسنة ، أوبصورة أوضح ضبط مقاصد التشريع بضوابط وحدود تميز بعضها عن بعض وسيأتي الحديث عنها عند الحديث عن المصلحة وعلاقتها بالعلة إذا شاء الله تعالى ، وتوج ذلك بنظرته الخاصة لمسألة التعليل ، فقد نظر الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى لموضوع تعليل الأحكام بنظرة خاصة فأرسى مراسي الفهم السليم لمسألة التعليل من خلال الكتاب والسنة ، الذي ينبني عليه أثره المرجومنه ، في تطور الفقه الإسلامي وصلاحه ، ولقد رسخ فيه معنيين هما: الأول : وجوب أخذ النصوص بمقاصدها ، الثاني: وجوب إدخال التفسير المصلحي في فهم معانيها وأحكامها ، وسنخوض فيها في حينها إذا شاء الله تعالى .

ثالثاً: باعتبار المصادر وضوابط الاستدلال

  1. الأدلة والمذاهب : إذا أبرز المقومات التي تعتمد عليها المذاهب الفقهية بحيث هي مدرسة تشريعية تلعب دوراً فاعلاً في بناء وبيان فلسفة التشريع ، هي الأدلة التي تعتمد عليها تلك المذاهب ، أما الممضى المالكي فإنه منشأ النظرة المقصدية بضوابطها التي نص عليها الشاطبي والفقهاء من بعده ، ونرى مدى تفرعها واتساعها ، لذا كان الإمام مالك الأكثر اعتباراً لمصادر التشريع حيث سجل له أخذه بالكتاب والسنة والإجماع والقياس وقول الصحابي وقول التابعي والاستصحاب والمصالح المرسلة, والعهد والعادة والاستحسان ، فأخذ جميع ما أنتجته هذه الأدلة جميع في محله .
  2. أخذ الإمام الشاطبي بالأدلة: كان ممضى الإمام الشاطبي رحمه الله ، حتى يأخذ بالدليل الأقوى ويذر سواه ، ما لم يوجب ذلك حرجاً ، وإلا كان يجمع بينهما ، فيقدم الكتاب على السنة ، والسنة على القياس ، والقياس على قول الصحابي ، وقول الصحابي على قول التابعي ، والأثر على المعقول ، وهكذا فانظر مانقل الشيخ محمد ابوزهرة عن صاحب كتاب المدارك ما نصه " وأنت إذا نظرت لأول وهلة منازع هؤلاء الأئمة ومآخذهم في الفقه ، واجتهادهم في الشرع ، وجدت مالكاً رحمه الله ناهجاً في هذه الاصول منهاجاً, مرتبا لها مراتبها ومدارجها ، مقدما كتاب الله على الأثار ، ثم مقدماً لها على القياس والإعتبار ، تاركاً منها مالم يتحمله الثقات العارفون لما تحملوه .... " .
  3. سَد الذرائع وأَبطل الحِيل: إذا الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى أخذ بقاعدة سد الذرائع وأبطل الحيل ، فإن كان قد فتح باب المصالح على مصراعيه فقد جعل وسيلة يرتب بها هذه المصالح مع بعضها البعض بحيث تتدافع ولا تتعارض ، وما مفهوم سد الذرائع إلا ذلك وهودفع المصلحة الأقوى الراجحة للمصلحة الأضعف المرجوحة ، لكنَّ جهد مالك والشاطبي لم يقتصر ليضبط فقط تلك المصالح الظاهرة بل تعد إلى أبعد من ذلك ليضبط نوعين آخرين من المصالح وهما : الأول: المصالح التي ظاهرها من جهة المكلف المصلحة ولغلبة الظن الحدثة الأخيرة فيها, . الثاني: تلك المصالح والتي يكثر وقوعها مفسدة مع حتى الظن الغالب فيها المصلحة ، ولعل هذا ما عده الفهماء مغالاةً عند مالك ، ولقد دافع عنه الشاطبي رحمه الله في ذلك وأبان الحق للفهماء فنطق: "إن مالك اعتبرهُ في سد الذرائع ، بناء على كثرة القصد وقوعاً ، وذلك حتى القصد لا ينضبط في نفسه لأنه من الأمور الباطنة ، لكن له مجال هنا وهوكثرة الوقوع في الوجود أوهومظنة ذلك ، فكما اعُتبرت المظنة وإذا صح التخلف كذلك تعتبر الكثرة لأنها مجال القصد ، ولهذا أصل وهوحديث أم ولد زيد ابن أرقم وهوماروي عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنها نطقت دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته على عائشة رضي الله عنها فنطقت أم ولد زيد بن أرقم :" إني نظير غلاماً من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فنطقت لها بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حتى يتوب" . فترى أنَّ الشاطبي رحمه الله علَّلَ اعتبار مالك كثرة الوقوع مفسدة محل غلبة الظن ، بأن غلبةُ الظن في القصد ممنوعة لأن القصد باطن لا ظاهر ، ولكنَّ كثرة الوقوع مظهر لهذا القصد بدليل إقبال الناس عليه ، وهذا يحل محل غلبة الظن ، مع الفهم حتى غلبة الظن هي في تحقيق المفسدة في ذات العمل والكثرة في الوقوع مرشد على إيراد هذه المفسدة على هذا الوجه وقد وضح ذلك حديث أم ولد زيد ابن أرقم فها الصحابي الذي شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المواقع كلها لا يقبل فيه قصد الربا فكان غلبة ظنه حتى هذا الوجه في البيع جائز لكن ظنه هذا لم يوافق واقعاً بل إذا سقط البيع ممنوع وظنه باطل ، أكد ذلك تغليظ أم المؤمنين له ، والظاهر أنها لا تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه إلا توقيفاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرى مجرى روايتها ذلك عنه ، وسبب التغليظ ، لأن ذلك البيع يعد ذريعة إلى الربا فإنه يدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلى أجل معلوم ، وكذلك روي عن ابن عباس في مثل هذه المسألة أنه نطق أرى مائة بخمسين بينهما حريرة يعني خرقة حرير جعلاها في بيعهما ..

4- الشاطبي والعادات :

أخذَ الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى بالعادات واستثمرها بطريقة غريبة ناظر فيها عادات العرب التي اعتبرها الشرع الحنيف ، بما توارث الناس من عادات أخرى ، وهومنهج الإمام مالك حيث يقول الشيخ أبوزهرة : " ثانيهما : حتى مالكاً كان يتجه إلى العادات القانونية التي كانت معروفة عند أهل المدينة ، فيضفي عليها مسوحاً دينيةً ، وحتى تلك العادات هي صورةٌ للعادات العربية القديمة ، لم تتفق بعد مع الدين تماماً ولكنها عادات نشأت من محيط المعاملات ، وقد ظهر بعضها لمالكٍ كأنه السنة ، أوحمَّله اسم السنة ، وليس ذلك إلا إصباغا لعادات قانونية عربية بصبغة الدين ، وإزالة لما عساهقد يكون مخالفاً للدين من هذه العادات." ، ومعنى ذلك حتى الإمام الشاطبي رحمه الله وشيوخ الممضى المالكي قاموا بتصفية تلك العادات وتقريبها إلى الإسلام بما يقبله الإسلام ولا يرده ، أما ما خالفه فقد هجروه ووازعهم في ذلك حتى مجمل هذه العادات عادات عربية قديمة اعتبر التشريع صوراً كثيرةً منها ، وقوََّمََ بعضها فكانت منهجية الإمام الشاطبي لينة تستوعب ما وافق التشريع وتهجر ما خالفه من عادات توارثتها الأجيال ، ولقد نص الإمام الشاطبي رحمه الله على ذلك فنطق:" جميع أصل فهمي يُتخذُ إماماً في الفهم فلا يخلوحتى يجريَ به العمل على مجرى العادات في مثله ، بحيث لا ينخرمَ منه ركن ولا شرط أولا ، فإن جرى فذلك الأصل السليم . وإلا فلا.. " وهذا يعني حتى الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى اعتبر الدليل على صلاح الأصل الشرعي للاستدلال جريانه مع أعراف الناس وعاداتهم وجعل لذلك شرطاً: وهوعدم مخالفة أحد أركان هذا الأصل لمجرى العادات ، ولقد عبر عن ذلك صراحة بقوله : " .. فإذن جميع أصل شرعي تخلف عن جريانه على هذه المجاري فلم يطردَ ولا استقام بحسبها في العادة فليس بأصل يعتمد عليه ولا قاعدة يستند إليها " . منهج الشاطبي الفقهي :

لقد كان الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى مالكي الممضى تفهم في مدرسة غر ناطة حيث شاع ممضى مالك بلاد الأندلس جميعها ، حيث ينقل لنا الشيخ محمد أبوزهرة قول القاضي عياض في بيان البلاد التي انتشر بها ممضى مالك فيقول " غلب ممضى مالك على الحجاز والبصرة ومصر ، وما وآلاها من بلاد أفريقية والأندلس وصقلية والمغرب الأقصى إلى بلاد من أسلم من السودان إلى وقتنا هذا ، وظهر ببغداد ظهوراً كثيراً ثم ضعف بعد أربعمائة سنة ، وظهر بنيسابور ، وكان بها وبغيرها أئمة ومدرسون..." ، فتتلمذ على يد مشايخها وتميز بالفهم العميق ، مما أهله بعد ذلك حتى يخرج كنوزه للناس ما لم يعمله سواه من مشايخ هذا الممضى ، وهوالذي كشف الحجاب عما قصد إليه مالك ولم يعبر عنه صراحة بل وضع أسس بنيان شامخ اتىت مدرسة الشاطبي المقصدية ثمرة من ثماره ، ثم نظرته للتعليل ثمرة أخرى .


المصادر

  • رسالة ماجستير " تعليل الأحكام الشرعية عند الإمام الشاطبي " للباحث عدنان على اسبيته من خلال دراسة كتابي الإمام الشاطبي " الموافقات في أصول الأحكام وكتابه الإعتصام " ، نوقشت الرسالة في الجامعة الإسلامية بغزة بتاريخ 21/9/2005 على يد د. محمد يونس ود. ماهر الحولي تحت إشراف د. زياد مقداد.
تاريخ النشر: 2020-06-04 03:27:15
التصنيفات: أندلسيون, علماء دين سنة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

السجن 10 سنوات لمتطرف هدد بـ«تصفية» الرئيس التونسي

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:42
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 88%

وثيقة مسربة تكشف كيف باعت تونس موقفها تجاه "الصحراء المغربية" لنظام العسكر

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:35
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 78%

«جدة بريشتنا».. معرض فني يجمع تشكيليي «جسفت» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:53
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 57%

بوتين وشي يشيدان بالعلاقات بين بلديهما وسط كفاح روسيا في الح

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:22:45
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 57%

لماذا يصعب التنبؤ باتجاهات «كوفيد-19» في 2023؟

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:45
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 86%

الكشف عن الإقرارات الضريبية لترمب

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:43
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 99%

النصر السعودي يتفق مع البرتغالي رونالدو… وترقب للتوقيع

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:37
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 93%

«صاروخ ماديرا» يرفع أسهم النصر - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:52
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

كريستيانو رونالدو يوقع مع النصر السعودي والإعلان الرسمي بات وشيكا

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:32
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 82%

مصر: محاولات حكومية لحلحلة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:42
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 93%

متظاهرون في جنوب شرقي إيران ينتقدون خامنئي مع تجدد الاحتجاجات

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:35
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 87%

البرازيل تنكس أعلامها ثلاثة أيام حدادا على الجوهرة بيلي

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:24:10
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 70%

تبون يرحّب بـ«علاقة الثقة» الجديدة بين الجزائر وباريس

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:39
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 92%

رئيس الإمارات وأمير قطر يبحثان القضايا المشتركة

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:36
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 94%

جماهير عسير: سيتصدر «الاتحاد» من بوابة «أبها» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:54
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 69%

كورونا: 6 إصابات جديدة مع عدم تسجيل أي وفاة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:24:07
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 62%

تيزي وزو: القبض على المتهمين بقتل عجوز في الـ 70 من عمرها بعد خنقها 

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:24:16
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

وفاء سالم لـ«الشرق الأوسط»: قرار اعتزالي الفن نهائي

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-12-30 21:23:46
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 94%

تحميل تطبيق المنصة العربية