الجمـرة الخبيثـة: السلاح البيولوجي الأول للقـرن الحادي والعشرين

عودة للموسوعة

الجمـرة الخبيثـة: السلاح البيولوجي الأول للقـرن الحادي والعشرين

Anthrax
تصنيفات ومصادر خارجية
Microphotograph of a Gram stain the bacterium Bacillus anthracis which causes anthrax.
ICD-10 A22.minor
ICD-9 022
OMIM [1] 606410 608041
DiseasesDB 1203
MedlinePlus 001325
eMedicine med/148 
MeSH D000881
Color-enhanced scanning electron micrograph shows splenic tissue from a monkey with inhalational anthrax; featured are rod-shaped bacilli (yellow) and an erythrocyte (red).

المنظور الطبي للحرب البيولوجية والكيميائية

Medical aspects of medical and biological warfare انتابت العالم في الشهور القليلة الماضية حالة من الهلع حين خيم شبح الحرب البيولوجية بظلاله مهدداً بالهلاك الصامت عبر رسائل بريدية تحمل جراثيم الجمرة الخبيثة الفتاكة, فالحرب البيولوجية تعمل بحق على إعادة تغيير خريطة العالم ونمط المجتمعات, والسهولة النسبية في الوصول إليها أسلحتها تجعلها أكثر خطورة على حياتنا في المستقبل القريب والبعيد على نحوسواء. توفر الأسلحة البيولوجية للدول الأقل قوة فرصة للوصول إلى (ساحة اللَّعب) للقاءة القوى العسكرية العظمى في العالم. وعلى الرغم من حظر استخدام هذه الأسلحة بمقتضى اتفاقيات زاد عمرها على خمس وسبعين عاماً, إلا حتى تداولها خلال القرن الماضي قد لاقى رواجاً خفيَّاً; إذ اقتحمت بعض الدول الحمراء هذا المجال وشاركها في ذلك عدد من الجماعات الإرهابية حين قدّمت لها الأسلحة البيولوجية على طبق من مضى السلاح الصامت الفعّال الذي يؤدي إلى القتل الجماعي المؤكد وينتهي بها إلى رد عمل شعبي هائل الصدى! وتغلبت هذه الجماعات على الحواجز التكنولوجية نتيجة لزيادة تدفق المعلومات واتساع مداخل التقنية, وسرعان ما نجحت في التدرّب على سيناريوالحرب البيولوجية الذي لم يتح لها من قَبْل, وعبر إمدادات (الإنترنت) توفّرت لها المعلومات الجاهزة لفهم القدرات التي تتمتع بها الأسلحة البيولوجية وزال الغموض الذي اكتنف الكيفية التي يمكن بها امتلاك وإنتاج ونشر أسلحة هذه الحرب. ونعد الأسلحة البيولوجية على رأس ثالوث الرعب الذي يطلق عليه أسلحة الدّمار الكامل (Weapons of mass destruction; WMD) أما ضلعا المثلث فهما الأسلحة النووية (Nuclear weapons) والأسلحة الكيميائية (Chemical weapons). ويمكننا القول بكل الثقة حتى الأسلحة البيولوجية الآن ــ وهي في مهدها ــ قد فاقت نظيرتيها قوة وجاذبية وحظيت باهتمام عالمي وعسكري واسع النطاق, ولعل هذا يرجع إلي خمسة مسببات رئيسية ترجِّح كفتها وهي كالتالي:

Bacillus anthracis
Photomicrograph of Bacillus anthracis (fuchsin-methylene blue spore stain).
التصنيف الفهمي
مملكة: Bacteria
Phylum: Firmicutes
Class: Bacilli
Order: Bacillales
Family: Bacillaceae
Genus: 'Bacillus'
Species: ''B. anthracis''
Binomial name
Bacillus anthracis
Cohn 1872
Structure of Bacillus anthracis.

أولاً: إذا الأسلحة البيولوجية زهيدة الثمن

تكون هذه الأسلحة زهيدة الثمن في إنتاجها إذا ماقورنت بأسلحة الدمار الكامل, فهي قادرة على اغتال ملايين البشر ولها نفس التأثير المهلك الذي تحدثه قنبلة نووية!! جميع ماتحتاجه هوتجهيز مختبر بعدد محدود من العمالة المدربة لاستنبات كمية كبيرة من البكتريا الحيّة في غضون عدة أيام, في حين لن تزيد تكلفة إنتاج هذه الأسلحة عن 800:1 من تكلفة إنتاج أسلحة الدمار الكامل الأخرى!

ثانياً: الأجهزة والأدوات المستخدمة قانونية

تستخدم الأجهزة والأدوات اللازمة لتحضير الأسلحة البيولوجية في إنتاج اللقاحات (Vaccines) والمستحضرات الدوائية الأخرى, فهي ثنائية الاستخدام ومن ثمّ فلا يمكن معاقبة من تضبط في حوزته لأنها تجهيزات قانونية يمكن استخدامها بعينها لأعراض فهمية نبيلة. إذن يمكن للمُعِدّ إنكار تورطه في حيازة هذه الأدوات بسهولة نافياً عن نفسه التّهمة. كما يساعد هذا الاستخدام الثانئي أيضاً للأجهزة على تخفيض التكلفة الكاملة لإنتاج الأسلحة البيولوجية; إذ يمكنها أداء أنشطة قانونية لإنتاج مواد استهلاكية يطلبها السوق الدوائي ولها هامش من الربح.. لاريب حتى هذه القدرة تعني إمكانية استغلال كفاءة الأفراد المدربين على الوجهين: الوجه القانوني والوجه غير القانوني!

ثالثا: تؤدي إلى الهلاك والدّمار في صمت وسكون

تدوّي الأعيرة النارية سريعاً, وتحدث القنابل دماراً ملحوظاً, وعادة مايصاحب تأثيرها حدثاً درامياً رهيباً, أما الأسلحة البيولوجية فتعمل في صمت لتؤدي دورها الكريه في إحداث الدمار دون حتى يلحظها أحد, فالضحايا لاينتبهون عادة إلا والهجوم قد شق طريقه إليهم ونال منهم في دهاء. تخيّل حتى هناك أسلحة عديمة اللون والطعم والرائحة والصوت يمكن حتى تقتل أعداءك, وكل ما يحتاج إليه المجني عليه هوحتى يأخذ نَفَساً عميقاً من هذه السحابة غير المرئية, وبعدها يلقى مصيره الأبدي المحتوم!

رابعاً: تعمل الأسلحة البيولوجية في وقت لاحق

تعمل معظم الأسلحة العسكرية فوراً للحصول على التأثير المرغوب, ولكن الأسلحة البيولوجية على العكس من ذلك تماماً, فهي تظهر نتائجها في وقت لاحق بعد انقضاء فترة حضانة السقم (Incubation period) وتتراوح عادة بين يوم إلى نحوستين يوماً حسب نوع السلاح البيولوجي, مما يجعلها أكثر خبثاً. هَبْ حتى مهاجما يعهد حتى حشود فرق الأعداء المرابطة على الحدود ستتلاشى في غضون 72 ساعة (في حالة الجمرة الخبيثة) أوسيكون هذا مصير معظمهم حين تبدأ الأعراض في الظهور عليهم.. إنه يخطط لتحركاته في ظل نتائج مؤكدة سيمنى بها عدوه!

خامساً: القدرة على الإنكار

حتى هذا الوقت لايمكن مطابقة سَلْسَلَة الحمض النووي الدنا (Sequensing of DNA) للسلاح البيولوجي المستخدم في الهجوم بالحمض النووي الذي يمتلكه المعدِّ لهذا السلاح, وبالتالي لنقد يكون هناك مرشد دامغ على اتهام مجموعة من الأشخاص واثبات التهمة عليهم دون آخرين, إلى غير ذلك يحتمي صانعوا هذا السلاح وراء ستار كثيف من الغموض والإنكار. وعوضاً عن هذه المميزات السالفة الذكر التي تتمتع بها الأسلحة البيولوجية تحمل الجمرة الخبيثة كسلاح بيولوجي رقم واحد في هذا القرن عدداً آخر من الخصائص الفريدة تجعلها تحتل قائمة المهددات البيولوجية والعسكرية الأكثر فتكاً ودهاء, ومنها:


شديدة الفتك (Highly lethal):

يلقى نحو100% من الحالات المصابة مصرعها من جراء استنشاق الرذاذ الملوث بهجريز قاتل بأبواغ الجمرة الخبيثة (Anthrax spores). ويبلغ هذا الهجريز القاتل نحوثمانية آلاف إلى 50 ألف من الأبواغ.

غير مُعْدِيَة (Non contagious):

مما يجعل جيشاً يستخدمها ضد آخر دون ثمة تخوف من حدوث انتشار ثانوي, ويضعها في مرتبة الأسلحة الموجهة توجيهاً حاداً نحوفئة معينة, وهذه الظاهرة لها جاذبية عسكرية خاصة في تكتيك وتطبيق العمليات الدقيقة التي لها أبعاد استراتيجية ذات نطاق محدّد, وعلى عكس الجدري والطاعون التنفسي, فكلاهما مُعدٍ, مما يعرقل العمل العسكري في نطاق استخدامها.

يمكن الوقاية من الإصابة بسهولة إذا تم التحضير لذلك مسبقاً: فهناك لقاح واقٍ, وجرعات من المضادات الحيوية الفعالة التي يمكن استخدامها مسبقاً لحماية الجيوش من خطر الإصابة بها, وهي خاصية متميزة تحمل الروح المعنوية للقوات الغازية وهي مطمئنة على حماية نفسها وواثقة من هلاك عدوها حين تقتحم منطقة ملوثة بالسقم.

يمكن تخزينها لفترات طويلة (Store for long periods):

حيث تظل صالحة للاستعمال لعدة سنوات, وليس للعوامل الجوية تأثير قوي عليها, حيث تستطيع الأبواغ البقاء لفترات طويلة في بيئات غير ملائمة, وقد تم اختبار أبواغ الجمرة الخبيثة في عام 1940 في جزيرة على ساحل اسكتلندا, وقد ظلت باقية حتى تم التخلص منها بإزالتها في عام 1986.


ثابتة في الأجواء المتنوعة للمعارك (Stable):

تتأثر بعض الأسلحة البيولوجية أثناء رشها على الهدف, أوبتأثير بعض الأسلحة النووية الأخرى, ولكن صلابة الجمرة الخبيثة وثباتها يسمح ببقاء تأثيرها المهلك في أجواء الحرب, فهناك سلاح بيولوجي يمكن استخدامه بين أسلحة المدفعية والقذائف ومدافع الهاون بمجرد الرّش.


مقاومة للأشعة فوق البنفسجية (UV-resistant):

تعمل أشعة الشمس (الأشعة فوق البنفسجية) على القضاء على كافة الأسلحة البيولوجية عدا عاملين فقط هما العصويات الجمرية (Bacillus anthracis) المسببة للجمرة الخبيثة والكوكسيلة البورنيتية (Coxiella burnetii). فكلاهما مقاوم للانحلال بعمل أشعة الشمس.

فترة الحضانة قصيرة (Short incubation period):

إذا كان هناك ثمة سلاح يمكن التنبؤ بظهور آثاره على نحودقيق فإنه سيكون بالتأكيد هوالأسهل , استخداماًعدة أيام, تكون الأقرب لإعداد , وإذا كانت آثاره لاتستغرق سوى الخطط التكتيكية في الحروب الحضانة (بين الإصابة وظهور أعراض , وتتراوح فترة السقم الخبيثة. وهناك أسلحة بيولوجية ) من يوم إلى ستة أيام في حالة الجمرة أخرى مثل داء البروسيلات تتباين فيه فترة الحضانة في تفاوت (Brucellosis) كبير (منخمسة أيام إلى 60 يوماً).

متوفرة بسهولة (Easily available):

فهومن الأمراض الحيوانية التي تحدث حول العالم, وعينات التربة المأخوذة من المواقع المتنوعة تجعله متوفراً في مواقع متباينة. وفضلاً عن ذلك يوجد ما يقرب من 1500 مستودع للأحياء المجهرية الدولية التي تبيع المستنبتات للمختبرات والشركات المنوطة بإعداد اللقاحات ولأغراض وقائية وعلاجية.

سهلة الإنتاج (Easy to produce):

فكما أشرنا سابقاً, أنها لاتحتاج إلى تجهيزات خاصة أوأدوات دقيقة. وعلى العكس من ذلك, فإن الأدوات والتجهيزات اللازمة ثنائية الاستخدام في الأعراض القانونية (الدوائية ـ والتشخيصية) وغير القانونية (كأسلحة بيولوجية).

ذات حجم مناسب: يبلغ حجم عصويات الجمرة الخبيثة نحو5-1 ميكرون, وهوالحجم النموذجي الذي يمكن استنشاقه ليصل بسهولة إلى الحويصلات الهوائية ب الرئة, فالأحجام الأكبر من الأسلحة البيولوجية الأخرى تطرد عبر مجرى تنفس للخارج مرة ثانية دون حتى تحدث تأثيراً يذكر.

يمكن استخدامها على شكل مسحوق أوسائل: مما يسمح بقدر من المرونة في اختيار الخطة الملائمة للاستعانة بها للقضاء على العدو.

Anthrax skin lesion.


كمية صغيرة منها تسبب دماراً شاملاً:

حيث قدرت وزارة الدفاع الأمريكية حتى نحو64 رطلاً من الجمرة الخبيثة التي نشرها من طائرة على شكل رذاذ (Aerosol) أوغاز تؤدي إلى نحوثلاثة ملايين إصابة على منطقة تماثل واشنطن في ظل ظروف مناخية ملائمة.

والآن, دعونا نستعرض الجوانب الطبية لداء الجمرة الخبيثة:

*المقدمة والسَّرْد التاريخي:

تعد الجمرة الخبيثة داء حيوانياً (Zoonotic disease) ينجم عن العدوى بالعصويات الجمرية (Bacillus anthracis) ويصيب الحيوانات الأليفة والمفترسة, وبخاصة الحيوانات آكلة العشب كالخراف والماعز والماشية والخيول والخنازير. ويصاب الإنسان عادة بالعدوى عن طريق مخالطة الحيوانات المصابة أوالمنتجات الحيوانية الملوثة, وغالباً ما تحدث الإصابة البشرية عن طريق الجلد, ونادراً ما تتم العدوى عن طريق الجهاز التنفسي أوالهضمي. وقد كان للجمرة الخبيثة سجل حافل مع الإنسان على مر التاريخ إذ ورد ذكرها في سِفْر الخروج من التوراة (Exodus) حيث يعتقد أنها الضربة الخامسة التي أصابت الحيوانات الأليفة والمواشي في مصر والتي أعقبها الإصابة الجلدية للإنسان ببثور وقرح. وقد ظلت أوروبا تعاني من داء الجمرة الخبيثة طوال الفترة بين القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر, واحتل مكانته كأحد الأمراض الحيوانية الهامة ذات الأثر الوخيم على اقتصاد البلاد. ثم ارتبط هذا الداء بنشأة العلوم الميكروبيولوجية (علوم الأحياء الدقيقة) والمناعية لكونه أول سقم تم تعيين نشأته الجرثومية بصورة حقيقية مؤكدة على يد العالم الألماني روبرت كوخ (Robert Koch) [1910-1843], في عام 1876. كما يعتبر أول سقم تم اكتشاف لقاح فعّال مضاد له من البكتريا الحيّة (Live bacterial vaccine) بفضل العالم الفرنسي لويس باستير (Louis Pasteur) [1895-1822]], عام 1881. وظهر في النصف الأخير من القرن التاسع عشر نمطاً جديداً من الجمرة الخبيثة لم يعهده العالم من قبل أطلق عليه الجمرة الخبيثة الاستنشاقية (التنفسية) (Inhalational anthrax) وقد أصاب هذا النوع فرّازي الصوف في إنجلترا نتيجة تولد رذاذ (Aerosol) وأبخرة مُعدية من أبواغ الجمرة الخبيثة (Anthrax spores) أثناء عملية تصنيع وتشغيل شعر وصوف النعاج, وتمثل هذه الحالة أيضاً أول سقم تنفسي مهني أمكن وصفه (First occupational respiratory disease). كما تم استخدامها في القرن العشرين كسلاح بيولوجي شديد الفعالية لما تسببه أبواغها من عدوى تنفسية ذات معدلات وفاة هائلة تعقب استنشاقها, وتعاظم الاهتمام العسكري بها عقب حدوث أكبر وباء للجمرة الاستنشاقية في مدينة (س ردلوسك) (Severdlovsk) في الاتحاد السوفيتي السابق (روسيا) عام 1979, إذ انطلقت أبواغ الجمرة الخبيثة من مرفق للأبحاث العسكرية يقع عند مهب الريح على منطقة تبعد 50 كيلومتراً من المسقط, وقد رصدت فيها حالات الإصابة.

*الجرثومة (The organism):

العصويات الجمرية (Bacillus anthracis) هي بكتريا حية موجبة الجرام, مكوّنة للأبواغ, غير متحركة, يتراوح حجمها بين (1.5-1 ميكرومتر x 10-3 ميكرومتر), وتنموهوائياً (Aerobically) على أجار دم الخراف ولاتقوم تحت هذه الظروف بحل الدم (Non hemolytic). وتكون مستعمرات هذه الجراثيم كبيرة, خشنة, ذات لون أبيض رمادي تنموبطريقة غير منتظمة وخارج الحافة, وتستطيع تكوين محفظة بارزة (Prominent capsule) في وجود البيكربونات وثاني أكسيد الكربون سواء داخل الأنابيب (In vitro) أوداخل الأنسجة الحية (In vivo). وتعيش الجرثومة داخل النسيج الحي محاطة بمحفظة (Capsule) على شكل فرادي أوسلاسل تتكون من عصيتين أوثلاثة دون حتى تكوّن أبواغاً داخل الأنسجة الحية على الإطلاق, وتحدث عملية تكوين الأبواغ (Sporulation) فقط إذا تعرّض الجزء المصاب للأكسجين. وتتميز هذه الأبواغ بشكلها البيضاوي ومقاومتها العالية وقدرتها على البقاء حية لعقود طويلة في ظل ظروف بيئية معينة للتربة التي تقع عليها, ويتم التعهد على وجودها يقينياً بالكشف عن مكون ذيفان المستضد الواقي (Protective antigen toxin component) أوانحلالها باستخدام لاقم بكتيري (عاثية) نوعي (Specific bacteriophage), كما يمكن تعيين المحفظة بواسطة ضد متألق [[[Flouorescent]] antibody), والفوعة (Virulence) في الخنازير الغينية (Guinea pigs), فضلا عن مجموعة من الاختبارات التأكيدية الإضافية التي شقّت طريقها نحوالنور والتي تعتمد على تعيين الذيفان وجينات المحفظة باستخدام تفاعلات سلسلة البوليمراز (Polymerase chain reaction;PCR) التي تم تطويرها كأدوات بحثية.



*الوبائيات (Epidemiology):

تعد الجمرة الخبيثة داء واسع الانتشار على الصعيد العالمي, حيث تتواجد الجراثيم في التربة على شكل أبواغ لفترات طويلة من الزمن, ويبقى هناك استفسار حائر عما إذا كان تكاثر هذه الجراثيم يحدث داخل التربة, أم أنها مجرد دورات من التكاثر تتوالى داخل الحيوانات المصابة قبل دفنها في التربة? وكما أشرنا سابقاً حتى هذه الجراثيم تعيش داخل الحيوانات المصابة على شكل عصوي, ولايحدث التجرثم وتكوين الأبواغ إلا بعد حتى تتعرض الجرثومة نفسها للهواء بعد دفن الحيوان المصاب وتحلله. وتبدأ دورة الحياة حينما تقوم الحيوانات الأليفة أوالمتوحشة بابتلاع الأبواغ أثناء تناولها الأعشاب من أرض ملوثة, وتعمل الظروف البيئية كالجفاف على زيادة احتمالات الإصابة بالفم, إذ حتى تناول الأعشاب اليابسة يؤدي إلى حدوث جروح بتجويف الفم أثناء المضغ, وينتقل السقم من حيوان لآخر بطريقة ميكانيكية عن طريق عضات الحشرات الطائرة, بينما تنتقل من مكان لآخر عن طريق الذباب والسنور.

*متى يصاب الإنسان بالجمرة الخبيثة?

يصاب الإنسان بالجمرة الخبيثة إذا تعرض لمخالطة الحيوانات المصابة أوتناول منتجات حيوانية ملوثة. وينتشر السقم في المناطق الريفية من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط أثناء مخالطة الحيوانات الأليفة الملوثة أودفن الحيوانات المصابة بصوفها وشعرها وعظمه, إلى غير ذلك تؤدي ملامسة المواد الملوثة إلى حدوث الإصابة الجلدية (Cutaneous form), ولكن من النادر حتى نصادف الآن إصابات ناجمة عن عمليات تصنيع الشعر والصوف والجلد والعظام الملوثة كما كان يحدث من قبل, وتحدث الإصابة الفمية البلعومية (Oropharyngeal anthrax) أوالهضمية (Gastrointestinal) عند تناول اللحوم المصابة, كما تحدث الإصابة الاستنشاقية (التنفسية) (Inhalational anthrax) عند استنشاق كمية كافية من الرذاذ والأبخرة المشبعة بالأبواغ في مساحة مغلقة أثناء عمليات تصنيع الصوف أوالشعر الملوث. ولايمكن الاعتماد على التقارير المتوفرة وحدها لتقدير عدد المصابين بالجمرة الخبيثة سنوياً على نحودقيق, غير حتى التقدير الذي تم إعداده عام 1958 على الصعيد العالمي يشير إلى حتى عدد حالات الإصابة في الإنسان يتراوح بين 20,000 إلى 100,000 حالة سنوياً خلال هذه الفترة. غير حتى الرصد غير الدقيق يجعل من الصعب تقدير المعدلات الحقيقية لحدوث السقم (Incidence rate), أما الإحصاءات الحالية فتشير إلى وجود إصابات حيوانية في 82 دولة فضلاً عن بعض الحالات المسجلة للإصابات البشرية في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا. ولقد انخفض عدد الإصابات السنوية في الولايات المتحدة انخفاضاً واضحاً, إذ تم رصد 18 حالة فقط خلال القرن العشرين عدا حالات الجمرة الخبيثة التنفسية التي حدثت من جراء استخدامها كسلاح بيولوجي. كما تم تسجيل بعض الحالات الجمرة الخبيثة التنفسية في بعض الفلاحين الروس الذين يعملون في تصنيع صفوف الأغنام في منازلهم, كما تم رصدها في خمس من العاملين في مصنع صوف في نيوهامبشاير (New Hampshire) في الخمسينات من القرن الماضي. ويعد وباء الجمرة الخبيثة الذي تم رصده بين عامي 1978 حتى 1980 في زيمبابوي هوالأوسع انتشاراً على الإطلاق, وقدرت فيه عدد الإصابات بنحو10,000 حالة معظمها من النوع الجلدي, فضلاً عما ندر من النوع الهضمي. أما حالات الإصابات التنفسية في هذا الوباء فلم تزد عن ثمانية حالات رغم عدم وجود تقارير تشريحية تؤكد ذلك.

*الإمراض (Pathogenesis):

تحمل العصوية الجمرية (Bacillus anthracis) ثلاثة عوامل معروفة شديدة السُمّية: 1- المحفظة المضادة للبلعمة (Antiphagocytic capsule). 2- بروتين ذوذيفان خارجي مميت (Lethal exotoxin protein). 3- بروتين ذوذيفان خارجي مسبب للوذمة (Edema exotoxin protein).


1- المحفظة المضادة للبلعمة

(Antiphagocytic capsule):

تم اكتشاف الدور الذي تلعبه المحفظة في الإمراض في مطلع القرن التاسع عشر, حيث عثر حتى سلالات الجمرة الخبيثة التي يتم فيها نزع المحفظة تفقد فوعتها (Avirulent). ولقد أميط اللثام عن رموز الجينات المسؤولة عن تصنيع المحفظة (Genes encoding synthesis of capsule) وعهد أنها مشفرّة (Coded) على 110 كيلوقاعدة بلازميدية (110 Kilobase plasmid), كما كشف التجليل الجزيئي (Molecular analysis) عن الدور الحاسم الذي تلعبه المحفظة في إضفاء السمية على عصويات الجمرة الخبيثة. وتتكون المحفظة من بوليمر لحمض الجلوتاميك المتعدد (A polymer of poly -D- glutamic acid) وهوالذي يمنح المحفظة خاصية المقاومة للبلعمة كما يجعلها مقاومة للتحلل بعمل بروتينات مصل الدم ذات الكاتيونات الموجبة (Serum cationic proteins). 2 و3 بروتينان ذوا ذيفان خارجي (Exotoxins); الأول مميت (Lethal)والثاني يسبب الوذمة:

كان روبرت كوخ (Koch) أول من أشار إلى أهمية السّموم (الذيفانات) في دراساته الأولية على الجمرة الخبيثة, ثم أعقبه (سميث Smith) و(كيبي Keppie) اللذان قاما بتعيين العامل السام (Toxic factor) في مصل الحيوانات المصابة عام 1954, وعندما تم حقن الحيوانات السليمة بهذا المصل نفقت على الفور, مما أكّد لنا أهمية هذه السموم في إحداث الفوعة (Virulence). وقام الكثير من الفهماء بتجارب متتالية في هذا المجال البحثي لاكتشاف أثر هذه السموم على المناعة (Immunity), إلى حتى اتى العقد الأخير من القرن العشرين باكتشافات مذهلة نتيجة للتقدم الضخم في فهم البيولوجيا الجزيئية (Molecular biology) الذي رسم لنا صورة كاملة للآليات الكيميائية الحيوية التي تؤدي بها هذه السموم (الذيفانات) دورها, وبذلك تم الكشف عن صورة محددة لدورها في الأمراض. وتقع الجينات (Genes) المسؤولة عن تشفير وتصنيع هذين النوعين من البروتينات على 60 كيلوقاعدة بلازميدي (60 K-B Plasmid) (بما يميزها عن تلك الجينات التي تصنع المحفظة), وعند حدوث إصابة العائل ـ سواء كان حيواناً أوإنساناً ـ تزداد نسبة البيكربونات وثاني أكسيد الكربون في البيئة وترتفع درجة حرارة المصاب, مما يسمح بزيادة عملية نسخ الجينات المسؤولة عن تخليق هذين السّمين (الذيفانين) والمحفظة أيضاً.

وتتكون ذيفانات الجمرة الخبيثة-شأنها شأن الكثير من الذيفانات البكتيرية والنباتية من مركبين: رابط الخلية (Cell binding) أوالموضع B (B-domain)والجزء النشيط أوالموضع A (A-domain) وهوالجزء المختص بالنشاط السُمّي والإنزيمي.

ويتم تخليق كلا المركبين AوBعن طريق جينات مختلفة تفرز كبروتينات مرتبطة ارتباطا غير متكافئ(Uncovalently linked proteins).

يحتوي كلا الذيفانين على نفس نوع البروتين البائي B ويطلق عليه المستضد الواقي (Protective antigen), ويبلغ وزنه الجزيئي (83,000), ولكنها يختلفان في نوع البروتين (A).

ويتكون الذيفان المميت (Lethal toxin) من المستضد الواقي, ويبلغ وزنه الجزيئي (90,000) وهومميت لحيوانات التجارب. وقد وُجد حتى هذا العامل المميت (Lethal factor) يتشابه في النسق (Homology) مع إنزيمات البروتيازات المعدنية (Metallo proteases) على الرغم من عدم اكتشاف نشاطه الإنزيمي المباشر حتى الآن.

أما الذيفان المسبب للوذمة (ذيفان الوذمة Edema toxin) فيتكون من نفس المستضد الواقي B مع نوع آخر من البروتينات يُعهد باسم عامل الوذمة Edema factor وزنه الجزيئي يبلغ نحو(89,000). ويسبب هذا النوع من البروتينات حدوث وذمة إذا تم حقنه في جلد حيوانات التجارب. ويهجرب هذا البروتين من محلِّقة (سِكلاز) الأدينيلات المعتدة على الكالموديولين (Calmodulin - dependent adenylate cyctase), حيث تعمل هذه المحلقة على حمل نسبة الأدينوزين الحلقي الأحادي الفسفات داخل الخلايا, مما يسبب حدوث وذمة واضحة تتواجد غالباً في موضع الانتساخ البكتيري (Replication). ولايعمل أي من من البروتينات السامة الثلاثة (البروتينات الذيفانية B ونوعا البروتين A) منفرداً, فإزالة أي من البلازميد المشفِّر للذيفان أوجين المستضد الواقي بمفرده يضعف الجرثومة ويقضي على سميتها. ويبدوحتى الذيفان المميت (Lethal toxin) هوالأكثر أهمية في إحداث السمّية بشكل يفوق ذيفان الوذمة.

وقد أدت الدراسات الحديثة على نماذج مستنبتات (الخلية) إلى فهم أوضح للتفاعلات (التآثرات) الجزيئية (Molecular interactions) للبروتينات السامة, فالمستضد الواقي يتحد بمستقبلة معينة على الخلية وذلك من نهاياته الكربوكسية (Carbox-terminus). ويؤدي هذا الالتحام إلى انشطاره بواسطة إنزيم البروتياز (Protease) المرابط على سطح الخلية, مما يؤدي إلى احتجاز جزيء حجمه 63 كيلودالتون (63 Kilodalton) من المستضد الواقي, مما يزيد من قابلية التصاق المستضد الواقي بأي من عامل الوذمة أوالعامل المميت بشدة, ثم ينغمد هذا المركب المعقد الناتج داخل كيس حمضي متجهاً نحوعصارة الخلية (Cytosol) ليظهر نشاطه السام. ويختلف الأمر في حالة إصابة الحيوانات, حيث يتواجد هذا المركب السّام في مصل الدم ثم يلتصق الذيفان المميت أوذيفان الوذمة بالخلايا المستهدفة مكوناً الأبواغ. وتبدأ العدوى حينما تدخل الأبواغ عبر الجلد أوالمخاط حيث يتم هضمها موضعياً بعمل البلاعم (Macrophages), حيث تتجرثم بداخلها وتتحول إلي عصيات إنتاشية لها محفظة ومزودة بالسموم (الذيفانات). وتتكاثر البكتيريا في هذه الأماكن وينتج عنها السموم المميتة والمسببة للوذمة التي تضعف وظائف كرات الدم البيضاء في العائل (Impair leukocytic functions) وتؤدي إلى ظواهر سقمية مميزة تتمثل في:الوذمة والنزيف ونخر الأنسجة (Tissue necrosis) والنقص النسبي في كرات الدم البيضاء, وفي حالة النوع الاستنشاقي (التنفسي) من الجمرة الخبيثة:تصل الأبواغ إلى الحويصلات الهوائية حيث تقوم الخلايا بالتهامها ثم تنقلها إلى العقد اللمفاوية الرغامية القصبية (Tracheo-bronchial lymph nodes) حيث يتم حدوث التجرثم (Germination). وبمجرد دخول الأبواغ إلى العقد اللمفاوية, تقوم عصيات الجمرة الخبيثة بالإنتاج الموضعي للذيفانات مما يؤدي لظهور خصائص سقمية أخرى كالنزف الشديد, والوذمة, والتهاب الغدد اللمفاوية الناخر (Necrotizing lymphadenitis), والتهاب المَنصِف (Mediastinitis) (وهومن العلامات التي ينفرد بها هذا السقم), بعدها تنتشر العصيات في الدم, مما يؤدي إلى حدوث إنتان دموي (Septicemia) ومنه إلى الأعضاء الأخرى. وسرعان ماينتهي إلى حدوث التهاب سحائي نزفي (Hemorrhagic meningitis) ويزداد هجريز الذيفان في الدم وتحدث الوفاة. وتنجم الوفاة عادة من حدوث فشل تنفسي يصاحب الوذمة الرئوية (Pulmonary edema), وتجرثم الدم (Bacteremia), والالتهاب السحائي (Meningitis). وقد عثر حتى مستحضرات الذيفان (السم) الخام تضعف الانجذاب الكيميائي (Chemotaxis) لكرات الدم البيضاء, مما يضعف من قدراتها البلعمية والفتاكة فمستحضرات السم (الذيفان) المسبب للوذمة تضعف البلعمة وتمهد لانفجار الحويصلات الهوائية وتثبط إنتاج الإنترلوكينستة (Interleukin6; IL-6) وعامل نخر الورم (Tumor necrosis factor;TNF) عن طريق الخلايا الوحيدة (Monocytes) التي تضعف مقاومة العائل. أما السم المسبب للوذمة (ذيفان الوذمة) فيقوم بحل الخلايا البلعمية الكبيرة فوراً ثم يؤدي إلى إفراز السيتوكين (Cytokines IL-1) ذوالتأثير السام وعامل نخر الورم (TNF).

*الصورة الإكلينيكية (Clinical picture):

ينصب الاهتمام العسكري بالجمرة الخبيثة على استخدامها كسلاح بيولوجي فتاك (النوع التنفسي), أما أشكال السقم الأخرى فلا يعنى بها سوى عموم الأطباء بخاصة في دول العالم الثالث حيث تظهر بعض الإصابات أحياناً:

1- النوع الجلدي من الجمرة الخبيثة [شكل (2)ْ] (Cutaneous form of anthrax):

ويمثل حوالي 95 % من حالات الجمرة الخبيثة, وتتراوح فترة الحضانة إلى الجلد من يوم إلى خمسة أيام وتظهر بعدها أعراض السقم, حيث يبدأ في الظهور كحطاطة صغيرة (Small papule) تتحول في غضون يوم أويومين إلى حويصلة (Vesicle) تحتوي على سائل مصلي دموي مع الكثير من الجراثيم وكرات الدم البيضاء, ويتراوح قطر الحويصلة بين 2-1 سم, وسرعان ما تتمزق تاركة قرحة ناخرة (Necrotic ulcer) في مكانها. وعادة ما تكون غير مؤلمة ومحاطة بوذمة تتفاوت في درجتها, فقد تكون واسعة النطاق تشتمل على الوجه أوأحد الأطراف ويطلق عليها الوذمة الخبيثة (Malignant edema).

ويصاحب السقم عادة ازدياد درجة المريض والشعور بالصداع والإعياء, وتزداد هذه الأعراض مع استفحال الوذمة واتساع رقعتها.

وقد يصاحب السقم أيضاً حدوث التهاب في الغدد اللمفاوية الموضعية (Local lymphadenitis) وتكون قاعدة القرحة خشارة (Eschar) تنفصل بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع مخلفة ندبة (Scar) ونادراً ما يحدث إنتان دموي (Septicemia) عند استخدام العلاج المناسب ولاتتجاوز فيه نسبة الوفيات 1%.



2- النوع الاستنشاقي (التنفسي) من الجمرة الخبيثة

(Inhalational form of anthrax): تبدأ الإصابة بالجمرة التنفسية عقب فترة حضانة تتراوح بين يومٍ واحد إلى ستة أيام كاملة من الأعراض غير المحدّدة كالشعور بالتوعك والإرهاق وآلام عضلية مع حُمَّى, وقد يصحبها سعال جاف وشعور طفيف بعدم الارتياح أثناء التنفس. وتستمر هذه الأعراض عادة لمدة يومين أوثلاثة تتخللها فترات قصيرة من التحسّن (وتتشابه هذه الأعراض تقريباً مع حالات الإنفلونزا), ثم تعقبها بداية حادة لشعور متزايد بضيق تنفسي (Dyspnea) وأزيز (Wheezes), ويشعر المريض بآلام في الصدر وتعرّق غزير (Diaphoresis). وقد يصاحب هذه الأعراض حدوث وذمة بالصدر والرقبة. ويظهر الفحص بالأشعة السينية وجود اتساع في المنصف (Widening of mediastinum) وهومن الفحوص المؤكدة لحدوث السقم, فضلاً عن وجود ارتشاح جنبي (Pleural effusion). ولايعد الالتهاب الرئوي أحد الظواهر الدائمة المصاحبة للسقم على الرغم من احتمال حدوثه. وتعد إصابات الجمرة التنفسية نادرة الحدوث, إلا حتى الكثير من السقمى الذين عانوا من أمراض تنفسية مزمنة قد أصابهم الداء مما يضفي المزيد من الشكوك حول الاعتقاد بأن الاصابة بأمراض تنفسية مزمنة تزيد من قابلية الإصابة بهذا السقم. وتحدث الإصابة بالالتهاب السحائي (Meningitis) في 50% من الحالات ويؤدي إلي حدوث نوبات تشنجية. ويعقب البداية المفاجئة لضيف التنفس تطور سريع نحوحدوث الصدمة (Shock) لتنتهي بالوفاة السريعة في نحو36-24 ساعة من ظهور الأعراض. وحدوث الوفاة في هذا النوع من الجمرة مؤكد وتبلغ نسبته 100%. على الرغم من تناول العلاج المناسب.


3- النوعان الفمي البلعومي, والهضمي من الجمرة الخبيثة

(Oropharyngeal and gastrointestinal forms):

عند ابتلاع (تناول) لحوم ملوثة بالجمرة الخبيثة, ونيئة لم يتم طهيها بدرجة كافية تظهر أعراض الداء بعد فترة حضانة تتراوح بين يومين إلى خمسة أيام. وتتمثل هذه الأعراض في: حدوث احتقان شديد بالحلق, قرحة بالفم أواللوزتين مصحوبة بارتفاع في درجة الحرارة مع تورم بالرقبة نتيجة لالتهاب الغدد اللمفاوية العنقية أوالتهاب العقد اللمفاوية تحت الفك السفلي مع وذمة, وضائقة تنفسية, وعسر في البلع, وغثيان وقيء وارتفاع في درجة الحرارة مع حدوث آلام شديدة بالبطن. بفحص المريض يكتشف الطبيب علامات تتماشى مع الإصابة بأعراض البطن الحادة (Acute abdomen) قد يصاحبه قيء دموي, واستسقاء (حَبَن) شديد في البطن مع إسهال. ترتفع نسبة الوفاة في هذين النوعين إلى نحو50%, وخاصة في النوع الهضمي, على الرغم من تناول العلاج المناسب.

4- الالتهاب السحائي (Meningitis):

قد يحدث الالتهاب السحائي عقب التجرثم الدموي كأحد مضاعفات الإصابة بأي شكل من أشكال الجمرة الخبيثة السابق ذكرها ــ ونادراً مايحدث دون وجود بؤرية أولية ظاهرة إكلينكيا, وغالباً مايكون الالتهاب نزفياً (Hemorrhagic) وهوأحد الظواهر التشخيصية الهامة والمميتة في جميع الحالات.


* التشخيص (Diagnosis):

يعتبر التاريخ السقمي من أكثر الأمور أهمية في تشخيص الجمرة الخبيثة, فالنوع الجلدي يتم تشخيصه في وجود بثرة جلدية غير مؤلمة تتحول لاحقاً إلى حويصلة ثم قرحة تحيطها وذمة تتحول فيما بعد إلى خشارة سوداء (Black eschar) ويميز حدوثها وجود وذمة شديدة متسعة الرقعة (الوذمة الخبيثة). ويمكن التأكد من التشخيص بإجراء ناقص مغرسة باستخدام صبغة الجرام (Gram's stain).


التشخيص التفريقي

(Differential diagnosis):

يجب حتى يضم على التولاريمية (Tularemia), وداء المكورات العنقودية أوالسّبحية, وجدري الغنم (وهوداء يروسي يصيب الخراف والماعز ويمكن انتنطقه إلى الإنسان).


أما تشخيص النوع التنفسي (الاستنشاقي) من الجمــرة:

فهوشديد الصعوبة في الأحوال العادية, دون حتى يحوم الشك حول السقم من التاريخ السقمي (تَعَرُّض المريض للعصويات الجمرية في حرب بيولوجية ـ أولأبخرة ورذاذ الجمرة في الأعمال الزراعية والصناعية). والأعراض المبكرة غامضة عموماً, ولكن:

ظهور الضيق التنفسي مع حدوث اتساع منصفي يشير إلى وجود السقم.

يدل الانصباب الجنبي النزفي أوالتهاب السحايا النزفي على التشخيص.

لايفيد فحص البلغم (Sputum examination) في مثل هذه الأحوال, فالالتهاب الرئوي لايعد أحد الظواهر المؤكدة لحدوث الجمرة الخبيثة بالعمل.


تشخيص النوع الهضمي من الجمرة الخبيثة:

ويصعب تشخيصه أيضاً نتيجة ندرة السقم, وأعراضه التي تتشابه مع الكثير من الأمراض الأخرى. يعتمد التشخيص كما أشرنا سابقاً على التاريخ السقمي, وعلى تناول لحوم ملوثة أثناء حدوث أوبئة. وقد يجدي إجراء مزروعة جرثومية في تأكيد هذا التشخيص. كذلك لا يمكن تمييز الالتهاب السحائي الناجم عن الجمرة الخبيثة عن غيره الناتج عن مسببات طبية مغايرة. ولكن وجود نزيف في السائل النخاعي في حوالي 50% من الحالات قد يشير إلى حدوث السقم. ويمكن التأكد من صحة التشخيص بالتعهد على الجرثومة في السائل النخاعي بالفحص المجهري أوالمغرسة أوكلاهما معاً. ويفيد مصل الدم فقط في التشخيص الاستعادي (Retrospective diagnosis); حيث يمكن التعهد على المستضد الواقي أوالمحفظة في 68% إلى 93% من حالات الجمرة الخبيثة الجلدية, وفي حوالي 67% إلى 94% من حالات الجمرة الخبيثة البلعومية. كما تم الإقرار باستخدام الاختبار الجلدي (الأنثراكسين) وهوتعبير عن مستضد غير نوعي مستنبط من تحلل العصويات, وقد تم تطوير هذه الطريقة وتقييمها في الاتحاد السويتي (سابقاً) أما الدول الغربية فخبرتها محدودة في هذا النوع من الاختبارات.


*العلاج (Treatment):

يعتبر البنسللين (Penicillin) هوالدواء المختار لعلاج الجمرة الخبيثة. ويمكن معالجة حالات الإصابة الجلدية التي تحدث بلا سُمّية وبدون أعراض جهازية باستخدام البنسللين الفمي, أما إذا كان هناك ثمة مرشد على وجود أعراض جهازية (Systemic symptoms), فيمكن البدء في استخدام العلاج بجرعات كبيرة عن طريق الحقن الوريدي (2 مليون وحدة جميعستة ساعات) حتى يستجيب المريض للعلاج, وسوف يظهر العلاج الفعال نتائج ملموسة على الوذمة ويخفض من حدة الأعراض الجهازية, ولكنه لن يغير من مراحل تطور الآفة الجلدية نفسها. ويجب حتى يستمر العلاج لفترة تتراوح بين 10-7 أيام. وقد استخدم التتراسيكلين والكلورامفينكول أيضاً بنجاح في الحالات النادرة التي تكونت لديها مقاومة طبيعية ضد البنسللين. ويجب حتى يتم علاج الجمرة الخبيثة التنفسية والفمية ـ البلعومية والهضمية بجرعات كبيرة من البنسللين يتم حقنها وريدياً (2 مليون وحدة جميع ساعتين) مع الاستخدام الأمثل لقابضات الأوعية الدموية (Vasopressors) والأكسجين والمعالجات الأخرى.


الوقاية العلاجية (Prophylaxis):

أشارت الاختبارات التجريبية إلى حتى العلاج باستخدام المضادات الحيوية قد يقي من الموت إذا تم في خلال يوم واحد من التعرض للرذاذ والأبخرة الملوثة بعصويات الجمرة الخبيثة, وقد تم استخدام ثلاثة من الأدوية في هذا المجال هم: سيبروفلوكساسين (Ciprofloxacin), ودوكسيسايكلين (Doxycycline), والبنسللين (Penicillin), حيث تستخدم جنباً إلى جنب مع التمنيع النشط (Active immunization).

التمنيع النشط (Active immunization):

تم ترخيص لقاح للاستعمال البشري أنتجه قسم الصحة العامة في ولاية ميتشجان الأمريكية ويتم تصنيعه من المستنبتات الهوائية لعصويات الجمرة الخبيثة على حتى تكون ذراري الجراثيم موهَنَّة (Attenuated) وبلا محفظة (Uncapsulated) وغير حالّة للبروتين (Non proteolytic strains). وتحتوي مرشحات هذه السلالات على مستضد الجين الواقي الذي يعد في حد ذاته جيناً مناعياً, فضلاً عن كميات قليلة جداً من العامل المميت, ومقادير أقل من عامل الوذمة يتم تحديدها بدقة متناهية. ويتم تخزين هذا اللقاح في درجة حرارة تتراوح بين 2 وثمانية درجات مئوية. الجرعة 0.5 ملليلتر تحت الجلد عند صفر و2 وأربعة أسابيع, تعقبها جرعة منشطة (Booster dose) تعبير عن 0.5 ملليلتر على مدارستة شهور و12 شهراً, و18 شهراً. ويوصى بإعطاء جرعات منشطة سنوياً إذا توالى احتمال التعرض لجراثيم الجمرة الخبيثة بانتظام. ويعطى اللقاح للعاملين في مجال تصنيع المنتجات الحيوانية المستوردة من دول لم تتم فيها السيطرة على أوبئة الجمرة الخبيثة, وتضم هذه المنتجات الصوف والشعر وجلود وعظام الحيوانات. كذلك يعطى للعاملين في المختبرات أثناء حدوث الأوبئة, كما يستخدم للحماية أثناء الحروب البيولوجية وقد تم تطعيم 150 ألف فرد من القوات الأمريكية في الفترة بين 11 يناير إلى 28 فبراير عام 1991 (ما يبلغ 25% ــ إلى 30%) من إجمالي القوات الأمريكية التي تم نشرها في منطقة الخليج أثناء حرب تحرير الكويت. ويوفر اللقاح استجابة ووقاية في نحو83% من الأفراد بعد مرور أسبوعين على الجرعات الثلاثة الأولية. ومناعة تبلغ 91% بعد إعطاء الجرعات التكميلية المنشطة الأخرى.

التأثيرات الجانبية للقّاح:

تفاعلات موضعية (Local): وتضم وذمة وإحمرار وحكّة وألم موضع الحَقن تظهر في خلال يوم واحد وتختفي في خلال ثلاثة أيام من التلقيح. أما التفاعلات النمطية الأخرى فتتمثل في الشعور بألم عضلي خفيف وصداع وتوعك لمدة يوم أويومين.


* Bibliography:

  • المصدر مركز تعريب العلوم الصحية

[2]

تاريخ النشر: 2020-06-04 05:14:41
التصنيفات: Articles with 'species' microformats, Taxoboxes with the incertae sedis color, Taxoboxes with no color

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

محمد صلاح يستعد لمواجهة تونس بابتسامة وفرحة فى تدريب منتخب مصر.. صور

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:21:45
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 36%

البرهان يواصل جولته الإفريقية في إريتريا بعد جنوب السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:23:03
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 57%

المكيف .. قلب البيت السعودي النابض خلال الصيف

المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:23:07
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 37%

رغم وصولها إلى 12.5 % .. روسيا قد تواصل رفع سعر الفائدة

المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:23:12
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 39%

المغرب يعلق الدراسة في المناطق المتضررة من الزلزال

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:22:40
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 55%

ليبيا تعلن البلدات المتضررة بسبب العاصفة دانيال "مناطق منكوب

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:22:29
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 66%

بعد مصر وقطر.. البرهان في زيارة رسمية إلى إريتريا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:22:10
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 58%

العثور على جثمان الطيار المصري.. بيان جديد من الإمارات

المصدر: المصريون - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:21:37
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 61%

سباق مع الزمن لإنقاذ المحاصرين تحت أنقاض زلزال المغرب

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:22:34
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 66%

انضمام 3 فرق إنقاذ عربية وأجنبية لجهود البحث عن الناجين من ز

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:22:19
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

مؤمن زكريا يتصدر مؤشرات جوجل فى عيد ميلاد ابنته نيللى.. اعرف السبب

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:22:03
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 38%

العاصفة دانيال.. نصائح يجب اتباعها لحمايتك أنت وأسرتك

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:22:00
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 44%

حرب التحرير.. كتب وروايات توثق لنصر 6 أكتوبر (إنفوجراف)

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:22:05
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 44%

الحكومة تنفى فرض رسوم بقيمة ألف دولار على السائحين القادمين إلى مصر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:21:58
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 37%

10 صفقات خاصة في الأسهم السعودية بقيمة 177.5 مليون ريال

المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:23:05
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 42%

مصادر ليبية: ارتفاع ضحايا إعصار دانيال لـ25 شخصا و"درنة" تتعرض لكارثة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:21:52
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 42%

سول: قمة محتملة بين الزعيم الكوري الشمالي والرئيس الروسي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:22:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 62%

هونج كونج: هطول أمطار غزيرة على بعض المناطق

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:22:23
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 53%

حميدتي يتعهد بتوصيل المساعدات الإنسانية لمتضرري الحرب

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 12:23:01
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 69%

تحميل تطبيق المنصة العربية