نادما خرج القط
نادما خرج القط هي مجموعة قصصية صدرت في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2008 لـلمؤلف والمحرر الشاب أحمد صبري غباشي .ضمن إصدارات دار ليلى للنشر والتوزيع والإعلان .
تقديم
- الأديب الكبير : د. أحمد خالد توفيق.
مقتطفات من تقديم المجموعة
بقلم : د. أحمد خالد توفيق
ليس من المعتاد حتى يقدم محرر قصصي مجموعة قصصية لمحرر قصصي آخر، وإنما الأقرب للعهد حتى يقدمها ناقد أدبي، غير أنني أعتبر (أحمد صبري غباشي) بمثابة ابن لي لا أقدر على رفض طلب له. وهذا لا يعني بترًا حتى هذه (الأبوة) أثرت على رأيي في هذه المجموعة القصصية، فهناك أعمال أدبية لأبناء أعزاء آخرين، لكني لا أجد القدرة على استكمالها ولا يمكن حتى تقنعني قوة على وجه الأرض بكتابة مقدمة لها. فقط أبتسم وأقول متظاهرًا بالحكمة: "دعنا نر العمل التالي لك .. ". لكني مع أحمد وجدت نفسي أنهي المجموعة بسرعة البرق ثم أعيد قراءتها مرتين. إخراج القصص وعناوينها احترافي للغاية حتى أنه بوسعك حتى تنسى محررها وتشعر بأنك تقرأ مجموعة قصصية لأديب راسخ من الستينات. جميع سيرة تحوي مغامرة تجريبية ما حتى تشعر بأنه ينهي السيرة وقد خارت قواه تمامًا. من السهل والممتع على المرء حتىقد يكون قاسيًا وأن يتصيد الأخطاء على غرار (لماذا نادمًا خرج القط ، وليس خرج القط نادمًا ؟.. إذا هذا تحذلق .. الخ).. لكن من الصعب حتى تتجرد وأن تنظر لهذه المجموعة كما هي عملاً: مجموعة من القصص الممتعة المهمومة بالبشر ولا يكف صاحبها عن التجريب.
أحمد صبري لا يخفي إعجابه الشديد بيوسف إدريس، وفي هذا أجد أنه وضع إعجابه في المكان السليم تمامًا. ومن الغريب أنني ما زلت مصرًا على أنه يشبه يوسف إدريس في شبابه عملاً حتى على مستوى ملامح الوجه. هل تأثر به حتى صار يشبهه أم تأثر به لأنه يشبهه ؟.. لا أعهد حقًا.
إن هذا الأديب الشاب يلعب بعدة أوراق رابحة لا ريب فيها: الورقة الأولى هي حبه الشديد للأدب والحدثة المكتوبة. هذا الحب أوشك حتى يصير هاجسًا وقد أقلقني عليه في فترة من الفترات. تأمل عنوان المجموعة (نادمًا خرج القط).. هذه الهجريبة اللغوية التي تضع الحال في بداية الكلام، مع الغموض المتعمد في المعنى. إنها تحمل تلك الرائحة التي لا توصف ولا يمكن التعبير عنها بحدثات والتي تجعل الأدب يختلف عن كلام الصحف والمحاورات اليومية. الورقة الثانية هي سنه الصغيرة جدًا والتي تثير ذهول جميع من يقرأ عملاً من أعماله. إذا في انتظاره رصيدًا هائلاً من الأعوام والخبرات والوجوه التي سيقابلها.. يفترض أن يصطدم بكثيرين ويحب كثيرين، ويسافر لأماكن لم نرها ويقرأ خطًا لم نسمع عنها. هذا يعني حتى الحكم عليه لم يكتمل بعد. الورقة الثالثة هي كمية هائلة من الأدينوسين ثلاثي الفوسفات في خلاياه .. أي أنه يملك الكثير من الحماس والاندفاع والطاقة وهي طاقة قادرة على تحريك الجبال لوخرجت كاملة. يظهر أنني أردد مقاطع كاملة من قصيدة (حسد) للشاعر السوفييتي العظيم (إيفتوشنكو)، لكني أحاول حتى أضعك في الصورة لا أكثر.
في هذه المجموعة يلعب أحمد على السلم الموسيقي من أوله إلى آخره .. هناك خواطر منتحر في (وداعًا) وهناك مصير الرجل المتحضر في مجتمع غوغائي بطبعه.. ذلك الرجل الذي يفترض أن ينتظر إلى الأبد في سيرة (متحضر).. هناك اللعبة العبثية السيزيفية في (مسرح كبير)، وهناك الرعب الميتافيزيقي الذي أثار رجفتي أنا نفسي في (نادمًا خرج القط)، وهناك الجوالأسطوري الملحمي في (زنوبيا)، وهناك السيرة القصيرة المدرسية محكمة التكوين مثل (أبيع الملابس). بل إذا هناك سيرة بدأتها أنا على سبيل المسابقة هي (يوم خاص) وهجرتها مفتوحة على سبيل التحدي الصعب الذي لا أعهد أنا نفسي كيف من الممكن أن استكمله، لكنه استكملها لتكون سيرة جيدة جدًا. عامة يفترض أن نجد حتى الحياة تثير حيرة أحمد ورعبه.. أبطاله غرباء متفردون يعانون وحدة قاتلة وسط مجتمع لا يمكن فهمه ولغز كوني مفجع.
برغم صغر سنه فإن قراءاته الكثيرة منحته عمق تجربة لا بأس به، ولسوف تتدخل السنون لتعميق هذه التجربة أكثر فأكثر. أقول هذا وأعهد حتى اسمه سيسطع بقوة في الحياة الأدبية بعد أعوام. لم أطلق هذه النبوءة من قبل إلا مع اثنين هما أحمد العايدي – ونجاحه لا يحتاج إلى حدثات - وأحمد عبد المولى الذي اختفى تمامًا فلا أعهد أرضًا له، والذنب ذنبه طبعًا وليس ذنب نبوءتي !
أرجوحتى يبرهن أحمد صبري بعد أعوام على أنني بعيد النظر، وأن يحفظ ماء وجهي أمام من يقرءون هذه السطور الآن، وهوقادر على ذلك بالتأكيد !