مير چاكر رند
المير چاكـَر رِند أوشاكر الرند العباسي (1468-1565) زعيم قبلي بلوشي في القرن الخامس عشر. يعتبر بطل شعبي للشعب البلوشي، وشخصية محورية في ملحمة هاني وشيخ مريد.
ولابد الآن من تقديم صورة تاريخية عن القائد البلوشي الرندي ـ چاكر خان ـ الذي يتجدد ذكره على جميع لسان في بلوچستان ويتردد إسمه في الأغاني والقصص والأشعار كأنه لا يزال حياً موجوداً بين قبائل البلوش العربية الأصيلة عامة وقبيلة الرند خاصة. وكأنه يعايشهم ويقوم ويقعد بينهم مثلما يتردد ويذكر إسم الأمير جلال خان على ألسن البلوش العرب وبأقلامهم . أما شخصية الأمير چاكر فتدور حولها جميع ملحمة من ملحمات البطولة والشجاعة وعلوالهمة في ديار البلوش العرب وما فتئت هي عنوان العز وشارة الفخر في تاريخ قبيلة الرند القريشي الأصل هاشمي البطن والظهر . ولكن حياة الأمير چاكر قد لفت بالحكايات الخيالية وحشيت بالمبالغات المفرطة حتى تعذر إستخلاص اللب المطلوب وإستخراج الجوهر المبحوث عنه . ولأجل هذا فلا بد من الرجوع الى التاريخ المدون والنظر في الخط التي ألفها البلوش العرب أنفسهم لنعهد من هوالأمير چاكر الذي يسميه قومة بأسم چاكر الأعظم.
نطق فريدي صفحة ـ 204 ـ وهويقدم بياناً شاملاً مفصلاً عن الحروب التي سقطت في القرون الماضية بين قبيلتي الرند واللاشار . وكان سبب هذه الحرب حتى نفراًَ من شباب اللاشار كانوا يسرقون الحليب من ضروع بعض النياق المملوكة لإمرأه عجوز كانت تعيش في كنف الأمير چاكر وفي حماه . وبينما كان الأمير چاكر يتجول في أحد الأيام قرب عين الماء المسماة ـ كچروك ـ شاهد مجموعة من الشباب يسارعون الى نياق كانت هناك فيحلبون من ضروعها حليباً ثم يتوارون . فإلتفت الأمير چاكر الى أحد الرعاة فسأله عن سبب الموقف الذي شاهدة من هؤلاء الشباب . غير إذا إمرأة عجوز تقدمت من الأمير چاكر في ذلك الموقف وقبل حتى يتفوه ذلك الراعي بالجواب عن أسئلة الأمير چاكر فنطقت : إنها صاحبة هذه النياق وإن هذا الإبل قد هبط بها الوباء فأمات أحورتها وبقيت ثكالى ولذلك فقد أبحث أثدائها لمن يتشطرها الرضاع أوالحلب . ولكن الأمير چاكر لم يقتنع بجواب هذه العجوز وكان مستغرباً ما شاهدة بعينيه من جرأة هؤلاء الصبيان وطريقتهم في حلب هذه الإبل . فإستدعى الأمير چاكر شخصاً من الرعاة ليسأله فنطق له الشخص الراعي إذا هذه العجوز صاحبة النياق قد أخفت عنك حقيقة الأمر ولم تشأ حتى تبيح لك ما صابها من هؤلاء الصبيان لأنها لا ترغب إحراجك وإثارة غضبك ولا ترغب حتى تدفعك الى إراقة الدماء . ونطق الراعي إذا هؤلاء الصبيان من قبيلة اللاشار قد أغاروا على إبل هذه العجوز فذبحوا أحورتها الصغيرة وإستبدوا بذلك . فلما سمع الأمير چاكر ذلك إنقدح الشرر من عينيه وإحمر وجهه من الغيظ والحنق ولكنه تحكم بأعصابه وكظم غيظه . ونطق للعجوز إنه قد أقسم الا يصب الماء على جسمه حتى ينتقم لها . وإستعد للحرب والنزال وإندلع القتال وتبارزت قبيلتا الرند واللاشار في ساحات الوغي وسالت الدماء الغزيرة في حروب طاحنة سجال . قد ورد التفصيل الكامل لها في كتاب ـ تاريخ بلوچستان ـ تأليف راي بهادر هيتوارام . وقد ذكر المؤرخون الإنكليز حتى هذه الحرب قد حدثت بين هاتين القبيلتين في عام 1540م ولكن الأستاذ مولائي شيدائي حدد تاريخ وقوع هذه الحرب الضروس في عام 1480م . ويقول ـ الآخوند محمد صديق ـ إذا هذه الحرب بلغت خمساً وعشرين معركة ونطق فريدي صفحة ـ 208 ـ لقد شبه البلوش هذه الحرب بين قبيلة الرند بقيادة الأمير چاكر وبين قبيلة اللاشار بقيادة الأمير گواهرام بحرب البسوس بين بني بكر وبني تغلب مثل جساس بن مرة البكري وبين المهلهل بن ربيعة التغلبي. لقد وصف البلوش بأقلامهم وألسنتهم هذه المنازلات الحربية التي زهقت فيها الأرواح وبترت الأرحام ولقد خط الأدباء البلوش القصص ونظموا الملاحم الشعرية في الفخر والحماسة والمدح والرثاء مستوحين من شجاعة القائدين چاكر وگواهرام وتوسع بعضهم في نسج الحكايات الخيالية وتسطير الإضافات المفرطة البعيدة عن مسببات تلك الواقعة والمباينة لنتائجها .
ويقول هيتوارام صفحة ـ 19 و20 ـ هناك على قمة عالية في جبال مري مكان يسمى ـ چاكر تهنك ـ وينطق حتى درع الأمير چاكر قد سقط في هذا المكان وتعتقد عشائر ـ المري بكتي ـ الجبلية حتى الأمير چاكر رجل صالح ومن أهل الكرامات وقد كان وصوله الى هذه القمة الشاهقة من هذا الجبل ورحيله عنها عملاً فريداً لا يقدر عليه أحد في ذلك الزمان . والبلوش في حروبهم وآداب القتال عندهم وفي الأسباب التي تثمن جمر الأنتقام وتوري لهب الغضب في قلوبهم ضد بعضهم بعضاًَ مثل إخوانهم العرب في السخط والرضا والعداء والمسالمة . فحدثا يقع بينهم المبارزات والحروب والمذابح إماقد يكون سببه الإنتقام لجار أهين شرفه أولضيف أعتدى عليه أولإغاثة ملهوف ونصرة عشيرة أوحليف . وكان من الأفضل لهذه الصفحات من تاريخ البلوش سواء في حروبهم المحلية الخاصة أوفي حروبهم ضد الدول الطامعة في السيادة عليهم بأن تترجم الى اللغة العربية ليطلع عليها أبناء العرب . نطق فريدي صفحة ـ 229 ـ إذا هذه الحرب الدموية إستمرت ثلاثين عاماًَ ودارت رحاها في خمسة وعشرين معركة إحترق في أتونها المستعر سبعة وستون فخذاً من قبيلة الرند العباسي وتسعة وثلاثون فخذاًَ من قبيلة اللاشار العربية ونطق فريدي إذا أصدقاءه طلبوا منه إغفال ذكر هذه الحرب لأن تكرار الكلام فيها يمزق نفوس البلوش العرب . ولا ريب حتى حرب الرند واللاشار قد طحنت ألوف الجماجم ونثرت الأجساد والأضلاع في وديان مكران وسهولها وبترت أوصال القبائل البلوشية ولا زال من أعراف البلوش الجارية بينهم ومن سننهم القبلية المتبعة في خوض المعارك وتجييش الجيوش بألا يكلف العبيد بحمل السلاح ولا يطلب منهم خوض المعارك ولا ينادي العبدان الى الأخذ بالثأر ولا يدعى الى الهياتى إلا أحرار البلوش العرب . ولقد أشير ذلك في دائرة المعارف الإسلامية الجزء الثالث مادة بلوشستان . نطق فريدي صفحة ـ 231 ـ ففي هذه الحرب إجتاح الرند منازل اللاشار خمس عشرة مرة ومثل ذلك ما قام به اللاشار ضد إخوانهم الرند فهدمت البيوت ودمرت القلاع وتلفت الزروع وقتل الأبرياء وقد عمت الفتنة جميع منزل وكل واحد صغيراً كان أم كبيراً حتى إنجر الى الإشتراك فيها حفظة القرآن وأهل الدين . ونطق فريدي إذا التحديد الزمني لتاريخ هذه الحرب لم يكن دقيقاًَ دقة كاملة لأن من المؤكد حتى حرباً أخرى بعد تلك الحرب حدثت بين قبيلة الرند العباسية وقبيلة اللاشار العربية وكان ذلك عام 1485م .
وخلاصة هذا إذا للبلوش قادة وزعماء قد أضئ بأسمائهم تاريخ بلوچستان وماجت بذكريات أيامهم وبطولاتهم جميع قرئاح الشعراء والكتاب والقصاصين الشعبيين من قبائل البلوش فنظم أبناء الرند أهازيجهم وأغانيهم في تمجيد قائدهم الأمير چاكر وترنموا بأسمه في جميع مكان . وكذلك عمل مثلهم أبناء اللاشار ونظموا الأشعار وأنشأوا المدائح والأراجيز والأغاني والقصص في الإشادة بقائدهم الأمير گواهرام . وإنفرد الأمير چاكر بعبقرية حربية منبتره الشبه يذكره بها البلوش جميعاًَ . لقد أبرز فريدي في الصفحة ـ 204 ـ الى الصفحة ـ 268 ـ فصولاًَ خاصة في تاريخ الأمير چاكر وفي حروبة وغزواته وصولاته العسكرية في مدن البنجاب من لاهور الى ملتان وقبائل البلوش العربية الأصلية كلها تدلف خلف حصان هذا الرجل الذي كان مثلاًَ من أمثلة الإقدام والبأس في قبائل البلوش العربية الثائرة المتنقلة بأسلحتها وخيولها في طول مكران وعرضها ومن السند الى قصر البنجاب . والذي ينبغي ذكرة هنا حتى البلوش العرب الأصليين كانوا يستنكفون من ركوب البغال والحمير ولا يمتطون الا ظهور خيولهم العربية ولا يركبون إلا الجمال النجب والأمهار المسومة التي اتى آبائهم وأجدادهم فوق ظهورها الى كرمان ومكران . وكانوا يختصون عبيدهم وأتباعهم من الأجناس الأخرى بمراكب البغال والحمير . واتى في دائرة المعارف الإسلامية الجزء الثالث مادة بلوشستان ( إذا خيول البلوش دمائها عربية ولا يستعملون وسائط النقل إلا الخيول والنجب ) .
وتوفي الأمير چاكر عام 1565م وقد دفن في ـ كمشز ملتان ـ وكان للأمير چاكر أولاد كثيرون كان بعضهم يقاتل معه ومنهم الأمير ـ دادن ـ والأمير ـ شرشاه ـ والأمير ـ بجار ـ ولقد تحدث فريدي آنفاً بإطناب تفصيلي عن أولاد الأمير چاكر وعن حفدته وسلالاته الموجودة الى الآن . وذكر شجرات أنساب الأمراء والقادة البلوش المنحدرين من ظهر الأمير چاكر ولقد فهمت حتى أسرته لا زالت حية العروق نامية الغصون في قبيلة الرندالعباسية الى يومنا هذا . ومما يجدر ذكر هنا حتى هذه الحروب والفتن التي سقطت بين البلوش أنفسهم هي التي أوهنت قوتهم وخضدت شوكتهم ومكنت الدول الأجنبية من السيطرة عليهم . فلولا هذه الحروب التي كانت قائمه بين البلوش العرب ضد بعضهم البعض لما إنقسمت مكران الى قسمين ولكان للبلوش الآن كيان واحد ووضع سياسي حر ولكان لهم دولة قوية الأركان فوق أرض بلوچستان الواحدة . لأن للبلوش من الرسوم والتنطقيد الحربية التي ورثوها عن أجدادهم العرب الفاتحين ولهم العزة والنجدة وسرعة الهبوب الى الدفاع عن أرضهم ودينهم وشرفهم ما يجعلهم قادرين جميع القدرة على حراسة وطنهم ومتمكنين جميع التمكن من حماية دولتهم . وأختم الحديث بتنبيه القارئ الى كتاب ـ تاريخ أصل البلوش وبلوچستان ـ تأليف محمد سردار خان بلوچ الطبعة الثانية 1977م . ففي هذا الكتاب عرض واسع لتاريخ حياة الأمير چاكر وحروبه وأحداث عصره المؤثره فيه وتفصيل واف للحياة السياسية في زمانه . وضبط واع دقيق لبعض التواريخ الخاصة بأسرة هذا الفارس العربي البلوشي.
المصادر
المراجع
- History Of Baluch Race And Baluchistan Mohammad Sardar Kan Baluch
- كتاب - بلوجستان ديار العرب - للشيخ معن العجلي الحكامي