صاعد الأندلسي

عودة للموسوعة

صاعد الأندلسي

طبقات الأمم لصاعد الأندلسي.

أبوالقاسم صاعد بن أحمد الأندلسي القرطبي (1029 م- 1070م) أول مفكر عربي حاول تفسير طبائع البشر وفقاً لتغيرات المناخ. وهوصاحب كتاب طبقات الأمم.

وكان الفيلسوف الإغريقي أرسطوأول من ربط بين الإنسان والطبيعة على أساس حتى الأول ابن للثانية، فتكررّت منذ ذلك الحين مقولة مفادها حتى الإنسان إبن بيئته وغالبًا ما تُعرض كموضوع للإنشاء في صفوف الفترة الثانوية في مدارس العالم العربي.

وقد خلص ابن صاعد في كتابه «طبقات الأمم» إلى نتيجة مفادها حتى أثر المناخ يعمل عميقًا ليس في طبائع البشر فحسب، بل أيضاً في أذهانهم. بمعنى حتى تأثيرات المناخ تتعدّى مسائل المزاج الفردي أوالجماعي وتطول أنماط تفكيرهم واستعداداتهم الذهنية.

كان صاعد الأندلسي (صاعد بن أحمد بن عبدالرحمن بن محمد بن صاعد التغلبي) في الأربعين من عمره حين أنجز كتابه «طبقات الأمم» وهوالكتاب الرابع والأخير من أعماله إذ توفي بعد سنتين (462 هجرية/ 1069م). خط صاعد الثلاثة الأولى فقدت وهي تناولت مواضيع مختلفة كفهم الرصد (حركات النجوم والكواكب) وفهم الملل والنحل (الديانات والمعتقدات والفرق الإسلامية وغير الإسلامية) وفهم التاريخ (جوامع أخبار العرب والعجم). وبقي كتابه الأخير ووضعه أصلا للتعريف بأعلام عصره حين خدم كقاضٍ لطليطلة في عهد «أمراء الطوائف». توجه صاعد، كما ذكرنا، إلى طليطلة طلبا للدراسة والفهم في سنة 438 هجرية (1046م) وكان في الثامنة عشرة من عمره وعاش في كنف أميرها يحيى بن إسماعيل من أسرة ذي النون وتولى مسئولية القضاء فيها إلى وفاته في سن مبكرة.

خط صاعد «طبقات الأمم» أوكما يسميه «العريف بطبقات الأمم» في العام 460 هجرية (1067م) حاول فيه استكمال دراسة أستاذه ابن حزم الظاهري عن دور الأندلس في إنتاج العلوم والتعريف بأهم الشخصيات الفكرية التي برزت في مختلف العهود الإسلامية. إلا حتى دراسته اختلفت عن رسالة ابن حزم في «مراتب العلوم» فهولم يكتفِ بأخبار المحرر بل حاول التعريف بعصره وظروفه وبيئته. وبسبب شمولية الكتاب وضع مقدمة تحليلية للتعريف بتاريخ العلوم وتطور الأفكار واتصال الثقافات ببعضها من المشرق إلى المغرب وانتهاء بالأندلس وعصره. فاتىت دراسته تاريخية حاول من خلالها الرد على مسألتين: الأولى مجرى التطور والثانية صلة حلقات التطور ببعضها.

حتى تكون إجابات صاعد واضحة في معالمها كان لابد له من تجاوز حدود الأندلس والابتعاد عنها جغرافيا والغوص في عمق الزمن إلى عهود سابقة على ظهور الديانات السماوية. واضطر بسبب المستجدات، وتغيير خطة كتابه، حتى يعيد قراءة مراتب العلوم كونيا في سياق رؤية عالمية للتطور الفكري وصولا إلى العرب وظهور الإسلام والفتوحات الكبرى.

فرضت خطة الكتاب على صاعد حتى يقوم بمراجعة شاملة وسريعة لتاريخ الأفكار ودور الأمم في صنعها وصلاتها ببعضها. كذلك حاول قدر الإمكان التعريف بالأمة والتعريف بأفكارها ثم التعريف بأعلامها حتى يربط حلقات التطور في مجرى زمني هادف.

لذلك كان عليه حتى يضع الإطار النظري لمشروعه ويشرح خطة التطور في سياق مرتبك أحيانا إلا أنه منح ما يستطيع من معلومات دمجت بين التحليل النظري وهجريب الحوادث من دون حتى يدرك أنه ساهم في إنتاج نظرية تاريخية عن تطور الأفكار سيكون لها تأثيرها على أجيال لاحقة.

ويمكن التقاط «لاوعي» صاعد لمشروعه حين نلحظ استغراقه الطويل في التعريف بشخصيات عصره واختصاره لحوادث زمنه. كذلك يمكن وضع الملاحظة نفسها حين تطرّق إلى دور الأمم في تكوين الأفكار وإنتاج العلوم فهويمرّ سريعا على الحوادث ويكتفي بالوصف لأن خطة الكتاب هي «التعريف» بأعلام الأمم على مرّ العصور وليس «التعريف» بأفكار الأمم ودور جميع طبقة من الشعوب في صوغ الوعي الإنساني العام.

نظرية مونتسكيو

اشتهر المفكر الفرنسي مونتسكيو(1689 - 1755م.) بكتابة «روح القوانين» الذي أضحى بعيد صدوره سنة 1748م، في جنيف، في 31 جزءًا أوكتابًا، من أبرز المراجع في العلوم السياسية. فمونتسكيوهوصاحب مبدأ فصل السلطات الذي تعتمده جميع الأنظمة حالياً عبر العالم.

غير حتى ما لا نعهده أحيانًا هوحتى مونتسكيوقد توصّل إلى هذا المبدأ بعد انكبابه على دراسة معظم دساتير الدول المعروفة في عصره أوالعائدة لأزمنة سابقة لعصره على ضوء نظرية المناخ . فسؤال البحث (كما نسمّيه اليوم) الذي ينطلق منه مونتسكيوهو: لما تختلف أنظمة ودساتير الأمم على وجه الأرض،يا ترى؟ وجوابه هو: بسبب اختلاف المناخ الذي تعيش في ظلّـه هذه الأمم.

وهنا يقوم المحرر والمفكر الفرنسي بالعودة إلى نظرية المناخ الأرسطويّة محددًا إياها على نحوخاص إذ يعتبر «أن شعوب البلدان الحارة تشبه العجزة الذين يتميزون بالتردّد، في حين حتى أبناء البلدان الباردة يتسمون بشجاعة الشبّان».

ولتأكيد قوله هذا الذي يوزّع الشعوب على فئتين متعارضتين، وانسجامًا مع عصر الأنوار الذي كان ينتمي إليه والمفعم بالكلام عن أهمية ودور العقل في فهم جميع ما يتعلق بالإنسان، يحاول مونتسكيوإضفاء صبغة «فهمية» عليه ويروي لنا كيف من الممكن أن توصّل إلى اقتناعه هذا، فيحدثنا كيف من الممكن أن أنه ذات يوم قام باختبار ملموس على لسان خروف.

وضع لسان الخروف بادئ الأمر في قبوبارد في أسفل بيته ثم قام بفحصه في اليوم التالي على مجهر كان بحوزته، فلاحظ حتى لا شيء ظاهرًا على سطح هذا اللسان الذي بدا أملس.

ثم وضع بعدها اللسان في الشمس خارج القبووقام بفحصه بعد بضع ساعات، فلاحظ حتى النتوءات العصبية الموجودة على سطحه قد تفتحت وأضحت بارزة. فيخلص - لا نفهم كيف من الممكن أن - إلى خلاصة مفادها الاختلاف الجذري بين التأثيرين، الحار والبارد، للمناخ. فيقول: «إن هذه الملاحظة تؤكد ما قلته من حتى النتوءات العصبية لا تتبلور في البلدان الباردة، بل تظل مضمرة وتغرق في جيوبها حيث لا تعود على تماس مع تأثير الأمور الخارجية. مما يعني حتى الأحاسيس تكون عندها غير متأججة.

ففي البلدان الباردة، التفاعل مع الملذات هوفي حدّه الأدنى، بينما يعظم في البلدان المعتدلة ويتضخم كثيراً في البلدان الحارة. وكذلك هي الحال بالنسبة إلى مسألة الألم».

ثم ينتقل المفكر الفرنسي من مجال تأثير المناخ في الطباع إلى تأثيره في مسائل سن القوانين ونظم الدساتير وممارسة الشأن السياسي برمته، فيؤكد على حتى القوانين والدساتير إنما تأتي مطابقة في صياغتها وممارستها مع تأثيرات المناخ. ثم ينتقل إلى حتى البلدان الحارة - ومنها البلدان العربية - غير قادرة على ممارسة الحكم الديمقراطي ولا على التعامل مع العدالة الاجتماعية كما هي الحال في البلدان الباردة، الأوربية تحديدًا، حيث كان يقيم هو. فالعدالة وسيادة السلطة التشريعية، الباردة، على السلطة التطبيقية، الحارة، تأتي بشكل طبيعي في الغرب، في حين حتى المعادلة مقلوبة في الشرق، وآسيا وإفريقيا حيث تغيّب السلطة التطبيقية عمليًا السلطة التشريعية والقضاء.

من هنا يرسم المشهد السياسي العالمي على نحويحتفظ فيه بصورة الحكم العادل والمتنوّر للغرب والغربيين، بينما يرى حتى مصير شعوب البلدان الحارة، في آسيا وإفريقيا تحديدًا، هوالعيش في أنظمة استبدادية وقمعيّة.

وتقوم إطلاقيّة الحكم الفكري هذه على مقاربة ميكانيكية هي أيضاً، كتلك التي لجأ إليها العربي صاعد الأندلسي، بالانتنطق من سبب إلى نتيجة ضمن سياق مغلق وواحد. غير حتى مونتسكيويضفي على العملية صبغة أيديولوجية استثمرها بعده نادىة النظرية الاستعمارّية، القائلون بوجوب حكم الغرب، لبلدان آسيا وإفريقيا بهدف إعمارهم سياسيًا وجعلهم يتبنّون أشكال الإنتاج والحياة السياسية المعتمدة في أوربا.


بيـن صاعد ومونتسكيو

لذلك ففي المحصلة تبدوالمسافة كبيرة بين ما طُرحَ في نظريتي المناخ عند جميع من المفكرين، الأندلسي والفرنسي.

فصاعد عرض وجهة نظره بشكل بدا له مبنيًا، انطلاقًا من ملاحظات جغرافية وثقافية عامة. وبقي طوال الوقت ضمن هذا السياق التحليلي، إذ إنه لم يقحم لا المسألة العرقية (حيث إذا بيض روسيا وزنوج غانا يتساوون في نظره في عدم النباهة) ولا المسألة الدينية (مساويًا في النباهة بين الروم والهنود والعرب). أي حتى صاعد قد عرض كلاماً لم يقحم فيه لا نفسه ولا عرقه ولا أمّته أيديولوجيًا، على الرغم من أنه كان قاضيًا شرعيًا في مدينة طليطلة. أما مونتسكيوفقد انحاز أيديولوجيًا لكتلته الجيو- سياسية، محاولاً إخفاء المسألة تحت قشرة من الفهمويّة، حيث يحاول تبرير موقفه بالعودة إلى ما يدعي أنه اختبار، بغية إضفاء صفة العقلانية عليه. فالانتنطق عنده من البيولوجي إلى المناخي إلى الذهني أقل ما يُنطق فيه أنه متسرّع وغير مقنع. فكيف لنا حتى نستنتج من لسان خروف خضع لحرارتين نظرية خطيرة كتلك التي يطرحها والتي تتعدّى مسألة نباهة بعض الأمم وغياب النباهة عند بعضها الآخر باتجاه تقسيم شعوب الأرض على أساس ذهني وأيديولوجي. سليم حتى نظريات المناخ باتت تُحفظ اليوم في خزانات التراث الفكري وأن أحدًا لم يعد يجرؤ على طرحها على النحوالاستبعادي الذي كانت تُطرح فيه شرقًا وغربًا. إلا أنه من المفيد اليوم حتى نستعيد من خلال الطرق الإطلاقيّـة والميكانيكية التي كانت تطرح بها تجارب فكرية لمقاربة التنوّع البشري من وجهة نظر أحادية أقنعت الكثيرين في ما مضى.

تخطّت العلوم الإنسانية والاجتماعية اليوم نظريات المناخ وقدّمت تفسيرات تعدّدية لظاهرة التنوّع البشري، مع احترام خصوصية جميع تجربة من التجارب البشرية. كما أنها ساهمت في الانتنطق من رؤية إطلاقية ومنحازة إلى رؤية إنسانية شاملة تقوم على احترام جميع أشكال وأنواع الثقافة البشرية من منظورها هي، لا من منظور خارجي، وبالاعتماد على تفسيرات عدّة، لا على تفسير واحد ومنغلق.


هذه بذرة منطقة عن عالم أوباحث فهمي مسلم بحاجة للنمووالتحسين، فساهم في إثرائها بالمشاركة في تحريرها.
تاريخ النشر: 2020-06-04 08:31:03
التصنيفات: بذرة عالم مسلم, مؤرخون مسلمون, مواليد 1029, وفيات 1070

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

القيادة تهنئ رئيس جمهورية البيرو بذكرى استقلال بلاده السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-07-27 12:24:00
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 59%

حصيلة الإصابات بكوفيد-19 حول العالم تقترب من 572.4 مليون حالة

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-27 12:24:05
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 51%

العلاقات السعودية الفرنسية.. شراكة تنمية وصداقة متينة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-07-27 12:24:02
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 65%

بدء التقديم في النسخة الخامسة من برنامج بناء الكفاءات السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-07-27 12:24:01
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 54%

ولي العهد يزور فرنسا لبحث ملفات مهمة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-07-27 12:24:03
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

القبض على شخص بحوزته 7455 قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-07-27 12:24:00
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 67%

الصين.. إطلاق 6 أقمار صناعية جديدة لتجربة تكنولوجيا الفضاء

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-27 12:24:52
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 63%

القبض على شخص بحوزته 7455 قرصًا ممنوع التداول في تثليث

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-27 12:24:56
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 67%

لأول مرة.."بوما" تحقق مبيعات قياسية تجاوزت 2 مليار يورو

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-27 12:24:58
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 62%

استقرار أسعار النفط وخام برنت يسجل 104.55 دولار للبرميل

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-27 12:24:54
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 53%

وفاة 4 أشخاص وإصابة 60 جراء زلزال بالفلبين

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-27 12:24:50
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

تحميل تطبيق المنصة العربية