محمد المقري
الحاج محمد بن عبد السلام المقري (ولد بمدينة وجدة سنة 1852 وقيل بمدينة فاس سنة 1860 - ت. 1957، الرباط)، من كبار رجالات دار المخزن، عايش خمسة ملوك مغاربة، وجايل تسعة مقيمين عامين، ما جعله يحظى بمكانة خاصة ومسقط سياسي هام، اختارته سلطات الحماية لمنصب الصدر الأعظم في المغرب. كانت له يد في أحداث مؤثرة في تاريخ المغرب، أولها مساندته لصدور الظهير البربري الذي أحدث هوة بينه وبين السلطان محمد بن يوسف، تلته مطالبة الحركة الوطنية المغربية بالاستقلال التي لم يكن له أي موقف واضح فيها، ليكون تأييده لنفي السلطان إلى كورسيكا النقطة التي أفاضت الكأس، وجعلته واحدا من الشخصيات التي حرمت بعد الاستقلال من حق المواطنة وجردت من ممتلكاتها.
سيرته
تبدأ علاقة عائلة المقري بالأسر الحاكمة في المغرب منذ عهد المرينيين فقد حرر الإمام أبوعبد الله محمد المقري (المتوفى سنة759 هجرية- 1339م) عقد بيعة السلطان أبي عنان المريني.
في بداية القرن التاسع عشر هاجروا من تلمسان إلى محطتهم الأولى في المغرب مدينة وجدة، ثم انتشروا في تازة وفاس، كما أكد ذلك عبد الوهاب بنمنصور في الجزء الخامس من موسوعة أعلام المغرب العربي .
هاجر الحاج محمد المقري الجد من تلمسان، التي ولد بها سنة 1807م، حسب موسوعة "مفهمة المغرب"، متوجها إلى المغرب، الذي استقر به وخلف ثلاثة أبناء، كان أكبرهم تاجرا بين المغرب ومصر، والثاني عالما ومدرسا بالقرويين، وآخرهم عبد السلام، الذي استقر بفاس في عهد السلطان عبد الرحمن بن هشام .
التحق عبد السلام المقري بالمخزن في بداية عهد السلطان الحسن الأول، وارتقى في المناصب فصار نائبا مكلفا بالأملاك المخزنية بفاس، ثم مشرفا على الأملاك والبناءات المخزنية والسلطانية، لكن زوجته، والدة أبناءه الثلاثة، كان لها الفضل في تمهيد الطريق لزوجها، ثم ابنها محمد المقري لاحقا.
وتقول بعض الروايات حتى والدة محمد المقري بن عبد السلام تمكنت بفضل شهرتها في خلق الحلويات، قامت بتعبيد الطريق أمام زوجها ليتقرب من العائلات الفاسية المقربة بدوائر المال والجاه والنفوذ، وثانيا التقرب من القصر السلطاني في عهد السلطان عبد العزيز بن الحسن في فترة أولى والسلطان المولى عبد الحفيظ في فترة لاحقة.
درس محمد المقري فيجامع القرويين بفاس، ثم توجه إلى القاهرة للدراسة في جامع الأزهر.
عاد إلى المغرب على عهد السلطان الحسن الأول، وتم تنصيبه محررا خاصا في دار المخزن بفاس.
كان والده الحاج عبد السلام المقري مكلفا بشؤون البناء ومصنع الأسلحة، فأثار ابنه محمد انتباه السلطان فقربه إليه، وتدريجيا أصبح صديقا لخلف الحسن الأول، مولاي عبد العزيز، وكان حينها "باحماد" هوالأمين الكبير أوالوزير الكبير، الذي يترأس كتاب المخزن، وعبد العزيز هوالذي كلف محمد المقري بعدة مهام في مدريد فضلا عن تكليفه بمهمة تمثيل المغرب في معاهدة الجزيرة الخضراء وكان المتحدث الرسمي أثناء المفاوضات، سنة 1906.
عمل محمد المقري في الأملاك المخزنية وفي الإشراف على الأشغال العمومية وتدرج في عدد هام من المناصب المخزنية. وتم الإعلان في الجريدة الرسمية للمملكة المغربية، بعد فرض الحماية الفرنسية على المغربفي 30 مارس 1912 عن تعيين محمد المقري منصب الصدر الأعظم.
فترة المولى يوسف
كانت رقية ابنة الحاج محمد المقري، زوجة للسلطان مولاي عبد الحفيظ، الذي كان كذلك صديقا للطيب المقري أخ رقية،ثم تزوجهاالسلطان مولاي يوسف بعد تنحى السلطان عبد الحفيظ عن الملك.
وتعتبر عائلة المقري أول بيت مغربي استخدم الكهرباء، وكان ذلك في بيت محمد المقري بفاس، الذي اكتمل بناؤه حوالي سنة 1906.
كان أبناء الصدر الأعظم محمد المقري في مناصب رفيعة في الجهاز المخزني. فابنه الحاج حماد شغل منصب باشا فاس بين 1910 و1912، وتولى ابنه الثاني الطيب الإشراف على ماكنة السلاح (مصنع الأسلحة) بفاس ثم مشرفا على وزارة المالية رغم صغر سنه، وأما ابنه الثالث الحاج المختار فعين باشا على مدينة طنجة، ثم أمينا على الديوانة بالمدينة نفسها، وأما الابن الرابع الحاج الطاهر فكان أمين الديوانة (المصالح الجمركية) بالدار البيضاء، وأما ابنه التهامي، فكان مهندسا زراعيا ثم أصبح مديرا للشؤون التونسية-المغربية .
أعفي محمد المقري من منصب الصدر الأعظم سنة 1913، وخلفه محمد الكباص، ثم عاد إلى منصبه سنة 1917.
فترة محمد الخامس
رتب محمد المقري انتنطق العرش العلوي من المولى يوسف إلى ابنه محمد الخامس ، حيث كان حريصا على المحافظة على منصبه من أية منافسة. فقد كان يخشى على انفلات منصب الصدر الأعظم من يده في حالة تولي مولاي إدريس بن يوسف. حيث استشعر المقربون اقتراب موعد وفاة السلطان، الذي كان يعاني من وطأة سقم «البروستاتا» حيث قرر الانتنطق من الرباط إلى فاس. وبعد وفاته يوم الخميس 17 نوفمبر سنة 1927 ، ظهرت بوادر الانقسام بين رجال المخزن، حيث كان الحاجب التهامي عبابو، وبجانبه مدير التشريفات السلطانية، قدور بن غبريط، يميلان إلى مبايعة الأمير مولاي إدريس بن يوسف، باعتباره أكبر أبناء السلطان المتوفى وخليفته بمراكش، وكان هذا الأمير يحمل الكثير من أوصاف أبيه. وأما الفريق الثاني، فكان يقوده الصدر الأعظم محمد المقري ويعضده الفقيه محمد المعمري، وبعض الفرنسيين النافذين في الإقامة، وقد كان هذا الفريق يلعب ورقة سلطة الحماية. لذلك نجح في فرض اختياره، حيث عين محمد بن يوسف سلطانا خلفا لوالده المتوفي.
بعد رجوع محمد الخامس إلى الرباط من فاس، انتقل معه "صنيدق" الطوابع السلطانية، واستبدلت طوابعه القديمة بطوابع فضية جديدة نقشت باسم السلطان الجديد، وكانت العادة المتبعة حتى يحتفظ السلطان بصنيدق طوابعه داخل قصره ويمسك بمفتاحه، ولكن العادة اختلفت هذه المرة، حيث بقي الصنيدق بما فيه عند السلطان في القصر الملكي، بينما مفتاحه فقد استبد به الصدر الأعظم الحاج محمد المقري وأبقاه في جيبه.
ويذكر الوزير الفقيه محمد الرندة:
وكان محمد المقري يستخرج المفتاح من جيبه ويخرج الطابع ويطبع ما يراد طبعه ظهير، ثم يرد مفتاح صنيديق الطابع لجيبه والصنيديق للسلطان. فسئم السلطان من ذلك، لأن تعليمات الحماية الفرنسيةتتعلل بصغره.
وقد لعب المقري دورا كبيرا في تمرير الظهير البربري بفضل وصايته على السلطان، لكنه لم يكن يعهد حتى هذا الظهير سيكون سببا قويا لظهور الحركة الوطنية المغربية.
وسنة 1934، الذكرى السابعة لجلوس محمد بن يوسف على العرش ٬ أصبح الاحتفال بعيد العرش يكتسي صبغة رسمية٬ إذ صدر قرار وزاري أصدره محمد المقري بتاريخ 16 رجب 1353 هـ / 26 أكتوبر 1934 بعد حتى أشار عليه المقيم العام الفرنسي هنري بونسوت.
نفي السلطان
يقول المؤرخ الفرنسي غي ديلانُوي حتى الحاج المقري، كان يلقب نفسه بـ De Blesson، وكان على استعداد تام للتعاون مع الفرنسيين إلى أبعد الحدود.
يروي بعض المؤرخين إذا المقيم العام الفرنسي استشار الصدر الأعظم قبل نفي محمد الخامس، ورد محمد المقري بعبارة:
خلال العامين اللذين حكم فيهما محمد بن عهدة، تنازل السلطان الدمية ابن عهدة عن سلطاته التطبيقية لصالح الصدر الأعظم المقري، وعن سلطاته التشريعية لفرنسا، كما سقط ظهيرا خاصا بتنظيم وتشكيل المجالس البلدية المختلطة، الشيء الذي مكن لفرنسا سيادة مماثلة للسيادة المغربية.
كانت آخر مسؤوليات محمد المقري، هي تنصيبه من طرف الفرنسيين سنة 1955، عضوا في مجلس «حفظة العرش»، إلى جانب امبارك البكاي ومحمد الصبيحي باشا سلا والقائد الطاهر عسو.
مصادرة أملاك المقري
توفي المقري صباح يوم الإثنين 13 صفر 1377 هـ / سبتمبر 1957، وقد اتىت وفاته بعد ستة أيام من تجريده «حق المواطنة لمدة 15 سنة»، بعد حتى ظهرت لائحة نطق معدوها إنها لائحة سوداء تجبر الدولة على تجريد الواردة أسماؤهم فيها من جميع ممتلكاتهم ومن حق المواطنة.
كان المقري يقيم في الرباط، في الموضع الحالي لقصر الضيافة بالمشور السعيد، كما كان له محل سكن آخر بطريق زعير بضواحي الرباط يستريح فيه، وقد تحول سنة 1963 إلى مركز لتعذيب المناضلين، الشيء الذي جعل اسم "دار المقري" يرتبط في الأذهان بالتعذيب الوحشي وخاصة ضد مناضلي الحركات اليسارية المغربية.
المصادر
- ^ Pierre Vermeren. La formation des élites marocaines et tunisiennes Des nationalistes aux islamistes, 1920-2000. La Découverte. p. 211.
- ^ التازي: المقري نصب محمد الخامس فوق باخرة الصباح (جريدة مغربية)، تاريخ الولوج 25 مارس 2015 Archived 23 September 2015[Date mismatch] at the Wayback Machine.
- ^ المقري.. الصدر الأعظم الذي اقترن اسمه بمقر التعذيب نشر في المساء يوم 19 - 05 - 2013 Archived أربعة June 2016[Date mismatch] at the Wayback Machine.
- ^ المقري… جزائري بلغ أسمى المراتب في المغرب جريدة الصباح، تاريخ الولوج 26 مارس 2015 Archived 23 September 2015[Date mismatch] at the Wayback Machine.
- ^ إحقاق الحق أحمد السكيرج، 27 مارس 2015 Archived 23 September 2015[Date mismatch] at the Wayback Machine.
- ^ الصدر الأعظم.. ملوك غير متوجين حكموا المغرب نشر في المساء يوم 27 - 03 - 2014 Archived 15 July 2017[Date mismatch] at the Wayback Machine.