مسجد

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الموضوعة جزء من سلسلة:

عين على المسجد الحرام
مصلون في مسجد
مسجد أوسلوي

إن المَسْجِد شرعًا هوكل ما أعد ليؤدي فيه المسلمون الصلوات الخمس جماعة وهودار عبادة المسلمين، تقام فيه الصلوات الخمس المفروضة، وسمي مسجدا لأنه مكان للسجود لله، ويطلق على المسجد أيضا اسم جامع، وخاصة إذا كان كبيرا. في الغالب يطلق على اسم " جامع " لمن يجمع الناس لأداء صلاة الجمعة فيه فكل جامع مسجد وليس جميع مسجد بجامع ، كذلك يطلق اسم مصلى بدل من اسم مسجد عند أداءه لبعض الصلوات الخمس المفروضة ولايتلزم بجميعها مثل مصليات المدارس والمؤسسات والشركات وطرق السفر وغيرها التي غالباً مايؤدى فيها صلاة محدودة بحسب الفترة الزمنية الحالية . ويدعى للصلاة في المسجد عن طريق الأذان، وذلك خمس مرات في اليوم.

مسجد الملك فيصل في إسلام أباد ـ باكستان

البناية

مسجد بندر اتچيه الكبيرُ

يتكون المسجد عادة من مبنى ذي ردهة كبيرة تحتوي جموع المصلين الذين يتوافدون إليه لأداء الصلوات الخمس الواجبات جميع يوم. دائما وأبدا يستقبل المسجد القبلة المتمثلة بالكعبة المشرفة والواقعة في مكة المكرمة. عندما يُنادى لصلاة من الصلوات الخمس ويقوم المؤذن بإقامة الصلاة، يقف إمام المسجد أمام الصف الأول من المصلين ويقوم بإدارة الصلاة من تكبير وركوع وسجود وختام للصلاة. يصطف المصلون في المسجد على شكل صفوف خلف الإمام وأكثرهم أجرا من يصطف في الصف الأول خلف الإمام مباشرة ولا توجد أفضلية في المسجد لغني فيصطف في الصف الأول مثلا ويصطف الفقير في الصف الذي يليه. بل من يصل إلى المسجد أولا يتبوأ مكانه في الصف الأول. في وقتنا الحاضر، عادة تصحب المسجد منارة أوعدة منارات (تسمى أيضا بالمئذنة) وتوضع فيها مكبرات الصوت ليسمع الناس المنادي للصلاة حين يحين وقتها.


أهم المساجد

يؤمن المسلمون بأن هناك ثلاثة مساجد على الأرض خصها الله بخصوصية كبيرة ونسردها حسب أهميتها: المسجد الحرام في مكة المكرمة وفيه الكعبة المُشرفة، المسجد النبوي في المدينة المنورة، مدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والمسجد الأقصى الواقع في فلسطين. يعاني المسلمون معاناة شديدة لوقوع أحد أعظم مساجدهم في يد إسرائيل ويشعرون بقدر كبير من الإهانة لما تعرض له هذا الصرح العظيم من أذى كإضرام النار فيه في حقبة الستينيات من القرن المنصرم.

مسجد في بور سعيد بمصر

مساجد العصر الأموي في الشام والعراق

المسجد الأقصى ـ القدس ـ فلسطين.
جامع سامراء الكبير في العراق.
الجامع الأموي في دمشق، سوريا.

المسجد الأقصى في القدس (65هـ، 685م)

يُعْتبر الخليفة عمر بن الخطاب أول من أمر بإعداده ليكون مسجدًا. وقد أعيد بناؤه في صدر الدولة الأموية، ثم أصابه زلزال في العصر العباسي، فقام الخليفة المهدي عام 163هـ، 780م بإعادة تدعيمه. ثم أصابه زلزال آخر في عصر الدولة الفاطمية، فأعيد بناؤه على الوضع الذي هوعليه الآن، حيث يتكون تخطيطه من سبع بلاطات أكبرها عمقًا واتساعًا البلاطة الوسطى، وبصدر جدار القبلة محراب كبير تعلوه قبة.

المسجد الجامع بواسط في العراق (84هـ، 703م)

المعروف حتى واسط في العراق كانت خامس مدينة أنشئت في الإسلام، بناها الحجاج الثقفي في وسط العراق عام 84هـ، 703م، وبنى مسجدها الجامع، وكان تخطيطه يتكون من مربع يبلغ طول ضلعه حوالي مائتي ذراع. وعلى الرغم من اندثار معظم معالم المسجد الأول، إلا حتى أعمال التنقيب الآثاري عام 1942م تمكنت من الكشف عن مخطط المسجد الأول.

الجامع الأموي بدمشق (87هـ، 706م)

من أشهر جوامع الإسلام في بلاد الشام، بناه الخليفة الوليد بن عبد الملك عام 87 هـ، 706م، ومازال يحتفظ بمعظم عناصره التخطيطية التي بُني عليها في عهد الوليد بن عبد الملك، بالرغم مما تعرض له من أحداث جسام في عصور مختلفة. والتخطيط المعماري للمسجد يتكون من بناء مستطيل الشكل يتوسطه فناء تحفه أربع ظلات أكبرها عمقًا ظلة القبلة التي تتكون من ثلاث بلاطات (البلاطة هي المسافة المحصورة بين أربعة أعمدة. وأطلق اسم بلاطات، فيما بعد، على الأروقة الرأسية أي التي تتجه متعامدة نحوجدار القِـبْلة موازية لجدار القبلة تبترها بلاطة وسطى (مجاز) ميّزها المعماري بأن جعلها أكثر ارتفاعًا واتساعًا. ويحيط بفناء المسجد من ثلاث جهات رواق واحد. وللمسجد ثلاثة أبواب وثلاث صوامع.


دور المسجد وتاريخه

المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة

حث الإسلام على بناء المساجد والعناية بها، ومن ذلك ما رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، نطق: سمعت رسول الله ³ يقول: (من بنى مسجدًا يُذْكَرُ فيه اسم الله بنى الله له بيتًا في الجنة) رواه أحمد وابن ماجة. وقد أبلغ رسول الله ³ فيما رواه أبوهريرة (أحب البلاد إلى الله مساجدها) رواه مسلم. بناء المسجد أمر من الله سبحانه وتعالى لجميع المسلمين، وحدد القرآن الكريم الوظيفة الأساسية للمسجد، نطق تعالى : ﴿في بيوت أذن الله حتى تُرْفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمه يُسبِّح له فيها بالغدووالآصال﴾ النور: 36 . كما رويت عن الرسول ³ أحاديث كثيرة في المساجد وفضلها وأحكامها. وأورد الفقيه الزركشي في كتابه إعلام الساجد بأحكام المساجد الأحكام المتعلقة بالمساجد والصلاة فيها، وجمع في كتابه هذا أحاديث الرسول ³ التي تشير إلى الدور الكبير الذي تؤديه المساجد في المجتمعات الإسلامية، وتبين أجر من يعمل على تعميرها وصيانتها، وسوف يتضح ذلك من خلال استعراض دور المسجد وعمارته وطرزه وعناصره في العمارة الإسلامية. أول مسجد في الإسلام. أول مسجد بُني في الإسلام هومسجد قُبَاء الذي يُنطق له مسجد التقوى لقوله تعالى ﴿ لَمسْجِد أسسَ على التقوى من أول يوم أحق حتى تقوم فيه. فيه رجال يحبون حتى يتطهروا والله يحب المطّهرين﴾ التوبة: 108 . وروى أبوسعيد الخدري حتى النبي ³ سُئل عن المسجد الذي أُسس على التقوى فنطق: (هومسجدكم هذا) (أي مسجد المدينة) رواه مسلم والنسائي بسند سليم. وهذا لا يعارض الأول، إذ جميع منهما أُسّس على التقوى، غير حتى قوله تعالى (من أول يوم) يقتضي حتىقد يكون مسجد قباء، لأن تأسيسه كان يوم حلول الرسول ³ دار هجرته.

مسجد قُباء بالمدينة المنورة ـ بعد التوسعة ـ وهوأول مسجد بُني في الإسلام.

ولما فتح عمر بن الخطاب البلدان خط إلى أبي موسى الأشعري وهوعلى البصرة يأمره حتى يتخذ مسجدًا للجماعة، ويتخذ للقبائل مساجد، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى المسجد الجامع، وخط كذلك إلى سعد بن أبي وقاص وهووال على الكوفة بمثل ذلك، وخط أيضًا إلى عمروبن العاص وهووال على مصر بمثل ذلك أيضًا، وخط إلى أمراء أجناد الشام ألا يتبددوا إلى القرى، وأن ينزلوا المدائن وأن يتخذوا في جميع مدينة مسجدًا واحدًا ولا تتخذ القبائل مساجد فكان الناس متمسكين بأمر عمر رضي الله عنه، وكانت صلاة الجمعة تُؤدَّى في المسجد الجامع. وأصبح المسجد منذ ذلك الوقت مركز ترابط المجتمع والجماعة الإسلامية، وهيكلها المادي الملموس. فلا تكتمل الجماعة إلا بمسجد يربط بين أفرادها بعضهم ببعض، يتلاقون فيه للصلاة وتبادل الرأي، ويقصدونه للوقوف على أخبار جماعتهم، ويلتقون فيه مع رؤسائهم، أويتجهون إليه لمجرد الاستمتاع بالقعود في ركن من أركانه. ولهذا كله، أصبح للمسجد ضرورة دينية وضرورة سياسية وضرورة اجتماعية لكل مسلم على حدة ولجماعة المسلمين جملةً.

مسجد القبلتين بالمدينة المنورة.

دور المساجد في خدمة المجتمع

المسجد بيت الله وهوأيضًا بيت الجماعة وبيت جميع واحد منها على حدة، وهوالمكان الوحيد الذي كان وما زال تملكه الجماعة مشهجرة، وإن كان الذي بناه السلطان أوالخليفة أوالدولة. وعلى ذلك، لم يكن المسجد في يوم من الأيام ملكية خاصة لأفراد أولفئة دون فئة. وأوضح مثل على ذلك الدور الذي كان يؤديه المسجد في خدمة المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام، حيث كانت مساجد المسلمين دورًا للقضاء تُعقد فيها مجالس القضاء علنًا بين أفراد الجماعة، وتُعلن أحكام القضاة في داخل المسجد ويُهجر للدولة موضوع تطبيق الأحكام عن طريق أعوان يقفون خارج المسجد تحت تصرف القاضي. كما استُخدمت المساجد معاهد للتعليم، لأن الفهم كان دائمًا من اختصاص الجماعة، وعلى ذلك فلم تقتصر المساجد على وظيفة الصلاة بل كانت مراكز للحكم والإدارة والدعوة والتشاور، كما كانت محلاً للقضاء والإفتاء والفهم والإعلان وغير ذلك من أمور الدين والدولة.

مسجد الملكة عروة في جبلة ـ باليمن.

أثر المساجد في نشأة الفنون الإسلامية

من المعروف أنه ما إذا ولج النبي صوسلم المدينة عقب الهجرة حتى شرع في بناء المسجد في بترة الأرض التي اشتراها النبي ³ من غلامين يتيمين في المدينة، ثم خطط المسجد، وأعد مواد البناء من حجارة ولبن وجذوع نخيل وغير ذلك. واشهجر النبي ³ نفسه وأصحابه في أعمال البناء، حتى تمت إقامة المسجد النبوي الشريف كأول عمل معماري مهم في الإسلام. وحين كان النبي ³ وأصحابه يضعون أساس المسجد النبوي كانوا في الوقت نفسه يضعون أساس فن العمارة والزخرفة الإسلامية، إذ تطورت عمارة المسجد النبوي الشريف بعد ذلك على أساس التصميم الذي بدأه النبي ³. وظل مسجد الرسول ³ نموذ نموذجًا احتذاه مشيّدوالمساجد في الأقطار الإسلامية الأخرى طوال القرون الأربعة الأولى من الهجرة، مثل مسجد البصرة والكوفة والفسطاط والقيروان، كما صار طرازه المعماري أبرز الطرز المعمارية لبناء المساجد في العصور المتنوعة. وكان الدافع إلى ذلك الحرص والاقتداء بالسنة النبوية الشريفة. وامتثال أمر الرسول ³ حين أمر بعدم زخرفة المساجد وتلوينها وبين عمل ذلك من أمارات الساعة. وفي مباني المساجد تطورت أساليب التخطيط والتصميم بالإضافة إلى العناصر المعمارية التي انتقلت إلى سائر أنواع المباني الإسلامية. وعن طريق العناية بأثاث المساجد والرغبة في تجميلها؛ ازدهرت الفنون الزخرفية والتطبيقية الإسلامية: إذ تطورت فنون المعادن مثلاً بفضل العناية بالأثاث المعدني بالمساجد كالأباريق والثريات والطسوت والشمعدانات بالإضافة إلى النوافذ والأبواب المصفحة بالحديد (المصبّعات). وتطورت الصناعات الخشبية بمختلف أنواعها تبعًا للاهتمام بالأثاث الخشبي من منابر وكراسيّ وحوامل المصاحف. وتطورت فنون الزجاج بسبب الاهتمام بمصابيح الإضاءة والمشكاوات وزجاج النوافذ، وارتقت فنون السجاد حتى لقد نبغ فيها المسلمون وكادت حتى تخصهم دون غيرهم، وقد استُمدَ لفظ سِجَّادة من حدثة مسجد. وكان للمساجد أكبر الأثر في تطور أساليب الزخرفة والخط العربي، إذ ظلت عادة زخرفة العمائر الدينية بالخط متبعة في جميع العصور الإسلامية، حتى حتى العمارة الإسلامية قد تكون حقلاً مناسبًا لدراسة الخط العربي وتطوره وأنواعه المتنوعة.

مسجد العنبرية بالمدينة المنورة.
مسجد الغمامة بالمدينة المنورة.
مسجد قديم في جازان ـ المملكة العربية السعودية.

أثر العقيدة الإسلامية في تخطيط المسجد

يخضع التصميم المعماري للمسجد لبعض القواعد الوظيفية والعقائدية؛ فهوالمكان الذي ينتظم فيه المسلمون في صفوف متراصة لأداء فريضة الصلاة. يقول الرسول ³: (أقيموا صفوفكم فإنما تصفّون بصفوف الملائكة وحاذوا بين المناكب ولينوا في أيدي إخوانكم وسُدُّوا الفُرَج (الخلل) ولا تجعلوا للشيطان فرجة، فمن وصل صفًا وصله الله ومن بتر صفًا بتره الله عز وجل) رواه أحمد وأبوداود بإسناد سليم. وعن فضل الصف الأول في المساجد، نطق رسول الله ³،: (لويفهم الناس ما في النداء (الأذان) والصف الأول ثم لم يجدوا إلا حتى يستهموا (يقترعوا) عليه لاستهموا) متفق عليه. وعلى ذلك، حرص المعماري المسلم حتى يراعي في تخطيط المسجد تلك التوجيهات التي أمرنا بها رسولنا الكريم ، فقام المعمار المخطط للمساجد بتصميماتها على هيئة مستطيلقد يكون محوره الرئيسي موازيا لاتجاه امتداد جدار القبلة حتى يتوافق ذلك مع الحديث النبوي الشريف في توافر أكبر عدد من المصلين في الصف الأول وبالتالي يفترض أن تكمل بقية الصفوف على حسب امتداد الصف الأول. وهذا لا يمكن حتى تحصل عليه في تصميم آخر غير المستطيل، حيث لا يمكن حتى يعطينا الشكل المخروطي أوالشكل المثمن أوالشكل الدائري أوحتى الشكل المربع المساحة المطلوبة لامتداد الصف الأول بصفوف المصلين. كما وزّعت مداخل المساجد في أماكن محددة بحيث يشكل توزيعها على مخطط المسجد تطابقًا مع المطلب العقائدي المتمثل في عدم المرور أمام المصلي: نطق رسول الله ³: (لويفهم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان حتى يقف أربعين خيرًا له من حتى يمر بين يديه) أخرجه النسائي، وكذلك ورد في سليمي البخاري ومسلم. وعملاً بهذا الحديث انطلق المعماريون المسلمون يخططون للمداخل المؤدية إلى داخل المسجد وفقًا لنظام معماري لا يسمح بالمرور أمام صفوف المصلين. لذا نجد معظم مداخل المساجد تقع في المؤخرة أوعلى الجانبين، وعلى هذا نجد العبرة هنا بالأسس العقائدية، وليس بالمراجع التراثية التي يرجع إليها المعماريون عند تخطيط المبنى. فالمهم هواستيفاء المضمون أولاً ثم بعد ذلك يتم البحث عن التشكيل المعماري الذي يخدم هذا المضمون. والتشكيل المعماري هنا يرتبط بطرق الإنشاء ومواد البناء التي ترتبط بدورها بالقدرة الفنية والفهمية لدى المسلمين. وإذا كان الإسلام يحض على حتى تستمر صفوف المصلين دون انقطاع، فإنه ليس من المستحب حتى تكون العمد التي ترتكز عليها سقيفة المسجد عاملاً على بتر صفوف المصلين والفصل بينها وبذلكقد يكون تصميم المسجد بدون الأعمدة التي تحمل الأسقف أوبأقل أعمدة ممكنة أكثر استحبابًا من الناحية العقائدية حتى لا تنبتر بها الصفوف، وحتى يستطيع المصلون رؤية الإمام والخطيب في صلاتهم دون عوائق من البناء. لقد احترم المعماريون المسلمون ما اتىت به العقيدة الإسلامية من متطلبات تتعلق بعمارة المساجد لكونها بيوت الله في الأرض، ولذا تعامل معها المعماري وهوينظر إلى المضمون في التصميم. والمضمون المعماري هنا ليس في تفسيره مجال لذكر ما حرم الله أوما أحله ولكنه تعامل مع روح الإسلام وتعاليمه. لذلك، كان درس المعماريين عن المضمون أساس البحث عن الشكل، وليس العكس كما تدعوالنظرية المعمارية الغربية ويعمل بها المعماريون الغربيون. أما عن علاقة المسجد بالنسيج العمراني، فقد حدد الرسول الكريم ³ مفهوم هذا النسيج: في الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها، حتى رسول الله ³ أمر ببنيان المساجد في الدور وأمر بها حتى تنظف وتطيّب (أخرجه أحمد بإسناد جيد). وفي هذا الحديث دلالة على حتى المسجد لم يكن بناءً تذكاريًا بل هوجزء لا يتجزأ من النسيج العمراني للمدينة الإسلامية يتكامل معها ويترابط بها عضويًا. ولما كان المسجد هومركز الإشعاع في المجتمع الإسلامي، بل هومحور المدينة، كان على المعماري المسلم حتى يتخذ مسقط المسجد في قلب التجمع العمراني، تلتف من حوله مراكز الخدمات الإدارية والأمنية والمالية والتعليمية والاجتماعية حتى تكون متصلة روحيًا وسلوكيًا مع تعاليم الإسلام. ولذلك، ارتبطت تواريخ المساجد الجامعة في الأمصار الإسلامية بالتاريخ الحضاري والاجتماعي والسياسي للجماعة الإسلامية. وكان ينطق إذا الشعر ديوان العرب، وهي حقيقة تؤيدها الأدلة، بينما الحقيقة أيضًا حتى المساجد ديوان أمم الإسلام. فقد كان جامع عمروبن العاص في مصر سجلاً لتاريخ العصور الإسلامية في مصر، وكذلك كان المسجد الجامع في القيروان بمثابة فصول كاملة من تاريخ إفريقيا والمغرب عامة. وأكبر مرشد على ذلك هوالمسجد الجامع في قرطبة؛ إذ إذا عمارته تؤرخ لأمراء البيت الأموي الأندلسي واحدًا واحدًا، فما منهم أمير أوخليفة إلا وحرص على حتى يضيف إليه ويتشرف بتسجيل اسمه على جدرانه، وينطبق هذا الحديث على جامع الأزهر الفاطمي بمصر. أما المسجد الحرام والمسجد النبوي فهما يؤرخان لدولة الإسلام وحضارتها وما زالت عمارتهما تؤكد على ذلك. الخلاصة حتى أول ما يُعنى به المسلمون في جميع فتح من فتوحاتهم حتى يقيموا مسجدًا جامعًا للصلاة، يحرصون على حتىقد يكون مسقط المسجد في وسط المدينة الجديدة، ومجاورًا في نفس الوقت لدار الإمارة أوبيت الخليفة أسوة بما كان في مسجد الرسول ³ بالمدينة. في العهد المضىي من التاريخ الإسلامي، كان المسجد مؤسسة سياسية حيث عُقدت فيه البيعات للخلفاء الراشدين وتدار فيه الحوارات والمناقشات بين أعلام المسلمين وقادتهم فيما يخص بلاد المسلمين عامة. وهومؤسسة اقتصادية حيث ترعى المساجد أُسر المتعففين عن طريق اللجان الخيرية التي تقوم على جمع التبرعات من الميسورين وتوزيعها على المحتاجين. وقامت بعض المساجد بالتوفيق بين الرجل والمرأة بقصد الزواج ممن لم يحالفهم الحظ في الزواج بالطرق التقليدية أولشح في المال من جانب الرجل. قامت هذه المساجد بجمع طلبات الرجال والنساء والتوفيق بين القائمتين مما أثمرت هذه المبادرة بتزويج من لم يحالفه الحظ بالزواج. وهومؤسسة تربوية لما يقوم به خطباء المساجد في الجُمَع من وعظ وتوجيه في القضايا التربوية بل وشتى القضايا الإجتماعية.

في الدول الشمولية، تحرص الدولة جميع الحرص على تقليص دور المسجد واقتصار دوره على الصلوات الخمس ثم تحرص الدولة حتى ينفض المصلون إلى سبيلهم لأن رسالة المسجد تتنافى وأُسس الدولة الشمولية.

أول مساجد الأرض

يؤمن المسلمون حتى المسجد الحرام هوأول مسجد بني في الأرض فعن أبوذر : (قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا،يا ترى؟ نطق:"المسجد الحرام". قلت: ثم أي،يا ترى؟ نطق: ثم المسجد الأقصى قلت: كم بينهما،يا ترى؟ نطق: أربعون عاما. ‏ ‏والأرض لك مسجد فحيثما أدركت الصلاة فصل)

العناصر المعمارية الأساسية في عمارة المسجد

الجامع الأزهر في القاهرة – مصر.

للمسجد عناصره المعمارية الخاصة التي بدأت منذ عصور مبكرة تُشَكِّل الملامح الأساسية لعمارة المساجد في العالم الإسلامي. وأصبحت تلك العناصر من أبرز مميزات المساجد التي تتضح بها ذاتية المسجد. وهي بذلك تستحق الدراسة حتى تكتمل لنا معالم تطورها على مر العصور، لاسيما وأن معظم العناصر المعمارية المكونة لعمارة المسجد قد نسبها المستشرقون إلى أصول غير عربية أوإسلامية. وأهم هذه العناصر هي: التخطيط، الصحن، المظلات، المنبر، المحراب، المئذنة، المقصورة.

مسجد محمد علي في القاهرة ـ مصر.
جامع عمر بن الخطاب في مدينة الدوحة ـ قطر.
مسجد الناصر محمد في القاهرة ـ مصر.
الجامع العمري الكبير في صيدون ـ لبنان.

التخطيط

يتسار التخطيط العام للمسجد مع وضوح العقيدة الإسلامية وبساطة أركانها وخلوها تمامًا من الأسرار ومن أي نوع من التعقيدات في طقوس العبادات القديمة السابقة على الإسلام. فلم تكن بمساجد المسلمين قدس الأقداس (قبَّة الهيكل عند اليهود) كما كان في معابد مصر القديمة، أومنشآت معمارية ضخمة ذات جدران عالية وقاعات داخلية تضاء بالشموع والقناديل، ويقوم على خدمتها كهان أوسدنة لهم هيئات خاصة وملابس مصممة على نحويراد منه حتى يسقط في النفس أبلغ الأثر من الرهبة والقدسية. بل كانت مساجد المسلمين الأولى تخطّط ببساطة شديدة، فهي مساحات من الأرض صغيرة أوكبيرة تنظّف وتسوَّى وتطهر ويُعَيَّن فيها اتجاه القِـبلة وتخصص للصلاة. وقد تسور هذه المساحات أولا تسوّر، وقد تفرش بالجص النظيف أوالحُصر أوالبسط، وقد تقام فوقها مبان ضخمة، وقد لا تقام، فهي لا تغير من الأمر شيئًا. كانت البساطة في أداء فرائض الإسلام عاملاً أساسيًا في وضع تخطيط سهل لا تعقيد فيه ولا تكلُّف في توزيع وحداته أوفي أسلوب بنائه. وكان ذلك المسجد النبوي الأول نواة المساجد في جميع الأقطار وفي كافة العصور، ولم يلجأ المسلمون فيه إلى اقتباس أفكار لتخطيط مساجدهم من معابد الوثنيين أوكنائس النصارى أومعابد اليهود كما عمل الرومان من قبل، وما عمله النصارى عندما اتخذوا لكنائسهم تخطيط البازيليقا الرومانية. ولم يطلب الدين الحنيف أكثر من جدران تقام بأية مواد لتحدد محيط المسجد وتحفظ حرمته، ومن سقيفة أوظُلة يحتمي بها المسلمون في أثناء صلاتهم، وهوالتخطيط الذي بدأ ظهوره في المسجد النبوي بالمدينة المنورة والذي خطه الرسول ³ بنفسه. وكان تخطيطه فناء مربع الشكل أحيط بجدارن من اللَّبن لم تكن تعلوعلى قامة رجل، وظلة تقع في الركن الشمالي الغربي يحتمي بها المصلون من حرارة الشمس، كما كان يجلس فيها الرسول ³ ليجتمع بالمسلمين ويتدارس معهم شؤونهم الدينية والدنيوية. وكان يوجد بالضلع الشرقي عدد من الحجرات يقيم فيها الرسول ³ مع زوجاته. وكان أسلوب بناء جدران مسجد الرسول ³ وظلته وحجرات الإقامة بسيطًا للغاية، فقد استُخدمت جذوع النخيل لحمل الظلة التي صُنعت من سعف النخيل والطوب اللبن للجدران. دخل تخطيط مسجد الرسول ³ بعد ذلك في طور حديث بعد حتى تلقّى الرسول ³ في النصف من شعبان من السنة الثانية للهجرة الأمر باتخاذ الكعبة قبلة يتجه إليها هووالمسلمون في صلاتهم. فأخلف الرسول ³ ظلة ثانية جهة الجنوب وجعل في وسط جذرها الجنوبي علامة تعين القـبْلة، ثم زاد عمر بن الخطاب في مساحة المسجد عام 17هـ، 637م وبخاصة من ناحية القـبْلة. وفي عهد الخليفة عثمان عام 24هـ، أضيف للمسجد ظلتان، واحدة في الجانب الشرقي وأخرى في الجانب الغربي، وبذلك تكامل الشكل النهائي لتخطيط أول مسجد بالمدينة، ومن ثم فقد صار نموذجًا اهتدى به المسلمون وساروا عليه في تخطيط المساجد في العالم الإسلامي كله من المشرق إلى المغرب. هذا النموذج الذي يتبلور في تخطيط رئيسي يتكون من فناء أوسط مكشوف تحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القـبْلة. ومن الجدير بالذكر حتى جميع فترة من مراحل تخطيط مسجد الرسول ³ كان لها تأثيرها المباشر على مخططات المساجد في أقطار العالم الإسلامي. فنجد الفترة الأولى التي كان يتكون فيها تخطيط مسجد الرسول ³ من فناء يتقدمه في الجانب الجنوبي ظلة واحدة هوالتخطيط الذي شاع في بناء مساجد الأمصار الإسلامية في البصرة والكوفة والقيروان، ثم الفترة الثانية التي كان يتكون فيها تخطيط مسجد الرسول ³ من فناء أوسط وظُلة في الجانب الجنوبي وأخرى في الجانب الشمالي، ثم الفترة الثالثة والأخيرة التي أصبح فيها تخطيط مسجد الرسول ³ يتكون من فناء أوسط وأربع ظلات أكبرها ظلة القـبْلة. وقد اصطلح فهماء الآثار على تسمية هذا النموذج الأخير باسم التخطيط ذي الصحن والظلات.

مسجد أحمد بن طولون في القاهرة ـ مصر.

الصحن

هوالبهوأوالفناء الأوسط، ويعد من أبرز العناصر المعمارية في تخطيط المساجد. إذ إنه مصدر الضوء والهواء لظلات المسجد وبخاصة ظلة القـبْلة التي يندر حتى تكون فيها فتحات للنوافذ، ولذا كان الصحن بالنسبة لظلة القِـبْلة المصدر الوحيد الذي يمدها بالضوء والهواء. ولهذا روعي حتى تكون مساحة الصحن فسيحة ومكشوفة. وكان الصحن يُستخدم للصلاة حين تضيق ظلة القبْلة بالمصلين أوفصول الصيف. وكان من المتبع حتىقد يكون الصحن مربعًا أوشبيهًا بالمربع وأن تزيد مساحته عن مساحة ظلة القـبْلة، وقد تبلغ ضعفها مرة أوأكثر. وكان تحديد شكل الصحن ومساحته يُـهجران للظروف الخاصة لكل إقليم وتبعًا للظروف المناخية، حيث نرى حتى الصحون المكشوفة تنكمش مساحتها في البلاد الباردة أوشديدة الحرارة، ومن هنا فإن الصحون تصغر مساحتها حدثا اتجهنا شمالاً أوجنوبًا في بلاد العالم الإسلامي. عملى سبيل المثال، نجد صحون المساجد في الأقطار العربية وإيران والهند أفنية مكشوفة واسعة المساحة، بينما نجد مساحة الصحون تصغر أحجامها في مساجد آسيا الصغرى وما وراء النهر وهجريا. أما في الغرب الإسلامي وبخاصة في الأندلس، فقد غُرس في صحون المساجد أشجار النارنج تجميلاً لهيئته والتماسًا لشيء من الظل للمصلين في الصيف. وقد تناقش الفقهاء طويلاً في جواز غرس الأشجار في الصحون أوعدم جوازه، وانتهى الأمر بإقراره، وكان بعض الفقهاء قد تحفظ على ذلك خوفًا مما ينجم عن ذلك من مشكلات بسبب ثمرها، وبسبب الطيور التي تسكن الشجر وتكون سببًا في عدم نظافة الصحن. والخلاصة حتى عنصر الصحن لم يختف من تخطيطات المساجد الخاصة والمساجد الجامعة في جميع النماذج التي وصلتنا ومهما يكن عدد الظلات التي تحيط به من الجوانب. وكان من عوامل الاهتمام بعنصر الصحن في المساجد حتى ظهرت نماذج لمساجد متعددة الصحون بدأت بثلاثة في جامع المهدية بتونس وجامع القصبة بأشبيليا وانتهت بخمسة في بعض مساجد دلهي ومسجد القصبة بالمغرب الأقصى.

أروقة مسجد قرطبة بالأندلس من الداخل واسعة فسيحة.

الظُّلات (الأروقة)

للمسجد عادة ظُلة رئيسية تقع في اتجاه القبلة تعهد باسم ظلة القبلة أورواق القبلة، وهي الظلة التي تشتمل على المحراب والمنبر والمقصورة، أما الظلات الثلاث الأخرى التي تحيط بجوانب الصحن فتسمى بالمجنبات أوبالمؤخرة إذا كانت تقع في لقاءة ظلة القبلة. ومن الجدير بالذكر حتى خط الآثار والعمارة الإسلامية قد تطلق اسم بيت الصلاة على ظلة القبلة، ومؤخرة المسجد على الظلة اللقاءة لها، والمجنبات على الظلتين الجانبيتين. وكانت المساجد الأولى في صدر الإسلام تشتمل على ظلة واحدة أي ليست لها مجنبات أومؤخرة، مثل مسجد الكوفة والقيروان والزيتونة وقرطبة والمسجد الأقصى. وفي العادة، تقسم ظلة القبلة من الداخل إلى بلاطات طولية أوعرضية بوساطة بوائك (عقود) مرتكزة على أعمدة أونادىئم، وفي العادة أيضًا تكون البلاطة الوسطى أوالرواق الأوسط أوسع من سائر الأروقة أوبلاطات المسجد، وتُعهد باسم المجاز القاطع لوكان مسارها يمتد بشكل رأسي على جدار القبلة، بينما تسير باقي البلاطات بشكل مواز لجدار القبلة. وقد كان لمسجد الرسول ³ مؤخرة وهي موضع الظلة القديمة التي كانت في اتجاه بيت المقدس، وكانت تسمى السقايف الشامية، وكانت عادة ما تتكون المؤخرة من رواق واحد فقط كما هوالحال في جامع دمشق وواسط وحرّان وجامع سوسة، أوتكون من رواقين كما هوالحال في جامع الكوفة والقيروان والإسكافي بن جنيد ببغداد وجامع أبي دلف بالعراق وابن طولون بمصر. وقد يزداد عدد الأروقة في المجنبة الواحدة عن اثنين كما هوالحال في المسجد النبوي وجامع سامراء بالعراق وجامع عمروبن العاص في مصر. ومن الجدير بالذكر حتى هناك تخطيطًا آخر للمساجد يُعهد باسم التخطيط الإيواني حيث حل محل الظلة إيوان كبير غُطي بسقف معقود، وقد انتشر هذا النظام في مساجد إيران منذ القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي. حيث أصبح المسجد هناك يتكون من صحن أوسط وأربعة أواوين أكبرها عمقًا إيوان القبلة. وهذا النظام الجديد في المساجد قد أ ثَّر على تخطيط المدارس الإسلامية التي شيدت في مطلع القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي. ويمتاز التخطيط الإيواني للمساجد بتلاشي الأعمدة تمامًا من المساحة الداخلية حيث يرتكز سقف الإيوان على الحوائط الجانبية بينما في تخطيط الظلات كان السقف يعتمد على غابة من الأعمدة والعقود في حمل السقف. الخلاصة حتى النموذج الأمثل للمساجد الجامعة سواء كانت ظلات أوأواوين لم تفقد عناصرها المعمارية الرئيسية في النظامين.

أحد المساجد الحديثة في مدينة الرياض ـ المملكة العربية السعودية.

المنبر

المنبر في اللغة مرقاة الخطيب. وسمي منبرًا لارتفاعه وعلوه، وانتبر الأمير أي ارتفع فوق المنبر. وهي مأخوذة من العمل (نبر) بمعنى حمل الشيء. ويرجع تاريخ المنبر في المساجد إلى عهد الرسول ³ حيث كان يخطب في مسجده بالمدينة وهومتكئ على جذع نخلة مثبت بالأرض. ولكن، في السنة السابعة حسب ما ذكر المؤرخ الطبري، عُمل لمسجد الرسول ³ منبر من خشب ¸الأثل · جيء به من وادي الغابة، وينطق إذا نجارًا روميًا يُدعى باقوم هوالذي صنعه. وكان المنبر كرسيًا من ثلاث درجات، كان الرسول ³ يجلس على الدرجة الثالثة، ويضع قدميه على الثانية، ثم انتشرت بعد ذلك المنابر في المساجد الإسلامية وأصبحت من أبرز عناصره. والمنبر قد يُبنَى من الحجر أويصنع من الخشب. وأقدم المنابر الباقية هومنبر جامع القيروان الذي لا يزال في حالة جيدة على الرغم من حتى تاريخه يعود إلى أكثر من أحد عشر قرنًا إذ يؤرخ فيما بين سنتي 242 – 249هـ، 856 – 863م في عهد الأغالبة. والمنابر أنواع، منها الثابت ومنها المتحرك، وقد انتشر المتحرك منها في مساجد الغرب الإسلامي، حيث تُعهد هناك باسم المنابر المتحركة وقد تتطلب حركة المنبر إيجاد وضع معماري خاص لأنها كانت تُوضع في حجرات خاصة تُعهد باسم بيت المنبر، وكانت حركة المنبر تتم بوساطة مجموعة من العجلات التي كانت تُثَبَّت في قوائم أرضية المنبر لتنزلق على قضيبين، وكان بيت المنبر أوحجرة المنبر تقع على يمين المحراب. وكان الغرض من استخدام المنبر المتحرك هوالمحافظة على عدم بتر الصف الأول من المصلين. وتعتبر فكرة وجود المنبر المتحرك دليلاً على ابتكار المعماري المسلم لعناصر تخضع للمطلب العقائدي، إذ يأتي من إدخال المنبر إلى حجرة خلف جدار القبلة استغلال كافة مساحة ظلة القبلة للصلاة، فلم يرد المعماري حتى يزحم الظلة ببتر الأثاث التيقد يكون استغلالها مقتصرًا على يوم واحد فقط. وقد شهدت صناعة المنابر المتحركة تطورًا كبيرًا في المغرب والأندلس في عصر الموحّدين. ومن أشهر المنابر المتحركة التي تعود إلى تلك الفترة منبر جامع الخطية بمراكش.

المسجد والمركز الإسلامي في روما ـ إيطاليا.

المئذنة

سمّاها مؤرخوالعرب صومعة للدلالة على برج البيعة الذي يعيش فيه زُهّاد النصارى. ولعل إطلاق هذا الاسم على المئذنة يرجع إلى حتى المئذنة الأولى سواء في الشام أومصر أوشمالي إفريقيا والأندلس كانت تتخذ شكلاً مربعًا أشبه شيء بأبراج الزُهّاد في سوريا. وقد شاع استخدام أهل المغرب لحدثة الصومعة للدلالة على المئذنة، وما تزال حدثة صومعة المصطلح السائد في شمالي إفريقيا. كما يطلق على الصومعة في المشرق الإسلامي اسم منارة، وهذه اللفظة مشتقة من العمل ¸أنار· أي أشعل وأضاء، وبالتالي فإن حدثة منار (جمعها منائر) تعني المكان الذي ينبعث منه النور أوتشتعل فيه النار. تعد المآذن من أبرز العناصر المعمارية الإسلامية لما تضمنته من نقوش وتنميقات، بالإضافة إلى كونها سجلاً رائعًا لجميع الأطوار التي مر بها الفن الإسلامي. ولقد اهتم مؤرخوالفن الإسلامي اهتمامًا كبيرًا بمشكلة المآذن والبحث عن أصولها ومدى ما أصابته من تطور على مر السنين. ومن أبرز أمثلتها مئذنة جامع الخضر ببصرى 528هـ، 1134م، ومئذنة العروس في الجامع الأموي، ومئذنة جامع الدباغة. وقد انتقل التأثير السوري إلى مآذن المغرب ويتجلى ذلك في مئذنة جامع القيروان أقدم المآذن الإسلامية الباقية، بناها بشير بن صفوان عام 105هـ، 724م، ثم انتشر الطراز السوري للمئذنة في المغرب والأندلس فبنى عبد الرحمن الناصر مئذنة جامع قرطبة عام 334هـ، 945م.حيث يتجلّى في كتاب فتوح البلدان للبلاذري المتوفى عام 245هـ، 859م، ذكر أول مئذنة شيدت في جامع البصرة على يد زياد بن أبيه والي العراق حينذاك من قبل معاوية بن أبي سفيان. وقد اتى في نص البلاذري حتى مئذنة جامع البصرة مشيدة بالحجارة عام 45هـ، 665م، كما يخبرنا المؤرخ ابن دقماق في كتابه الأمصار حتى مسلمة ابن مخلد الأنصاري قد شيد أربع صوامع موزعة في أركان جامع عمروبن العاص عام 54هـ، 673م. وفي تلك الإشارات التاريخية دلالة واضحة على حتى المآذن قد شُيدت قبل عام 96هـ، 715م وهوالتاريخ الذي اكتمل فيه بناء الجامع الأموي بدمشق. وتتميز مئذنة جامع القيروان بخصائص عربية إسلامية ناضجة من ناحية التكوين المعماري وأسلوب البناء، ومن المنارات أوالمآذن المبكرة في العالم الإسلامي التي ترجع نسبتها إلى ما يعاصر فترة حكم الولاة في مصر، نجد أنها كانت ترتفع عن مستوى الأرض في تكوين معماري مترابط يكادقد يكون منفصلاً عن المسجد؛ فلا يتصل به في بعض الأحيان، أويتصل به بوساطة الجدران الخارجية في أحيان أخرى. وأغلب الظن حتى جميع مآذن العالم الإسلامي كله في العصر المبكر كانت تتبع تكوينًا معماريًا مشهجرًا، وكان الخلاف بينها قد ينحصر في النسب المعمارية للقواعد العليا أوأبدانها، وسوف تكون المئذنة عنصرًا معماريًا إسلاميًا.

محراب جامع القيروان ـ تونس.

المحراب

المحراب لغةً، هوصدر المنزل وأحمل مكان في الدار، كما أنه يحمل معنى الحَنيَّة (القوس) في المعابد والكنائس. وقد وردت حدثة محراب في الأشعار العربية المبكرة، كذلك وردت في القرآن الكريم أربع مرات عند قوله تعالى: ﴿ فتقبلها ربُّها بقبول حسن وأنبتها نباتًا حسنًا وكفّلها زكريا حدثا ولج عليها زكريا المحراب عثر عندها رزقًا….﴾ آل عمران: 37 . وقوله تعالى: ﴿ فنادته الملائكة وهوقائم يصلي في المحراب﴾ آل عمران : 39 . كذلك وردت في سورة أخرى عند قوله تعالى: ﴿فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم حتى سبحوا بكرة وعشيًا﴾ مريم : 11 . وفي سورة (ص) عند قوله تعالى: ﴿ وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب﴾ صَ: 11 . وقد استخدم الرسول ³ الحربة في تحديد اتجاه القبلة أثناء الصلاة في الفضاء. ويرجِّح فهماء اللغات السامية حتى محراب لفظ حميري ولج اليمن عن طريق الحبشة، وهومأخوذ من حدثة ميكراب الحبشية وهي بمعنى كنيسة أومعبد أوحنية. أما عن أول نموذج لمحراب مجوف في المساجد فهوذلك الذي صُنعَ لمسجد الرسول ³ بالمدينة في عهد عمر بن عبدالعزيز من قِبل الوليد بن عبد الملك أي في العصر الأموي، ثم انتشر بعد ذلك المحراب المجوّف في مساجد الأمصار الإسلامية، حيث كان مسجد عمروبن العاص ثاني مسجد خلق له محراب مجوف في عهد قُرّة بن شريك والي مصر عام 93هـ، 711م من قبل الخليفة الوليد بن عبد الملك أيضًا. أما عن انتشار المحاريب المجوفة في العمارة الإسلامية، فقد بدأت منذ العصر الأموي. ومن أبرز أمثلتها قبة الصخرة التي كان يشاع قديمًا أنها تحتفظ بأقدم مثل للمحاريب المجوفة. ولكن الدراسات الأثرية الحديثة أثبتت حتى تاريخ محراب قبة الصخرة لاحق على العصر الأموي، كما ظهرت المحاريب المجوفة في القصور الأموية ومن أمثلتها قصر الحلابات، وقصر الطوبة وكذلك في قصر المشتى. وفي العصر العباسي، انتشرت المحاريب المجوفة في جميع المساجد العباسية، ولم يقف المعمار الإسلامي عند حد اقتباس المحراب المجوف من عمائر قديمة، بل نراه يدخل على عنصر المحراب ابتكارًا إسلاميًا انتشر منذ العصر الإسلامي المبكر، وهذا الابتكار عمل زاوية غائرة في نواحي المحاريب لوضع عمود فيها. وأقدم أمثلة هذا النموذج توجد في محراب قبة الصخرة ومحراب الجامع الأموي بدمشق. كما انتشر نوع حديث من المحاريب في العصر الإسلامي يُعهد باسم المحاريب المسطحة في العمارة الإسلامية، فنجدها في جامع أحمد بن طولون بمصر، حيث يحتفظ الجامع بخمسة محاريب مسطحة صنعت من الجص منها ثلاثة تُنسب إلى العصر الفاطمي واثنان ينسبان إلى العصر المملوكي. كما عهدت العمارة الإسلامية نوعًا ثالثًا من المحاريب يعهد باسم العنزة أوالمحاريب الخشبية المتنقلة. وهذا النوع من المحاريب انتشر انتشارًا كبيرًا في المغرب الإسلامي، وكذلك في مصر في العصر الفاطمي. ومن أبرز أمثلتها في مصر المحراب الخشبي الذي ينسب إلى الخليفة الحاكم بأمر الله عام 519هـ، 1125م، ومحراب السيدة نفيسة الذي كان يوجد بمسجدها بمدينة القاهرة، وهوالآن محفوظ بمتحف الفن الإسلامي. أما أشهر المحاريب الخشبية في المغرب فيرجع إلى العصر الموحدي ومن أبرز أمثلتها المحراب الخشبي بجامع الأندلسيين بمدينة فاس.

منظر جانبي لجامع الإمام هجري بن عبدالله في وسط مدينة الرياض ـ المملكة العربية السعودية.
مسجد الملك فيصل في الشارقة ـ الإمارات العربية المتحدة.
أحد المساجد على كورنيش مدينة جدة ـ المملكة العربية السعودية.
مسجد في جزيرة تيودور في السنغال.
مسجد السعودية في نواكشوط ـ موريتانيا.
مسجد حديث في جدة ـ المملكة العربية السعودية.

المقصورة

المقصورة في اللغة من قصر الشيء، يقصره قصرًا أي حبسه، وتُجْمَع على مقاصير. ومنه مقصورة الجامع. وسميت المقصورة مقصورة لأنها قُصرت على الإمام دون الناس. وتنوعت المقاصير وتعددت وظائفها في العصر الإسلامي، حيث خُصِّصت مقاصير لصلاة النساء في المساجد الجامعة. وهي غالبًا ما تقع في مؤخرة المسجد أوفي إحدى مجنبتي المسجد وكانت لها مداخل خاصة بها تفتح عليها مباشرة. وهذا النوع من المقاصير يُعتبر أقدم عهدًا من مقصورة الإمام. وعُرفت المقاصير الفهمية كالتي بالجامع الأموي، كانت مخصصة لطلاب الممضى الحنفي حيث كانوا يجتمعون فيها للدرس، وكذلك وجدت المقاصير الفهمية في المدارس اليمنية حيث أنشأ الإمام المتوكل على الله شرف الدين سبع مدارس، وبنى في جميع مدرسة مسجدًا للصلاة، ومقصورة في مؤخرة المسجد للفهماء والذين يتلقون العلوم من الطلاب. وعهدت المساجد نوعًا ثالثًا من المقاصير يُعهد بمقاصير الخزائن كالتي كانت بالجامع الأزهر في العصر المملوكي البحري، وخاصة في عهد السلطان الناصر حسن بن قلاوون؛ حيث استجد بالجامع الأزهر في عهده عدة مقاصير ووُضعت فيه صناديق وخزائن حتى ضيقته، ويُعهد هذا النوع من المقاصير في مساجد الغرب الإسلامي باسم الهُرْي أوالهراري. وقد خُصص هذا النوع من المقاصير لحفظ أموال المسلمين التي تُحصّل من خلال الحبوس الموقوفة على المسجد. ومن أشهر تلك المقاصير في المغرب المقصورة التي أنشأها الفقيه أبوالقاسم عبد الرحمن بن أحمد عام 598هـ، 1201م بمسجد القرويين بفاس الذي أنشئ سنة 242هـ، 857م. وهناك أيضًا مقاصير الخط كالتي كانت في جامع الزيتونة؛ حيث خصصت مقصورة لحفظ الخط. وعهدت المساجد أيضًا مقاصير الفقراء، ومنها المقصورة التي أنشأها السلطان الناصر محمد بن قلاوون بمسجد القلعة، وقد ذكر ابن دقماق عن هذه المقصورة أنها كانت تقع في الجهة البحرية من الجانب الشرقي من المسجد، وكانت مخصصة للفقراء المرتبين فيه سفله وعلوه أي حتى المقصورة كانت مكونة من طابقين. ومن التعريفات السابقة نستطيع حتى نعرّف مقصورة صلاة الإمام أوالخليفة بأنها مساحة محددة تشغل جزءًا من مساحة المسجد الداخلية، ومسورة بسياج، وقد وضعت تلك المقصورة في أماكن محددة، فإذا وجدت في داخل بيت الصلاة (ظلة القبلة) فلا بد حتى تكون ملاصقة لجدار القبلة عبر المحراب. ويعتبر جدار القبلة في ذلك الموضع ضلعًا من أضلاعها، وهي في هذا المكان تتقدم المحراب، وتحيط بالمنبر؛ أما إذا وجدت المقصورة في الصحن فهي حتمًا تقع في لقاءة المحراب من على الصحن أمام المحراب الخشبي (العنزة) الذي يقع على محور المحراب الرئيسي، ويمكن حتى هجرب المقصورة ملاصقة بجوار القبلة على جانبي المحراب. اختلف المؤرخون حول نشأة المقصورة فمنهم من نسبها إلى الخليفة عثمان بن عفان ومنهم من أرجعها إلى الخليفة معاوية بن أبي سفيان ومنهم من أرجعها إلى زياد بن أبيه، وآخرون أرجعوها إلى الخليفة مروان بن الحكم. وعلى هذا تعددت الآراء حول نشأة المقصورة كما اختلفت الآراء حول نسبتها. فذكر السمهوري نقلاً عن ابن زبالة حتى أول من أنشأ المقصورة هوعثمان بن عفان، وأنه كانت فيها كوى ينظر الناس منها إلى الإمام، وكان قد وضعها خوفًا على نفسه بعد مقتل الخليفة عمر بن الخطاب وهويصلي. كما ذكر السمهوري نقلاً عن مسلم حتى أول من اتخذ المقصورة في المسجد هومعاوية بن أبي سفيان عندما تعرّض لمحاولة اغتيال على يد واحد من الخوارج. كذلك يرى ابن خلدون حتى معاوية هوأول من اتخذ المقصورة وحرس الليل وقيام الشرطة على رأسه إذا سجد، ويؤكد المقريزي ما ذكره ابن خلدون، فيذكر حتى أول ما عملت المقاصير في الجامع كان في أيام معاوية بن أبي سفيان سنة أربع وأربعين. أما الفريق الثالث من المؤرخين والذي يُرجع نشأة المقصورة إلى الخليفة مروان بن الحكم الأموي فهويستند على النص الذي ذكره السمهوري نقلاً عن ابن حنطب والذي يؤكد حتى أول من أحدث المقصورة في المسجد هومروان بن الحكم، وذاك حينما تعرض لمحاولة اغتيال وهوقائم في المسجد يصلي على يد واحد يُدعى دب من أهل تهامة. وقد أكد ابن رشد نص ابن حنطب واعتبر الخليفة مروان أول من اتخذ المقصورة في المسجد حين طعنه اليماني فصنع مروان لنفسه مقصورة من طين وجعل فيها تشبيكات. وقد اتى في فتوح البلدان حتى زياد بن أبيه هوأول من اتخذ المقصورة في مسجد البصرة وذلك نقلاً عن الوليد بن هشام بن قحذم. وأظهرت الروايات السابقة الدوافع الحقيقية التي ساعدت على اتخاذ المقصورة في المسجد، حيث أيدت الروايات السابقة الدافع الأمني الذي دفع الخلفاء لاتخاذ مثل هذه المقاصير خوفًا من الاغتيال، وذلك استنادًا إلى ما أصاب الخليفة عمر بن الخطاب في مقتله وهوقائم يصلي في المسجد. ولم تبتر الروايات السابقة في أمر أيّ الخلفاء كان أسبق في اتخاذ المقصورة عند موضع صلاته حيث تساوت الحجج التي أوردها المؤرخون حول جميع من الخليفة عثمان ومعاوية ومروان بن الحكم. إلا حتى هناك حقيقة أخرى وردت في نص لابن الأثير فحواها حتى صحابيًا يُدعى السائب بن حباب، قد شغل وظيفة من قبل الخليفة عثمان ابن عفان وهي وظيفة صاحب المقصورة، وجعل له فيها راتبًا شهريًا يقدر بدينارين. وعلى هذا يعتبر السائب بن حباب هوأول من شغل وظيفة صاحب المقصورة، حيث لم يأت المؤرخون بذكر واحد قد تولى هذه الوظيفة، بل ولم يرد اسم الوظيفة نفسها لا في أيام الخليفة معاوية بن أبي سفيان ولا في أيام الخليفة مروان بن الحكم مما يرجح نسبة المقصورة إلى الخليفة عثمان الذي أمر ببنائها عند تجديده مسجد الرسول ³ بالمدينة. وأوضح الفقهاء رأي الدين في اتخاذ المقاصير للصلاة. فقد أجمعوا على أنها لم تكن على عهد الرسول ³، و، وإنما أحدثها الأمراء خوفًا على أنفسهم. وأفتوا بأن اتخاذها في الجامع مكروه لأنها تفرق الصفوف وتحول دون التمكن من مشاهدة الإمام وحكمها حكم المنبر لبترها الصف الأول، مما دفع الخليفة المهدي العباسي إلى حتى يأمر ولاته سنة 161هـ، 777م بحمل المقاصير من المساجد وبتقصير المنابر على قدر منبر الرسول ³. ويبدوحتى المؤذنين كانوا يتخذون من المقاصير موضعًا يؤذنون منه، مما دفع الخليفة المعتصم إلى حتى يأمر ولاته بإخراج المؤذنين عند الأذان خارج المقاصير.

طُُرُز المساجد الجامعة في المائة الأولى من الهجرة

مسجد البصرة (14هـ، 635م)

كان مسجد البصرة أول مسجد أنشئ بعد الفتوحات الإسلامية. وقد اندثر هذا المسجد ولم يكشف بعد عن أسس بنيانه وآثار تخطيطه. ويرجع بناء هذا المسجد إلى عُتبة بن غزوان بن جابر الذي تخير مسقطًا كثير القصب لكي ينزل فيه مع جنده من الفاتحين، واختط بيده المسجد في 14هـ. وينطق إذا الذي اختط مسجد البصرة الأسود بن سريع التميمي وبنى عُتبة دار الإمارة دون المسجد، وقيل إذا المسجد كان حينذاك مختطًا فحسب ولم يكن مبنيًا، وإن أبا موسى الأشعري هوالذي بناه، وبنى دار الإمارة بلَبِن وطين وسقفها بالعشب وزاد في المسجد. وفي عهد معاوية بن أبي سفيان، زيد في المسجد زيادة كبيرة وبناه بالآجر والجص وسقفه بالساج. ولما تولى زياد إمارة البصرة أعاد بناء الجامع عام 44هـ، 665م. كما زيد في مسجد البصرة في العصر العباسي مرتين؛ الأولى في عهد الخليفة المهدي والثانية في عهد الخليفة هارون الرشيد.

مسجد عمروبن العاص في القاهرة ـ مصر.
المسجد الجامع الكبير الذي شيده عقبة بن نافع في القيروان ـ تونس، ليكون رمزًا للوجود الإسلامي في شمالي إفريقيا.

مسجد الكوفة

(15هـ، 636م). كانت الكوفة ثاني مدينة أنشئت في الإسلام، والمعروف حتى المسجد كان أول شيء يخط فيها، وقد شُــيّد على يد سعد بن أبي وقاص عام 17هـ، 638م، وقد أمر سعد بن أبي وقاص رجلاً بأن يحدد قدر مساحة المسجد عن طريق رمي السهام في أربع جهات. وقد اتى تخطيط مسجد الكوفة الأول مربع الشكل، تتكون ظلة قبلته من خمس بلاطات. وقد أعيد بناء مسجد الكوفة في عهد زياد بن أبيه عام 51هـ، 670م. وقد زار الرحالة المغربي ابن جبير المسجد في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) ووصفه بأنه يتكون من صحن أوسط مكشوف تحيط به من جوانبه الأربعة ظلات أكبرها ظُلّة القبلة، كما وصف أعمدته بأنها مصنوعة من الحجارة المنحوتة بترة على بترة، مفرغة بالرصاص وليس عليها عقود. كما امتدح ابن جبير مساحة المسجد فنطق: ¸فما أرى في الأرض مسجدًا أطول أعمدة منه ولا أعلى سقفًا·.

جامع عمروبن العاص (20هـ، 641م)

أول جامع أنشئ في إفريقيا كلها، وأول جامع أنشئ في مصر بمدينة الفسطاط عام 21هـ، 642م على يد القائد عمروبن العاص بعد فراغه من فتح الإسكندرية. ويُعهد جامع عمروبتاج الجوامع والجامع العتيق، وقد وقف على تحديد قبلته جمع من الصحابة رضوان الله عليهم.

جامع القيروان (50هـ، 670م)

شُـيد جامع القيروان بمدينة القيروان (تونس) رابع مدينة أنشئت في الإسلام بعد مدينة الفسطاط. وقد شُيِّد هذا الجامع على يد القائد عقبة بن نافع في عام 50هـ،670م. وقد جدد المسجد مرة في أيام القائد حسان بن النعمان حوالي عام 80هـ، 699م، وزاد فيه بعد ذلك بشر بن صفوان، عامل الخليفة هشام بن عبد الملك زيادة كبيرة سنة 105هـ، 723م، كان من أبرز ملامحها الصومعة الحالية التي تعد أقدم صومعة قائمة في العمارة الإسلامية. وفي عهد دولة الأغالبة، شهدت عمارة الجامع تطورًا كبيرًا، حيث أصبح تخطيطه مكونًا من صحن وأربع ظلات أكبرها عمقًا ظلة القبلة، كما شيدت بالجامع مجموعة قباب منها قبة المحراب التي تعد أقدم قبة محراب قائمة في المساجد الإسلامية، وكذلك قبة البهو. وعلى الرغم من الإصلاحات الكثيرة التي شهدها جامع القيروان عبر عصوره المتنوعة إلا أنه ما زال يحتفظ بأعظم وأقدم العناصر، منها محرابه القديم الذي شيده عقبة بن نافع وكذلك مقصورته ومنبره اللذان يُعدَّان من أبرز وأندر التحف الخشبية في الآثار الإسلامية.

أصل حدثة مسجد في اللغات الأجنبية

أتت حدثة «Mosque» الإنجليزية من الحدثة الفرنسية «Mosquée» التي اشتقت من الحدثة الفرنسية القديمة «Mousquaie»، أخذا عن الإيطالية القديمة «Moschea»، اشتقاقا من حدثة «Moscheta»، أخذا عن الحدثة الإسبانية القديمة «Mezquita»، التي نقلت عن العرب وأخذت عن الحدثة العربية « مسجد» التي تخط بالحروف اللاتينية «Masjid».

طرز عمارة المسجد في الأندلس

جامع قرطبة (170هـ، 786م)

كانت الأندلس غنية بمساجدها في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وقد اندثرت هذه المساجد، ولم يبق منها إلا القليل. ومن أشهر مساجد الأندلس الباقية جامع قرطبة، وهوأكبر مسجد قائم في الإسلام، وثالث المساجد الكبرى مساحة بعد مسجدي سامراء وأبي دلف في العراق اللذين اندثرا الآن. لم يُخلَّد أثر من الآثار الإسلامية في خط التاريخ كما خُـلِّد المسجد الجامع في قرطبة؛ فقد خط عنه جميع مؤرخي العرب في المغرب والأندلس، ووصفوه وصفًا دقيقًا فاق جميع وصف. ويعتبر هذا الجامع بحق أروع أمثلة العمارة الإسلامية في العصر الوسيط بفضل ما تضمنه من ابتكارات معمارية وثروات زخرفية. وهوالأثر الوحيد المتبقي من عمارة المساجد في الأندلس، على الرغم من الإضافات الكثيرة التي أُدخلت على عمارته في العصور النصرانية.

جامع القصبة بأشبيليا

لم يتبق من مساجد الموحدين الجامعة في الأندلس سوى آثار المسجد الجامع بقصبة أشبيليا، وهومن أشهر المساجد الأندلسية، وقد أمر ببنائه الخليفة أبويعقوب يوسف بن عبد المؤمن في سنة 567هـ، 1171م. وكان جامع أشبيليا مثل جامع الخطية بمراكش يضم 17 بلاطة تتجه من الشمال إلى الجنوب. وتتسع هذه البلاطات لأربعة عشر أسكوبًا (الأسكوب هوالأروقة العرضية الموازية لجدار القبلة)، جميع بلاطة يصل عرضها إلى 6,40م. أما البلاطة الوسطى المؤدية إلى المحراب فيبلغ عرضها 7,70م. كذلك كان أسلوب المحراب في مثل اتساع البلاطة الوسطى. أما العقود فكانت متجاورة ومنكسرة انكسارًا طفيفًا وكانت مخارجها تنطلق من مناكب النادىئم كما يتجلى ذلك في عقود الصحن. وكانت أسقف بلاطات بيت الصلاة هياكل هرمية تقوم على سماوات الأسقف مسطحة بين جوائز السقف (الجائز خشبة بين حائطين توضع عليها أطراف عوارض السقف). ويغلب على الظن حتى قبابًا ثلاثًا كانت تقوم فوق الأساطين الثلاثة الناشئة من تقاطع البلاطات الثلاث الواسعة بأسكوب المحراب، وكانت هذه القباب مقرنصة كما في جامع الخطية بمراكش. وكان يحف بالمحراب من اليمين باب معقود يؤدي إلى قبوكان يُحفظ فيه المنبر، وإلى اليسار باب آخر معقود للساباط (سقيفة بين حائطين تحتها ممر نافذ) الموصل إلى القصر. وكانت تنفتح في جدران الجامع الخارجية ثلاثة أبواب تؤدي إلى مجنبات الصحن، واحد على امتداد محور بيت الصلاة يعهد اليوم بباب الغفران، وبابان آخران في المجنبتين الشرقية والغربية، تبقّى منها اليوم الباب الشرقي فقط، وهوباب يليه أسطوان (نادىمة يقوم عليها البناء) تعلوه قبوة مقرنصة من نفس طراز قبوات جامع الخطية بمراكش. ويطل على الصحن بوائك من عقود آجُرَّية منفوخة منكسرة، وتحيط بها عقود أخرى بارزة من أرجل العقود إلى رؤوسها، الأمر الذي يكسب نادىئمها شكلاً مصلبًَا. أما صومعة الجامع المعروفة اليوم باسم لاخيرالدا فقد تم بناؤها بعد فوز الموحدين في مسقطة الأرك وارتفعت في رشاقة، مشرفة على مخص أشبيليا وما يحيط بها من المنطقة المعروفة باسم الشرف. وكانت تتألف من طابقين: الأول وهوالجزء الأعظم منها ينتهي بالإفريز الأفقي، والثاني برج صغير الحجم يعلوالبرج الأدنى في امتداد نواته الداخلية.

طرز عمارة المسجد في المغرب العربي

تمتاز بلاد المغرب والأندلس بأنها تضم مجموعة كبيرة من المساجد العتيقة التي أُقيمت عبر عصورها الإسلامية، وهذه المساجد بلا شك أفضل مساجد العصور الإسلامية قاطبة احتفاظًا بعناصرها المعمارية ونظم تخطيطها الأولى؛ ففي تونس أقيمت في عهد الأغالبة مساجد عدة، منها:

المسجد الجامع في سوسة (236هـ، 850م)

يقع هذا المسجد بمدينة سوسة وقد شيده عام 236هـ، 850م الأمير أبوالعباس محمد بن الأغلب. يتكون هذا المسجد من صحن وأربع ظلات أكبرها ظلة القبلة. وقد تعرّض المسجد إلى أعمال ترميم وتوسعة في عصور كثيرة هُدم فيها جدار القبلة القديم وزيد في ظلة القبلة وأقيم له محراب جديد. ويحد المسجد من الجدار الشرقي في الركن الشمالي برج كان يُتخذ مئذنة. وتشتمل ظلة القبلة على ثلاثة صفوف من البوائك (العقود) ترتكز على نادىئم. وكان للمسجد ثلاثة أبواب شارعة في المجنبة الغربية، وكانت هذه هي أبواب المسجد الرئيسية، وكان يقابلها ثلاثة أخرى تنفذ في المجنبة الشرقية.

مسجد رباط سوسة ـ تونس.

مسجد رباط سوسة (206هـ، 821م)

مسجد رباط سوسة بناء أثري مشهور في تونس، توجد فوق باب مئذنته لوحة حجرية نقش عليها تعبير نصها: ¸مما أمر به الأمير زيادة الله بن إبراهيم ـ أطال الله بقاءه ـ على يد مسرور الخادم مولاه في سنة ست ومائتين·. والرباط ما زال قائمًا إلى اليوم. ويعلوسطحه مسجد مستطيل الشكل يتكون تخطيطه المعماري من ظلة قبلة فقط، تشتمل على رواقين، بينما لا يوجد للمسجد صحن أومجنبات، ويشتمل المسجد على خمسة أبواب فُُتحت في الجدار اللقاء لجدار القبلة.

مسجد الزيتونة (80هـ ـ 699م)

بناه في تونس حسان بن النعمان وجدد بناءه عبيدالله بن الحبحاب عام 114هـ، 732م. وقد تعرَّض هذا الجامع إلى أعمال إضافة كثيرة في عصور مختلفة. وسجلت تلك الأعمال بدقة من خلال نقوش تاريخية على حجارة المسجد، آخر هذه الأعمال المعمارية الهامة تعود إلى عهد الأمير أبي إبراهيم أحمد وأخيه زيادة الله بن الأغلب. والتخطيط المعماري لجامع الزيتونة يتكون من فناء أوسط يحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القبلة. والمسجد على هيئة مستطيل غير منتظم الأضلاع طول جدار القبلة فيه 61م. وتشتمل ظلة القبلة على سبع بلاطات عرضية أي موازية لجدار القبلة يبترها خمس عشرة بلاطة طولية أي عمودية على جدار القبلة، ويتوسط جدار القبلة محراب تعلوه قبة، كما تشتمل ظلة القبلة على مقصورة كبيرة تمتد إلى حدود البلاطة الرابعة. وجميع بوائك ظلة القبلة ترتكز على أعمدة مزدوجة.

مسجد القرويين في مدينة فاس ـ بالمملكة المغربية.

+

مسجد القرويين بفاس

هوأبرز المساجد الجامعة في بلاد المغرب، وأكثرها شهرة باعتباره جامعة إسلامية قديمة يمكن مقارنتها بجامعة الأزهر في القاهرة. وقد كان لهذا الجامع أثر بالغ في مساجد فاس كلها؛ إذ كان نظامه الفريد يؤلف طابعًا انتشر في كثير من مساجد فاس ومكناس ومراكش حتى وقتنا هذا. وقد وصل إلينا تاريخ هذا المسجد كاملاً بفضل روايات الروض القرطاس لابن أبي غرس، وزهرة الآس للجزنائي. مر بناء جامع القرويين بثلاث مراحل: الفترة الأولى عند تأسيسه عام 245هـ، 859م، والفترة الثانية عند الزيادة فيه عام 345هـ، 956م، أما الفترة الثالثة فعندما تم توسيع مساحته في عصر المرابطين عام 530هـ، 1135م. ومن الثابت حتى الزيادات التي تمت أُلحقت بالجامع القديم، أي التقت به من الشمال والجنوب والشرق والغرب. يذكر ابن أبي غرس حتى الخطبة لم تزل ¸بجامع الشرفاء الذي بناه إدريس بعدوة القرويين، وبجامع الأشياخ من عدوة الأندلس طول أيام اللفسة·. فلما اتسعت مدينة فاس ووفد إليها العرب والبربر من أنحاء المغرب والأندلس، ضاق كلا الجامعين بالمصلين، واستلزم الأمر بناء مسجدين جديدين. وتطوعت سيدتان قدمتا من القيروان ببناء الجامعين من مالهما الخاص، هما: فاطمة القروية أم البنين وأختها مريم، بنتا محمد الفهري، فبنت فاطمة جامع القرويين وبنت مريم جامع الأندلسيين. كان القرويين يتألف من قسمين: بيت الصلاة والصحن. وكان بيت الصلاة يشتمل على أربع بلاطات عرضية من الشرق إلى الغرب، يتوسطها بلاط أوسط أكثر ارتفاعًا من البلاطات العرضية الأخرى. وكان طول بيت الصلاة من الشرق إلى الغرب ـ وفقًا لرواية الجزنائي وابن أبي غرس مائة وخمسين شبرًا (أي ما يقرب من ثلاثين مترًا)، وجعلت فاطمة محرابه في موضع الثريا الكبرى الموحدة بالمسجد في الوقت الحاضر، وأقامت صومعة (مئذنة) غير مرتفعة في موضع القبة التي تعلوالعنزة الحالية.

جامع الأندلسيين بفاس

شُرع في بنائه سنة 245هـ، 859م من أموال مريم بنت محمد الفهري في العام نفسه الذي بُني فيه جامع القرويين. وقد سُمي بجامع الأندلس لأن جماعة من أهل الأندلس كانوا يعيشون حوله ساهموا في بنائه. وفي عام 345هـ، 956م زُوِّد هذا الجامع مثل قرينه جامع القرويين بمئذنة مربعة الشكل هي التي نشاهدها اليوم. ولقد وسّع أبوالعباس أحمد بن أبي بكر الزناتي والي فاس جامع الأندلس توسعة كبيرة، فأصبح يتألف من ست بلاطات تتجه من الشرق إلى الغرب وكانت عقود هذه البلاطات تقوم على أعمدة من حجر الكذان.

مسجد الملك الحسن الثاني في الدار البيضاء ـ في المغرب.

تخطيط جامع الأندليسيين يوهم بأنه من بناء المرابطين، إذ إذا من يرى بلاطاته بعقودها ونادىئمها لا يخطر بباله قط أنها من بناء الموحدين؛ فالتصميم غير متناسق، والبناء غير منتظم الشكل، وبلاطات الجامع غير عمودية على جدار القبلة كمساجد الموحدين، وأسقفه غير متناسقة ولا تقوم على بلاطته الوسطى قباب مقربصة كمساجد الموحدين. ولا شيء يربط جامع الأندلسيين بهذه المساجد إلا نسبة الصحن إلى مسطح بيت الصلاة. فإنها تخضع إلى حد ما للقاعدة التي تسير عليها مساجد الموحدين بمراكش وتينملل في جنوبي المغرب. يتألف بيت الصلاة من سبع بلاطات عرضية تمتد من الشرق إلى الغرب موازية لجدار القبلة على خمسة عشر عقدًا في جميع بلاطة. وتقع بين هذه البلاطات جميعًا بلاطة وسطى مثلها ارتفاعًَا، ولكنها تزيد عنها اتساعًا بعكس نظيرتها في جامع القرويين. وعلى الرغم من انعدام روح التناسق في تخطيط الجامع، فإنه لا يخلومن أصالة معمارية تتجلى بأوضح صورة في الباب الشمالي للجامع، وهوالباب الذي فتحه الخليفة الناصر الموحدي، ويكشف بناء هذا الباب عن براعة هندسية وحذق في الزخرفة؛ فهويفوق في ارتفاعه أسقف الجامع ويطل على منظر خارجي في غاية الروعة والجمال. وقد نجح مهندسوهذا الباب في الجمع بين العمارة والمنظر الطبيعي وهي نفس الكيفية التي اتبعها مهندسوقصر الحمراء بغرناطة فيما بعد، ونجحوا في تطبيقها في قصور بني نصر كلها. ويبدوهذا الباب من عدوة القرويين كقوس نصر فخم تتضاءل بجانبه مئذنة الجامع مع ارتفاعها عنه.

مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء

هوأحدث المساجد وأكبرها بعد الحرم المكي والمسجد النبوي الشريف. تحفة معمارية تقع على شاطئ المحيط الأطلسي في أقصى الجزء الغربي من العالم الإسلامي، وهويمثل قابلة المغرب العربي والحضارة العربية على المحيط. افتتح في الثاني عشر من ربيع الأول 1414هـ الموافق 29 أغسطس 1993م، ويشغل مساحة مقدارها تسعة هكتارات، ويتسع لنحومائة ألف مصل، ويمتد صحنه على مساحة 3000م². ويضم المسجد مدرسة ومخطة ومتحفًا، تزينه كتابات بالخط الكوفي مزخرفة بفن التوريق. يبلغ ازدياد مئذنته 200م ينطلق منها شعاع من ضوء الليزر باتجاه القبلة. وقد بنيت مقصورة الصلاة فوق ماء المحيط، بالإضافة إلى طابق أرضي يضم قاعات للوضوء وحمامات ومواقف للسيارات. كما يشتمل الجزء المركزي لمقصورة الصلاة على سقف قابل للفتح بمساحة 2,400م²، ويغطي جميع الأرضيات رخام مصقول رائع مزركش بنقش السجاد المغربي.

طرز المساجد السلجوقية

المسجد الجامع في أصفهان.

كان التأريخ لعمارة المسجد الهجري قبل فهم مساجد القرة خانيين والغزنويين يفرض على الباحثين حتى يبدأوا كتاباتهم عن الموضوع، مبتدئين بتاريخ السلاجقة بإيران. وأثار هذا من طبيعة الحال الكثير من المشكلات والتعقيدات والكثير من الأفكار والنظريات غير المستقرة. لكن عمليات المسح والتنقيب التي جرت في السنوات الأخيرة أظهرت حتى تخطيط بناء المسجد ذي القبة التي تعلوالمحراب لتحقيق فكرة وحدة المكان، قد تم حسمه بما عهد من تاريخ العمارة عند القرة خانيين والغزنويين. وقد استخدم سلاجقة إيران بل وطوَّروا الابتكارات التي تحققت بالعمل على أيدي الأتراك في عمائرهم المبكرة، ومن هنا أمكنهم إيجاد أسلوب ضخم ورائع لعمارة المسجد. والذي وقع بعد ذلك حتى انتشر تخطيط المسجد ذي القبة والمحراب والفناء (الصحن) ذي الإيوانات الأربعة، لا في إيران فحسب ولكن في جميع بلاد المشرق الأوسط. وكان عالم الآثار جودار أول من أعطانا منظورًا شاملاً للعمارة السلجوقية ببلاد فارس. وأول مسجد سلجوقي مايزال باقيًا هوالمسجد الجامع بأصفهان (مسجد الجمعة) الذي أعيد بناء أبرز أجزائه إبان حكم ملكشاه (1072 – 1092م). وفي 1080م، بنى نظام الملك باسم ملكشاه قبة ضخمة تغطي غرفة محراب في الرحبة الجنوبية لفناء مسجد عباس القديم، معظمه يرجع تاريخه إلى أيام الخليفة المنصور. يمكن النظر إلى المساجد التي بنيت بإيران أواخر أيام السلاجقة بقبابها المدببة بعض الشيء والمبنية بالطوب والمرتكزة على عقود ركنية على أنها سلسلة لأنواع مصغرة من مسجد ملكشاه بأصفهان. وفي مقدمة هذه الأمثلة مسجد كلبا يكان الذي بناه أبوشجاع محمد بن ملكشاه سنة 1005 – 1108م. ولهذا المسجد قبة شبه مخروطية ترتكز على عقود مقرنصة. ومن أمثلتها المسجد الجامع الذي أسسه السلاجقة بقزوين بين عامي 1113 – 1119م. قامت قبة هذا المسجد على مقرنصات قوية حملتها جدران مبنية بالطوب. وهومسجد امتزجت فيه البساطة مع العظمة. وفي تلك الفترة، بني مسجد الحيدرية بقزوين. وتغطي المسجد قبة محمولة على عقود بسيطة وجدران سميكة من الطوب. لكن أول مسجد حقق جميع المستحدثات التي تضمنتها المساجد المتعددة التي أقامها السلاجقة بإيران، هومسجد الجمعة في زائرية الذي أُسس عام 1135م. ولهذا المسجد السلجوقي قبة تعلومحرابه وأربعة إيوانات ومئذنة. وبالجملة فهويُعَدُّ بداية لفترة جديدة من التطور. وثمة الكثير من المساجد رباعية الإيوانات بنيت بنفس أسلوب مسجد زائرية، وقد أثار تخطيطها الكثير من الإعجاب والاستحسان. ومن أبدع هذه الأمثلة مسجد الجمعة في جميع من أردستان وأصفهان، ويعد مسجد الجمعة في أصفهان من أكثر المساجد السلجوقية أهمية في إيران من الناحية المعمارية؛ فهوذوقبة واحدة وسابق في وقت بنائه على مسجد زائرية. في عام 552 – 555هـ، 1158 – 1160م، أُقيم مسجد أردستان متطابقًا مع أسلوب تخطيط بناء المساجد رباعية الإيوانات التي عهدناها في زائرية، رغم أسبقية الأول في بنائه على الثاني لبضع سنين. أما الجمع بين القبة والإيوان وهوما تمت ممارسته منذ وقت مبكر على أيدي الغزنويين، فقد استمر بصورة ناجحة في عهد السلاجقة. وتاريخ استخدام القبة المحمولة على العقود والمرتبطة بإيوانات يوغل في القدم حتى أيام الساسانيين والبارثيين. كذلك فإن الأعمدة والنادىئم والعقود والأقبية كلها عناصر معمارية استخدمت في جميع العصور التاريخية. ولكن إنجازات السلاجقة تبلورت في وجود جميع تلك العناصر في أشكال معمارية جديدة، وفي ابتكار أسلوب معماري أصيل استخدم تلك العناصر من خلال تخطيطات أصلية للمساجد والمدارس والخانات، وكشف السلاجقة بهذا عن طبيعة فنونهم القومية. يمكن القول إذا السلاجقة أخذوا هذا التصور عن الغزنويين. ونعود ثانية إلى عالم الآثار جودار فهويشير إلى حتى التخطيط السلجوقي للإيوانات الأربعة أعطى للمساجد السلجوقية روعة أكثر في المظهر، وانتشر فيما بين بلاد إيران ووسط آسيا. إلا حتى هذا التخطيط لم يكن التخطيط المثالي للأماكن التي تلتقي فيها الجماعات الكبيرة للعبادة؛ حيث يختفي المحراب داخل الإيوان ويحتجب المصلون بعضهم عن بعض. ورغم هذا يمكن القول إذا السلاجقة ابتكروا أسلوبًا معماريًا بارعًا استطاع حتى يجمع بين عناصر متضاربة، وأمكنه حتى يسود بلاد آسيا وكل بلاد إيران حتى وقتنا هذا بصرف النظر عن عدم ملاءمة ذلك التخطيط لوظيفة المسجد من الناحية العملية. وهناك بقية قليلة من مسجد مدينة زوزن الذي شُيِّد على غرار مساجد السلاجقة بإيران.

المساجد السلجوقية بالأناضول

أخذت العمارة السلجوقية ابتداءً من القرن الثالث عشر الميلادي وما تلاه في التطور والانتشار ببلاد الأناضول وصار تخطيط مسجد علاء الدين في قونية نموذجًا يُحتذى مع مرور الزمن رغم أنه قد عز في الجملة بلوغ مستواه. والحقيقة حتى المسجد ينقسم إلى مرحلتين مختلفتين تمامًا، فهويجمع بين القبة التي تعلوالمحراب والإيوان ذي السقف المسطح وهذا نموذج تقليدي للعمارة الهجرية. ويقوم قرب مجاز منطقة قبة المحراب مدفن ذوتخطيط عشري الأضلاع بناه قليج آرسلان، وإلى جانبه مدفن آخر ثُماني الأضلاع.

مسجد علاء الدين

ما يزال مسجد علاء الدين كيقباد في نيكدة باقيًا على حالته الأولى، ولا تزال تتمثل فيه جميع العناصر التقليدية المميزة لعمارة المساجد السلجوقية في أول عهدها. وبلاطات المسجد أوبوائكه ليست موازية لجدار القبلة كما أنها غير متعامدة عليه تمامًا. وظلة المدخل الرئيسي بالجهة الشمالية ترتفع على الحائط. وهناك باب آخر في الركن الشمالي للمسجد، حيث تقوم المئذنة، ويوجد في القسم الأوسط من المسجد منور يذكرنا بالصحن القديم المكشوف الذي نعهده في المساجد الهجرية. أما داخل المسجد فتزينه أنماط متعددة من الزخارف تتجلى في قبابه.

المسجد الكبير

يبدوحتى المسجد الكبير بملطية هوالآخر من إنشاء علاء الدين كيقباد سنة 1224م، لكن وقع تغيير في التخطيط والأسلوب بالعمارة بسبب ما طرأ من تعديلات خلال سنوات ربع القرن التالية، وغدت أغنى الأقسام المبنية بالطوب هي أهمها، مثل القبة التي تعلوالمحراب والتي تكشف عن القيمة الحقيقية لأصالة المبنى ومثل الإيوان والفناء ذي الحوض أوالنافورة، فهي منقولة عن المساجد الأولى ومأخوذة مباشرة عن مساجد السلاجقة بإيران مثل مسجد زائرية سواء من ناحية التخطيط أومن ناحية نوعية الآجر.

تتألق قابلة الإيوان بأسرها بالفسيفساء الخزفية والأشرطة الكتابية ذات اللونين الفيروزي والأحمر الأرجواني. أما قبوالإيوان المتصل بداخل القبة بوساطة مثلثات منشورية، فتزينه أشكال هندسية كبيرة تشبه الكتابات الكوفية التي يتم تكوينها عن طريق تشكيلات غير عادية من الطوب. وتحمل القبة المبنية بالطوب رقبة مثمنة الشكل لها عقود ثلاثية حاملة نعهدها لأول مرة في مقبرة عرب آنَّا القرخانية، واستمر استخدامها في مساجد السلاجقة.

مساجد السلاجقة الخشبية في الأناضول

في اللغة الهجرية الحديثة، تُستخدم حدثة مسجد للدلالة على مساجد الأحياء الصغيرة التي لا تضم منبرًا؛ حيث لا تستخدم هذه المساجد الصغيرة في تأدية صلوات الجُمَع والأعياد. وعلى هذا فاستخدام الحدثة يختلف في معناه قليلاً عنه في مناطق شاسعة تمتد من إيران إلى هجرستان حيث تعني هناك جميع مكان يصلح للصلاة عادة.

ولا يزال في قونية حوالي عشرة مساجد من نوع هذه المساجد السلجوقية. ولبعض هذه المساجد قبة واحدة والكثير منها له سقوف مسطحة، ولمعظمها دهاليز تغطيها أقبية أوأسقف مسطحة، وبعضها بظلات مفتوحة وأخرى بظلات مغلقة بأبواب ونوافذ، وتلك هي الأصول الأولى للمداخل والظلات التي ظهرت في القرن الرابع عشر الميلاديّ. ومن بين هذه المساجد ذوات القبة الواحدة مسجد بشارة بك عام 613هـ، 1216م، ومسجد آدمشاه عام 617هـ، 1220م ومسجد قرة طاي الصغير الذي بناه أخ لقرة طاي اسمه رومطاش عام 646هـ، 1248م، ومسجد طاش. ونرى في مقدمة المسجد قسمًا يغطيه قبوويطل على الخارج من خلال نوافذ وأبواب. وفي مسجد صرجالي الذي يرجع إلى النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي، شكل متطور لظلة المدخل وهي تطل على الخارج من خلال ثلاثة عقود. ومسجد طاش أو(مسجد حاجي فروح) من عمل رمضان بن كونش من قيصرية. ويمتاز بأن عقوده الحاملة للقبة على شكل مروحة، وأنه أول مسجد سلجوقي به المحاريب والمداخل والأبواب ذات الزخارف الفنية المحفورة على الحجر والتي يعود تاريخها إلى عام 612هـ، 1215م. يلفت الأنظار في مسجد صرجالي أنه مبني بالطوب، وأن به المثلثات الهجرية المعروفة بمنطقة الانتنطق لتحويل المربع إلى قبة، وأن الزخرفة بالطوب والفسيفساء الزخرفية في رواق المدخل ذي العقود الثلاثة ذات أسلوب متميز، ولهذا يعدّ هذا المسجد أحد أفخم المساجد السلجوقية.

طرز عمارة المسجد بمصر في العصرين الفاطمي والمملوكي

طراز المساجد الفاطمية

أول منشآت الفاطميين الدينية الجامع الأزهر الذي بناه جوهر الصقلي عام 361هـ، 972م بمدينة القاهرة باسم الخليفة الفاطمي المعز لدين الله. وقد زادت مساحة جامع الأزهر حتى بلغت ضعف مساحته الأولى وأضيفت إليه زيادات معمارية في عصور مختلفة. وعلى الرغم من هذا فما زال جامع الأزهر يحتفظ بكثير من عناصره القديمة.

جامع الحاكم (380هـ،990م)

شيد هذا الجامع خارج مدينة القاهرة القديمة على يد الخليفة الفاطمي العزيز بالله، ولكنه لم يتم إلا في عصر ابنه الحاكم بأمر الله في 403هـ، 1013م وقد تأثر تخطيط جامع الحاكم بتخطيط جامع أحمد بن طولون؛ فكلاهما مشيد بالآجر، ماعدا المآذن فمن الحجر، والصحن في كليهما تحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القبلة. ويمتاز جامع الحاكم بأن في طرفي وجهته البحرية مئذنتين من الحجر يتوسطهما مدخل بارز عن سمت قابلة المسجد، شُيِّدَ على غرار مدخل جامع المهدية بتونس. جامع الأقمر أنشأه الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله عام 519هـ ، 1125م. ولعل أبدع مافي هذا المسجد الصغير قابلته الغربية الحجرية التي تزدان بشتى أنواع الفنون الزخرفية. وتخطيط المسجد من الداخل قوامه صحن أوسط صغير تحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القبلة. وأهم ما يميز جامع الأقمر سقفه المغطى بالقباب الصغيرة. مسجد الصالح طلائع تمت عمارته عام 555هـ، 1160م، فهوبذلك آخر الجوامع الفاطمية الكبيرة. شيده الوزير الصالح طلائع بن رزيك وزير الخليفة الفاطمي الفائز بنصر الله، خارج مدينة القاهرة. وأهم ما يميز هذا الجامع هوبناؤه على حوانيت، ويتقدم قابلته الرئيسية سقيفة محمولة على أعمدة رخامية، أما من الداخل فتخطيطه يشبه تخطيط جامع الأقمر. ومن بين مجموعة المساجد الفاطمية هذه مسجد الجيوش الذي يختلف كليًا عن سواه من المساجد، وقد شيد القائد بدر الجمالي جامع الجيوش عام 478هـ، 1085م. ويمتاز هذا الجامع بمسقطه الفريد بين مساجد القاهرة، حيث يقع المسجد على جبل المقطم، ولذا تميل عمارته إلى الطابع العسكري، فهوأقرب للرباط أوللحصن منه للجامع.

طرز عمارة المسجد بمصر في العصر المملوكي

روعي في بناء المساجد في العصر المملوكي تصميم المدارس بدون حتى يُهجر تمامًا تصميم الجوامع ذات الظلات والعمد والأكتاف. فنرى مثلاً في جامع السلطان الظاهر بيبرس البندقداري الذي شُيّد بين عامي 665 و668هـ، 1266و1269م حتى تخطيطه المعماري يتكون من مربع تقريبًا، وأن قوام تصميمه صحن تحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القبلة. وأمام المحراب قبة ضخمة شُيّدت على غرار الطراز السلجوقي في منطقة الأناضول. ومن أمثلة هذا الطراز أيضًا جامع الناصر محمد بن قلاوون بالقلعة الذي شُيّد عام 735هـ، 1334م، وقوام تصميمه صحن تحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القبلة، وأمام المحراب قبة كبيرة محمولة على عمد ضخمة من الجرانيت الأحمر. أما جامع المؤيد شيخ الذي شُيّد بجوار باب زويلة بين عامي 808 و813هـ، 1405و1410م، فإنه يتألف من صحن أوسط مكشوف وأربعة إيوانات تحف بالصحن. وكان هناك تصميم آخر للمساجد المملوكية صُمِّمت على غرار المدرسة الإيوانية التي تتكون من أربعة إيوانات متقابلة على صحن أوسط مكشوف. وهذا النوع من المساجد غالبًا ما يلحق به سبيل وحوض لشرب الدواب وقبة ضريحية للمنشئ ومخط لتعليم الأيتام. ومن أروع نماذج هذا النظام أوالطراز جامع السلطان حسن بن قلاوون بمدينة القاهرة وجامعا السلطان برقوق والسلطان برسباي بشارع النحاسين.

طرز عمارة المسجد في الهند

جامع فتح بورسيكري ـ الهند.

وصل المسلمون أطراف السند في فتوحاتهم الأولى أيام الخلفاء الراشدين وبني أمية، ولكن الفتح الإسلامي الحقيقي للهند كان في عهد الغزنويين على يد سبكتكين الغزنوي 977 – 997هـ، وابنه محمود بن سبكتكين. وهذا الأخير هوأول من أعرب سيادة الإسلام السياسية على جزء كبير من شمالي الهند. وقد ظهرت العمارة الإسلامية في الهند بشكل عام في صور شتى وتميزت بخصائص واضحة جعلت لها طابعًا مميزًا تنطق بشخصيتها. وأهم هذه الخصائص أنها اتخذت لمساجد الهند الأولى الطابع الحصني أي كانت على هيئة الأربطة؛ فكانت تتكون من مساحات صغيرة مسورة بأسوار عالية ضخمة، يقام فيها من الداخل ظلة القبلة ومحراب، ومئذنة تستعمل في الغالب برجًا للحراسة والمراقبة، وقد اندثرت معظم تلك المساجد الآن. أما الفترة الثانية التي تبدأ من القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) فقد شهدت تطورًا كبيرًا في عمارة المساجد، فأصبحت للمسجد سمة واضحة على الرغم من أنه لم يفقد طابعه الحصني.

مسجد قوة الإسلام في دلهي ـ الهند

مسجد قوة الإسلام

يُعد هذا المسجد من بين أشهر مساجد تلك الفترة، وهومعروف في مدينة دلهي باسم جامع ومئذنة قطب منار. ويُـنْسب بناء هذا الجامع إلى قطب الدين أيبك أول سلاطين مماليك الهند. وتخطيط هذا المسجد يتكون من فناء أوسط يكتنفه من جهة القبلة بيت الصلاة أما المجنبتان فتتكون جميع منهما من رواقين، بينما تتكون مؤخرة المسجد من ثلاثة أروقة. وأهم ما يمتاز به المسجد تلك المئذنة الهائلة التي تسمى بالقطب منارة وهي أشبه بنصب تذكاري، حيث يبلغ ارتفاعها نحو72,5م تقريبًا وقطر قاعدتها يزيد على 15م، ثم تضيق المئذنة في صعودها شيئًا فشيئًا حتى يصل قطر أعلاها ثلاثة أمتار. أما بدن المئذنة فهومضلع الشكل تتخلله ثلاث شرفات للأذان، ترتكز جميع شرفة منها على صفوف من المقرنصات. وأهم ما يميز مسجد قوة الإسلام صحنه الواسع، وجدرانه العالية، وقبابه البصلية، ومئذنته الضخمة. وفي مدينة جوليارجا ظهر طراز حديث من المساجد هومسجد نمطي بالكامل بدون صحن يشبه مساجد السلاجقة في منطقة الأناضول. والتخطيط المعماري لمسجد جوليارجا يضم بيت صلاة واسعًا مغطى بسقف يرتكز على أعمدة قصيرة وعقود ضخمة من النوع المدبب وسقف المسجد يتكون من قباب صغيرة بينما ميز المعمار القبة التي تعلوالمحراب بأن جعلها أكثر اتساعًا وارتفاعًا. وقد انتشر هذا الطراز من المساجد في الهند انتشارًا كبيرًا. وفي مدينة جاونبور، ظهر طراز آخر من المساجد يتكون من صحن أوسط وأربع ظلات أكبرها ظلة القبلة. وهذا الطراز يشبه طراز المساجد الجامعة في المدينة والكوفة والفسطاط، مع احتفاظ الجامع بطابعه المحلي؛ حيث اتى تخطيطها مكونًا من خمسة طوابق، جميع طابق منها يشتمل على قاعة فسيحة تستعمل للصلاة والعبادة والاعتكاف، ويصعد إليها بسلم داخلي. كما يمتاز هذا الطراز من المساجد ببوابة ضخمة لها عقد مرتفع وقبة تعلوالمحراب. ومن أبرز أمثلة هذا الطراز مسجد السلطان غياث الدين ومسجد أحمد أباد. أما في عهد السلطان أكبر، فقد ظهر طراز حديث من المساجد في الهند تخطيطه صحن واسع مستطيل الشكل، تحيط به ثلاث مجنبات مكونة من رواق واحد، أما بيت الصلاة فهومبنى مكون من ثلاثة إيوانات أكبرها اتساعًا الأوسط الذي يوجد به المحراب وتعلوه قبة كبيرة. أما الإيوانان الجانبيان فتغطي كلاً منهما قبتان صغيرتان. ومن أشهر مساجد هذا الطراز مسجد فتح بور سيكري وهي مدينة صغيرة تقع جنوب دلهي. ومن أشهر مساجد الهند الجامعة المسجد الجامع في مدينة أكرا الذي شيده السلطان أكبر وأتمه ابنه جاهنجير الذي ينسب إليه جامع مدينة لاهور أيضًا. ومن مساجد الهند الشهيرة أيضًا مسجد اللؤلؤة بمدينة أكرا الذي شيده السلطان شاه جاهان عام 1058هـ، 1648م، وشيد هذا المسجد على غرار مسجد السلطان أكبر الذي يقع بمدينة فتح بور سيكري، وهذا الجامع يُعَدُّ من أروع مساجد الهند التي تتبع هذا الطراز.

طرز المساجد العثمانية

مسجد الشاه زاده محمد في إسطنبول – هجريا.

قامت العمارة العثمانية أساسًا على التنطقيد المعمارية السلجوقية في الأناضول، ثم مالبثت حتى تأثرت بالتنطقيد المعمارية البيزنطية ثم الفارسية والمملوكية، وذلك تبعًا لظروفها السياسية. وتعددت أنواع العمارة العثمانية تلبية لحاجة العثمانيين دينيًا واجتماعيًا وعسكريًا. استمد العثمانيون تخطيط الجامع من السلاجقة الروم الذين تبنوا في بادئ الأمر التخطيط العربي للمسجد، من صحن مكشوف تكتنفه أربعة أروقة، أعمقها رواق القبلة. غير أنهم مالبثوا حتى أدخلوا عليه بعض التعديلات التي تتلاءم مع مناخ بلادهم، فأقاموا حاجزًا بين رواق القبلة وبقية الجامع، ومن ثم أصبح التخطيط يشتمل على جدران أربعة تحيط بمساحة مربعة أومستطيلة مقسمة بوساطة نادىئم أوأعمدة خشبية، مع تغطية الجامع بسقف مسطح خشبي، والاستغناء عن الصحن المكشوف، اكتفاء بفتحة في وسط السقف تذكرنا به، وثمة نافورة توجد تحتها. وقد طرأ على هذا التخطيط تطوير آخر بالحد من عدد النادىئم إلى أقل عدد وبنائها من الحجر وتغطية بلاطة المحراب بالقباب. وفي خلال عصر البكويات أضيف إلى تخطيط الجامع السلجوقي سقيفة أورواق يتقدم المدخل، ثم بدأ ظهور تخطيط حديث للجامع يشتمل على مربع تغطيه قبة كبيرة وتتقدمه سقيفة مغطاة بثلاث قباب. وهذا التخطيط هوالمثال الذي احتذاه الجامع العثماني المبكر. ويلاحظ حتى السقيفة التي تتقدم المدخل وُجدت منذ العصر الفاطمي في مصر. ومن أمثلتها السقيفة التي تتقدم ضريح السيدة رقية في القاهرة.

قاعة الصلاة في مسجد أوشي شريفيلي في أدرنه ـ هجريا.

الطراز المبكّر

في العصر العثماني المبكر الذي استمر إلى أوائل القرن السادس عشر الميلادي، ساد طراز بروسة، حيث نجد ثلاثة أشكال في بناء المساجد: الأول: كان الجامع يتكون من مربع تغطيه قبة رئيسية كبيرة، وقد تكتنف المساحة المربعة غرفتان أوأكثر من جميع جانب، مغطاة جميعها بقباب أصغر من القبة الرئيسية. وقد تتقدم الجامع سقيفة تغطّى بقباب صغيرة أوأقباء. أما المئذنة فهي أسطوانية الشكل ذات شرفة واحدة، وتنتهي إما بشكل مخروطي أوبشكل الخوذة، وقاعدتها تبرز عن تخطيط الجامع، ومن قبيل ذلك جامع علاء الدين بك في بروسة. الثاني: كان الجامع يتكون من مربع أومستطيل مقسم إلى مربعات بوساطة نادىئم أوعقود، وكل مربع مغطى بقبة كما هوالحال في الجامع الكبير في بروسة (1396م). وقد تتقدم الجامع سقيفة كما هوالشأن في الجامع القديم بأدرنه (1402 – 1413م). الثالث: كان الجامع يشتمل على صحن تحيط به ثلاثة إيوانات فقط، وقد يحتوي على غرف صغيرة جانبية. والإيوانات الثلاثة والصحن جميعها مغطاة بالقباب. وأرضية الإيوانات مرتفعة عن أرضية الصحن بدرجة أودرجتين، كما هوالحال في جامع حمزة بك في بروسة (النصف الثاني من القرن الخامس عشر). وعادة ما تتقدم هذا التخطيط سقيفة كما هوالحال في جامع أورهان بك في بروسة (1339م). وهذا التخطيط مستمد من تخطيط المدارس عامة، ومن المدارس السلجوقية خاصة، غير أنه يحتوي على ثلاثة إيوانات فقط، كما أنه مغطى بالقباب بدلاً من الأقباء. وانتقلت هذه التخطيطات الثلاثة إلى القسطنطينية، حيث استمر العثمانيون في التشييد على نمطها. ومثال ذلك جامع فيروز أغا في إسطنبول (1490م) وجامع مراد باشا (1469م). ولابد لنا قبل حتى ننتقل إلى العمارة الكلاسيكية (التقليدية) العثمانية من إلقاء نظرة على جامع أوشي شريفيلي في أدرنه، الذي بناه السلطان مراد الثاني (1437 – 1447م)، حيث إنه يمثل فترة انتنطقية فما بين ما يسمى طراز بروسة والطراز التقليدي العثماني. ويتكون مكان الصلاة في هذا الجامع من مساحة مستطيلة بها نادىمتان جميع واحدة ذات ستة أضلع، ووسط الجامع مغطى بقبة كبيرة ترتكز على النادىمتين السابقتين بالإضافة إلى نادىمات حائطية أربع، اثنتان منها مدمجتان في جدار القبلة، وأخريان مدمجتان في الجدار اللقاء له، أي حتى القبة تغطي مساحة سداسية الشكل، وقد غُطي باقي الجامع بالقباب. ويتقدم الجامع صحن مكشوف يسميه الأتراك حولي تحيط به أربعة أروقة، وهذا الجزء من الجامع بصحنه وأروقته يسميه الأتراك حرم الجامع. ويحتوي جدار رواق القبلة فيه على حَنيَّتين على شكل محراب تكتنفان المدخل المؤدي إلى مكان الصلاة. وواقع الأمر حتى الصحن المكشوف الذي يتقدم مكان الصلاة لم يوجد قبل ذلك في هجريا إلا في جامعين، الأول هوالمسجد الجامع في منسة والثاني هوجامع عيسى بك خلال عصر البكويات.

جامع السليمانية ـ هجريا.

الطراز التقليدي

بدأ هذا الطراز في أوائل القرن السادس عشر وانتهى بانتهاء القرن السابع عشر الميلادي، وبلغت فيه العمارة العثمانية ذروتها. ومن الملاحظ حتى هذا الطراز لم يبدأ بعد فتح القسطنطينية فورًا، إذ ظل تخطيط الجامع العثماني محتفظًا بالتخطيطات العثمانية من طراز بروسة على مدى نصف قرن من الزمان، قبل حتى يتأثر بصورة واضحة بالعمارة البيزنطية وخاصة أيا صوفيا. ويعد جامع بايزيد الثاني في إسطنبول (1501 – 1507م) أول جوامع السلاطين الكبيرة التي لم تغير الإصلاحات ملامحه. وتغطي بلاطة المحراب قبة رئيسية ونصفا قبتين. بينما تغطي الرواقين الجانبيين قباب أصغر حجمًا. ويتقدم قاعدتي المئذنتين ركنا قابلة مكان الصلاة. والمئذنتان أسطوانيتان تتخلّلهما شرفتان وتنتهيان بشكل مخروطي. وهناك تباين ما بين المئذنتين والكتلة الثقيلة للأقباء يضفي على الجامع تناسقًا. وقد وضعت البايزيدية أسسًا فنية في التفاصيل المعمارية وبصفة خاصة استخدام المقرنصات في تيجان الأعمدة. وكذلك في تناوب ألوان الرخام في عقودها. ويعتبر جامع بايزيد الثاني مقدمة لطراز متميز ساد القرنين السادس عشر والسابع عشر، وقد بلور هذا الطراز وطوره المهندس سنان. ومن أبرز أعماله مجموعة والي مصر مصطفى باشا في جبذة، وجامع مهرماه في إسطنبول ومن أعمال المهندس سنان أيضًا جامع الشاه زاده وهويشبه إلى حد كبير جامع أوشي شريفيلي؛ حيث أحاط القبة المركزية بأربعة أنصاف قباب كما تحيط بها في الأركان أربع قباب. أما مئذنتا الجامع فتتقدمان قابلة ظلة القبلة من الخارج. وقد صمم المهندس سنان أيضًا مجموعة من المساجد يقترب تخطيطها من تخطيط جامع الشهزادة مع تنويع المساحة المربعة الموجودة أسفل القبة المركزية. ومن أبرز أمثلتها جامعا أحمد باشا ورستم باشا بإسطنبول. وجميع هذه الجوامع يتقدمها صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقة. أما جامع السليمانية فهويعد من أروع نماذج العمارة الكلاسيكية العثمانية. وقد شُيد هذا الجامع على غرار جامع بايزيد في إسطنبول. وهذا الجامع الموجود بمدينة أدرنه أمَرَ بإنشائه السلطان سليم الثاني عام 1569م. وقد نجح المعماري سنان في إضفاء الفخامة على عمارة الجامع على الرغم من بساطة عناصره المعمارية. ومن أبرز ملامح هذا الجامع القبة المركزية التي يفوق ارتفاعها ازدياد القبة المركزية في جامع أيا صوفيا الذي اتخذ متحفًا عام 1935م. وقد شيد المهندس سنان قبة السليمانية على ثمانية أعمدة رخامية زُوِّدت بتيجان مقرنصة. ولأول مرة، ترتفع المآذن الأربع للجامع في الأركان الأربعة لظلة القبلة، ويتقدم الجامع حرم المسجد. وبانتهاء القرن السابع عشر نجد تغييرًا ملموسًا في الجوامع العثمانية حيث تأثرت عمارة المساجد بالطراز الباروكي الأوروبي، ومن أبرز أمثلته جامع نور عثمانية.

طرز عمارة المسجد في غربي إفريقيا

من المساجد العريقة في العالم الإسلامي مسجد تُمْبُكتُوالكبير بغربي إفريقيا الذي أقيم في بادئ الأمر في القرن السادس الهجري، ثم جُدد بناؤه في القرن الثامن الهجري على يد السلطان المالي الحاج منسا موسى، وظل على مختلف العصور موضع عناية الخلفاء والأمراء المسلمين. ومنها أيضًا مسجد سنكري الذي أشارت بعض النصوص إلى حتى أول من بنته امرأة ذات مال كثير، ثم جدد في زمن آسكيا داود، ومسجد سيد يحيى التارليسي وشيده محمد نقي من قبيلة آجر الصنهاجية. وكانت هذه المساجد منارات تعليمية أوجامعات عامة ازدهرت الحياة الثقافية فيها، وتبودلت المعارف والعلوم بينها وبين مراكز الفهم في العالم الإسلامي.

المصادر

الموسوعة المعهدية الكاملة

انظر أيضا

هنالك المزيد من الملفات في ويكيميديا كومنز حول :
مسجد
  • أذان
  • مسجد جامع
  • المساجد في الغرب

وصلات خارجية

  • Mosques Around The World
  • Mosques in the USA
  • Virtual Mosque Tour
  • - Provide free websites for Mosques in the UK
  • UK Mosques - detailed graphical map of each one
  • Local Mosques
  • Ottoman: Art and the Culture - provides information on Ottoman mosques and architecture
  • Pictures of over 40 Istanbul Mosques
  • The Mosque Review (Masjid) - provides an overview of the features and floor plans of mosques
  • The Martyred Mosques On the Seven Mosques of Medina
  • A review of Mosque Architecture
  • Islam in Keighley
  • Darul Ishaat - keighley based Online Islamic store
  • mosque: Photos, Videos on Technorati
  • Local Mosques at Islamicity
  • Imamia Mission Shia Organisation in Bury, Manchester, U.K.
  • Mosques From Around the World
  • Mosques From Around the World at Islamicity
  • High-res photo gallery of world wide mosques
  • Mosques - Great Buildings Online
  • LexicOrient- Mosques
  • Mosques in Egypt
  • Mosques in Singapore
  • American Mosques
  • Mosques at sacred destinations
  • A directory of UK mosques, with mosque address
  • The mosque in Islamic religion
  • Architectural features of mosques
  • Islamic Architecture
  • Mosque Online - Assisting Mosques get Online Free
  • (إنگليزية)(لغة هجرية) Ulu Cami: A Karachay Mosque serving Muslim Community in Northern Jersey
  • Mosques map in the World

قراءات أخرى

  • Arberry, A. J. (1996). The Koran Interpreted: A Translation (1st ed.). Touchstone. ISBN .
  • Hawting, Gerald R. (2000). The First Dynasty of Islam: The Umayyard Caliphate AD 661–750. Routledge. ISBN .
  • Khan, Muhammad Muhsin (1999). Noble Quran (1st ed.). Dar-us-Salam Publications. ISBN . Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • Kramer (ed.), Martin (1999). The Jewish Discovery of Islam: Studies in Honor of Bernard Lewis. Syracuse University. ISBN .CS1 maint: extra text: authors list (link)
  • Kuban, Dogan (1974). Muslim Religious Architecture. Brill Academic Publishers. ISBN .
  • Lewis, Bernard (1993). Islam in History: Ideas, People, and Events in the Middle East. Open Court. ISBN .
  • Lewis, Bernard (1994). Islam and the West. Oxford University Press. ISBN .
  • Lewis, Bernard (1996). Cultures in Conflict: Christians, Muslims, and Jews in the Age of Discovery. Oxford University Press. ISBN .
  • Mubarkpuri, Saifur-Rahman (2002). The Sealed Nectar: Biography of the Prophet. Dar-us-Salam Publications. ISBN .
  • Najeebabadi, Akbar Shah (2001). History of Islam. Dar-us-Salam Publications. ISBN .
  • Nigosian, S. A. (2004). Islam: Its History, Teaching, and Practices (New ed.). Indiana University Press. ISBN .
  • Rahman, Fazlur (1979). Islam (2nd ed.). University of Chicago Press. ISBN .
  • Walker, Benjamin (1998). Foundations of Islam: The Making of a World Faith. Peter Owen Publishers. ISBN .

وصلات خارجية

  • موسوعة المساجد حول العالم
  1. ^ موسوعة الحديث الشريف
تاريخ النشر: 2020-06-04 08:43:24
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, CS1 maint: extra text: authors list, عمارة عربية, عمارة إسلامية, مصطلحات إسلامية, مساجد

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

القبض على مواطن لإيوائه 6 مخالفات لأمن الحدود بجازان

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 18:24:14
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 70%

هذه هي المدن التي ستعرف حرارة ستتجاوز 40 درجة يوم غد السبت

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 18:24:48
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

هذه هي المدن التي ستعرف حرارة ستتجاوز 40 درجة يوم غد السبت

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 18:24:50
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 61%

تسجيل هزة أرضية بقوة 5.6 درجات بساحل الدريوش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 18:24:57
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

مقتل 280 جندياً أوكرانياً وتدمير 59 مدرعة عسكرية 

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 18:24:18
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 59%

تسجيل هزة أرضية بقوة 5.6 درجات بساحل الدريوش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 18:24:59
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 57%

16 مليار سنتيم لتشغيل 520 شخصا بجهة فاس مكناس

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-05-20 18:24:14
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 55%

أمن البيضاء يوقف شخصا متورطا في إلحاق خسائر بسيارات الغير

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 18:24:51
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 56%

أمن البيضاء يوقف شخصا متورطا في إلحاق خسائر بسيارات الغير

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-05-20 18:24:53
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

تحميل تطبيق المنصة العربية