فهم التحقيق
فهم التحقيق هوفهم مراجعة الخط وضبطها وهذا المصطلح كغيره من المصطلحات الجديدة اختُلف في تعريفه كثيرًا نذكر منها:
عرّفه الدكتور عبدالهادي الفضلي هوإخراج الكتاب بصورة مطابقة لأصل المؤلف أوالأصل السليم الموثوق إذا فقدت نسخة المؤلف".
محمد آل شاكر عهده بأنه: "بذل عناية خاصة بالمخطوط لتقديمه سليماً كما وضعه مؤلفه".
محمد السيد علي البلاسي عرّفه في منطقه " أصول تحقيق المخطوطات" بأنه: "إخراج الكتاب على أسس سليمة محكمة من التحقيق الفهمي في عنوانه واسم مؤلفه ونسبته إليه، وتحريره من التصحيف والتحريف والخطأ والنقص والزيادة".
الدكتور عبد الإله نبهان: "يعني التحقيق: إخراج نصّ معيّن في شكل أقرب ماقد يكون إلى الصورة التي هجرها مؤلفه اعتماداً على المقارنة بين كلّ النسخ التي بقيت من الكتاب، وهومصطلح حديث". وحتى الآن لا نجد للتحقيق تعريفًا واضحًا وافيًا موجزًا
ما اتى به حديثًا الدكتور فخر الدين قباوة حيث عهده اصطلاحًا بأنه: "فهم بأصول لإخراج النص المخطوط على الصورة التي أرادها صاحبها من حيث اللفظ والمعنى، فإن تعذّر هذا كانت عبارات النص على أقرب ما يمكن من ذلك".
إذ بقوله:
لم ينشأ فهم التحقيق دفعة واحدة، بل إنه قد مر بمراحل، وكانت كلّ فترة تتمم سابقتها، وتضيف إليها، فقد قام أجدادنا العرب والمسلمون بجهود كبيرة في تحقيق النصوص وتوثيقها وفق قواعد وضوابط مقررة لإثبات صحة النص وفهم صاحبه وتاريخ نسخه وناسخه، وغير ذلك من الأمور التي تنتهي بإخراج النص كما وضعه صاحبه على قدر المستطاع. يقول الدكتور شوقي ضيف مؤكداً هذه الحقيقة: "لقد كانوا يعهدون جميع القواعد الفهمية التي نتبعها في إخراج كتاب لا من حيث رموز المخطوطات فحسب، بل أيضاً من حيث اختيار أوثق النسخ لاستخلاص أدق صورة للنص، ولعل خير ما يمثل عملهم في هذا الجانب إخراج اليونيني، حافظ دمشق المشهور في القرن السابع الهجري، لسليم البخاري".
لكن ما قاموا به لم يشكل قواعد فهم مستقلّ بذاته كغيره من العلوم، حتى اتى عصر المطبوعات وهوأواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إذ انصرف عدد من رجال الفهم والفهم إلى تحقيق التراث والإقبال على نشره، وبعد انتشار دور الطباعة والنشر لمس بعضها اهتمام الفهماء بنشر التراث وتحقيق المخطوطات فراحت تتتبّع مصادر التراث في الدين واللغة والأدب والعلوم والفنون تصدرها وتشرف على نشرها. وفي ذلك العصر أصبح من الضروري التعريف بهذا الفهم وتقعيده بشكل فهمي دقيق،
أهم المؤلفات في هذا الفهم
قام بعض الفهماء بتأليف الخط التي تتناول فهم التحقيق تعريفاً وتقعيداً وشرحاً وتمثيلاً، ولا ننكر حتى هذه الخط قد استفادت من جهود المستشرقين وأعمالهم في هذا المجال، إلا أنها قبل ذلك قد نقلت الكثير من مؤلفات أجدادنا الفهماء التي قد تناولت هذا الفهم، فقد تضمنت خطهم بعضاً من قواعد التحقيق والتوثيق وطرائقهما، ومن هذه الخط:
- مقدمة ابن الصلاح لعثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري.
- تذكرة السامع والمتحدث في آداب العالم والمتفهم ل ابن جماعة .
- المعيد في أدب المفيد والمستفيد للفهموي.
- أدب الإملاء والاستملاء ل السمعاني .
- التعريف بآداب التأليف ل السيوطي .
مصادر الفهم
استمد مؤلّفوخط فهم تحقيق المخطوطات قواعدهم من تجارب الفهماء الذين ولجوا في عالم التحقيق، وتمثّلت بكثير منها.
ويمكن القول بثقة إذا فهم التحقيق قد أصبح فهمًا قائمًا بذاته، له مناهجه وطرائقه وقواعده ومؤلفاته، حتى رأينا بزوغ فهم آخر حديث من هذا الفهم، وهوفهم المخطوطات (الكوديكولوجيا).
هذه بعض الخط الغنية التي تناولت فهم التحقيق، أوما يمت بصلة إليه من الاعتناء بالمخطوطات ونشرها:
- أُسس تحقيق التراث العربي ومناهجه، لجنة مختصة في بغداد، معهد المخطوطات العربية في الكويت، 1400هـ.
- أصول كتابة البحث الفهمي وتحقيق المخطوطات، د. يوسف المرعشلي، دار الفهم، بيروت، 1424هـ-2004م.
- أضواء على البحث والمصادر، د.عبد الرحمن عميرة، دار الجيل، 1426هـ- 2005م.
- تحقيق التراث العربي.. منهجه وتطوره، د.عبد المجيد دياب، منشورات المركز العربي للصحافة، القاهرة، 1983م.
- تحقيق التراث، د.عبد الهادي الفضلي، ط1، مخطة الفهم بجدة، 1402هـ.
- تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل، د.عبد الله بن عبد الرحيم عسيلان، مخطة الملك فهد الوطنية، 1415هـ.
- تحقيق النصوص ونشرها، عبد السلام هارون، القاهرة، 1374هـ-1954م. وهوأول كتاب عربي في هذا الفن يوضح مناهجه ويعالج مشكلاته، ثم تتابعت بعده الخط التي تعالج هذا الموضوع.
- تحقيق مخطوطات العلوم الشرعية: يحيى هلال السرحان، بغداد، 1404هـ.
- تحقيق نصوص التراث في القديم والحديث، د.الصادق عبد الرحمن الغرياني، ليبيا، 1989م.
- تسليم الخط وصنع الفهارس المعجمة وكيفية ضبط الكتاب: أحمد شاكر، باعتناء عبد الفتاح أبوغدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1414-1993.
- فهم التحقيق للمخطوطات العربية درس تأسيسي للتأصيل: فخر الدين قباوة، دار الملتقى، حلب، 2005. وهوأحدث وأضم كتاب تناول فهم التحقيق أصولاً وتاريخاً وممارسةً.
- عناية المُحدّثين بتوثيق المرويات وأثر ذلك في تحقيق المخطوطات، أحمد نور سيف، دمشق، 1407.
- فهرسة المخطوط العربي، ميري عبودي فتوحي، من منشورات دار الرشيد بغداد، 1980م.
- في منهج تحقيق المخطوطات، مطاع الطرابيشي، دار الفكر بدمشق، 1403هـ.
- قواعد تحقيق المخطوطات: صلاح الدين المنجد، 1955، القاهرة.
- محاضرات في تحقيق النصوص: أحمد محمد الخراط، دمشق، 1404.
- المخطوط العربي، د.عبد الستار الحلوجي، ط2، مخطة مصباح بجدة، 1409هـ.
- المخطوطات العربية - تحقيقها وقواعد فهرستها: فاضل عثمان توفيق النقيب، بغداد، 1395.
- مقدمة في المنهج: بنت الشاطئ.
- مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمُحدثين: رمضان عبد التواب، القاهرة، 1406.
- المنهاج في تأليف البحوث وتحقيق المخطوطات، د.محمد التونجي، دار الملاح للطباعة والنشر، ط1، 1406هـ-1986م.
- منهج البحث والتحقيق، الدكتور عبد الخالق داد ملك.
- منهج تحقيق النصوص ونشرها، د.فوزي حمودي القيسي ود. سامي مكي العاني، مطبعة المعارف ببغداد، 1975م.
نشوء التحقيق وتطوره
قبل نشوء الطباعة في القرن العاشر الهجري كان المسلمون يخطون خطهم بأيديهم وكلّ من أراد الحصول على كتاب ليقتنيه أوليقرأه على الشيوخ درس عن أصل سليم مضبوط لهذا الكتاب وكثيراً ما تكون الأصول موقوفة في المدارس أوالمساجد حسب أحكام الوقف من عدم جواز بيعها وشرائها وإباحة النسخ منها لكل مسلم فيجلس من أراد الكتاب في المدرسة أوالمسجد وينسخه أويستأجر من ينسخه له بالأجرة كما كان هناك مهنة الوراقة وهي بمثابة دور النشر في زماننا وكان الوراقون ينسخون الخط المهمة ويبيعونها فينسخون من الكتاب الواحد عدة نسخ عند الحاجة من أجل ذلك تعددت نسخ بعض الخط المشهورة التي قد تبلغ مائتين أحياناً وإذا فرغ الناسخ من نسخ نسخته قابل الكتاب وصححه .
يقول الأستاذ علي النجدي ناصف في كتابه ( سيبويه إمام النحاة ) ص 154 ـ 155 : ( كان للمسلمين القدماء عنايةٌ إشارة بضبط النصوص والمحافظة على صحتها كانوا يروون أخبارها بالسند حتى يحملوها إلى أصحابها على نحوما كانوا يصنعون بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكانوا ينسبون نسخ الخط التي يخطونها فرعاً إلى أصل حتى يبلغوا بها أوائلها التي تحدرت منها وكانوا يقرؤونها معارضة على الأصول التي ينقلون عنها ) ثم يشير إلى سند " كتاب سيبويه " بقوله : " وهذا مثلاً ما اتى في أول النسخة الخطية المحفوظة في دار الخط المصرية برقم 140 عن نسبتها إلى سيبويه : نطق أبوعبد الله محمد بن يحيى : قرأت على ابن ولاّد وهوينظر في كتاب أبيه وسمعته يقرأ على أبي جعفر أحمد بن محمد المعروف ب ابن النحاس وأخذه أبوالقاسم بن ولاّد عن أبيه عن المُبرد وأخذه أبوجعفر عن الزجَّّاج عن المبرد ورواه المبرد عن المازني عن الأخفش عن سيبويه " .
ويعني هذا حتى المسلمين اهتموا بضبط خطهم وتسليمها وعهدوا التحقيق قديماً وأنه كان منهجهم المتّبع في التأليف والنسخ قبل ظهور الطباعة في القرن العاشر الهجري / الخامس عشر الميلادي .
مراجع
أ هـ . من كتاب أصول كتابة البحث الفهمي وتحقيق المخطوطات . أ . د . يوسف المرعشلي .
أنظرا أيضاً
- فهم الخطاطة
- الفهم:مشروع فهم المخطوطات
مصادر
مسقط أرض الحضارات