الزيارة (مسرحية)
هذا الموضوع مبني على منطقة لابراهيم العريس. |
الزيارة (مسرحية) خطها مؤلف الروايات والمسرحيات السويسري فردريش دورنمات (1921 - 1990). ومسرحية «زيارة السيدة العجوز» في العام 1956، وكان ترتيبها الزمني الخامسة عشرة في عمله المسرحي الذي ضم في النهاية نحوثلاثين مسرحية، الى جانب الكثير من الاعمال الاذاعية والروائية، ومن اشهر مسرحيات درونمات، الى ما ذكرناه: «فهماء الطبيعة» و«هبط ملاك في بابل» و«زواج السيد ميسيسيبي» وبخاصة «رومولوس الكبير» التي اطلقت شهرته خارج بلاده منذ العام 1949.
المؤلف
يعتبر فردريش دورنمات من أعمدة المسرح الملحمي الذي ارتوى قصصه من أحداث الحرب العالمية الثانية. وكان ناشطاً سياسياً نال شهرة واسعة بسبب مسرحياته المأسوية الطليعية وروايات الجريمة ذات الفلسفة العميقة.
الشخصيات
Claire Zachanassian
Husbands VII-IX (or Moby, Hoby, and Zoby)
باتلر
روبي وتوبي
كوبي ولوبي
Ill
Mrs. Ill
الإبن
الإبنة
العمدة
الكاهن
مدير المدرسة
الطبيب
الشرطي
Townsmen 1-4
الرسام
لويزا
السيرة
«بين العينين... اريدكم ان تصيبوه بين العينين» من يمكن من رواد المسرح الطليعي وسينما الستينات ان ينسى هذه العبارة،يا ترى؟ من يمكنه ألا يرتعب في جميع مرة يتخيل فيها كلير زاخاناسيان وهي تصرخ في أبناء بلدة غولين بكل غضب وحقد، مشيرة، ظاهرياً الى نمر يطارد في شكل رمزي في الغابات، لكن الكل... هي والكل يعهدون ان المقصود بالاصابة بين العينين هوألفريد إيل، عشيقها القديم،يا ترى؟ ترى كيف من الممكن أن وقع لألفريد إيل هذا ان تحوّل ليصبح عدوالبلدة الرقم واحد، هوالذي لم يقترف اصلاً ما من شأنه ان يسيء الى البلدة،يا ترى؟ بل، منطقياً، لم يعمل ما يسيء الى أي أحد على الاطلاق... اذ ها نحن عند بداية مسرحية «زيارة السيدة العجوز» التي ينتمي اليها هذا المشهد، نراه رجلاً مكتهلاً هادئاً يعيش عيشاً هنيئاً من دون مشكلات ومن دون أعداء وسط البلدة التي تبادله حباً واحتراماً،يا ترى؟ ما الذي عمله ألفريد ليستحق هذا المصير،يا ترى؟ ليستحق حتى تطالب عشيقته القديمة بأن يرمى بالنار بين العينين،يا ترى؟ ثم ما الذي مكّن كلير من ان تكون لها هذه السلطة... من حتى تؤلّب بلدة بأسرها ضد رجل لم يعمل للبلدة ما سيىء؟
الجواب عن السؤال الاخير يظهر بالنسبة الينا اسهل. ولعله يجد تفسيره الكامل في تلك المشاهد التي نرى فيها في اواسط المسرحية، عدداً كبيراً من اهل البلدة، وهم يقدمون على شراء ادوات منزلية ومؤن يحملونها الى بيوتهم وعلامات قلق وأمل ممزوجة ترتسم على اساريرهم. ويتضح لنا ان جميع هذه المشتريات في البلدة، انما تشترى بالتقسيط، اوعلى اساس ان يتم التسديد لاحقاً. متى،يا ترى؟ بعد ان يجهزوا على ألفريد بإطلاق النار عليه بين عينيه، فالذي وقع هوان كلير زاخاناسيان، بدأت تلوّح بأموالها لأهل البلدة، واعدة اياهم بالمن والسلوى ان هم قتلوا ألفريد. إلى غير ذلك تحت قوة سحر المال الموعود عهدت كلير، وبكل برودة اعصاب، كيف من الممكن أن تحوّل أهل البلدة جميعاً الى قتلة في الامكان... ثم لاحقاً الى قتلة بالعمل.
فهل نحن هنا امام امثولة حول الكيفية التي يفسد بها المال الجموع،يا ترى؟ اكثر من هذا بكثير: اننا امام امثولة حول السلطة وحول الحب والكراهية. حول الخيانة وحول قدرة فرد على تحويل الجموع الى قطيع يأتمر بأمره، من دون تفكير، من دون وازع من ضمير. ذلك ان ما يفسد في هذه المسرحية، ليس فقط بلدة غولين التي تعيش هذه الأحداث على خشبة المسرح، بل التاريخ الانساني كله. وهذا الفساد يتم تحت سلطة سيدة ثرية، هي انسانة ستبدولنا مفبركة في نهاية الامر، ذلك ان الحوادث التي طرأت على حياتها، افقدت جسدها كثيراً من اعضائه فاستبدلت الاعضاء ببتر بلاستيك. وهذه السيدة تعود - بحسب احداث المسرحية - الى البلدة التي كانت، منذ عقود كثيرة، عهدتها صبية حسناء، وأمامها هدف وحيد: الانتقام من ذاك الذي احبته يوماً. وانتقامها سيكون فريداً من نوعه: هي لن تقتله بيديها، ولن تستأجر قاتلاً محترفاً، بل ستطلب من أهل البلدة جميعاً ان يتكاتفوا لقتله واعدة إياهم بمكافآت مالية سخية ينالها الجميع. وعلى هذا النحو، من الواضح ان الفريد ليس وحده المقصود بالانتقام، بل أهل هذا المجتمع كلهم. وهذا الامر لن يظهر واضحاً إلا بالتدريج، مع مرور الوقت وإصرار كلير على انقد يكون عقاب ألفريد جماعياً، لأنها - في الحقيقة - بقدر ما تنتقم من ألفريد، لأنها احبته يوماً، وربما لا تزال في اعماقها تحبه، تنتقم من أهل البلدة بتحويلهم جميعاً الى خونة قتلة مأجورين. اما دهشة كلير الكبرى، ودهشتنا نحن المتفرجين معها، فتكمن في سرعة استجابة اهل البلدة الى ما تدبّره كلير زاخاناسيان. ومن هنا يظهر واضحاً ما يقصده المحرر: تصوير الكيفية التي يتم بها، وفي جميع سهولة، تجريد البشر من انسانيتهم. ومن الامور ذات الدلالة هنا ان المحرر انما فكر بهذا العمل وخطه تحت وطأة مراجعته لظاهرة هتلر والنازية، غير ان دلالته تتجاوز حتى هذا البعد التاريخي.
المسرحية فهي عمل « تراجيكوميدي» - بحسب توصيف المحرر -، وتحدثنا عن المليونيرة كلير زاخاناسيان، التي - كما اشرنا - تعود الى بلدة غولين مسقطها وقد تقدم بها العمر لتجد حتى البلدة لا تزال بائسة فقيرة. ومن هنا حين يستقبل السكان كلير، يظهر عليهم الأمل في ان تكون عودة السيدة خيراً عميماً عليهم كأفراد وعلى البلدة كمجتمع. وكلير تعهد هذا، لكنها تعهد ان عليها، اذ تقدم المال للبلدة، وللسكان، ان تطلب منهم شيئاً، سيبدولاحقاً من الواضح انه المبرر الوحيد لعودتها: ان يقتلوا ألفريد إيل، الذي كان في صباها عشيقها، لكنها اذ حملت منه في ذلك الحين وأقامت عليه دعوى أبوة، عاملتها البلدة وسلطاتها بكل رفض واحتقار، اذ كانت، هي، فقيرة وضعيفة. اما ألفريد فقد تخلى عنها اذ تزوج فتاة غنية. إلى غير ذلك مضىت كلير الى هامبورغ حيث امتهنت البغاء... ثم بسبب حسنها وشخصيتها تمكنت من خوض زيجات كثيرة مكنتها من جمع ثروة طائلة. واليوم ها هي تعود، في رفقة زوجها السابع، لتطالب بـ «العدالة» ولتعد اهل البلدة بالخير.
من الواضح هنا ان كلير، اذ نعهد حكايتها ودوافعها، لن تبدولنا مفترية، اوشريرة بالمطلق. فهي امرأة جرحت... كانت، ذات يوم، ضحية خطأ لا يمكنها هي ان تغفره... اوكما نطق ناقد اميركي: «ان الشعور بالظلم قد امتزج داخل كيان هذه المرأة، وسرى داخل ذلك الكيان حتى صار يكوّن عالماً بأسره، هوعالمها»، ولكن هنا، لا بد من ان نعود الى السؤال الاساس: هل حقاً، اذاً، ان كلير تنتقم هنا من ألفريد، اومن النوع الانساني كله،يا ترى؟ من النوع الانساني تجيبنا المسرحية بسرعة. ذلك ان ألفريد، الذي كان في خلفية الخطأ الذي ارتكب ضد كلير، لنقد يكون امامنا اليوم ذلك المجرم الذي كان يفترض به انقد يكونه... بل سيصبح ضحية ينصبّ عليه ولمصلحته تعاطف المشاهدين. وستكون نهايته منطقية: سيجتمع عليه أهل البلدة خلال بعض الاحتفالات الصاخبة، وسيقتله «قبضاي» البلدة خنقاً، بعد ان يجتمع اهل البلدة في لقاء عام يقررون خلاله ان «العدالة» يجب ان تأخذ مجراها، وأن الفريد إيل يجب ان يدفع ثمن الظلم الذي اقترفه، في الماضي ضد كلير...
واللافت هنا ان موت ألفريد يتم تحديداً خلال الاحتفالات الصاخبة بالوضعية الاقتصادية الجديدة التي صارت لبلدة غولين، بفضل سخاء السيدة. وحين يموت ألفريد إيل يتقدم الطبيب الرسمي ويتفحصه بكل دقة ليقرر ان الرجل توفي بسبب ازمة قلبية. وفي اليوم التالي تخط الصحف ان ألفريد اصيب بأزمته القاتلة، اذ بلغ به التأثر والسرور مبلغاً عظيماً ازاء ما طرأ على غولين وما يفترض أنقد يكون عليه مستقبلها. واذ يموت ألفريد، لا يعود امام البارونة إلا ان تعود أدراجها، وسط هتافات أهل البلدة التي تحيّيها بوصفها فاعلة الخير الاولى التي اغدقت العون على البلدة وأعادت بناء بيوت أهلها... ولكن أحداً لا يسأل حول اعادة البناء هذه، وحول ذلك السقوط الانساني المريع الذي صار قدر هذه البلدة وأهلها. لا أحد،يا ترى؟ نحن، معشر المتفرجين بالاحرى... نحن الذين سندرك بسرعة ان ألفريد الآن، ليس سوى ضحية، كما كانت كلير في الماضي... اما الجلاد فهو، وبحسب دورنمات، النوع الانساني نفسه.
انظر أيضاً
The following plays utilize a dramaturgical structure similar to The Visit:
- Nikolai Gogol's The Government Inspector (1836)
- Carl Zuckmayer's The Captain of Köpenick (1931)
المراجع
- Bowles, Patrick, trans. 1962. The Visit. By Friedrich Dürrenmatt. London: Jonathan Cape. ISBN 0224009141. Trans. of Der Besuch der Alten Dame. Zurich: Verlags AG Die Arche, 1956.
المصادر
- دار الحياة