معركة المدائن (637)

عودة للموسوعة

معركة المدائن (637)

فتح المدائن (14 صفر 16 هـ (18 مارس 637)

بعد حتى فتح المسلمون دمشق، وقضت الجيوش الإسلامية على جحافل الروم في الشام، اتجه أبوعبيدة بن الجراح على رأس جيشه الذي يضم خيرة أبطال المسلمين وفيهم سيف الله خالد بن الوليد إلى حمص لفتحها؛ إحكامًا لسيطرة قبضة المسلمين على الشام.

وأراد الخليفة عمر بن الخطاب حتى يوجه جيشًا آخر إلى العراق ليقضي على نفوذ الفرس بها، بعد حتى بدأت بوادر الضعف والانهيار تدب في إمبراطوريتهم العتيقة، وكان عمر بن الخطاب يريد حتى يخرج على رأس هذا الجيش، ولكنه بعد حتى استشار أصحابه، أشاروا عليه حتى يبقى في المدينة، ويؤمّر على الجيش رجلا غيره، فنزل على رأي الجماعة، وبدأ عمر يبحث عن الرجل المناسب للقيام بهذه المهمة الخطيرة فأشار عليه أصحابه بأن يؤمّر "سعد بن أبي وقاص".

وخرج سعد من المدينة إلى العراق في أربعة آلاف فارس، واستطاع سعد وجنوده حتى يحققوا أعظم الأمجاد، وسطّروا أروع البطولات، وتوالت فوزات المسلمين على الفرس في القادسية ثم بُهْرَسِير التي كانت ضاحية للمدائن على الضفة الغربية لدجلة، لا يفصلها عن المدائن سوى النهر، ولا تبعد عن بغداد بأكثر من عشرين ميلا إلى الجنوب.

القرار الصعب

بعد فتح بهرسير أراد سعد حتى يعبر بجنوده إلى المدائن، ولكنه عثر حتى الفرس قد أخذوا السفن كلها حتى يمنعوهم من العبور إليهم.

جمع سعد جنوده وأبلغهم بعزمه على اجتياز دجلة إلى المدائن، فوجد منهم حماسًا شديدًا ورغبة أكيدة في السير إلى الفرس وفتح عاصمتهم المدائن، وقسم سعد جيشه إلى عدة كتائب، وجعل على رأس جميع منها قائدًا من أمهر رجاله، وأكثرهم حنكة وكفاءة، فجعل على الكتيبة الأولى "كتيبة الأهوال" عاصم بن عمروالملقب بذي البأس، وجعل على الكتيبة الثانية "الكتيبة الخرساء" القعقاع بن عمرو، ثم سار هوعلى بقية الجيش.


كتيبة الأهوال

وتقدمت الكتيبتان في إيمان وشجاعة؛ فلا البحر يخيفهم ولا الفرسان المتربصون بهم على الشاطئ الآخر يرهبونهم.. وأسرع المسلمون يعبرون النهر بخيولهم حتى امتلأت صفحة النهر بالخيل والفرسان والدواب، فلا يرى أحد الماء من الشاطئ لكثرة الخيل والفرسان؛ فلما رأى الفرس المسلمين وقد خاضوا النهر إليهم راحوا يجمعون فرسانهم للتصدي لهم، ومنعهم من الخروج من الماء، واجتمع عدد كبير من فرسانهم حول الشاطئ مدججين بالسلاح يترقبون وصول المسلمين ليرشقوهم بالسهام والرماح، ويقضوا عليهم قبل حتى يصلوا إلى الشاطئ.

ولكن قائد الأهوال عمروبن عاصم يدرك بسرعة ما ينتظرهم، فيأمر رجاله حتى يشرعوا رماحهم، ويصوبوها إلى عيون خيل الفرس، وتنطلق الرماح وكأنها البرق الخاطف إلى عيون الخيول، فتعم الفوضى بين صفوف الفرس، وتضطرب صفوفهم، ويفرون أمام المسلمين، وقد امتلأت نفوسهم رعبًا وفزعًا، وهم لا يملكون كف خيولهم، يطاردهم فرسان كتيبة الأهوال.

المسلمون في المدائن

وانطلق المسلمون نحوالشاطئ بخيولهم القوية، وهي تصهل في حماس، وتنفض الماء عن أعرافها في قوة، فلما رآهم القوم أخذهم الفزع، وانطلقوا لا يلوون على شيء.

ودخل المسلمون المدائن فاتحين منتصرين، وغنموا ما تحويه من نفائس وذخائر، بعد حتى فر كسرى وجنوده حاملين ما استطاعوا حمله من الأموال والنفائس والأمتعة، وهجروا ما عجزوا عن حمله.

ووجد المسلمون خزائن كسرى مليئة بالأموال والنفائس، ولكن هذه الكنوز لم تُغرِ أيًّا منهم بالاستيلاء عليها لنفسه، ولم تراود أحدًا منهم نفسه على أخذ شيء منها، ودخل سعد القصر الأبيض بالمدائن، وانتهى إلى إيوان كسرى، وهويقرأ قوله تعالى: "كم هجروا من جنات وعيون *وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قومًا آخرين" (الدخان: 25-28).

ثم صلى فيه صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصل بينهن، كما صلى من قبلُ في قصر كسرى الآخر في بهرسير.

يد تقاتل وأخرى تحمل السلام

وعرض المسلمون على أهل المدائن ما عرضوه من قبل على إخوانهم في بهرسير:

"إما الإسلام؛ فإن أسلمتم فلكم ما لنا، وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم فمناجزتكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم". فأجابوهم إلى الجزية، ونطقوا: "لا حاجة لنا في الأولى ولا في الآخرة.. ولكن الوسطى". وأوفد سعد السرايا في إثر كسرى، فلحق بهم بعض المسلمين، فقتلوا عددًا كبيرًا منهم، وفر الباقون، واستولى المسلمون على ما معهم من الغنائم والأسلاب، وكان فيها ملابس كسرى وتاجه وسيفه وحليه.

وانتشر المسلمون في المدائن تلك المدينة الساحرة التي طالما داعبت أحلامهم، وتمنوا فتحها، وأخذوا يجمعون المغانم الكثيرة التي ظفروا بها من المضى والفضة والسلاح والثياب والأمتعة والعطور والأدهان، فأوفدوا ذلك إلى عمر بن الخطاب، وكان فيما أوفدوه سيف كسرى وأساوره؛ فلما وضعت بين يديه نظر إليها متعجبًا وهويقول: إذا أقوامًا أدّوا هذا لَذَووأمانة".. فرد عليه علي بن أبي طالب: إنك تعففتَ فعفّت الرعية.

سراقة يلبس سواري كسرى

وكان في القوم سراقة بن مالك الذي وعده النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم الهجرة أنه سيلبس سواري كسرى، فتناول عمر السوارين وألقاهما إليه، فوضعهما سراقة في يديه، لتتحقق بشارة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ووعده لسراقة، حيث كان النبي مهاجرًا خارجًا من بلده، فارًا بدينه مطاردًا من قومه، ضعيفًا إلا من إيمانه بالله، وثقته في نصره إياه.

فلما رآهما عمر في يدي سراقة نطق: "الحمد لله.. سوارا كسرى بن هرمز في يدي سراقة بن مالك".

ثم أطرق عمر قليلا، وكسا الحزن والأسى صوته وهويقول: "اللهم إنك منعتَ هذا رسولك ونبيك، وكان أحب إليك منّي، وأكرمَ عليك مني، ومنعته أبا بكر، وكان أحب إليك مني، وأكرم عليك مني، وأعطيتنيه فأعوذ بك حتى تكون أعطيتنيه لتمكر بي".. ثم بكى حتى أشفق عليه المسلمون من حوله.

إلى غير ذلك سقطت المدائن عاصمة الفرس العريقة في أيدي المسلمين فكان سقوطها إيذانا بانهيار إمبراطورية الفرس كلها، وبداية صفحة جديدة من تاريخ فارس، بعد حتى بادر كثير من أهالي تلك البلاد إلى الدخول في الإسلام؛ لما وجدوه من الحرية والعدل وحسن المعاملة في ظل الإسلام، بعدما قاسوا طويلاً من ظلم دهاقين الفرس وجور حكامهم، مما ساعد على المزيد من الفتوحات الإسلامية في بلاد المشرق.

من مصادر الدراسة:

البداية والنهاية: عماد الدين أبوالفداء إسماعيل بن كثير القرشي – تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن الهجري – دار الهجرة – القاهرة: 1418 هـ = 1998م.

تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي: د. حسن إبراهيم حسن – دار الجيل – بيروت، مخطة النهضة المصرية – القاهرة (1416هـ = 1996م).

تاريخ الرسل والملوك: أبوجعفر محمد بن جرير الطبري تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم – دار المعارف بمصر – القاهرة (1397 هـ = 1997م).

الفاروق عمر: محمد حسين هيكل – دار المعارف بمصر – القاهرة (1397هـ = 1977م).

الكامل في التاريخ: عزل الدين أبوالحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الشيباني (ابن الأثير) – دار صادر – بيروت (1399 هـ = 1979م).


إسلام أون لاين: فتح المدائن.. سقوط إمبراطورية الفرس - بقلم سمير حلبي       تصريح

تاريخ النشر: 2020-06-04 10:25:14
التصنيفات: عن إسلام أون لاين.نت, خلفاء راشدون, تاريخ العراق, تاريخ إيران

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

معدل البطالة يتراجع في تركيا بنسبة 0.2%

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 15:14:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 65%

إقالة مدرب المنتخب الألماني بعد الهزيمة أمام اليابان

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 15:11:07
مستوى الصحة: 70% الأهمية: 74%

ثلاث متوجون في المهرجان الوطني للشعر الشعبي بالقصرين

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 15:14:50
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 69%

هل رفض محمد السادس الرد على مكالمة ماكرون بعد الزلزال؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 15:11:14
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 72%

إعصار دانيال يُخلف عشرات القتلى في ليبيا

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 15:11:18
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 79%

النادي الإفريقي يعير مهاجمه الشاب لاتحاد بن قردان

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 15:14:32
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 51%

عمالة الدار البيضاء تخصص 20 مليون درهم لمساعدة ضحايا زلزال الحوز

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 15:12:56
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 62%

زلزال الحوز.. الحصيلة المؤقتة للضحايا: 2497 قتيلا و2476 جريحا

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 15:12:57
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 70%

موديست يصل القاهرة

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 15:10:29
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 35%

في حصيلة محينة.. ارتفاع عدد ضحايا زلزال الحوز إلى2497 وفاة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 15:11:40
مستوى الصحة: 62% الأهمية: 84%

وزير التربية: جلسات التفاوض مع الطرف النقابي مازالت متواصلة

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 15:14:55
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 59%

أول تعليق لبلماضي حول الزلزال بالمغرب

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-09-11 15:11:34
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 81%

تحميل تطبيق المنصة العربية