موت الإنسان (مقال)

عودة للموسوعة

موت الإنسان (منطق)

موتُ الإنســــان

للمحرر: هارون يحيى


هل أنت على وعي بأنّ جميع يوم يمضي من عمرك يقرّبك إلى الموت أكثر فأكثر، أويقرّب الموت إليك أكثر فأكثر، مثلما هوالأمر مع جميع الناس، أوربّما يقرّبك أنت إليه أكثر من أي إنسان آخر.

وكما أبلغ الله سبحانه وتعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةٌ المَوْت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، (سورة العنكبوت، الآية 57). فكلّ من على وجه هذه البسيطة، ومن يفترض أن يعيش عليها في المستقبل يفترض أن يواحهون الموت بدون استثناء. بيد أنه بالرّغم من هذه الحقيقة فإنّ الإنسان يرى نفسه لسبب من الأسباب، بمنأى عن هذا المصير.

لوأمعنا التفكير في طفل يأتي إلى العالم ليأخذ أول نفس له فيه، ورجل على قيد لحظات من الموت يلفظ أنفاسه الأخيرة، فلا الذي ولد له ولج في ولادته ولا الذي يَموت كذلك اختار هذا المصير. فالأمر كله لله وبيده سبحانه، فهوالمالك المتصرف وبيده القوة في نفخ الروح فيبعث فيها الحياة أويقبضها فتنتهي بالموت.

وقد صور الله تعالى حال بعض بني البشر تجاه الموت حين نطق تعالى في سورة الجمعة في الآية 8: ( قُلْ إِنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ منه فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّؤُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).


أغلب الناس يتجنّبون التفكير في الموت, وخلال أحداث اليوم المتلاحقة, يغرَقُ الشّخص في دائرة متشعّبة من المواضيع المتنوعة: فمواضيع مثل؛ في أيّ جامعة ٍ سيدرس, وفي أيّ شركة سيعمل, وما لون اللّباس الذي سيرتديه في الصباح التالي, وما الّذي سيأكله،يا ترى؟ هذه هي أبرز المشاغل التي تملأ أذهاننا. فالإنسان يعتقد حتى الحياة لا تعدوحتى تكون هذه الأمور.

لقد اُعتبر الحديث عن الموت أمرًا ثانويا، وأيّ محاولة للحديث عن الموت كثيرًا ما تتعرض للمقاطعة من قبل الأشخاص الذين لا ترتاح أنفسهم ولا تطمئن لمثل هذا الموضوع, فعادة ما يعتقد الإنسان أنه لن يموت إلاّ بعد حتى يتجاوز الخمسين أوالستين من العمر، أما الشباب فهم لا يريدون حتى يخوضوا في مثل هذه المواضيع "المنغّصة". والحال حتى أحدا لا يضمن لنفسه حتى يعيش ولوثانية. فكل يوم تطالعنا الصّحف والقنوات التلفزيونية بشتّى الأخبار عن الموت. وكل إنسان عادة ماقد يكون شاهدًا على أقرباء له ماتوا، لكنه لم يفكر حتى الآخرين يفترض أنقد يكونون يوما ما شهودا على موته هونفسه.


ولكن عندما يأتي الموت نجد حتى جميع "حقائق" الحياة تتلاشى فجأة, لن يهجر الموت منك أي أثر. فك ّ ر في حالك الآن؛ عيناك اللتان تُفتحان وتُغمضان، حركات جسمك، قدرتك على الكلام، قدرتك على الضحك، بمعنى فكر في جميع وضائفك الحيوية. ثم فكر مرة أخرى في حالك وقد خرجت روحك وأصبح جسمك جثة هامدة، استحضر هذا أمام عينيك...

سوف تصبح جثة هامدة لا تعهد ماذا يحيط بك وما يدور حولك، هكذا يفترض أن ترقد. يفترض أن يُحمل جسمك من قبل أناس آخرين، وسوف يعتبرونك مجرد "بترة لحم". وعند إعداد التابوت الذي يفترض أن تحمل فيه إلى المقبرة يتولى أحد الأشخاص تغسيلك، ثم يلفّونك في قماش أبيض، ثم توضع في تابوت من الخشب. وعندما تنتهي المراسم في الجامع تُحمل ويُمضى بك إلى المقبرة، وبعد ذلك توضع على قبرك بترة من الحجر خط عليها تاريخ ميلادك وتاريخ وفاتك. وسوف يلقى بك مع الكفن داخل الحفرة التي أُعدت لك، وتوضع فوقك بترة من الخشب ثم يُهال عليك التراب. وبعد حتى يواروك بالتراب جيدا، تنتهي مراسم الدفن على هذا النحو.

في الأيام الأولى تكون الزيارات إلى قبرك كثيرة، ثم تتناقص لتصبح مرة جميع عام، وبعد ذلك تُنسى ولا يَحتفل بك أحدٌ. وبالإضافة إلى كلّ هذا يفترض أن لنقد يكون لديك فهم حتى بهذه الزّيارات.

غرفتك التي مكثت فيها لسنوات، وسرير نومك الذي نمت فيه يفترض أن يفقدانك. وبعد حتى تغادر جنازتك المنزل بمدة يفترض أن توزع أشياؤك الخاصة وتعطى إلى من هم في حاجة إليها. وسوف يمضى أهلك إلى إدارة النفوس ويطلبون شطب إسمك من هذه الدنيا. من الممكن يَذكرك بعض النّاس في الفترات الأولى بعد موتك، وربما كان هناك مِنْ خلفك من يبكيك. بيد أنّ الزمن كفيل بأن يُمضى ذِكرك من بين الناس شيئا فشيئا. وبعد عقود قليلة من الزّمن لن يبقى في هذه الدّنيا التي عشت فيها "زمنا طويلا" من يتَذكرك. ومع ذلك، وحتى أقاربك ومعارفك الذين هجرتهم خلفك بعد موتك لا يفيد شيئا إذا تذكروك أونسوك لأنهم هم أيضا يفترض أن ينْفضّون من هذه الحياة ويغادرونها شيئا فشيئا.

وفي الوقت الذي تتالى فيه الأحداث على الأرض يبدأ جسمك الموجود تحت التراب في عملية تحلل سريعة. يفترض أن تهبّ الحشرا ت والديدان لتنهش جسمك، وسوف ينتفخ بطنك بسبب الغازات التي تملؤه، وهذا الانتفاخ يفترض أن يسري في جميع جزء من بدنك، ويصبح جسمك على هيئة لا يَعهدها أحد. وعلى إثر ذلك يحدث ضغط من قبل هذه الغازات على الحجاب الحاجز فتبدأ رغوة ممزوجة بالدّماء تخرج من فمك وأنفك. ومع تهرّإ الجسم يتناثر الشعر وتنقلع الأضافر من أماكنها وتتمزق راحة اليد وظهرها.

بالإضافة إلى هذه التغيرات الخارجية، يفترض أن يدبّ الفساد كذلك في الأعضاء الداخلية. وفي الواقع فإن الموقف المخيف يفترض أن يحدث هنا، فالغازات المتجمعة في أنحاء البطن يفترض أن تفجر أضعف نقطة فيها، ثم تنتشر من الجسم روائح كريهة لا يمكن أبدا تحمّلها. وفي هذه الفترة تبدأ العضلات في الانفصال عن أماكنها بَدْأ من الرأس، ثم يتحلل الجلد والأجزاء الأخرى اللينة منه، ثم يبدأ الهيكل العظمي في البروز. وبعد ذلك، يتحلل الدماغ تماما ويتحول شكله إلى شكل طين. أما العظام فينفصل بعضها عن بعض، ثم يبدأ الهيكل العظمي في الانفراط ... وتتواصل هذه العملية على هذا النحوإلى حتى يتحول جسمك إلى خليط من التراب والعظام.

نعم، لنقد يكون من الممكن العودة ولولثانية واحدة إلى الحياة التي كانت قبل الموت؛ التقاء مع الأسرة، ولقاء مع الأصدقاء ولهوٍ معهم، ولن يبقى أمل في الترقّي إلى أعلى المناصب. نعم، إذا الجسد يفترض أن يتناثر في القبرِ، ويُصبح عبارةً عن هيكل عظمي.

وباختصار، فالجسم الذي يمنحك هويتك، وبه تقول "أنا" يفترض أن ينتهي بنهاية كريهة جدًّا. وأنت، باعتبارك روحا في حقيقتك يفترض أن تكون قد غادرت جسدك منذ زمن. أما الجسم الذي خلفته وراءك فإنه يفترض أن ينتهي إلى مصير مُرعبٍ للغاية.

حسنا، ما السبب في جميع هذا،يا ترى؟ ...

لوشاء الله تعالى ما أحال جسم الإنسان بعد الموت إلى هذه الحالة، بيد حتى لهذا الأمر معنى كبيرًا.

أولا، يتعين على الإنسان حتى يفهم حتى حقيقته ليست تعبير عن بدن، وأن هذا البدن لباسٌ أُلبسه لوقت محدّد، وعليه حتى يفهم ذلك من هذه النهاية المُفزعة. وعليه كذلك حتى يَشعر أنّ وراء هذا الجسم وجودًا آخر.

ثانيا، على الإنسان حتى ينتبه إلى فناء بدنه، وعليه حتى يفكر في الأمور التي يتمسك بها في هذه الدنيا الفانية وكأنه سيعيش فيها أبد الدهر، وعليه حتى يتأمل في عاقبة هذا البدن الذي يدفعه لكي يَحني قامَتَه من أجل تلبية جميع رغباته. هذا الجسم، لا بد وأن يتمزّق يوما تحت التّراب، يفترض أن يفسد ويصبح تعبير عن هيكل عظمي. قد لاقد يكون ذلك اليوم بعيدا، من الممكنقد يكون على بعد قدم...

لكن بالرغم من جميع هذه الحقائق فإن في داخل الإنسان ميلا إلى حتى لا يفكر في الأمور الكريهة التي تنفر منها نفسه، هناك رغبة في تجاهل مثل هذه الأمور واعتبارها غير موجودة. وهذا ما يتجلى جيدا، وبشكل خاص عندما يتعلق الموضوع بالموتِ. ومثلما ذكرنا، فالموت لا يذكره الناس إلا عند فقدان أحد الاقارب أوفي ذكرى موت أحدِِهم. فالجميع تقريبا، يرون الموت بعيدا عنهم. فهل الذين يموتون وهم يسيرون في الطرقات أوينامون على فرشهم يختلفون عنه في شيء،يا ترى؟ أم لأنه "مازال شابا"، وسوف يعيش "طويلا"،يا ترى؟ ولكن كم من الناس تعرضوا لحوادث وهم ذاهبون إلى مدارسهم أوكانوا يسرعون من أجل المشاركة في اجتماع مهم فهلكوا، وكم من الناس تلقّفهم سقم لم يكن يخطر على بالهم فماتوا في وقت لم يكن في حسابنهم على الإطلاق، وهؤلاء جميعا قبل موتهم ربّما كانوا أيضا يرون أنّ الموت بعيدٌ عنهم. فبينما كانوا يعيشون بين الناس، إذ بالصّحف في اليوم الموالي تذيع خبر وفاتهم فيَبهتُ الناس لأن هذا الأمن لم يكن يخطر حتى على بالهم.

ومن الغريب أنكم أنتم أيضا قد لا تضعون احتمال موتكم بعد تقرأوا هذه الأسطر بمدة قصيرة؛ فالأمور التي يَجب حتى تُعمل والأعمال التي ينبغي حتى تَتم تجعل الموتَ بالنّسبة إليكم أمرًا سابقا لأوانه ولم يحنْ موعدُه بعد. والواقع حتى جميع هذا هُروب من الحقيقة، وقد أبلغنا الله تعالى أنه لنْ يجديَ صاحبه شيئا ( قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمْ الفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوالقَتْلِ وَإِذًا لاَ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (سورة الأحزاب: 16).

على الإنسان حتى يدرك أنه اتى إلى هذه الدنيا "عاريا"، وسوف يخرج منها "عاريا". ولكنه بعد حتى يولد بمدة قصيرة يبدأ في التمسك بالنعم التي تُمنح له- لسدّ حاجياته- تمسكا مبالغا فيه حتى يصبح الحصول على هذه النعم أكبر هدف في حياته. والحال أنّه لا أحد يمكن حتى يحمل معه بعد موته لا ملكه ولا ماله الذي كان يملكه. كلّ ما في الأمر أنه يفترض أن يُلف في خرقة بيضاء من بضعة أمتار ويُوارى فيها التراب.

ويأتي الإنسان إلى هذه الدنيا "عاريا" ويخرج منها كما دخلها "عاريا"، ولن يرافقه إلى الآخرة سوى إيمانه بالله تعالى أوإنكاره له

  • مؤلفات هارون يحيى
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:39:23
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

وزير النقل يقيل رئيس الهيئة القومية للأنفاق من منصبه

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:21:52
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 45%

"كفر الشيخ" الأولى فى زراعة القطن على مستوى الجمهورية بـ107 آلاف فدان

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:21:50
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 50%

"أنا مش عارفنى".. رد فعل طريف من دب شاهد نفسه فى المرآة.. فيديو

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:21:53
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 42%

انقطاع مياه الشرب عن القناطر الخيرية “3” ساعات غدا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:21:34
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 56%

قائد القوات المسلحة البريطانية يعلق على التكهنات حول مرض بو

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:22:26
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 59%

زعيم طالبان يدعو المجتمع الدولي إلى الاعتراف بنظامها الحاكم

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:22:17
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 66%

هزة أرضية بقوة 4.3 درجات تضرب غربي تركيا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:22:23
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 66%

وزير الرياضة يتابع استعدادات حفل افتتاح بطولة العالم للسلاح

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:21:33
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 61%

إلغاء أكثر من 200 رحلة طيران في إيطاليا جراء إضراب

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:22:20
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 67%

وزير دفاع صربيا: طائرة الشحن المنكوبة كانت تحمل 11 طن أسلحة

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:22:32
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 63%

وزير خارجية فنلندا: لا زيادة في التوتر مع روسيا فيما يتعلق ب

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:22:15
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 52%

الأمم المتحدة: 7 قتلى بسيول جنوب دارفور

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:22:29
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

الصحة تطلق حزمة تحذيرات للحماية من فيروس كورونا.. اعرف التفاصيل

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:21:50
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 41%

الرئيس السيسى يصل برلين للمشاركة فى فعاليات "حوار بيترسبرج للمناخ"

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-07-17 18:21:56
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 43%

تحميل تطبيق المنصة العربية