علم الجماجم

عودة للموسوعة

فهم الجماجم

إيهاب عبد الرحيم محمد
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع
Illustration from "The Speaking Portrait" (Pearson's Magazine, Vol XI, January to June 1901) demonstrating the principles of Bertillon's anthropometry.
جمجمة بشرية وأداة قياس من 1902.

فهم الجماجم Craniometry

لسنوات طويلة، ظلت سمعة هذا الفهم ملوثة لارتباطها بالعنصرية وبالنازية. أما الآن، فبالرغم من ماضيه المخزي، يقف هذا الفهم الجديد-القديم شامخا برأسه كفهم جاد.

وصلت الجمجمة في صندوق من الكرتون إلى متحف لندن للتاريخ الطبيعي…في البداية، لم يكن فيها شيء غريب بالنسبة للباحثين في المتحف… كان ضابط الشرطة الذي كان يحملها لم يكن يرتدي زيه الرسمي…وبالنسبة لأعضاء مجموعة الأصول البشرية بالمعهد، لم تكن رؤية المخبرين مألوفة لديهم، كما لم يكن فهمهم متعلقا بالجريمة ولا بالبقايا البشرية لأناس معاصرين.

كانت البقايا المطلوب دراستها قد عثر عليها من قبل عمال بناء أثناء حفرهم في حديقة كارديف اللندنية. بدا الأمر وكأنه جريمة اغتال ، لذلك فقد طلبت الشرطة من خبراء المعهد مساعدتهم في تحديد هوية صاحب الجثة. وبالتالي، أخذ الباحثون 33 قياسا مختلفا للجمجمة، ثم استخدموا برنامجا للكمبيوتر يطلق عليه اسم CRANID لمقارنة تلك القياسات بمثيلاتها المأخوذة من 2500 جمجمة تمثل أكثر من 60 مجموعة عرقية من جميع أنحاء العالم. وفي غضون دقائق، أظهر البرنامج حتى الجمجمة تعود في الغالب إلى أنثى قوقازية من أصول مختلطة (بريطانية وغير بريطانية). وقد منح ذلك الشرطة معلومات بالغة الأهمية عن لون البشرة ونوع الشعر المحتملين ، بالإضافة إلى إمكانية إعادة تشكيل ملامح الوجه. وبعد أيام من نشر الصورة المعاد تكوينها بالكمبيوتر لصاحبة الجمجمة ، تم التعهد على الضحية… كانت لمراهقة تدعى كارين برايس، فرت من بيت أسرتها قبل سنوات، وكانت أصول أسرتها ولزية، يونانية- قبرصية، أسبانية وأمريكية! حدثت الواقعة كلها قبل أكثر من عشر سنوات… لم يكن الباحثون في البداية مقتنعين بأهمية البرنامج CRANID ، ولكن بعد مساعدته في التعهد على كارين برايس، تغيرت نظرتهم كثيرا تجاه البرنامج. وهناك اليوم مجموعة متنامية من الباحثين الذين يستخدمون قياسات الجمجمة والمقارنة بينها للمساعدة في التعهد على أصول البقايا البشرية الغامضة. وهي طريقة سريعة وغير مكلفة لإلقاء الضوء على جميع الأحداث التي سقطت في الماضي، من عمليات الإبادة العرقية genocide إلى تحركات أسلافنا الأوائل!

لكن كثيرا من الناس لا يزالون غير مرتاحين لفكرة البحث عن الفروق العرقية في محنيات الجماجم. عملم قياس الجماجم craniometry قد لوثه العار قبل عدة عقود لارتباطه بفهم تحسين النسل eugenics، والحتمية البيولوجية biological determinism ، والعنصرية، والنازيين… فهل يمكن لهذا الفهم حتى يتخطى ماضيه المظلم؟

تعود أصول فهم قياس الجماجم إلى حركة تحسين النسل التي ظهرت في القرن التاسع عشر، وهي من بنات أفكار ابن عم تشارلز داروين – فرانسيس گالتون Glaton. افترض جالتون حتى جميع صفاتنا، من الجمال إلى القدرات العقلية، هي خصائص موروثة ويمكن قياسها. وقد تجول في جميع أنحاء بريطانيا في رحلته الشهيرة، ومسماكه في يديه ، لأخذ قياسات ما رأى أنه يمثل أساسا للحصول على جنس متفوق. وسرعان ما حذا حذوه فهماء يشبهونه في التفكير. وفي الولايات المتحدة، استخدم الطبيب صمويل مورتون Morton مجموعته الخاصة المكونة من أكثر من ألف جمجمة "لإثبات" حتى البشر يمكن تصنيفهم من الأعلى إلى الأدنى ، اعتمادا على حجم الجمجمة وشكلها. أما نتائج أبحاثه فقد كانت كالتالي: البيض على القمة، السود في ذيل القائمة، بينما أتى السكان الأصليون لأمريكا الشمالية في المنتصف!

بدا حتى فهم قياس الجماجم يضفي شرعية فهمية على الواقع الاجتماعي السائد في ذلك الوقت، ولم يكن هناك ثمة نقص في الباحثين المستعدين لقبول تحدي العثور على قياسات اتفق حتى تدعم تحيزاتهم الشخصية. تمثل الخطأ الرئيسي في منطق أولئك الباحثين في افتراضهم حتى حجم وشكل الجمجمة يحددان مدى "جودة" المخ الذي يقع بداخلها. فقد افترضوا حتى معايير معينة في الجمجمة ترتبط بخصائص عقلية محددة ، مما جاز لهم بتصنيف "الأجناس" وفقا لخصائص مثل الذكاء والقدرة على السلوك المتحضر،وهوما عهد باسم فراسة الدماغ phrenology. وعلى سبيل المثال، فقد ادعى الطبيب وعالم الأنثروبولوجيا الفرنسي الشهير ، بول بروكا Broca (شكل 6)، حتى الأوروبيين ذوي الوجوه المسطحة هم أذكى من الأفريقيين ذوي الملامح البارزة، وأن النساء أقل ذكاء من الرجال لأنهن يمتلكن مخا أصغر من مثيله في الرجال! وقد ابتكر بروكا أيضا ما يسمى "بالمؤشر الرأسي" cephalic index- أي نسبة عرض الجمجمة إلى طولها- والذي ادعى أنه يثبت حتى الأجناس "الاسكندنافية" Nordic، و"الآرية" Aryan ذات الجماجم الطويلة، متفوقة جسديا ، وثقافيا، وعقليا على الشعوب ذات الجماجم القصيرة مثل الفنلنديين والباسك Basques.

بدأ هذا النوع من الهراء المعتمد على قياسات الجماجم يفقد مصداقيته في بدايات القرن العشرين، عندما كشف عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي فرانز بوس Boas زيف المؤشر الرأسي. فمن خلال دراسة المهاجرين إلى الولايات المتحدة، عثر حتى هذا المؤشر يتباين بصورة كبيرة جدا بين المجموعات البشرية ذات الأصول العرقية نفسها- بل وحتى في الشخص نفسه في مراحله العمرية المتنوعة- لدرجة أنه لا يعني شيئا على الإطلاق! واتىت نهاية فهم قياس الجماجم عندما ادعى باحثوفهم تحسين النسل النازيين أنه بوسعهم استخدامه كطريقة للتعهد على الخصائص المهمة التي يجب استيلادها في أفراد الجنس الآري.

في عالم اليوم، لا يقبل أحد حتى تقول له أنه بوسعك تسقط مستوى ذكاء أوخصائص إنسان ما اعتمادا على شكل جمجمته. لكن لما عاد فهم قياس الجماجم للظهور،يا ترى؟ والحقيقة هي أنه لم يختف من الوجود على الإطلاق! وهناك من الباحثين من يرى حتى فهم قياس الجماجم يمكنه دائما حتى يساعدنا على التوصل لاكتشافات فهمية مهمة. ومن بين هؤلاء عالم الأنثروبوجيا الفيزيائية وليام هويلز Howells، وهوفي الثمانينات من عمره الآن، والذي تجاهل جميع الاعتراضات من حوله واستمر في ممارسة قياساته للجماجم ، وفي النهاية جاز لغيره من الباحثين بالاطلاع على نتائج أبحاثه- وهي 70 قياسا مختلفا لكل من 2500 جمجمة قام بقياسها لأناس من جميع أنحاء العالم.

لاحظ الباحثون أنه باستخدام قياسات هويلز وقدرة أجهزة الكمبيوتر الحديثة، يمكن حتى يصبح قياس الجماجم تقنية دقيقة للمساعدة في فك طلاسم الأصول، والهجرات، ومن ثم الهوية البشرية . ولذلك ، قام هويلز في العام 1992 بابتكار برنامج CRANID. وباستخدام عملية إحصائية تسمى بالتحليل المتعدد المتباينات multivariant analysis ، يقوم البرنامج بمقارنة البقايا البشرية المجهولة بمثيلاتها المأخوذة من أناس من مناطق مختلفة من العالم وفترات تاريخية مختلفة . وعوضا عن كونه محدودا بمقارنة متغير أواثنين ذوي أهمية مشكوك بها، كما كان يحدث أيام بروكا، يمكن للباحثين الآن البحث عن الأنماط المتنوعة في الطبوغرافية التفصيلية للجماجم. ويحدد التحليل الذي يقوم به البرنامج أي المجموعات البشرية الأكثر احتمالا لأن تنتمي إليها الجمجمة قيد البحث، حيث يرى الباحثون حتى الأشكال المتشابهة للجماجم تعني في العادة أصولا متشابهة.

وعلى الرغم من ذلك، هناك اختلاف بين الفهماء حول أفضل الطرق الإحصائية ، وحول أنواع المشاكل التي يمكن حلها بواسطة برامج CRANID وأمثاله، فالبعض يجادلون بأن النتائج المبنية على الكثير من القياسات الدقيقة ذات مغزى ، وخالية إلى حد كبير من التفسيرات الشخصانية subjective التي لوثت سمعة فهم قياس الجماجم في الماضي. كما ينكر الباحثون المشتغلون بقياس الجماجم في الوقت الحاضر أنهم يحاولون حتى يعيدوا الحياة لفكرة "الأعراق" التي سادت في القرن التاسع عشر، وبالتالي يشجعون عنصرية القرن الحادي والعشرين. ويقول هؤلاء الباحثون بأن الأدلة المادية الموجودة في الجماجم تدحض العنصرية. فحتى عندما بلغ الجنون بقياسات الجمجمة أقصى مداه، قابل بعض الفهماء التحيز العنصري عن طريق التحليل الموضوعي للجماجم. وفي الوقت نفسه، فقد ظهر جيل حديث من الباحثين، يرون في مورتون، وجالتون، وحتى النازيين شخصيات من التاريخ ذات أفكار عفى عليها الزمن. وهؤلاء الفهماء المعاصرون عمليين وبالتالي مستعدين لاستعارة التقنيات والأفكار من فروع فهمية متباينة لخدمة أغراضهم البحثية.

ولكت حتى لوكان فهم قياس الجماجم في حد ذاته لم يعد يعتبر استفزازيا، فمن المؤكد حتى بعض الاكتشافات الجديدة كانت مستفزة بالعمل؛ على سبيل المثال، الدراسة التي أجريت قبل عامين على يدي جيروم روز Rose من جامعة أركانسوالأمريكية على البقايا التي ترجع إلى 9300 سنة لـ"رجل كينويك" Kennewick Man- وهوهيكل عظمي تم اكتشافه عام 1996 في ولاية واشنطن، والذي اعتُقد في البداية أنه يعود لذكر ذي أصول أوروبية، لكن تقنيات التأريخ التالية أظهرت أنه يرجع لأحد الهنود الحمر القدامى.

عندما استخدم روز تقنية إحصائية تسمى بالتحليل التفريقي الخطي Linear discriminant analysis، لمقارنة جمجمة رجل كينويك بمئات الجماجم الأخرى من جميع أنحاء العالم، عثر أنها أقرب شبها لجماجم أفراد شعب الموريوري الذين يعيشون في جزر شاتلاند على مقربة من السواحل النيوزيلندية، وشعب الموكابوفي جزيرة هاواي. لكنها لا تشبه من قريب ولا من بعيد جماجم الهنود الحمر ولا الأوروبيين المعاصرين.

وعلى الرغم من ذلك، فقد حكم قاض أمريكي في أغسطس 2002 بأن لا يتم إعادة بقايا رجل كينويك إلى رئيس قبائل ساموا، جوزيف سيوفيل، الذي ادعى حتى شعبه هم المالكون الشرعيون للجثمان. وبدلا من ذلك، تم تطبيق قرار حكومي سابق بأن تتم إعادة البقايا إلى خمسة من قبائل الهنود الحمر الباقية في الولايات المتحدة. قد يظهر الأمر للوهلة الأولى مجرد نزاع قضائي، لكن الواقع حتى وراءه جهدا فهميا مثيرا؛ فقد استخدم الباحثون برنامج CARNID مؤخرا للعثور على "أقرب جيران" رجل كينويك ، من وجهة النظر الجمجمية بالتأكيد! وبرغم حتى جماجم شعبي الموريوري والموكابوظهرت مجددا على رأس القائمة، فلا يدحض هذا بالضرورة مطالبة الهنود الحمر بالجثمان.

وفي دراسة أخرى، استخدم برنامج CRANID لتوضيح حتى جماجم أوائل أجداد الإنسان الحديث – أي منذ نحو30000 سنة- لا تظهر علامات تدل على مسقطها الجغرافي كما نراه في الجماجم اليوم، لكنها تتشارك بعض الملامح مع جماجم لأناس عاشوا في أفريقيا وفلسطين منذ 120000 سنة، وهوما يدعم وجهة نظر كون الاختلافات الجغرافية التي نراها في الجماجم اليوم قد ظهرت منذ فترة تاريخية قريبة للغاية، من الممكن عندما وصلت الشعوب إلى الأماكن التي نجدهم فيها اليوم. ويرى بعض الباحثين حتى ذلك يمثل دليلا إضافيا على صحة نظرية "أفريقيا أولا" ، والتي تفترض حتى الجنس البشري نشأ أولا في أفريقيا ، ومن هناك هاجرت مجموعات من البشر إلى بقية أنحاء العالم، بداية مما لا يزيد عن 100000 سنة. وتتمثل الحجة المضادة في حتى أسلافنا هجروا أفريقيا منذ ما يتراوح بين 1-2 مليون سنة ، ومن ثم استعمروا أوروبا وآسيا ، ثم تطورت لديهم- جميع بصورة منفصلة- تلك الاختلافات العرقية الجغرافية التي نراها اليوم.

وفي الجامعة الأسترالية الوطنية بالعاصمة كانبيرا، يستعد الباحثون لإطلاق مشروع يستخدم فهم قياس الجماجم لإلقاء الضوء على أصول البشر، من خلال توسيع قاعدة البيانات التي هجرها هويلز بإضافة قياسات جمجمية جديدة لأناس معاصرين ومن قبل التاريخ من جنوب آسيا ومالينيزيا. وسيساعد ذلك في حل الاختلاف حول أصول المجموعات المتنوعة لسكان أستراليا الأصليين ، ومدى الارتباط بينها ، بالإضافة إلى تمكين المتاحف من إعادة تصنيف بقايا السكان الأصليين بصورة سليمة حسب المجموعة والحقبة التاريخية التي تنتمي إليها.

ويحاول باحثومتحف لندن للتاريخ الطبيعي بدورهم ملء الفجوات الموجودة في قاعدة بيانات هويلز للجماجم، إذ يقومون بتجميع قياسات لجماجم سكان لندن في العصور الوسطى ، والشعوب الرومانية-البريطانية التي عاشت في القرن الرابع، والفسلطينيين من العصر الحديدي ، وأسلاف الشعوب التي تعيش الآن في شبه القارة الهندية. وبالإضافة إلى تقوية قاعدة البيانات، يأمل باحثوالمتحف في تحديد هوية المدفونين في مقبرة سانت ماري على أطراف مدينة لندن، والتي ترجع للعصور الوسطى.

وتشير الأبحاث التي أجريت في ثلاثينات القرن العشرين إلى حتى أوائل سكان لندن كانوا "غير بريطانيين بصورة مميزة" ، كما حتى التحليل المبدئي لعدد 101 جمجمة من بين الجثث المدفونة في مقبرة سانت ماري، والبالغ عددها 11000، تشير إلى حتى سكان لندن في العصور الوسطى كانوا أكثر شبها بسكان وسط أوروبا في تلك الحقبة ، عنهم بمعاصريهم الاسكندنافيين. ويخطط باحثوالمعهد أيضا لتجميع قياسات لجماجم من أناس العصر الحديدي قبل الروماني، والأنجلوساكسونيين، والبريطانيين الذين عاشوا في القرن السابع عشر، وذلك لاكتشاف مدى التشابه بين الأشخاص المدفونين في مقبرة سانت ماري وبين أسلافهم الرومانيين-البريطانيين. وفي الوقت نفسه، يحاول بعض الباحثين التقدم بفهم قياس الجماجم خطوة أخرى للأمام، من خلال استخدام برنامج CRANID بالترادف مع تقنيات التصوير الطبي الحديثة لاستكشاف أجسام الأحياء لا جراحيا. وقد يمثل ذلك أداة قيمة لدراسة البقايا البشرية المغلفة بأكفان أوتلك المحفوظة في الجليد، حيث قد يحدث من المهم عدم تمزيق الأغطية المحيطة بالجثة.

ولاكتشاف ما إذا كانت هذه الطريقة ستنجح، قام الباحثون بإدخال مومياء لكاهنة مصرية من الأسرة الثانية والعشرين، بكامل أكفانها، إلى جهاز التصوير المبتري بالكمبيوتر CT، ثم قاموا بعمل صورة ثلاثية الأبعاد لجمجمتها باستخدام الكمبيوتر. ومن ناحية أخرى، قاموا بأخذ 27 قياسا مختلفا لجمجمة المومياء، ومن ثم أدخلوا تلك البيانات في برنامج CRANID ، والذي يحتوي على تام البيانات الخاصة بنحو2802 جمجمة، وسرعان ما تعهد البرنامج على حتى الجمجمة تعود إلى أنثى من الأسر المصرية القديمة، مما عزز من ثقة الفهماء بنجاح هذه التقنية.

وبرغم القبول المتزايد الذي حظي به فهم قياس الجماجم على مدى السنوات القليلة الماضية، فلا يخلوهذا الفهم من المنتقدين. ومن بين هؤلاء، عالم الأنثروبولوجيا ألان ثورن من الجامعة الأسترالية الوطنية، والذي يتشكك على وجه الخصوص بإمكانية حتى يكشف هذا الفهم عن كثير من المعلومات بخصوص أصول وهوية شعوب ما قبل التاريخ ، وذلك ببساطة لعدم وجود عدد كاف من الجماجم القديمة لمقارنتها بالبقايا البشرية غير المحددة الهوية، كما يعتقد حتى البشر، وليس أجهزة الكمبيوتر ، هم أفضل من يرى الأنماط الفهمية، ويقول حتى جميع التقارير العظيمة حول التطور البشري قد صدرت عن أناس يفهمون التشريح، وليسوا فقط على فهم بكيفية التلاعب بالقياسات. لكن دراسة حديثة أجرتها طالبة دراسات عليا بجامعة لندن تثبت دقة هذه البرامج مثل CRANID، وتخطط الطالبة- واسمها جيني لامب- للعمل كمحققة جنائية ، وكجزء من أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه، قامت باختبار دقة الكثير من طرق التعهد على الجماجم، بما فيها إصدارتين مختلفتين من برنامج CRANID، ووجدت حتى أحدث إصدارة من البرنامج ، واسمها C4، كانت الأكثر دقة في التعهد على المناطق التي أتت منها الجماجم السبعة قيد الاختبار، حيث تعهدت على المنطقة التي أتت منها الجمجمة بدقة قدرها 78%، وهورقم قد يظهر ضئيلا، لكن إذا عهدنا حتى نسبة التعهد السليم للتعهد على هوية الجمجمة دون استخدام البرنامج لا تزيد عن 14.3%، لفهمنا حتى ذلك يمثل تطورا لا يستهان به.

وتؤمن لامب بأن نتائج أبحاثها تظهر حتى قياس الجماجم قد يساعد في التعهد على البقايا البشرية من خلال الإشارة إلى الأصل الجغرافي المحتمل للجمجمة. وعلى وجه الخصوص، فهويوفر خطوة أولية سريعة في مجال التحقيقات الجنائية، مما يمنح الخبراء خيوطا فورية يتبعونها أثناء قيامهم بجمع المزيد من الأدلة، فهي أسرع وأرخص من تقنيات تحليل الحمض النووي DNA، كما أنه طريقة أكثر فهمية ودقة من الحكم على الجماجم بمظهرها فقط. وهذه الكيفية تتسم بقوة خاصة عندما يحتاج الباحثون إلى اكتشاف أصول مجموعة من الجماجم – مثل المقابر الجماعية. إذا أخذ قياسات وسطية من مجموعة من الجماجم يزيد من فرص الحصول على نتائج دقيقة. ومن الواضح أنه لا زال هناك مجال للتطوير في هذا المجال، لكن مؤيدي فهم قياس الجماجم واثقون من حتى هذا الفهم لن يتطور سوى من خلال قياس المزيد من الجماجم وإضافتها إلى قاعدة البيانات الموجودة حاليا. لكن ما إذا كان هذا الفهم السيئ السمعة سابقا سيصبح فهما شائعا مرة أخرى غير معروف حتى الآن. ويعتقد بعض الباحثين حتى فهم قياس الجماجم في القرن الحادي والعشرين سيصبح "سهما حادا" في جعبة الفهم؛ ففوق جميع شيء، فقد يساعدنا هذا الفهم على الإجابة عن أسئلة تهمنا جميعا: من أين أتينا،يا ترى؟ من هم أقاربنا،يا ترى؟ وأين مسقطنا من ذلك الخليط الذي يمثل البشرية الحديثة؟

إطار رقم 1: فهم فراسة الدماغ:

تعرّف فِراسة الدماغphrenology))بأنها دراسة شكل الجمجمة بوصفه مظهَراً دالاً على الشخصيّة والملكات العقلية. وقد بني على اعتقادات خاطئة بأن الملكات العقلية توجد في "أعضاء" خاصة على سطح المخ، والتي يمكن اكتشافها بالفحص العياني للجمجمة .

وقد ادعى الطبيب النمساوي فرانز-يوسف گال Gall (1785-1820) وجود 26 "عضوا" على سطح المخ تؤثر على محيط الجمجمة ، والتي تضم "عضوالاغتيال" murder organ الذي يوجد في أمخاخ القتلة والسفاحين. كان جال من أتباع المدرسة الفكرية التي تقول بأن العضوالذي يستخدم ينمو، والعضوالذي لا يستخدم يضمر، وبالتالي كان يرى حتى الأعضاء المخية التي يستخدمها الشخص باستمرار تنمووتزداد حجما ، أما التي لا تستخدم فهي تتضاءل وتضمر، مما يؤدي لحدوث ارتفاعات وانخفاضات في الجمجمة بعمل نمووضمور الأعضاء.

وقد أطلق جال على دراسة هذه المرتفعات والمنخفضات الجمجمية اسم تنظير الجمجمة cranioscopy. وفي الوقت نفسه، أدى انتشار "فهم" فراسة الدماغ لتعزيز أفكار سليمة أيضا، وهي حتى المخ البشري هوموضع الصفات الشخصية، والمشاعر، والإدراك، والذكاء، إلخ. وأن أجزاء مختلفة من المخ هي المسؤولة عن الوظائف العقلية المتنوعة. وعلى أية حال، ففي زمن جال، لم يكن من الممكن دراسة أمخاخ الأحياء، لذلك فلم يكن بوسع الباحثين الذين درسوا أمخاخ الموتى سوى الربط بين البنى المتنوعة في المخ وبين الوظائف العقلية "المفترضة"، والتي – بدورها- يتم الربط بينها وبين شكل الجمجمة وتضاريسها المتنوعة. ولم يبذل أي جهد يذكر لدراسة أمخاخ أوسلوك الأفراد المعروف إصابتهم بمشكلات عصبية، الأمر الذي من الممكن كان قد ساعد عملية تحديد تلك الأجزاء من المخ المسؤولة عن الوظائف العصبية المحددة. وبدلا من ، تم تحديد أماكن الوظائف العقلية بطريقة اعتباطية.

أول طبعة (1981) من The Mismeasure of Man بقلم ستيفن جاي گولد.

أجرى جال دراساته الأولى على المجرمين والمجانين، ولذلك فقد عكست "أعضاؤه" المخية هذا الاهتمام! وقد ظلت فراسة الدماغ شائعة ، وخصوصا في الولايات المتحدة، طوال القرن التاسع عشر ، ونشأت عنها الكثير من "العلوم" الكاذبة الأخرى ، مثل فهم قياس الجماجم craniometry، والأنثروبومترية anthropometry، وهوفرع من الأنثروبولوجيا يبحث في قياس الجسم البشري.

ومن الصعب الآن تفسير انتشار فراسة الدماغ بهذه الصورة بين الفهماء، لأن الأدلة التجريبية على وجود علاقة مباشرة بين المخ وبين الخصائص العقلية كانت ضئيلة. وختاما، يجدر بالذكر حتى فراسة الدماغ أدت لاختراع ما يسمى بالرسم البيانيّ النفسيّ psychograph، وهورسمٌ بيانيّ يمثّل القوة النسبية لمختلف سجايا الشخصية وصفاتها. ويتم الحصول عليه من آلة اخترعها لافري وهوايت Lavry & White للقيام بعمل قراءات فراسة الدماغ وطباعة الرسم البياني الخاص بكل مفحوص، وينطق حتى مخترعيها جنوا منها أرباحا تقدر بنحو200,000 دولار خلال معرض "قرن من التقدم" الذي نظم في مدينة شيكاغوعام 1934!


انظر أيضاً

  • Anthropometry
  • Samuel George Morton
  • Craniofacial anthropometry
  • Races of craniofacial anthropology
  • Forensic anthropology
  • Cranial vault
  • Neuroscience and intelligence
  • Theodor Kocher, inventor of the craniometer

الهامش

  1. ^ Schültke, Elisabeth (2009). "Theodor Kocher's craniometer". Neurosurgery. الولايات المتحدة. 64 (5): 1001–4, discussion 1004-5. doi:10.1227/01.NEU.0000344003.72056.7F. PMID 19404160. Unknown parameter |month= ignored (help); Unknown parameter |quotes= ignored (help); Check date values in: |year= (help)
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:41:57
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, CS1 errors: dates, تاريخ علم الأعصاب, جدل العرق والذكاء, Physical anthropology, Anthropometry, عنصرية علمية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

تعادل فيوتشر واتحاد العاصمة الجزائري في الشوط الأول

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-20 18:21:45
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 70%

نتنياهو: لا وقف لإطلاق النار فى غزة قبل القضاء على حماس

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-20 18:22:53
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 48%

قراءة في سلسة الأذكياء للأطفال.. ببيت ثقافة شبرا شهاب

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-20 18:21:51
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 70%

الحوثيون: سنضرب البوارج الأمريكية إذا استهدفت واشنطن اليمن

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-20 18:22:32
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 44%

التعادل السلبى يحسم الشوط الأول بين مودرن فيوتشر واتحاد العاصمة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-20 18:22:38
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 35%

تشكيل فيوتشر واتحاد العاصمة في الكونفيدرالية

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-20 18:21:49
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 53%

مقترح برلماني للحكومة بضم أصحاب العين الواحدة إلى ذوى الهمم

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-20 18:21:33
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 60%

رئيس الوزراء : المباحثات مع صندوق النقد مستمرة ولم تتوقف

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-12-20 18:21:19
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 54%

رئيس الوزراء: المباحثات مع صندوق النقد مستمرة ولم تتوقف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-20 18:22:57
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 41%

مياه المنوفية تنظم قافله مائية بقرية بشتامى بالشهداء

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-20 18:21:57
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 60%

في الشوط الأول.. الزمالك وسجرادا الانجولى يتعادلان سلبيًا

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-12-20 18:21:46
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 69%

تحميل تطبيق المنصة العربية