رحلة إلى الصين (كتاب)
المؤلف | رافع الناصري |
---|---|
البلد | لبنان |
اللغة | العربية |
الصنف | أدب الرحلات |
تاريخ النشر |
2012 |
نوع الوسائط | مطبوع |
الصفحات | صفحة |
رحلة إلى الصين، هوكتاب للمؤلف والرسام العراقي رافع الناصري، نشرته الدار العربية للدراسات والنشر، في 2012.
فكرة الرواية
في كتابه رحلة إلى الصين لا يتذكر الرسام العراقي رافع الناصري ماركوبولو. فرافع الشاب لم يمضى الى الصين عام 1959 بحثاً عن المغامرة، بل رغبة في التفهم. غير حتى جملة من نوع: «ولوفي الصين» كانت كافية لكي تشيع الرعب في قلوب عراقيي منتصف القرن العشرين، فيكون الذهاب الى الصين حينها نوعاً من ركوب الخطر. كانت الصين بعيدة ولم تعد طرق الحرير سالكة. قبل رافع لم يمضى فنان عراقي الى الصين. بعده لم يعملها أحد كما أظن. كانت رحلته إذاً فريدة من نوعها في تاريخ الثقافة العراقية المعاصرة. وكان رافع حريصاً على حتى لا يقول شيئاً عن تلك الرحلة طوال نصف قرن من الزمن، هي العمر الذي قضاه رساماً محترفاً. لديه ما يعمله فكان يكتفي بالابتسام حدثا سألتُه عن يومياته الصينية. ما الذي عمله هناك،يا ترى؟ كان يرسم. كان يتفهم تقنيات الرسم الصيني.
لكنّ تلك التقنيات هي في حقيقتها تتجاوز المادي إلى الروحي. فأصابع الصينيين تمتزج بخيال رائحة الحبر بالقدر الذي تمتزج فيه بصبغته. عالم تمتزج فيه الابخرة بالأصوات. الأشكال بأشباحها. وما من زمن بعينه. هناك يقع الخلود كما لوأنه وقع يومي. الرسم الصيني لا يُعنى بالوصف المباشر إلا بقدر ما تعنى الارواح بايقاعاتها الخفية. الرغبة في التهام العالم، في الاستيلاء عليه أولاً ومن ثم تحويله إلى مادة للسؤال، لا يمكن الاستغناء عنها. الصينيون يتفهمون حين الرسم أيضاً.
طقس روحي
عاد الناصري من الصين رساماً تأملياً. ستفصح التقنية في ما بعد عن بعض من عاداته الفكرية. كانت صلته بالمواد التي يستعملها (أحبار طباعية، الواح معدنية، أحماض، اكريلك، ورق، كانفاس) قد دفعته إلى النظر إلى السلوك الفني باعتباره ممارسة لعمل نفيس. من هنا اتى حرصه على نظافة المكان الذي يعمل فيه. حرصه على اناقة مظهره وهويعمل. كان الرسم باعتباره طقساً روحياً يجعله في منأى من الخضوع للانفعال الآني المباشر.
على رغم حتى الكثير من ضرباته تبدوكما لوأنها وليدة لحظتها. تأمل أعماله في سياقها التاريخي ينفي حتىقد يكون للصدفة أي دور في بناء العمل الفني. هناك دربة مؤطرة بتمرين قاس يزن تأثيره بميزان الحكمة. وبسبب عزوفه عن الوصف، لم يجد الناصري أي معنى في استعادة مواد التزويق التراثي. يكفيه انه تأمل تلك المواد، لمسها، وزنها، اختبر كثافتها ثم اعادها إلى مكانها. لم يضمها إلى خزانته الروحية باعتبارها لقى شخصية. نظر إليها باعتبارها وقائع بصرية تنتمي إلى زمن بعيد. غير ان المعنى وهوما استخرجه الرسام التجريدي من تلك اللقى امتزج بكل ضربة من ضرباته. قاده ذلك المعنى إلى حتى يشيد بغداده، مدينته الشخصية من الادعية لا من الآجر. وكان ذلك دأبه مع جميع الامكنة التي مر بها وسعى الى اكسابها نوعاً من الشفافية، هوالتجسيد الاسمى لفكرة مثالية عن مكان أزلي لا يزال يتشكل. إلى غير ذلك كان الصنيع الفني يستلهم حيوية الجوهر التي يعود إليها المكان حدثا ضاقت به ومن حوله صورته الخارجية. ألا تقيم الزهرة في موجزها: العطر؟
بالنسبة الى رافع فقد كان مفهوم الرسام الشرقي قد نضج لديه في وقت مبكر. غير حتى حكاية ذلك الرسام ظلت مقيمة تحت الجلد. وحين بدأ بكتابة يوميات رحلته الصينية قبل سنوات أدركتُ ان الفتى الذي هجره رافع نائماً طوال خمسين سنة قد استيقظ أخيراً. هل كانت رسوم الناصري هي مرآة لأحلام ذلك الفتى،يا ترى؟ مَن يُعين الآخر على التذكر،يا ترى؟ الرسام الذي يلتفت إلى الوراء مخترقاً آلاف اللوحات أم الشاب الذي لا يزال يتفهم ارتقاء الجبل بحثاً عن الروح النقية حاملاً عشبة لا يراها أحد سواه.
كنتُ هناك
كعادته، خط رافع بخفة، برشاقة، بحنوإنساني بليغ. «كنتُ هناك» لم يقلها بصوت عال، بل نطقتها خطواته التي درست المشي بطريقة مختلفة. في جميع واقعة من السرد الممتع هناك دلالة تشير إلى ما تفهمه الفتى هناك. ولأن الناصري يدرك انه يقدم درساً فريداً من نوعه، فقد حرص على حتى يقتبس من الماضي اللحظات التي جعلته يقوى على الخروج من ذاته ليكون الآخر الذي كان يحلم حتىقد يكونه. الآخر الذي يحمل اسمه. وكان ذلك درساً أخلاقياً كبيراً بقدر ما كان درساً فنياً ضرورياً. وكما يظهر لي فإن الناصري وهوالمفهم الذي تفهم على يديه عشرات الفنانين العراقيين فن الحفر الطباعي قد عثر في كتابة رحلته الصينية مناسبة للتأكيد على أهمية التربية الفنية. ولكن إذا كان الأمر كذلك فلمَ انتظر رافع الناصري جميع هذا الزمن من أجل حتى يخط درسه الصيني،يا ترى؟ لم أسمعه يتحدث الصينية، غير أني رأيته ذات مرة وهويخط اسمه بالصينية. من الممكن تأخر الناصري لكي ينسى ما تفهمه، بما يكفي لحض ذلك الفتى النائم على الاستيقاظ. تنتهي الحكمة حين تبدأ الحكاية.
في لقاءة تأثيرات الفن الغربي كان رافع الناصري فناناً شرقياً. لا على مستوى صناعة السطح، حسب بل وايضاً وهذا هوالأهم على مستوى ما ينطوي عليه العمل الفني من إشراق روحي. دائماً هناك أمل في مكان ما. هناك رغبة عميقة في القول بأن الحياة لا تزال ممكنة وجميلة. هناك رمزية عابثة لا علاقة لها بالرموز أوالاشارات تضع الامور كلها على ميزان عادل. لقد انجز الناصري فناً صفته الاساسية الانصاف. كان المطلق لديه يقيم في أصغر الأمور. فهمته الطبيعة حتىقد يكون وفيا لما يتلاشى. من الممكن لأنه اكتشف جذوره العربية في الصين، هناك حيث لم يهجر العرب وراءهم سوى احساس عميق بالسلام. كان الفتى ينام إذاً وعيناه غاصتان بالأحلام. هذا الكتاب وهوليس صناعة من أجل استعادة مشاهد بصرية فالتة، بل هومحاولة لتجسير الفجوة بين حياتين متمردتين، يشف عن لحظة خرافية ترتطم فيها نظرتان خلاقتان، لتنبعث من ذلك الارتطام رؤيا لكون يتأمل ذاته في مرآة، يمكنها حتى تعد بما تراه، أكثر من حتى تثق بالكنز البصري الذي صار جزءاً من مقنياتها.
يعدنا الناصري هنا بحياة ثانية. حياة نتأملها مثلما تتأملنا. نلتهمها وتلتهمنا. غير حتى ما يُمحى منا ومنها يبقى محاطاً بالبرق، باعتذار اليد التي تكتظ أعصابها بما محته. ولأننا لا ننتظر من الناصري اعترافاً، ذلك لأن رسومه كانت غاصة بالاعترافات، فإن حياته شاباً في الصين كانت مثالية في ميلها الى الفهم. وكان الإنسان هومحور تلك المحاولة. أذكر انه عاد بصورة أمه. تلك اللوحة التي نفذها بتقنية الحفر على الخشب كان يعلقها على أحد جدران بيته في بغداد. عاد الناصري الآن (في كتابه) صينياً، بعد حتى كان في الصين عراقياً. وما بين الأثنين عاش الرسام حياة نموذجية، امتزجت فيها سعادة المتمردين بشقاء الكهنة. كان فنه نبوءة عصر لا يزال في إمكانه حتىقد يكون متفائلاً. كان فن رافع الناصري مثل حياته الشخصية مثالياً في انحيازه إلى الحق، وكان الجمال دائماً إلى جانبه. بعد قراءة هذا الكتاب لا يحتاج المرء إلى سماع جملة من نوع «كنتُ هناك».بطريقة أوبأخرى نكون جميعاً هناك بالإسلوب الذي يجعل من الاشراق الروحي بداهة عيش.
المصادر
- ^ "عندما عاد رافع الناصري من رحلته الصينية ... رساماً تأملياً". جريدة الحياة. 2012-05-27. Retrieved 2012-06-05.